جامعة جدة السعودية تعلن توافر عددًا من الوظائف الشاغرة    ضياء السيد: المنتخب يحتاج للفوز بالمباراتين القادمتين.. والنني سيكون إضافة للأهلي    سيف جعفر: رفضت اللعب في الأهلي لأني زملكاوي.. وضحيت بأموال بيراميدز    الأرصاد تعلن عن موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد في هذا الموعد    تعرف على سعر البصل والطماطم والخضروات بالأسواق فى منتصف الأسبوع الثلاثاء 4 يونيو 2024    مصطفى بكري: الرئيس حدد مواصفات الحكومة الجديدة بالتفصيل    حماس: أي اتفاق لا يلبي شروطنا لن نتعامل معه    «زي النهارده«.. وفاة الملك البريطاني جورج الثالث 4 يونيو 1820    نقابة الصحفيين تكرم الزميل محمد كمال لحصوله على درجة الدكتوراه| فيديو    سعر الذهب اليوم فى السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الثلاثاء 4 يونيو 2024    هشام حنفي: صلاح أيقونة.. وعمر كمال الأقرب للتواجد في تشكيل المنتخب    ما بين انقطاع الكهرباء 3 ساعات وزيادة الأسعار تدريجيًا.. هل ينتهي تخفيف الأحمال قريبا (تقرير)    مجدى البدوي يشكر حكومة مدبولي: «قامت بواجبها الوطني»    سيد عبد الحفيظ يعتذر من خالد الغندور لهذا السبب    مجهولون يطلقون النار على المارة وإصابة مواطن في الأقصر    رفضت ترجعله.. تفاصيل التحقيق في إضرام نجار النيران بجسده بالبنزين في كرداسة    وكيل مديرية الصحة بالقليوبية يترأس اجتماع رؤساء أقسام الرعايات المركزة    اليوم 240 .. آخر احصاءات الإبادة الجماعية في غزة: استشهاد 15438 طفلا و17000 يتيم    بسبب عشرات الصواريخ.. إعلام عبري: إصابة 6 من رجال الإطفاء بمناطق عدة شمالي إسرائيل    النائب العام يلتقي وفدًا من هيئة الادعاء بسلطنة عمان الشقيقة    "الشراكات فى المنظمات غير الحكومية".. جلسة نقاشية ضمن فعاليات مؤتمر جامعة عين شمس    القومية للأنفاق تكشف معدلات تنفيذ محطات مونوريل غرب النيل (صور)    سيد عبد الحفيظ: خالد بيبو لا يشبهني.. وهذه حقيقة سوء علاقتي بأمير توفيق وحسام غالي    عدلي القيعي يرد على تصريحات شيكابالا: قالي أنا عايز اجي الأهلي    اتحاد الكرة يكشف الأندية المشاركة في دوري أبطال أفريقيا والكونفدرالية الموسم المقبل    غضب زملائه وينتظر عقوبة.. مصدر يكشف تفاصيل أزمة أفشة وكولر    مواطنون ضد الغلاء عن مواجهة ارتفاع الأسعار: تطبيق القانون يردع كبار التجار    «كلمة السر للمرحلة القادمة رضا المواطن».. لميس الحديدي عن استقالة الحكومة    وصلة ضحك بين تامر أمين وكريم حسن شحاتة على حلاقة محمد صلاح.. ما القصة؟ (فيديو)    مصرع شاب في حادث مروري بالوادي الجديد    مصطفى بسيط ينتهي من تصوير فيلم "عصابة الماكس"    عدد حلقات مسلسل مفترق طرق ل هند صبري    خريطة قراء تلاوات 27 ذو القعدة بإذاعة القرآن الكريم    عمرو أديب ينتقد مكالمات شركات العقارات: «في حد باعنا» (فيديو)    هل الطواف بالأدوار العليا للحرم أقل ثواباً من صحن المطاف؟.. الأزهر للفتوى يوضح    هل المال الحرام يوجب الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    بمرتبات مجزية.. توفير 211 فرصة عمل بالقطاع الخاص بالقليوبية    صحة الفيوم تنظم تدريبا لتنمية مهارات العاملين بوحدات النفايات الخطرة    انتداب الأدلة الجنائية لمعاينة حريق نشب بقطعة أرض فضاء بالعمرانية    غدًا.. جلسة استئناف محامى قاتل نيرة أشرف أمام حنايات طنطا    النائب العام يلتقي وفدًا رفيع المستوى من أعضاء هيئة الادعاء بسلطنة عمان الشقيقة    يوفنتوس يعلن فسخ عقد أليجرى بالتراضي    أمين عام الناتو يبحث مع رئيس فنلندا ووزيرة دفاع لوكسمبورج التطورات العالمية    جيش الاحتلال يستهدف 4 أبراج سكنية في مخيم البريج وسط قطاع غزة    متربى على الغالى.. شاهد رقص الحصان "بطل" على أنغام المزمار البلدي بقنا (فيديو)    حضور جماهيري ضخم في فيلم " وش في وش" بمهرجان جمعية الفيلم    أكرم القصاص: حكومة مدبولي تحملت مرحلة صعبة منها الإصلاح الاقتصادي    تامر عاشور يحيي حفلا غنائيا في الإسكندرية 4 يوليو    "قسد": إحباط هجوم بسيارة مفخخة لداعش في منطقة دير الزور السورية    بمشاركة 500 قيادة تنفيذية لكبريات المؤسسات.. انطلاق قمة "مصر للأفضل" بحضور وزيري المالية والتضامن الاجتماعي ورئيس المتحدة للخدمات الإعلامية    "الصحفيين" تكرم سعيد الشحات لمشاركته فى تحكيم جوائز الصحافة المصرية    بعد ادائها إمتحان نهاية العام.. إختفاء طالبة الفنية في ظروف غامضة بالفيوم    متى تبدأ تكبيرات عيد الأضحى وصيغتها    ما هي الأضحية في اللغة والشرع.. «الإفتاء» توضح    مليار و713 مليون جنيه، تكلفة علاج 290 ألف مواطن على نفقة الدولة    تقديم الخدمة الطبية ل 652 مواطنا خلال قوافل جامعة قناة السويس بقرية "جلبانة"    وزير الأوقاف يوصي حجاج بيت الله بكثرة الدعاء لمصر    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا الزمان بقلم:محمد فهمي
نشر في الأهالي يوم 28 - 07 - 2010


مجنون.. ويعملها!
نحن لا نمر بأزمة سياسية أو اقتصادية.. نحن نمر بأزمة مجتمع يفرغ كل شحنات الغضب والثورة من حكامه.. في مواطنين أبرياء يلقاهم بالمصادفة ويفرغ فيهم طاقات الغضب.. ويسلم نفسه للشرطة! .. كل شخص تلتقي به.. علي أرض مصر.. هذه الأيام هو مشروع مجنون.. وهو لغم تحت قدميك يوشك علي الانفجار بمجرد اللمس.
قد يكون قائد السيارة التي تقلك للشركة التي تعمل بها.. أو شريك لك في طابور الطابونة.. أو زوج الشغالة التي تعمل بمنزلك منذ سنوات.. أو حارس العقار الذي تسكنه.. أو «الطيار» الذي يحمل لك سندوتشات الفول والطعمية بالموتوسيكل.
أوحتي أقرب الناس إليك.. قد يكون زوجك أو زوجتك.. أو زوج ابنتك.. أو حفيدك.. أو ربما.. ابن سيادتك!.
لا تستبعد أحدا.. يا عزيزي.. هذه الأيام.. فأي واحد منهم.. هو «مجنون.. ويعملها»!.
ويعملها.. تعني ببساط أن يخرج السلاح الناري أو المدفع الرشاش.. أو المطواة قرن غزال المستوردة من الصين.. ويقوم في لحظة غضب بإخراجك من الحياة الدنيا إلي الآخرة.. خروج السهم من القوس.
وتنشر الصحف النبأ في صفحات الحوادث.. ويتوجه الزملاء في أقسام التحقيقات الصحفية.. إلي حيث يعيش القاتل.. في اسطبل عنتر أو الدويقة.. أو عزبة الهجانة أو غيرها من المناطق التي تعج بالسكان والمشاكل.. ويتضح من كلام الجيران أنه رجل طيب.. هادئ.. مستقيم.. ولم يصدر عنه ما يخدش الحياء.. وأنه كان خجولا.. ومنطويا.. ويعرف الله ورسوله.. ويعول سبعة أطفال.. خمسة من زيجات سابقة.. واثنان من زوجته الحالية التي تزوجها منذ عام.
ولا تجد الحكومة تفسيرا لما يجري.. وتعتبر كلا منها «حادثا فرديا».. يتكرر في كل أرجاء العالم(!!).
فقتل الزملاء في سيارة شركة المقاولون العرب.. حادث فردي.
المواطن الذي اعتصم وأبناؤه الثلاثة أمام مجلس الشعب.. اعتراضا علي عدم قبول ابنته بإحدي مدارس شبرا.. ورفض.. فض الاعتصام.. ونصب المشانق وربط عنق كل طفل بحبل ينتهي إلي مشنقه.. تمهيدا لشنق أطفاله.
هو حادث فردي
وتسمع عن الزوجة الشابة البالغة من العمر 18 التي اتفقت مع زوجها البالغ من العمر 22 سنة علي قتل أبيها داخل شقته بمنطقة الأزاريطة بالإسكندرية، وتسمع أن القتيل طارد زوج ابنته والسكين مغروس في ظهره.. حتي سقط جثة هامدة في الشارع.
كان الأب يقوم بإطعام العصافير عندما عاجله زوج ابنته التي تزوجها عرفيا بطعنات من الخلف!.
ويقال لك إنه حادث فردي.
وتسمع عن انتحار أمين الشرطة هشام المهدي في ميدان المحطة بمدينة أسيوط بإطلاق الرصاص علي رأسه أثناء وقوفه في كمين الشرطة.. وسط أفراد الكمين.. ثم يتضح أن مجهولا أطلق عليه الرصاص أثناء الخدمة.. ويقال لك إنه حادث فردي.
وتسمع عن مذيع التليفزيون.. الهادئ.. الخجول الذي أطلق عيارا ناريا علي رأس زوجته إثر مشاجرة بينهما بسبب تأخره في العودة لأنه كان يقرأ نشرة الأخبار، في وقت متأخر.
صفعته زوجته فأطاحت بنظارته.. ففتح الدولاب وأخرج مسدسه.. وأطلق علي رأسها عيارا ناريا.. أخرج مخها من الجمجمة.. ورفع السماعة وأبلغ الشرطة.. كيلا يتعرض لانتقام أهل الزوجة صاحبة محل البن الذي كان يحمل اسم القاتل!.
وتسمع أنه حادث فردي.. يحدث في كل الدنيا.. ولا دخل للحكومة ولا سياستها في ذلك.. لأنه ليس مطلوبا في ظل أزهي عصور الديمقراطية.. أن تتدخل الحكومة في أمور الرعية العائلية.
وتسمع عن سائق الميكروباص.. الهارب من 8 أحكام أحدها بالمؤبد (!!) الذي صدم دراجة بخارية يستقلها نقاش وطفله.. وأصيب الطفل بإصابة بالغة فحمله قائد الميكروباص في عربته بحجة نقله للمستشفي.. وألقي به في طريق الواحات وحده.. حتي لفظ أنفاسه.
إنه حادث فردي
وتسمع عن قيام 3 عاطلين بضرب صاحب محل ونجله وإلقاء جركن بنزين عليهما وإشعال النيران فيهما بسبب ركن سيارته أمام الجراج الذي يعملون به باليومية، فأحرقوا السيارة وصاحب السيارة وابن صاحب السيارة.. لأنه ركن سيارته أمام الجراج ونقلوا جميعا للمستشفي في حالة خطيرة بين الحياة والموت.
إنه حادث فردي لا شأن للحكومة.
أما حوادث سقوط سيارات النقل من فوق الكباري العلوية.. والسقوط علي الناس والسيارات السفلية.. فهي من الحوادث المتكررة.. ولم يلفت نظر المسئولين لانشغالهم بتحريك عملية السلام.
علما بأن صعود سيارات النقل.. وعربات نقل السياح.. والأتوبيسات.. للكباري العلوي.. من الممنوعات المطلقة في كل دول العالم.
لا يسمح علي الإطلاق بصعود السيارات الكبيرة فوق الكباري العلوية التي جري تصميمها لعبور السيارات الصغيرة فقط.
نحن لا نهتم.. ولا يلاحظ المارة صراخ السياح الأجانب عندما يلاحظون أن الأتوبيس السياحي يصعد بهم فوق كوبري علوي.
ويقال لك إن سقوط السيارات العملاقة من فوق الكباري.. هي حوادث فردية.. ويكفي الحكومة أنها أقامت لنا الكباري وحصل كل صاحب نصيب علي حقه في العمولة.
أما المرور.. وتساقط الكباري.. فلا عمولة عليها وبالتالي فهي لا تشغل بال أحد.
وتسمع طبعا عن المشاجرة بين القضاة والمحامين.. واستثمار نقيب المحامين للمشاجرة في تأكيد شعبيته.. وتكرار حكاية سفره لألمانيا.. علي نفقة النقابة.. للحصول علي تعويضات من الألمان في قضية السيدة مروة الشربيني.
وقيام أحد المحامين.. بالاعتداء بالضرب علي عضو بالنيابة.. ولو كان بيده مدفع رشاش لاستخدمه في الحال.. في واقعة لم تعرفها مصر في تاريخها.. لاسيما إذا أخذنا في الاعتبار أن طرفي المعركة المؤسفة تلقيا تعليمهما الجماعي في كلية الحقوق بالمجاني.. ووفق مجانية التعليم التي يتحملها فقراء هذه الأمة.. الآن.
لم يشعر أحدهم بالخجل.. وهو يعطل مصالح الناس في المحاكم.. واستخدموا كل وسائل العنف والجنون في صراعهم.
والأمثلة علي فقد الناس لأعصابها لأتفه الأسباب.. والتي تطالعنا بها الصحف كل يوم.. لا تقف عند حد.
فمظاهر العنف والانفلات التي نلمسها في تعاملاتنا اليومية.. والتي تصل إلي حد القتل واستخدام الأسلحة.. باتت تجري علي كل لسان.. ولا يجد البعض منا وصفا لما نحن عليه سوي جملة «الناس اتجننت»!.
ماذا حدث؟
الذي حدث أن الشعب المصري تعرض خلال الثلاثين سنة الأخيرة لسياسات.. كانت أشبه بالتجارب التي يجريها العلماء علي الفئران.
العلماء كانوا يجرون تجاربهم علي الفئران.. فإذا تحقق نجاحها طبقت علي البشر.. أما عندنا فقد قام الساسة بتطبيق تجاربهم علينا مباشرة.. وتصدر التوجيهات العليا بإجراء تجربة جديدة.. وفق ما جاء في اعترافات عاطف عبيد.. عندما قال إنه كان يقوم بسياسات غير مسبوقة.
وبعد كل تجربة تزداد الأحوال سوءا.. وتتدهور الخدمات.. وتفقد الناس أعصابها.. في المدارس والمواصلات والمستشفيات والشوارع التي تنتزع أرصفتها.. كل سنة.. واختفاء المساحات الخضراء.. وبناء الأبراج في مناطق عشوائية.. واستخدام نواب الشعب مئات الملايين من الجنيهات في عمليات تجميل وزراعة الشعر والتخسيس علي نفقة الدولة.. فيزداد الغل بين البشر، وفقا لما يؤكده العلماء من أن الحيوانات تميل إلي العدوانية إذا زاد تكدسها في مكان واحد.. وفقدت مساحاتها الشاسعة.. وتهددت وسائل حياتها.
ويقول الدكتور أحمد عكاشة.. إنه إذا طبقنا هذه النظرية علي البشر.. لوجدنا أن المجتمع الذي يفتقد الحد الأدني في وسائل الحياة الكريمة.. ويفتقد الإحساس بالأمان فإنه يتحول لمجتمع تنتشر فيه العدوانية والأنانية.. ويتحول فيه الإنسان الذي يوصف بالطيب أو الخجول أو المهذب إلي كائن يرتكب أقصي درجات العنف.. في لحظة غضب.
ولذلك فإن كل ما نشهده من حوادث.. يري حكامنا وأجهزة إعلامهم أنها حوادث فردية.. هي ليست كذلك.
نحن أمام ظاهرة.. تكشف الضغوط النفسية والعصبية التي يتعرض لها المواطن في السنوات الأخيرة.. والمخاوف التي تنتابه إزاء مستقبله ومستقبل أولاده.. ووطنه.
المواطن لم يعد آمنا علي غده.. وفقد الثقة في حكامه ويشعر في كل لحظة بالظلم وبالفوارق الاجتماعية الهائلة.. وقبل ذلك يشعر بأنه يعيش في نظام بلا قانون.
القانون.. اختياري.. وانتقائي!
وفي ظل غياب القانون.. وتوحش الطبقة السياسية الجديدة فقد الشعب ثقته في نفسه وفي حكامه.. وأصبح أكثر استعدادا للانقضاض علي أي خصم.. بريء.
وفي ظل غياب مشروع وطني تلتف الأمة حوله.. وفي ظل تضارب السياسات والصراعات حول نهب المال العام فقد المواطن إحساسه بالانتماء.. وأصبحت الأنانية هي السمة السائدة بين الناس.. وبات من الطبيعي أن يفرغ أي مواطن غضبه المكبوت من حكامه.. في زوجته أو زملاء العمل.. أو شريك له يقف معه في طابور الطابونة.
نحن لا نمر بأزمة اقتصادية.. أو سياسية.. نحن نمر بأزمة مجتمع يفرغ كل شحنات الغضب والثورة من حكامه.. في مواطنين آخرين يلقاهم بالمصادفة.. ويفرغ فيهم كل طاقات الغضب.. ويسلم نفسه للشرطة.
ولذلك فكن.. يا عزيزي علي حذر.. واعتبر كل من تلقاه.. هو مجنون.. ويعملها!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.