رغم أن حكومة د.شرف مر على توليها المسئولية أكثر من ثلاثة أشهر.. ورغم التعديلات التى أدخلت عليها لضمان تسيير الأعمال فى هذه الحكومة.. فإن الظواهر والمؤشرات فى الفترة الأخيرة تؤكد أن الأداء الحكومى ليس هو الأداء المطلوب والمتوقع من حكومة رجل جاء من قلب ميدان التحرير.. ووضعه الثوار على كرسى الوزارة. الحكومة للأسف.. لم تتعامل مع الأزمات التى حلت على البلاد خلال المائة يوم السابقة بيقظة وحنكة وقوة.. وهى أشبه بما يسمى بحكومة الأيدى الناعمة.. رغم أن هذه الأزمات خطيرة إلى حد ما.. بدءا من أحداث قنا.. وأطفيح وإمبابة واعتصامات ماسبيرو.. مرورا باحتجاجات وتظاهرات واعتصامات دينية وفئوية.. ونهاية بالوضع الاقتصادى المزرى والخطير والمتدهور الموجود الآن نتيجة تراجع السياحة.. وتصفير معدلات الاستثمار وتراجع الاحتياطى الاستراتيجى للبنك المركزى بصورة مخيفة.. إلى خراب المصانع وإغلاقها وهو ما حدث فى معظم مصانع الغزل والنسيج تقريبا.. وهو ما حذر منه المؤتمر الأخير الذى دعى إليه اللواء محمود نصر مساعد وزير الدفاع للشئون المالية والإدارية.. وأكد فيه خطورة الوضع الاقتصادى لو استمرت الأحوال على هذا المنوال. د . عصام شرف الحكومة حتى الآن فشلت فى التعامل مع هذه الأزمات والملفات.. أولها الملف الأمنى والدليل حالة الانفلات الأمنى الرهيب الذى مازال موجودا فى الشارع المصرى رغم القوانين المشددة والأحكام العسكرية الرادعة وأيضا الملف الطائفى والدينى الذى كان ينبئ بكارثة.. وآخرها ما حدث فى عين شمس بعد أن حاصرت مجموعات من السلفيين الكنيسة ومنع افتتاحها.. والخطورة هنا ليست سلامة موقف أى طرف من الطرفين.. ولكن خطورة من الذى يحكم ويصدر القرار.. الجماعات السلفية والمتشددون.. أم الحكومة والقانون الذى يخضع له المواطنون.. وما هى هذه الجرأة فى التجرؤ على الحكومة.. وقراراتها. الملف الثالث الذى له أولوية هو الملف الاقتصادى والمتأثر بشدة بالملفين السابقين.. لكن الأزمة الأخيرة والمستمرة هى أزمة السولار والبوتاجاز والتى عجزت الحكومة عن حلها رغم مرور 20 يوما على وجودها.. أزمة السولار والبوتاجاز أدت إلى شلل الحياة اليومية لرجل الشارع والبيت المصرى.. فتوقفت حركة نقل البضائع والسلع من ناحية.. وارتفعت أسعارها وخلفت سوقا سوداء من ناحية أخرى.. ناهيك عن أزمة البوتاجاز الطاحنة رغم أننا فى فصل الصيف.. وليس معقولا أن يصل سعر أنبوبة البوتاجاز إلى 60 جنيها.. الأزمة الأخيرة جعلت هتاف رجل الشارع يتغير إلى «الشعب يريد الجاز والبوتاجاز». ناهيك عن ملفات وأزمات أخرى منها الصحة.. وتصريحات لوزراء ليسوا على مستوى الوزارة وآخرها تصريحات وزير العدل المستمرة والتى كذبها دوما المجلس الأعلى للقوات المسلحة. الحكومة للأسف ليست مشغولة بهذا.. وذاك.. ولكنها مشغولة بالوفاق القومى الذى تم الإعداد له وإسناد رئاسته إلى د.يحيى الجمل «علشان ما يزعلش» بعد أن أقصى عن رئاسة مؤتمر الحوار الوطنى.. والحكومة مشغولة أيضا بالحوار الوطنى برئاسة د.عبدالعزيز حجازى الذى شهدت أولى جلساته مهزلة حولته من الحوار الوطنى إلى الشقاق الوطنى بعد تراشقات وانسحابات وانقسامات من بعض القوى السياسية احتجاجا على دعوة رموز الحزب الوطنى للمؤتمر. والمؤتمران حضرهما أيضا د.عصام شرف ودشن الافتتاح لهما وإعلانه أن الحكومة لا تتدخل فى أعمال هذا ولا ذاك.. مع أن رجل الشارع العادى والناس العادية المشغولة بلقمة العيش مش فاهمة حاجة.. إيه الفرق ما بين الوفاق القومى.. والحوار الوطنى.. واللي فاهم يقولنا الفرق بينهما. الحقيقة أن الشارع المصرى لا يفهم ما جدوى مؤتمر الوفاق الوطنى - الذى شارك فيه العديد من القوى السياسية وبعض مرشحى الرئاسة وقاطعه الإخوان وشباب ائتلاف الثورة - ما جدوى أن يعنى هذا المؤتمر بمناقشة الدستور الجديد.. وأن يساعد الجمعية التأسيسية فى وضع هذا الدستور كما أعلن رئيس المؤتمر د. يحيى الجمل، مع أن الجمعية التأسيسية لم تنتخب بعد، ولم تشكل، ولا نعرف من هم أعضاؤها.. وما هى توجهاتهم. ولذا من الطبيعى أن تخرج المناقشات والتوصيات عن المؤتمر لتكون مجرد اقتراحات.. وكلام فى الهواء خاصة بعد أن أجمع المشاركون فى المؤتمر على ضرورة تأجيل الانتخابات البرلمانية رغم التأكيد المستمر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة على إجراء الانتخابات فى موعدها.. وتسليم السلطة وانتخاب رئيس الجمهورية. بالطبع ما حدث يفسر لماذا انسحب الإخوان المسلمون من هذا المؤتمر.. لأنهم بالطبع يشعرون أنه ستكون لهم الغلبة فى الانتخابات البرلمانية المقبلة.. وأنهم سيفرضون ما يريدون فى الدستور الجديد رغم كل التحذيرات التى نطلقها من تعرض مدنية الدولة للخطر. وما ذكرناه عن الوفاق القومى ينطبق أيضا على الحوار الوطنى الذى تحول فى أولى جلساته إلى مؤتمر الشقاق الوطنى بعد أن شهد انسحابات واحتجاجات من القوى المشاركة على دعوة بعض رموز الحزب الوطنى المنحل للمؤتمر.. وهو ما أثر على ورقة عمل المؤتمر ومحاوره التى تعنى برؤية طويلة الأجل للديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية البشرية.. والتنمية المالية والاقتصادية والثقافية.. وهى البنود التى أعلنها د. عبدالعزيز حجازى رئيس المؤتمر. هذا بالضبط ما يشغل حكومة شرف.. ونحن لا نقلل من شأن الوفاق القومى.. والحوار الوطنى.. ولكن أين هذا مما يحدث الآن على أرض الواقع ويشغلنا جميعا.. ويجب أن يكون الشغل الشاغل للحكومة فى هذه المرحلة التى يشوبها الغموض وضبابية الصورة.. وعدم وضوح الرؤية.. وعدم الإجابة عن السؤال المهم: مصر رايحة على فين؟! أقول هذا رغم كل دعاوى التفاؤل.. والطمأنة.. وأن ما يحدث عادى جدا ويحدث فى كل الثورات.. لكن إلى متى؟.. متى سيشعر الناس بالاطمئنان والأمان والاستقرار الذى نخشى أن يكون قد تأخر.. أو سيتأخر كثيرا؟ ببساطة شديدة.. إن حكومة شرف عليها أن تراجع نفسها بنفسها.. وأن تغير نفسها بأيديها.. خاصة الوزارات والوزراء الذين فشلوا فى التعامل مع الأزمات والملفات الساخنة وهم واضحون وضوح الشمس. إما أن يلحق شرف نفسه.. وإما أن تكون الحكومة عايزة حكومة.