الحوار المطلوب شهد الاجتماع الأول لحوار «الوفاق القومي» برئاسة د. يحيي الجمل نائب رئيس مجلس الوزراء والذي عقد يوم السبت قبل الماضي (21 مايو 2011) في قاعة المؤتمرات خلافات واضحة وانتقادات حادة، سواء لتشكيله أو تحديد مهامه، وجاء الاعتراض أساسا من ثلاثة من الشخصيات الديمقراطية التي تحظي باحترام واضح في مصر، وهم د. إبراهيم درويش ود. محمد نور فرحات ود. فؤاد رياض. وتعرض اجتماع مؤتمر «الحوار الوطني» برئاسة د. عبدالعزيز حجازي والذي بدأ جلساته في اليوم التالي (الأحد 22 مايو 2011) بقاعة المؤتمرات أيضا لخلافات حادة وانسحاب لمجموعات من شباب الثورة وعدد من المشاركين، وأنهي أعماله يوم الثلاثاء قبل الماضي (24 مايو) باشتباكات وبدون توصيات. والتفسير السهل لفشل هذه الحوارات التي كان من المفترض أن تناقش قضايا جوهرية تتعلق بمستقبل الوطن بعد ثورة 25 يناير بما في ذلك المرحلة الانتقالية وصياغة دستور جديد وقضايا الديمقراطية والأمن والاقتصاد والتنمية، ويشارك فيها ممثلون لقوي الثورة الثلاث.. هو افتقاد المصريين إلي ثقافة الحوار. وربما يكون لهذا التفسير نصيب من الصحة لكنه ليس السبب الوحيد ولا الأساسي في أزمة هذه الحوارات، فعديد من المشاركين في مؤتمري الوفاق القومي والحوار الوطني يشاركون في مصر وخارج مصر في مؤتمرات ومنتديات أخري للحوار لم تشهد مثل هذه الخلافات والاشتباكات والانسحابات. وتعود أزمة الحوارات التي دعت لها السلطة إلي مجموعة من الأسباب. أولها من وجهة نظري موقف من حوارات السلطة تكون خلال العقود الثلاثة الماضية، فقد انتهت كل الحوارات التي شاركت فيها الأحزاب والشخصيات العامة خلال 30 عاما، بدءا بالمؤتمر الاقتصادي عام 1982، ومرورا بالحوار حول قضية الدعم عام 1986 والحوار الذي دعا إليه يوسف والي الأمين العام للحزب الوطني الحاكم عام 1988 «حول القضايا الرئيسية التي تهم الشعب المصري» والحوار حول تعديل قانون العلاقة بين المالك والمستأجر في الأرض عام 1992، وصولا إلي مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس الجمهورية في 25 يونية 1994 وشارك فيه 279 عضوا اختارهم الحكم ومن بينهم 237 عضوا بالحزب الوطني، ثم الحوار الأخير الذي جاء بناء علي دعوة رئيس الجمهورية في 31 يناير 2005.. انتهت هذه الحوارات جميعا بالفشل، والسبب أن الحكم كان يريد من هذه المؤتمرات أو الحوارات إما الادعاء بوجود حوار في المجتمع تشارك فيه أحزاب وقوي المعارضة مع الحكم في اتخاذ القرارات، أو إصدار توصيات معدة سلفا من جانب الحزب الوطني تؤيد سياساته ويتم إعلانها علي أساس أن كل الأحزاب والمشاركين في الحوار قد وافقوا عليها، ولذلك رفضت أحزاب المعارضة الرئيسية في هذه الفترة كل النتائج التي أعلنت باسم هذه المؤتمرات وانسحبت من الحوار بمجرد فضح طبيعته أمام الرأي العام. صحيح أن السلطة القائمة الآن ليست سلطة مبارك أو سلطة الحزب الوطني، ولكن الإحساس العام أن سلطة المجلس الأعلي للقوات المسلحة والحكومة الحالية برئاسة د. عصام شرف ونائبه د. يحيي الجمل، مقصورة علي اتخاذ القرارات المصيرية وإصدار القوانين الأساسية بصورة منفردة ودون التفات لآراء قوي ثورة 25 يناير الأخري، سواء ائتلافات الشباب الذين فجروا الثورة أو الأحزاب والقوي السياسية والمجتمعية التي حولت بانضمامها إلي الشباب ثورتهم إلي ثورة شعبية كاملة وتدل تصرفاتها علي انحيازهم لتيار سياسي معين هو تيار الإسلام السياسي وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين التي تتصرف وكأنها شريك للمجلس العسكري في الحكم! السبب الثاني هو إشراك عدد من قيادات وكوادر الحزب الوطني في مؤتمر الحوار الوطني وبعضهم من الوجوه المتهمة بالمشاركة بالتحريض علي الجرائم التي ارتكبت ضد المتظاهرين والمعتصمين في ميدان التحرير خلال ثورة 25 يناير، وآخرين هاجموا الثورة في الصحافة وأجهزة الإعلام وانحازوا في الأيام الصعبة من 25 يناير وحتي 11 فبراير إلي نظام مبارك وسلطته. السبب الثالث أن القائمين علي الحوار - د. يحيي الجمل ود. عبدالعزيز حجازي - كانوا من وجهة نظر البعض جزءا من النظام السابق، فحجازي كان رئيسا للوزراء في عهد السادات والجمل كان وزيرا لشئون مجلس الوزراء، وهذه الحكومة هي المسئولة عن بدء سياسة الانفتاح الاقتصادي والتحول إلي اقتصاد السوق الرأسمالي بلا ضوابط أو «الانفتاح السداح مداح» كما قال الكاتب الراحل «أحمد بهاء الدين». السبب الرابع هو عدم وجود آلية لتنفيذ ما قد يتفق عليه المتحاورون. والسبب الخامس هو انفراد أصحاب الدعوة بتحديد جدول الأعمال في كلا المؤتمرين. وإذا كانت هناك نية حقيقية لحوار جاد ينتهي بنتائج وتوصيات متفق عليها وتجد طريقها للتنفيذ، فالبداية أن يدعو المجلس العسكري الحاكم الأحزاب والقوي السياسية وائتلافات الشباب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية للاجتماع لوضع جدول أعمال المؤتمر وتحديد المعايير التي يتم علي أساسها اختيار الجهات المشاركة التي تحدد هي ممثليها، والآلية التي تضمن تنفيذ التوصيات، علي أن يتعهد المجلس الأعلي للقوات المسلحة بعدم إصدار أي قرارات أو قوانين تتعلق بالموضوعات المطروحة في الحوار قبل انتهاء الحوار وصدور التوصيات، ودون ذلك فالحوار لا يعدو كونه «مكلمة» ومحاولة لإشغال الناس بما لا يفيد.