"عندما لا يكون لدينا خبز "نعاقب" الحكومة علي تقصيرها من خلال صندوق الانتخابات.. ومن يأت بعدها سيلتزم بتقديم الخبز، وربما الجاتوه". هذا المثل الشعبي استمعت إليه من أحد المراقبين البرازيليين في تعليقه علي تجربة بلاده في تداول السلطة والديمقراطية، حيث تشهد الحياة السياسية بالبرازيل منافسة عشرات الأحزاب، منها نحو أربعة أحزاب تدخل المعارك النهائية في الانتخابات الرئاسية.. وقد أفرزت اَخر انتخابات بالبلاد في عام 2001 فوز الرئيس لولا داسيلفيا عن حزب P.T وتميز بتقديمه برنامجا مبتكرا لمعالجة الفقر وسد الفجوة الواسعة بين الطبقات، فيما يعرف ببرنامج لولا "الفقر صفر". ويحظي بشعبية ومساندة واسعتين بين الطبقات الفقيرة والمتوسطة، بفضل مشروع "المنحة الأسرية" الذي يمتد تنفيذه إلي العام القادم، ويقوم علي تقديم منحة لكل أسرة برازيلية بشرط واحد أن يكون أولاده في المدارس، وأنشئت لهذا الغرض صناديق تمويل تمت تعبئة وطنية واسعة للمساهمة فيها. وحسب تقرير حديث للبنك الدولي سيصل عدد المستفيدين من هذا البرنامج مع نهاية 2006 إلي "11 مليون أسرة" وهو ما رفع معدلات التنمية لتصل في غضون سنوات قليلة إلي 6%، بعد أن كانت أقل من 3% في نهاية التسعينيات. وساهمت هذه المشاريع في القضاء علي التسرب المبكر من التعليم، والحد من ظاهرة أطفال الشوارع.. لترتفع بذلك شعبية الرئيس لولا الذي تزداد فرصته للفوز بفترة رئاسة ثانية. والحقيقة أن الرئيس البرازيلي لولا داسيلفيا ليس تجربة فريدة في بلدان أمريكا الجنوبية بسياساته الاجتماعية والاقتصادية التي تنحاز للطبقات المتوسطة والفقيرة، ولعل خلفيته الاجتماعية باعتباره ينحدر من عامة الشعب وكان عاملا عصاميا، تعلم داخل حزبه وفي مرحلة متأخرة، ليتشابه في ذلك مع رؤساء غالبية دول أمريكا الجنوبية: الأرجنتين وأوروجواي وباراجواي وبيرو وبوليفيا وأكوادور وفنزويلا ليشكلوا جميعا ظاهرة فريدة في التحام الحاكم بتطلعات وأحلام العامة من شعوبهم، ولعل كولومبيا هي الاستثناء في هذه الظاهرة حيث ينحدر رئيسها من أسرة ارستقراطية. وهذه الخلفية الاجتماعية ساعدت غالبية رؤساء أمريكا الجنوبية الحاليين في تبني سياسات تعزز مصالح هذه الشعوب، ويشير المراقبون إلي الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي ظهرت ثمارها علي هذه الدول وحسنت من مؤشراتها ودفعت معدلات التنمية بنسق سريع، ضف إلي ذلك المواقف الجماعية تجاه القضايا الخارجية التي لمسناها خلال قمة برازيليا وانعكست في خطابات رؤساء أمريكا الجنوبية الذين انتقدوا الحيف والظلم الذي يقع علي شعوب الدول النامية نتيجة تطبيق العولمة، بالمنظور الأمريكي الذي يحمي مصالح الدول الغنية فقط، وطالبوا بقواعد أفضل وأكثر انصافا للتبادل التجاري وتبني مواقف أكثر حزما داخل منظمة التجارة العالمية تجاه قضايا دعم المنتجات الزراعية الذي تخصص له أمريكا والاتحاد الأوروبي جزءا كبيرا من موازناتها ومن هنا دعوا إلي العمل علي إنجاح المفاوضات الرامية إلي تنفيذ جدول أعمال الدوحة للتنمية، وشددوا علي الحاجة إلي التخفيف من التشوهات الراهنة في النظام التجاري، الأمر الذي يحول دون استفادة الدول النامية من المزايا النسبية التي تتمتع بها. كذلك انتقد رؤساء دول أمريكا الجنوبية النظام الذي تعمل به الأممالمتحدة وطالبوا بإصلاح شامل وواسع النطاق وبوجه خاص فيما يتعلق بالجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الاقتصادي والاجتماعي لجعل هذه الأجهزة أكثر كفاءة وديمقراطية وشفافية وأكثر تمثيلا ليخدم أهدافها ووظائفها معبرين عن رفضهم لظاهرة الكيل بمكيالين داخل هذه المنظمة. وحديث العدالة علي لسان هؤلاء القادة يكتسب قوته من الشرعية القانونية التي يستندون إليها حيث إنهم جميعا نتاج حركة الديمقراطية في بلدانهم، وقد جاءوا جميعا بعد منافسات طاحنة في الانتخابات، وقالت شعوبهم كلمتها في اختيارهم، وقال صندوق الانتخاب كلمته لصالحهم، لذلك فهم ينفذون البرامج التي وعدوا بها شعوبهم خلال حملاتهم الانتخابية، ويتضاءل الخوف، ولا ترتعش أيديهم وهم يبلورون مواقف ندية صريحة من القوة العظمي، ويتكتلون مع كل التجمعات الاقليمية والاقتصادية في سبيل إعطاء مواقفهم قوة إضافية.. فقد أقاموا اتفاقيات مع جميع هذه التجمعات مثل الكوميسا، وتجمع الساحل والصحراء والهند والصين وتجمع الكاريبي والكوميسور ومجلس التعاون الخليجي الذي تم توقيعه بالأحرف الأولي علي هامش هذه القمة والدول العربية ويخططون لعقد قمة قادمة مع دول القارة الأفريقية ولا يتوانون عن إقامة أية اتفاقيات يمكن أن تعزز مصالحهم وتزيد من فرص شعوبهم في تحقيق تنمية أفضل.