قرأت كثيرا عن أزمة وسط البلد المشهورة بأزمة رقص المفترسة للخيالات المكبوتة الراقصة دينا، وحاولت ان اري عمليا تلك الوحوش الكاسرة التي نفخنا فيها بصورة تستدعي وضع شرطي علي كل امرأة منعا للتحرش. واذا تجمعت البطالة وغلاء اسعار مواد البناء وعدم تواجد فرصة طبيعية للتلاقي بين الشباب والفتيات مما جعل من يستطيع الحصول علي فرصة للزواج يسد الشوارع بجنون اشبه بالصراخ كما اوضح اخي جمال عنايت في احد مقالاته حين كان في زيارة لحي القبة، اذا تجمعت كل تلك الاسباب، مع اضافة مغازلة الجماعات الدينية لكل المجتمع، حيث تملك بعض منها تراث تزويج المحجبات بالجامعة من ايام الجماعة الاسلامية وتوفير مسكن شديد التواضع لعدد من الاسر معا، كل ذلك يغلي في بطن المجتمع المصري، ويزيغ البصر كثيرا - لا قليلا - نحو مشكلات اقل ما توصف به انها جسيمة. هل اقول ان المصري من ايام الفراعنة كان يؤمن بضرورة ان تحدد له الحكومة نوع العمل وان يعطيها هو كل ما ينتج، حتي يمكننا ان نقول ان المصري موظف بطبيعته؟ هل اقول انه في عهد المماليك اكل المصريون من فرط الجوع بغلة من بعثه الوالي لجلب الضرائب، وعندما احتج الرجل اكلوا رجله شخصيا؟ انا مثل البشر العاديين الذين يقرأون تصريحات المسئولين والمنظمات الدولية عن تحسن حالة الاقتصاد وزيادة النمو، ولكني افاجأ بان باب مكتبي لا يكف عن استقبال طالبي الوظائف، وكأني مسئول عن توظيف عشرات ممن حصلوا علي شهادات جامعية، هم قبل غيرهم يعلمون انها شهادات لم تضف لهم سوي تأجيل المستقبل اربع سنوات وهم يريدون من الحكومة ان تجد لهم حلا في تخرجهم. وفي العادة لا توجد عند اغلب الاسر قدرة علي ان تضيف لابنائها خبرات عالية القيمة مثل الكمبيوتر واتقان اللغات الاجنبية ولا اقول تعليم الابناء فنون تصميم شبكات الكمبيوتر او العمل عن بعد في الشركات العالمية، فهذا الذي تقدمت فيه الهند مازال ينمو بطيئا هنا في مصر. وطبعا لا احد يستطيع ان يطلب من القطاع الخاص ان يتوقف عن الربح لانه يربح في ظل ظروف يخشاها اكثر مما يثق فيها، واملي ان يصدر اتحاد الصناعات بيانا عن الارباح العامة للشركات العملاقة وهل اعيد استثمارها في مصر؟ ام ان بعضها هاجر الي الصين؟ المستقبل لا يمكن قراءته بجدوي افكار الاقتصاد الحر او اعادة النظام الذي تقوم فيه الحكومة بكل شيء للمواطن، ولكن المستقبل يحتاج الي ثلاثة عوامل تبنيه، قطاع اعمال حكومي قوي بجدية ادارة قناة السويس، وقطاع خاص يعلم ان اعادة استثمار ارباحه داخل مصر امر اساسي، فضلا عن قطاع التعاون الذي نسمع عن فضائحه اكثر مما نسمع - أو نري - من الجارة. أنا أدهش كثيرا من فرط الاستغراب من تحول بعض من الشباب الي حيوانات مفترسة، واتساءل: هل منحوا فرصة كي يتعلموا، وهل هناك من زرع فيهم ثقة بالنفس تؤهله للحياة اللائقة، وهل توافرت عملية بناء مساكن تواجه احلام اي شاب وبنت في الحياة معا دون انتظار حالة هياج لمجرد رؤية الراقصة دينا وهي تؤدي نمرة ترفيهية امام سينما مترو؟ طبعا لم يحدث شيء مما تقدم ولذا تحول بعض من ابناء العشوائيات الي قنابل من الشهوة والغضب.