لو أن الرئيس جورج بوش تشوف بأي قدر من البصيرة والذكاء ما سوف يحدث له في فترة رئاسته الثانية.. أبداً ما كان خاض غمار انتخاباتها! أصابته بكارثة محققة.. وغرم لا غنم فيه.. وسقوط بلا أدني أمل في بارقة نجاح! فريق الحكم حوله جف في نفوسهم نبع التفاني والإخلاص.. هو يغرب وشمسهم تتطلع لشروق جديد مع مرشح رئاسي يدق باب المستقبل! هو يغرق في بحر أخطائه وتقصيره، وهم كالفئران يفرون من سفينة قبل أن تهوي إلي الأعماق! حزم حقائبه وملفات همومه وغادر البيت الأبيض إلي منتجعه في كامب ديفيد.. أحد مستشاريه يكشف أوجاع الرئيس: "لقد فقد أغلب ثقته في أربعة من أقرب معاونيه إلي قلبه وأذنيه: ديك تشيني نائبه، مستشاره ومدير مكتب نائبه لويس ليبي الذي فجر فضيحة تلاعب الإدارة بمعلومات المخابرات، لاصطناع ذريعة أسلحة الدمار الشامل تبريراً زائفاً للحرب الجائرة علي العراق..! وثالثهم كارل روف مستشاره ومدير حملته الانتخابية الناجحة التي أعادته إلي البيت الأبيض لفترة رئاسية ثانية، لدوره في الفضيحة التي لم تتكشف بعد كل جوانبها.. ورابعهم أندروكارد رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض، الذي أدار مواجهة الإدارة لإعصار كاترينا بطريقة مقصورة، أثارت الغضب الشعبي والمطالبة بالحساب.. فضلاً عن ترشيحه للسيدة هاريت مايرز عضواً بالمحكمة العليا، رغم عدم الكفاءة والخبرة القضائية!". ويضيف مستشار الرئيس: "رغم هذا الانهيار في العلاقات الرئاسية، يصر بوش بعناد علي عدم إحداث أي تغيير سياسي".. رأس من بازلت، ليته في الحق كذلك والعدل! هذا السقوط الجسيم لبوش وللإدارة الأمريكية، هل يسفر عن نقطة تحول في الشأن الرئاسي تصحح مساره؟ أو أنها نقطة توغل بلا رجعة في استراتيجية المحافظين الصهاينة الملعونة؟! يعجز مستشارو البيت الأبيض عن التنبؤ.. يجمعون فقط علي تواصل خسارة الإدارة في الشهور الباقية من العام.. قبل أن تنطلق حملة إحياء للرئاسة الأمريكية بأجندة جديدة، يعلنها بوش في خطاب "حالة الاتحاد"، يناير 2006.. إنما لكي يتم ذلك بأي قدر من النجاح، عليه أن يستدعي النظام والمنهج الذي ساد سنوات فترة رئاسته الأولي، مع إطلاق دم جديد في عروق الرئاسة.. عناصر شابة تؤدي دور "حرس القصر" palaceguard أكثر مما تؤدي دور معمل أفكار "idea factory".. ويقينا أن هذه التوليفة السياسية المقصورة المجمعة سوف تدفع انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، وبقية سنوات الرئاسة الثانية.. إلي منحدر سحيق!! عودة بيل كلينتون! لكي يجنبوا بوش مزيداً من الإحساس بتدهور الأحوال، أغرقه رجال الرئيس في جدول مشحون من العلاقات العامة "P.R": أجلسوه في قاعة رقص بأحد الفنادق يتبادل الأحاديث بمودة من الحاضرين خرج مصور مخضرم من الحفل يقول: "كأني رأيت عودة بيل كلينتون"! أقاموا حفلاً لزوجات جنرالات القوات المسلحة، بمناسبة العيد 28 لزواجه بالسيدة لورا.. فيها أبدي ملاحظة ساخرة: "لن نقبل في عيد زواجنا هدايا أقل من.. الجواهر ويعني: خفة دم!".. لكن الكارثة يقول خلصاء بوش كشفت عن شخصية قائد معزول، لا يختلط ولا يسمع كثيراً من عدد كاف من البشر.. لذلك فقعوه في الأنس وإشباع الوحشة والصداقة الحميمة! علي أن كل هذه المحاولات للاستشفاء من الهزيمة لم تنجح في احتواء غضب أنصار بوش في صفوف المحافظين.. ولا هدأت من أحاسيس الشماتة بين الديموقراطيين الذين يتربصون به مثل كلاب صيد تتشمم رائحة الفريسة! وفي يقين بوش أنه لو أعطي كل الأطراف أمارة عميقة بالاحترام والاعتراف بأقدارهم وسلطاتهم المشروعة، فإنهم سوف يصطفون وراءه في معاركه الثقيلة المقبلة! أخطأ كارل روف مستشار بوش الأثير في ترشيحه للسيدة هاريت مايرز عضواً بالمحكمة العليا وصفوا ترشيحه هذا بأنه إخفاق ملحمي "epic fiasco".. وأضافوا إليها دوره في التلاعب بمعلولمات المخابرات واصطناع ذريعة للحرب ضد العراق. في أقواله أمام هيئة المحلفين العليا استطاع روف أن يذيح عن كاهله بعض الجوانب القانونية للاتهام.. لكن أصدقاؤه يؤكدون أنه مادام يواجه مشكلة قانونية، فهو في مشكلة مع بوش! بينما يقول صديق للرئيس: "الفضيحة دمرت العلاقات تماماً بين الاثنين!". ومسئولية ديك تشيني نائب الرئيس تتركز في احتفاظه بمدير مكتبه لويس ليبي المسئول عن فضيحة المخابرات، رغم النصائح التي انهالت عليه قبل 5 أشهر من إعلان الفضيحة بأن يتخلص منه، ولو برفسة إلي أعلي "okick high"! لكن مستشارا للرئيس يصف العلاقة بين الاثنين بأنها مجرد توتر "Strain" لا يصل لحد القطيعة "rupture"! استقال ليبي.. لكن استقالته لا تعني أي تغيير في خطة الإدارة نحو الحرب في العراق.. ليبي كان نصيراً مؤيداً لتلك الحرب، لكنه لم يشارك في التخطيط لها! لكن الاتهامات الموجهة إليه تثير بشدة صميم قضية غزو العراق، وتجمده في توقيت يتصاعد فيه التبرم الشعبي ضد تلك الحرب، والخلافات التي تلوح بين حلفاء أمريكا حولها!