فجرت انتفاضة الشباب التي انطلقت يوم 25 يناير مرورا بجمعة الغضب وصولا إلي «جمعة الرحيل» والإعلان عن «أسبوع الصمود»، عديدا من الاحتمالات حول أسلوب وشكل التغيير الحتمي القادم ومدي تناقضه أو اتفاقه مع الدستور المصري القائم، ووقع البعض في طرح مطالب متناقضة لا تفرق بين ما يمكن تحقيقه في ظل الثورة أو الانقلاب أو في إطار الدستور القائم، وهناك - من وجهة نظري - أكثر من سيناريو للتغيير. الانقلاب السيناريو الأول.. هو سيناريو الانقلاب العسكري، وهو سيناريو تقليدي يقوم علي استيلاء قيادة القوات المسلحة الحالية - أو مجموعة من الضباط تزيح القيادة الحالية - علي السلطة وإسقاط النظام القائم بما في ذلك إزاحة رئيس الجمهورية ووقف العمل بالدستور وحل المؤسسات التشريعية - مجلس الشعب ومجلس الشوري - وإقالة الحكومة، وتشكيل مجلس لقيادة الثورة «عسكري تماما أو بمشاركة مدنيين تختارهم قيادة القوات المسلحة» يتولي كل السلطات لفترة انتقالية، تطول أو تقصر حسب الأحوال، ويبدو هذا السيناريو مستبعدا حتي الآن - وإن ظل خطره قائما - حيث إن القوات المسلحة مازالت تدين بالولاء لرئيس الجمهورية «حسني مبارك» وتعتبره القائد الأعلي لها الذي خرج من صفوفها ويمثل مصالحها مثله في ذلك مثل كل رؤساء مصر منذ ثورة 23 يوليو 1952، كما أن نائب رئيس الجمهورية الجديد «اللواء عمر سليمان» ورئيس مجلس الوزراء الجديد «الفريق أحمد شفيق» من أبناء المؤسسة العسكرية، وبالتالي فهي ترفض استقالة الرئيس حسني مبارك، خاصة بعد إعلانه أنه لن يرشح نفسه لفترة جديدة بعد انتهاء فترته الخامسة في أكتوبر القادم. الثورة السيناريو الثاني.. هو سيناريو الثورة، ويتحقق إذا ما انضمت قوي اجتماعية وطبقية وسياسية أخري للشباب المنتفض في ميدان التحرير وفي كل المدن المصرية من أسوان إلي الإسكندرية، كأن يعلن العمال والموظفون الإضراب عن العمل والانضمام إلي المظاهرات والاعتصامات، وتقوم انتفاضات فلاحية، وتنحاز قيادات الأحزاب السياسية «الديمقراطية» إلي كوادرها الوسطي وشبابها المشارك في الانتفاضة منذ اليوم الأول، وتنضم النقابات المهنية إلي هذا الانفجار الثوري، ويلجأ الثوار إلي توليد قيادة محددة من كل هذه القوي يعترف بها الجميع - قيادة جماعية وليس فردا - وتنطق باسم الثورة، وتقرر هذه القيادة التحرك مع الجماهير لإسقاط السلطة القائمة، وينحاز الجيش في اللحظة الحاسمة إلي هذه القيادة، التي تصبح هي السلطة في مرحلة انتقالية محددة، يتم خلالها صياغة دستور ديمقراطي جديد وإجراء انتخابات حرة ونزيهة لمجلس تشريعي ورئيس للجمهورية، ويتم تسليم السلطة في نهاية الفترة الانتقالية (6 أشهر مثلا) للحزب أو التحالف الحزبي الحاصل علي الأغلبية في الانتخابات. وحتي الآن فلا توجد إشارات مؤكدة لمثل هذا السيناريو. استقالة الرئيس السيناريو الثالث.. يقوم علي استجابة رئيس الجمهورية لمطالب انتفاضة الشباب وأحزاب الائتلاف الوطني وغيرهم من الجماعات التي تكونت في الأيام الماضية مثل العشرة الذين أطلقوا علي أنفسهم «لجنة الحكماء»، وضغوط الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، ويقدم استقالته فورا. وفي هذه الحالة يتم الاحتكام إلي الدستور القائم. ولا توجد أي مادة في الدستور تتيح لرئيس الجمهورية تفويض نائب رئيس الجمهورية أو أي مسئول تنفيذي أو تشريعي في اختصاصاته، فالمادة 139 من الدستور والتي أشار إليها البعض لا تجيز هذا التفويض.. تقول المادة «لرئيس الجمهورية أن يعين نائبا له أو أكثر، ويحدد اختصاصاتهم ويعفيهم من مناصبهم، وتسري القواعد المنظمة لمساءلة رئيس الجمهورية علي نواب رئيس الجمهورية». وتنص المادة 84 من الدستور والخاصة بخلو منصب رئيس الجمهورية بالاستقالة أو العجز الدائم علي ما يلي.. «في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولي الرئاسة مؤقتا رئيس مجلس الشعب، وإذا كان المجلس منحلا حل محله رئيس المحكمة الدستورية العليا، وذلك بشرط ألا يرشح أيهما للرئاسة، مع التقيد بالحظر المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 82»، وهي الفقرة التي تقول «ولا يجوز لمن ينوب عن رئيس الجمهورية طلب تعديل الدستور أو حل مجلس الشعب أو مجلس الشوري أو إقالة الوزارة». وتطبيق ذلك يعني أن يتولي د. فتحي سرور رئاسة الجمهورية ويدعو لانتخاب رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئيس، وتتم الانتخابات طبقا للدستور القائم (المادة 76) التي تفرض قيودا مانعة علي الترشيح لرئاسة الجمهورية وتضمن فوز مرشح الحزب الحاكم، وطبقا لقانون مباشرة الحقوق السياسية الذي يقنن التزوير وقانون تنظيم انتخابات الرئاسة رقم 174 لسنة 2005، وكلها تمت صياغتها لصالح المجموعة المغتصبة للحكم، أي للسلطة والثروة، أي الالتفاف علي ثورة الشباب. نائب الرئيس السيناريو الرابع.. إذ ما قرر رئيس الجمهورية أمام ضغط انتفاضة الشباب والقوي السياسية أن يتخلي مؤقتا بحجة المرض أو السفر للخارج للعلاج أو بأي حجة عن مباشرة اختصاصاته، فطبقا للمادة (82) من الدستور ينيب عنه نائب رئيس الجمهورية وتنص هذه المادة علي ما يلي.. «إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختاصاته أناب عنه نائب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء عند عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية أو تعذر نيابته عنه، ولا يجوز لمن ينوب عن رئيس الجمهورية طلب تعديل الدستور أو حل مجلس الشعب أو مجلس الشوري أو إقالة الوزارة»، وبمقتضي هذه المادة ففي هذه الحالة سيتولي اللواء «عمر سليمان» مباشرة اختصاصات رئيس الجمهورية - لفترة يحددها الرئيس مبارك - دون أن يكون له الحق في طلب تعديل الدستور أو حل مجلس الشعب أو مجلس الشوري أو إقالة الوزارة!!، أي اتخاذ الإجراءات الأساسية التي طالب بها الشباب أو الأحزاب والقوي السياسية أو الجمعية الوطنية للتغيير أو من سموا أنفسهم لجنة الحكماء. ميثاق للتحول الديمقراطي السيناريو الخامس.. بقاء رئيس الجمهورية في منصبه حتي نهاية فترته الحالية في أكتوبر 2011، علي أن يتم الاتفاق بين رئيس الجمهورية وممثلي الأحزاب والقوي السياسية وممثلي المجموعات الشبابية التي دعت وقادت المظاهرات والاعتصام في ميدان التحرير علي تنفيذ خطوات محددة للتحول إلي ديمقراطية برلمانية في مواعيد محددة يشمل: - الإفراج عن المعتقلين السياسيين في الأحداث الأخيرة والتعهد بعدم ملاحقة المشاركين في أحداث الانتفاضة. - حل مجلسي الشعب والشوري (في فبراير 2011) المادة 136. - إصدار رئيس الجمهورية بعد حل المجلس - وطبقا للمادة 147 من الدستور - قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية «قرار بقانون» طبقا لمشروع القانون الذي شاركت في صياغته الأحزاب والقوي السياسية، ومنظمات المجتمع المدني وفقهاء القانون، وتقدمت به إلي مجلس الشعب، ولم يقدر له أن يري النور أو حتي تتم مناقشته في المجلس (فبراير 2011). - تعديل قانوني مجلس الشعب ومجلس الشوري طبقا لقانون مباشرة الحقوق السياسية الجديد (فبراير 2011). - إلغاء القوانين المقيدة للحريات وبصفة خاصة قانون التجمهر 10 لسنة 1914 وقانون الاجتماعات 14 لسنة 1923 وقوانين أخري (فبراير 2011). - إلغاء حالة الطوارئ المعلنة منذ أكتوبر 1981 (فبراير 2011). - انتخابات جديدة لمجلسي الشعب والشوري في ظل رقابة المجتمع المدني المصري ورقابة دولية (مارس - أبريل 2011). - تولي مجلس الشعب الجديد بناء علي اقتراح رئيس الجمهورية أو ثلث أعضائه إجراء تعديلات دستورية لتحقيق التوازن بين السلطات والحد من صلاحيات رئيس الجمهورية، بما في ذلك إلغاء القيود غير الطبيعية علي الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية الواردة في المادة 76، وتعديل المواد 76 و77 و88 و179، وإلغاء المادة 74 (أبريل - يونية 2011). - انتخاب رئيس الجمهورية بعد هذه التعديلات وطبقا لها في الموعد المحدد (سبتمبر 2011). - يقوم رئيس الجمهورية - الحالي أو القادم - بمجرد انتخابه بتجميد عضويته في الحزب الذي ينتمي إليه طوال شغله لمنصب رئيس الجمهورية. ويتم الاتفاق بين رئيس الجمهورية وممثليه مع ممثلي الأحزاب والقوي السياسية والمجموعات الشبابية التي دعت وقادت هذه الانتفاضة علي هذا البرنامج ويتم صياغته في «ميثاق للتحول الديمقراطي» توقعه الأطراف كافة.