القرضاوي: سماع «ست الحبايب» حلال.. و«أبو عيون جريئة» فيها خروج عن النص القرآني د. محمد سليم العوا يري أن تضمين القصائد شيئاً من القرآن مقبول إذا جري في المواعظ والخطب مشيخة الأزهر طلبت من الرقابة علي المصنفات الفنية التابعة لوزارة الثقافة منع طبع وتوزيع أغنية مارسيل خليفة التي هي قصيدة لمحمود درويش القرضاوي يطعن في تفسير ابن مسعود ويري أن الغناء ذا الصوت الطيب والكلام الموزون مؤثر في النفس وهذا يكون فيه الحلال ويكون فيه الحرام أيضا يمكن أن نؤرخ للحملة المنظمة في مصر ضد ممارسة الفن بمنتصف السبعينات حين استغل الشيخ عبدالحميد منبراً لصلاة الجمعة ليلقي خطبة ساخنة ضد أم كلثوم بدأت سلسلة من الاعتزال والتحجب والتنقب بدأتها الفنانة شمس البارودي ثم هالة الصافي ونسرين وشادية وشهيرة وعفاف شعيب ومديحة كامل وياسمين الخيام وأخيرا حنان ترك مجمع البحوث الإسلامية والأزهر منعا أعمالاً سينمائية وتليفزيونية ومسرحية بحجة ظهور الصحابة في الحلقة السابقة استعرضنا جزءاً من موقف الفقهاء الخاص بتحريم الغناء ووجدنا أن موقف الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين كان واضحا في تحريم غناء المرأة التي يخشي الفتنة من سماعها ومعارضته لبعض الآلات مثل المزامير والأوتار والتي وصفها بأدوات المخنثين كما استعرضنا فتوي الشيخ شلتوت بضرورة تعلم الموسيقي وسماعها وهو ما نقضه آية الله علي خامنئي مرشد النظام الإيراني حيث حرم تدريس الموسيقي بدعوة أنها تساعد علي الفساد. كما أشرنا إلي واقعة مثول موسيقار مصري أمام محكمة شرعية ليدلي بشهادته في قضية من القضايا وحينها رفض القاضي أن يأخذ بشهادته استناداً إلي نص من نصوص الفقه الشرعي يقضي بعدم الاعتداد بشهادات الزمار والطبال وكل من يشتغل باللهو، وفي هذه الحلقة نواصل عرض قضية الموسيقار مارسيل خليفة والذي اتهم بتلحين آيات من القرآن وهو الجزء الذي نواصل نشره من كتاب «سوسيولجية الفتوي» للمفكر السوداني د. حيدر إبراهيم علي. يقول السيد محمد حسين فضل الله بشأن قضية مارسيل خليفة «نحن لا نجيز تلحين القرآن الكريم بالطريقة الغنائية عموما، ولكن عندما تكون هناك قصيدة عامة تتعلق بأي جانب إنساني وتتضمن كلمة أو آية قرآنية، لا نري في ذلك إساءة إلي القرآن، ونتصور أن إثارة هذه المسألة في هذه المرحلة القاسية وفي هذه الأجواء القاتمة ليست في مصلحة القضايا الإسلامية والمصيرية، إذ يمكن لأي جهة نظر سلبية حيال موضوع إسلامي أو اجتماعي، أن تطوق أو يتحدث عنها بطريقة لا تصنع أيا من أنواع الإثارة». قضية مارسيل ودرويش واستغرب السيد هاني فحص القرار وقال: «علينا كرجال دين ألا نوقف عملنا وفكرنا علي إيقاع السجال السياسي» وأضاف: «إن خليفة لم يرتكب ما يمس بالمقدسات» ودعا رئيس المنتدي القومي العربي معن بشور المفتي قباني إلي معالجة حكيمة لهذه القضية، خصوصا أن مقصد خليفة الصادق من أغنيته يكمن في الدفاع عن فلسطينوالقدس بالذات. «نقلا عن الحياة اللندنية 5/10/1999» حاول د. محمد سليم العوا أن يقدم موقفا دينيا متحررا إذ كتب: «وهذا النوع من تضمين كلام الناس، شعرا كان أو نثرا، بعض ألفاظ القرآن الكريم، دون أن يقول المتكلم إن هذا من كلام القرآن يسميه العلماء الاقتباس، وقد عقد له الإمام السيوطي فصلا من كتابه، الإتقان في علوم القرآن «ج1، ص: 389 من طبعة الأستاذ المحقق محمد أبوالفضل إبراهيم» وذكر السيوطي أن «المشتهر عن المالكية تحريم الاقتباس وتشديد النكير علي فاعله» وأن الشافعية «لم يتكلموا فيه علي الرغم من شيوعه» في أزمان المتقدمين والمتأخرين و«استعمال الشعراء له قديما وحديثا» وقد سئل عنه الشيخ عز الدين بن عبدالسلام - سلطان العلماء - فأجازه والناظر في الجملة المضمنة في قصيدة محمود درويش اقتباسا من القرآن، وليست قرآنا صرفا «الحياة 18/10/1999» ويذهب في الحكم الفقهي مع السيوطي إلي أن تضمين القصيدة شيئا من القرآن الكريم مقبول إذا جري في المواعظ والخطب ونحوهما. ومباح إذا جري في مجال القصص والرسائل، وممنوع إذا كان هزلا أو هزءا أو سخرية، وإن كان بعض العلماء يتورعون عن الاقتباس من القرآن ويختتم «العوا» موضوعه: فإذا أردنا أن ننزل هذه القواعد علي أغنية مارسيل خليفة التي هي قصيدة محمود درويش فإننا لا نجدها تضمنت شيئا مما اتفق العلماء علي النهي عنه بل إن غاية ما فيها ألا يرضي ذوق بعض الناس، أو عاطفتهم الدينية عنها، وهذا لا يوجب تحريما شرعيا، ولا مساءلة قضائية لكنه يدعو إلي البحث العلمي، ويثير نقاشا أدبيا وقد يظهر أوجه الخلاف في الرأي بين أصحابه.. وهذا كله حسن مفيد للفكر والفن»، «الحياة 18/10/1999». وأصدر عبدالرحمن شهاب قاضي التحقيق الأول في بيروت قرارا ظنيا طلب فيه عقوبة السجن من 6 أشهر إلي 3 سنوات للفنان مارسيل خليفة لإقدامه علي تحقير الشعائر الدينية بإدخال آية من القرآن الكريم من سورة يوسف عليه السلام ملحنة ومغناة علي أنغام موسيقية. وقد رحب مفتي الجمهورية اللبنانية الدكتور محمد رشيد قباني بهذا القرار وقال ل «الشرق الأوسط»: إنه يأتي استجابة للدعوي التي رفعتها دار الفتوي منذ أكثر من سنتين علي خليفة متهمة إياه بتحقير الشعائر الدينية. وكان العلامة محمد حسن الأمين قد أعلن أن الفقرة من النص القرآني جاءت في سياق القصيدة مظهرا لأسلوب شعري وأدبي عرفه الشعر العربي طيلة العصور الإسلامية لذلك لا يوجد مبرر لإظهار أن النص الوارد هو نوع من الإهانة للنص القرآني. وقال: إذا كان هذا النص قد تحول إلي أداء غنائي فإننا لا نستطيع أن نعتبر مارسيل خليفة قد عمد إلي إنشاد نصوص قرآنية وقال: إن بعض الأبيات في الشعر العربي تضمنت جزءا من نص قرآني أو آية قرآنية وبعضها كان يغني في تاريخ الشعر العربي. «القدس العربي 4/10/1999». وفي حديثه إلي صحيفة الخليج التي تصدر في الشارقة سئل فضيلة العلامة د. يوسف القرضاوي عقب حصوله علي جائزة سلطان العويس الثقافية عن موقفه من قصيدة محمود درويش وغناء مارسيل خليفة لها فقال: أنا لم أقرأ قصيدة محمود درويش ولم أسمع أغنية مارسيل خليفة وأقول: إن من القرآن أمراً جائزاً وأنا لي مسرحية قديمة ألفتها في الثانوية عن قصة يوسف الصديق ومنها «وَلَقَدْ رَوَادتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاستَعْصَمَ» فلو أن أحدهم غني هذا ولم يقصد أنه قرآن، وإنما كلام مقتبس في النص الشعري، لا أري حرجا وما يوجب هذه الضجة كلها بخاصة أن هذه الأغنية هي دفاع عن الأرض المقدسة والرجل يصنف من ضمن المناضلين ضد الصهيونية وضد «إسرائيل» علي ما أعلم. طلبت مشيخة الأزهر من الرقابة علي المصنفات الفنية التابعة لوزارة الثقافة منع طبع وتوزيع أغنية مارسيل خليفة لمخالفتها للشريعة الإسلامية لاستخدامها إحدي آيات القرآن الكريم ضمن مفرداته، ووصف مجمع البحوث الإسلامية «يتبع الأزهر» الأغنية أنها اعتداء صريح علي القرآن «الراية القطرية 19/11/1999». من غير ليه اشتهرت علي مر السنين الماضية مجموعة من الأغاني التي أصدر الأزهر قرارا بمنعها لتصادمها مع الشريعة الإسلامية، وكان ذلك عبر أحد أجهزة الأزهر وهو مجمع البحوث الإسلامية، ومن ذلك أغنية محمد عبدالوهاب «من غير ليه» والتي ذكر فيها: «جايين الدينا ما نعرف ليه» أغنية عبدالحليم حافظ: «أنت قلبي» التي قال فيها: «قدر أحمق الخطا سحقت هامتي خطاه» أغنية محمد عبدالوهاب أيضا: «جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت»، أغنية كاظم الساهر: «أشهد ألا امرأة أتقنت اللعبة إلا أنت»، «صحيفة الراية القطرية 19/11/1999». توقف الشيخ يوسف القرضاوي أمام الغناء، لكنه لم يسدل الستار علي كل صوت وكل لحن، ولا علي كل من غني أو غنت. وأشار إلي ما ورد في القرآن الكريم حول لهو الحديث، فقال: إن لهو الحديث هو يلهي الناس ويشغلهم وأن بعض الناس فسروا لهو الحديث بما كان ينسب إلي بعض رجال قريش من روايتهم لقصص الفرس وملوكهم ليشغلوا الناس عن سماع القرآن، وأن هناك من فسر لهو الحديث بأنه الغناء، كابن مسعود، وقد أخذ الناس من ذلك بحرمة الغناء. ولكن الدكتور القرضاوي طعن في تفسير ابن مسعود وقال: «إنه لا يمكن أن يستدل من ذلك علي حرمة الغناء في حد ذاته، فالغناء ذو الصوت الطيب والكلام الموزون مؤثر في النفس، وهذا يكون فيه الحلال ويكون فيه الحرام ويكون فيه المكروه والمستحب، اعتمادا علي الموضوع وطريقة الأداء، وأشار إلي أن الخلفاء كانوا يتناشدون الأشعر كما خرج الصبيان للقاء الرسول الكريم منشدين طلع البدر علينا من ثنيات الوداع، وهذه الأصوات ليس فيها حرج. لا مانع من سماع ست الحبايب وأما فيما يتعلق بالزمن الحاضر فقال القرضاوي: إن أغنية فايزة أحمد ست الحبايب يا حبيبة لا مانع في سماعها أما بعض الأغاني مثل أبوعيون جريئة لعبد الحليم ففيها خروج عن النص القرآني الذي يدعو الناس إلي غض الأبصار، ورأي أن بعض الأغاني تشكك في العقيدة، مثل أغنية جئت لا أعلم من أين؟ وهي من شعر إيليا أبوماضي، وأغنية من غير ليه، التي اختتم بها محمد عبدالوهاب حياته الفنية وأضاف القرضاوي في حديثه حول الغناء أنه حتي لو كان الغناء مقبولا ديانة وعقيدة وشريعة وأخلاقا فإن طريقة الأداء المثيرة التي فيها تكسر وتخلع وتميع تحرم الغناء، وقال: «إن من الضرورة أن يكون الغناء خاليا من كل محرم أو ما يقترن به، كأن يكون معه خمر أو يغني في مجلس خلاعة أو رقص، وقال: إن كل الأغاني المصحوبة بالرقص، التي نشاهدها علي التليفزيون هي حرام، لأنها لم تعد غناء وإنما رقص خليع. وشدد القرضاوي علي أنه لا دلالة في القرآن علي تحريم الغناء، وأن المقصود بلهو الحديث كما يقول ابن حزم، هو صد الناس عن القرآن والإسلام، فروحوا القلوب ساعة بعد ساعة، إن النفوس تمل كما تمل الأبدان. وأضاف: وللأسف فالناس في هذه القضية طرفان، طرف يحرم كل الغناء، وطرف يريد فتح الباب لكل الغناء الحلال منه والحرام. «القدس العربي 3/12/2000». وهذه رسالة توزعها مجموعات إسلامية بعنوان: «أريد أن أتوب» وهذا هو نصها: أخي: إذا أردت التوبة من الغناء وسماعه، فاتبع ما يأتي بنية صادقة: 1- ابتعد عن سماع الغناء من جميع مصادره. 2- اندم علي ما مضي من التغني وسماعه. 3- اعقد العزم الأكيد علي عدم الرجوع إلي الغناء وسماعه. 4- اهجر الأصحاب وقرناء السوء الذين كانوا يزينون لك الغناء وسماعه. 5- إذا كانت لديك أموال جمعتها من الغناء فبادر بسؤال أهل العلم عنها. 6- إذا كانت لديك أشرطة غناء فبادر بمسحها بما ينفعك من كلام الله، ومن محاضرات قيمة. 7- أكثر من ذكر الموت وسكراته والقبر وظلماته، والمعاد وأهله، فإن هذه الأمور إذا استحضرتها تذكرك بالله. 8- تحصن بالحصن العظيم «القرآن الكريم» وذلك عن طريق قراءته وتدبره والعمل بما فيه، ففي ثناياه الشفاء من مرض القلب «الغناء». 9- اشغل نفسك في أوقات الفراغ بقراءة المفيد من سيرة النبي «صلي الله عليه وسلم» وصحبه الكرام. السينما الإسلامية يعرف أحد الباحثين السينما الإسلامية بأنها: «هي السينما التي تلتقي بمفهومات الإسلام عن الله تعالي والكون والحياة والإنسان، التقاء كليا أو جزئيا، يتحدد علي ضوئه مدي إسلاميتها وعلي هذا فقد نجد في السينما اليوم أفلاما قابلة للوجود أيضا، ولا سيما عندما يتوفر لها المسلمون الذين يملكون التصور الإسلامي الشامل ومستلزمات العمل السينمائي ومفرداته»، «جداع، 1989: 23» ويقدم الكاتب نموذجا لسينما إسلامية هو فيلم «الحذاء» وهو فيلم روائي أردني قصير عرض أول مرة في المركز الثقافي الملكي بعمان في 11/4/1987 واستمر عرضه ثلاث عشرة دقيقة فقط، ويري أن إسلامية الفيلم تتحقق بقدر اقتراب مضمون الفيلم من القيم الإسلامية وتطابقه معها، دون الطرح الإسلامي المباشر بالضرورة يضيف من ناحية الشكل: «لم يتضمن الفيلم أي مخالفة شرعية في شكله الفني فضلا عن عدم وجود مخالفات في المضمون»، «ص: 131 - 132». نشر الدكتور نجيب الكيلاني ورقة تحت عنوان: «نحو مسرح إسلامي» تناول فيها مجموعة من الخطوات والأفكار التي تخدم هدف تحقيق «المسرح الإسلامي» والخروج من دائرة التنظير إلي محيط التطبيق، وأورد حوالي 23 نقطة للحوار والنقاش منها: تأصيل وتوضيح مفهوم المسرح الإسلامي تجديد وإنشاء مصطلحات مبتكرة إحياء أو خلق رموز خاصة بالمسرح الإسلامي. يري ضرورة اهتمام المسرح الإسلامي بما نسميه الشخصية الإسلامية ويطالب المسرحيين الإسلاميين بتحقيق وجود المرأة في الأعمال المسرحية بطريقة لا تتعارض مع مفاهيم الإسلام وقيمه ويري أن المسرح الإسلامي لا يتحرج من تناول قضايا الحب بشتي ألوانها، ولكن لا يؤمن بأن الحب هو الجنس وحده، ولا يتحرج من تناول موضوع الجنس بالأسلوب الصحيح البعيد عن أسلوب الإثارة والإفساد والتحريض علي الغواية «صحيفة الشرق الأوسط 15/1/1995». دأب المفتون ورجال الدين والمشايخ علي التهرب من رؤيتهم للفن بتزويد فتوي غامضة بأن الفن: حلاله حلال وحرامه حرام وحين يطالب بتحديد ودقة أكثر قد يلجأ الشيخ إلي الجوانب الاجتماعية في السلوك وليس لنصوص وأوامر الدين فعندما سئل الشيخ عمر عبدالكافي عن معيار أكثر تحديدا للفن الحلال والفن الحرام كان رده: «المعايير.. هل يرضي رجل لابنته التي بلغت من العمر 16 عاما أو 20 عاما أن يقبلها رجل تحت عنوان الفن؟! وكلمة الفن رسالة؟! كرجل مصر هل يقبل هذا؟ دع الإسلام جانبا.. ولنتحدث بالمصرية الصرفة إذا كان الجزار الذي يصلي وقد يسب الدين عندما يري ابنة الحي الذي يسكن فيه يعاكسها أحد، كان يخرج بالساطور ويضرب الذي يعاكسها «محمود فوزي "ب. ت" 62». فالشيخ يستند إلي العادات والتقاليد والأعراف حيث لا تسعفه النصوص الدينية القاطعة وقد استطاع عبدالكافي بهذا الأسوب أن يقنع عددا من الممثلات أن يتركن الفن ويتحجبن وحين سألته هل ما تقوم به حلال أم حرام؟ ردد كلاما مشابها لما سبق: «أنا لا أتمني أن أختي.. وأنت كأخت لنا ولا ابنتي ولا زوجتي أن يقبلها رجل تحت عنوان الفن.. ولا أن ينام معها في سرير واحد، والكاميرات محيطة بها، ويقال: إن هذا هو الفن!! ولا أن تتعري علي الشاطئ بالمايوه مع البطل، ونقول: هذا فن!! فليس هذا هو الفن الذي يرضاه الله.. وأنا أري أن المثيرين والمثيرات لغرائز الناس مغاليق خير ومفاتيح شر، وأنا لا اتمني أن تكوني منهم»، «المصدر نفسه، ص: 57- 58». الهجوم علي أم كلثوم يمكن أن نؤرخ للحملة المنظمة في مصر ضد ممارسة الفن وبالذات الهجوم علي الفنانات بمنتصف السبعينات حين استغل الشيخ عبدالحميد منبر صلاة الجمعة بمسجده الشهير شمال القاهرة، ليلقي خطبته الساخنة ضد أم كلثوم متهما إياها بالمروق والعصيان والإفساد، ورغم محدودية أثره آنذاك إلا أن بعض المراقبين يعتبر خطبه أحد مسارات ثلاث سلكها الإسلاميون المصريون للتعبير عن نظرتهم السلبية للممارسات الفنية السائدة في مصر. إلي جانب مسار ثان يتمثل في اتجاه قطاع مهم من الحركة الإسلامية «الجماعات الشابة المنظمة» إلي محاولة منع الممارسات الفنية التي يرون خروجها علي حدود المفهوم الإسلامي للفن، وذلك باستخدام أشكال متنوعة من القوة المادية وتعددت الوقائع في السنوات الماضية من إحراق لبعض دور العرض السينمائي ومحلات أشرطة الفيديو مرورا بمنع إقامة بعض الأفراح وانتهاء باقتحام بعض الحفلات الراقصة أو الغنائية والمسرحيات ووقفها وقد شهدت ساحات المحاكم المصرية قضية كبري عرفت باسم «قضية نوادي الفيديو» عام 1985 اتهم فيها 77 عضوا في تنظيم طه السماوي المتشدد وحكم علي عدد منهم بالأشغال الشاملة لفترات تراوحت من 3 إلي 15 عاما واتخذ المسار الثالث لهذه الجماعات صورة مختلفة تماما حيث اتجه كما قيل إلي التأثير في بعض الرموز الفنية المعروفة خصوصا في قطاع الغناء والاستعراض والسينما من أجل إعلان اعتزالهم والتزامهم بالمفاهيم الإسلامية، وتعد ظاهرة ارتداء الحجاب أو النقاب من بعض الفنانات والراقصات المشهورات وتحول بعضهن إلي داعيات لذلك وسط زميلاتهن من أكثر مشاهد ذلك المسار إثارة للاهتمام، «المجلة 6 - 12/1/1993». بدأت سلسلة من الاعتزال والتحجب والتنقب بدأتها الفنانة شمس البارودي ومعها كاميليا العربي وهالة الصافي وهالة فؤاد ونسرين، وارتدين كلهن النقاب، ثم شادية وشهيرة وعفاف شعيب وعفاف عبدالرازق ومديحة كامل وياسمين الخيام، وهناء، ثروت، وهدي رمزي واكتفين بالحجاب، وكانت حنان ترك من آخر المعتزلات، ولكن في الوقت نفسه نجد مواقف مختلفة، فالفنانة أمينة رزق تقول: (أنا لست ضد الحجاب أو من يلتزم بتعاليم الدين، فكلنا نسعي لذلك، ولكني ضد أن تتحجب فنانة ثم تقول: إنها تابت عن الفن، فهل أصبح الفن في يومنا هذا معصية وجريمة يعاقب عليها؟ أفهم أن يتوب الإنسان عن خطاياه لاعن عمله إذا كان هذا العمل شريفا، والفن هو من أشرف واسمي الأعمال) (المجلة 6-12/1993). من الواضح أن حملة الدعوة لاعتزال وحجاب الفنانات تطبيقا عمليا لتحريم الفن، فقد كان السؤال هل الفن إثم يجب التوبة عنه؟ يقول «الدكتور طه الدسوقي حبيش» الأستاذ بكلية أصول الدين جامعة الأزهر: إن التمثيل الحرام هو ما دخلت فيه الرذيلة والحرمة هنا ليست في التمثيل كعمل وإنما الحرمة علي من يقوم بالفاحشة لأن الفن في ذاته لا يوصف بأنه حرام أو حلال والفنان أمامه ما هو حلال بين وما هو حرام بين، فإذا ما اقترف الحرام فالذنب عليه، وليس علي الفن، وينفي الدكتور محمد عبدالسميع جاد عميد كلية الدعوة بجامعة الأزهر أنه توجد توبة عن الفن، وإنما التوبة عن إثم اقترفه إنسان، فاختيار الممثل دورا لا يرضي شريعة الله فهو أمر خاص به. ويبين لنا «الدكتور محمد عبدالسميع جاد» شروط الفن الحلال فيقول: إن كلمة فن معناها تفنن في العمل في أية مهمة، فالدعوة في الإسلام فن، فالشريعة لا تمنع فنا كالغناء أو التمثيل أو الموسيقي منعا مطلقا ولكنها قيدته بشروط محددة منها عدم القيام بتمثيل شخصيات الأنبياء أو العشرة المبشرين بالجنة أيضا الغناء أو الموسيقي التي تجرف الإنسان للهوي وتجرح المشاعر وتلهب الشهوة وتحدث فتنة أما ما دون ذلك من الغناء فهو حلال، فقد كانت بنات الأنصار يغنين علي الدفوف. المال الحرام: ويفجر «الدكتور طه الدسوقي حبيش» قضية بسؤاله الفنانات التائبات إذا كن يعترفن بأنهن اقترفن الذنب بعملهن في الفن فلماذا يحتفظن بما ربحن من الحرام، أليس المال الذي تعيش منه وتأكل وتسكن وتلهو هو من عمل حرام، والحرام لا يجلب إلا حراما فكيف لهن التوبة عن الفن الذي يرونه محرما ولا يتبن عما أخذ من هذا الحرام؟ أم أن التوبة عن جزء وما تتمتع به فحلال؟ إذا كن صادقات فعلا عليهن التنازل عن أموالهن للدولة وعلي الدولة أن تعطيهن مرتبا يكفي حاجتهن أما أن يتاجرن بتوبتهن فهذه ليست توبة، وإنما تهريج وتجارة وربح مثله كالتائب من الذنب يصر علي العودة لذنبه وهو كالمستهزئ بربه. لا يجوز التبرع به: ويؤكد الرأي نفسه «الدكتور عبدالعزيز عزت» عضو لجنة الفتوي بالأزهر فيقول: «إذا كانت هؤلاء الفنانات يعلن أنهن كن يعملن في الحرام وهن مؤمنات بذلك فأموالهن حرام ويجب التخلص منها إذا كانت التوبة صحيحة لكن بشكل عام، فإن المال المأخوذ عن الفن الحلال غير المبتذل هو حلال وهو نظير وقت، أما إذا كان الفن قائما علي الرذيلة ويدعو إليها فالمال منه حرام. يوكد هذا أيضا «الدكتور عبدالعزيز عزام» رئيس قسم الفقه بكلية الشريعة والقانون فيقول: إن الكسب الخبيث الذي يأتي من المتاجرة بالخمر أو الربا أو الرقص أو العمل المغرض الذي يدعو لغير ما يدعو إليه ديننا فهو حرام والمال الحرام لابد من التخلص منه حتي تصلح التوبة بأن يرجعه إلي المصدر الذي أخذ منه أو يتنازل عنه لأية جهة وهنا لا يسمي تبرعا، وإنما هو تخلص ولا يجوز التبرع به لبناء مسجد فالله طيب ولا يقبل إلا الطيب. ويتعجب الدكتور محمد عبدالسميع جاد من الفنانات المعتزلات اللائي قررن العمل بالدعوة فيقول: لابد للداعية من أمرين: الأول أن يكون قدوة في ذاته، والثاني أن يكون مؤهلا لهذا العمل وهذا يحتاج إلي سنوات طويلة من التخصص والمتابة فأنا أعمل في الدعوة منذ خمسين عاما وما زلت أضيف لمعلوماتي وأصحح بعض الأخطاء «صحيفة العربي المصرية 8/6/1998». الشكوي الجديدة تتضمن أسماء أربع ممثلات مصريات هن غادة عادل وفريدة سيف النصر وحلا شيحا وميرنا المهندس، إضافة إلي الراقصة دينا، ولم يتضمن البلاغ أي نقد إلي أعمال الفنانات قبل ارتدائهن الحجاب لكنه حوي هجوما حادا عليهن كونهن خلعن الحجاب، الأمر الذي جعل المحامي يعتبرهن «يتاجرن بالفن ولا يعتبرنه رسالة» وقال: «تحولن إلي المتاجرة بالدين تارة بارتداء الحجاب وأخري بخلعه وولوج السفور وإظهارهن جميع العورات لافتا إلي أن بعض وسائل الإعلام "لم تعد له شغلة ولا مشغلة سوي الحديث والخوض في قضية الحجاب سواء للمشور في حقهن أو لغيرهن باعتبارها قضية تتعلق بالحرية الشخصية"، واعتبر أن إنكار وجوب ارتداء المرأة للحجاب يعد إنكارا لصحيح الدين ما يوقع صاحبه طائلة العقاب سواء بالقانون الوضعي أو الشرع الإلهي، ويجب أن يكون العقاب مشددا إذا كانت المرأة ارتدت الحجاب بالفعل ثم خلعته خصوصاً إذا كانت من المشاهير». وتحسبا لرد قد يأتيه من النائب العام برفض الشكوي علي أساس أنه غير معني بقضية الحجاب قال الوحش: «لا يمكن القول بأنني ليست لي صفة أو مصلحة فالشرع الإلهي جعل هذا الفرض كفاية إذا قام به أحد أفراد المسلمين سقط عن الباقين وأنا لي مصلحة باعتباري فردا من أفراد المسلمين والمشرع الوضعي أعطاني ذلك الحق إضافة إلي المادة ال 25 من قانون الإجراءات الجنائية التي تجيز لي الإبلاغ عن الجريمة متي علمت بها من دون الحصول علي إذن أو تصريح». وطالب المحامي النائب العام ب «سرعة اتخاذ الإجراءات القانونية نحو المشكو في حقهن واستعائهن للتحقيق وسؤالهن عن الوقائع المنسوبة لهن والتي تتمثل في "إنكار المعلوم من الدين بالضرورة وازدرائهن أحد الأديان السماوية وتحريضهن المسلمات العفيفات علي خلع الحجاب، والاتجاه إلي حياة العري والسفور». وكانت السلطات المصرية لجأت إلي تعديل مواد قانون «الحسبة» الذي كان يسمح باللجوء مباشرة إلي القضاء لطلب الحكم بتكفير الأشخاص وارتدادهم عن الدين الإسلامي. واشترطت تقديم البلاغ إلي النيابة العامة التي يكون لها وحدها الحق في إقامة الدعوي القضائية وذلك بعد الضجة التي أحدثها حكم قضي بتفريق المفكر الدكتور نصر حامد أبوزيد عن زوجته منتصف التسعينات من القرن الماضي. يحاول بعض الإسلاميين تجاوز قضية التحريم من خلال الاحتواء بعملية يصطلحون علي تسميتها بالأسلمة، ولذلك نجد من يتساءل عن المواقف من سينما إسلامية أو يكتب عن المسرح الإسلامي من دائرة التنظير إلي محيط التطبيق أو من يؤكد: نعم هناك غزل إسلامي وكان محمد قطب قد وضع شروطا لإمكانية أن يمتد الفن الإسلامي إلي عدد من المجالات من أهمها: عنايته الخاصة بحقيقة الشمول والتكامل في النفس البشرية أي يجب ألا يعرض الجانب المادي في الإنسان وحده بمعزل عن الجانب الروحي وعندما جاء «قطب» إلي تحليل ونقد ما يراه فنا إسلاميا، اقتصر علي الفنون الكلامية فقط، واستبعد النحت والرقص «بوصفهما فنين يعبران عن طريق الجسد وحده، فيخلان بشرط من شروط الفن الإسلامي» ويضيف: أما السينما في ذاتها محرمة ولكن لأنها بصورتها الحالية الهابطة العارية المنحلة بعيدة جدا عن الجو الإسلامي»، «ص: 136». منع أعمال فنية تصدي مجمع البحوث الإسلامية والأزهر والرقابة بالمنع لأعمال سينمائية وتليفزيونية ومسرحية أخري - بخلاف الرسالة - بحجة ظهور الصحابة فيها.. واختلف الشيوخ حول هذا النوع من الفن: هل يحرمون ظهور جميع الصحابة، أم يكتفون بتحريم ظهور النبي «صلي الله عليه وسلم» وآل بيته والعشرة المبشرين بالجنة؟ في النهاية لم تحسم المسألة لتمتد قائمة - آخذة في الاستطالة - للفن الممنوع لأسباب دينية!. في عام 1926 حاولت شركة ألمانية إنتاج فيلم عن النبي «صلي الله عليه وسلم» ورشحت لأداء شخصيته الكريمة «يوسف وهبي» وثارت ثائرة الأزهر والرأي العام وبعث الملك فؤاد بتهديد إلي يوسف وهبي بالنفي والحرمان من الجنسية المصرية إذا أدي الشخصية، فتراجع يوسف وهبي عن المشروع تماما.. بل تبرأ منه. وفي عام 1972 حاول المخرج الراحل «كرم مطاوع» تقديم مسرحيتي «الحسين ثائرا» و«الحسين شهيدا» علي المسرح القومي بدمجهما في عرض مسرحي واحد، قام فيه الراحل عبدالله غيث - صاحب نصيب الأسد من الأدوار الدينية - بأداء دور الراوي - المعادل الدرامي لشخصية الحسن نفسه - حيث يردد في كل عبارة يقولها جملة: «يقول الحسين.. ثم يردد كلام الحسين نفسه» وقام مطاوع بعمل 30 بروفة للمسرحية حضرها فنانون ونقاد وصحفيون وطلبة ثم منعت الرقابة - الأزهر - عرض المسرحية وما زالت كل المحاولات التي ترمي لتقديمها محكوما عليها بالفشل. وفي التليفزيون منع مسلسل «أبوعبيدة بن الجراح» من العرض، وكان قد تم البدء في عرضه في عام 1984م، ثم أوقف - بعد عدة حلقات - لظهور الصحابي الجليل علي الشاشة والذي قام بتمثيل دوره عزت العلايلي.. وهكذا فإن للعلايلي نصيبا لا بأس به من المنع - لأسباب دينية - فإلي جانب «أبوعبيدة» منع عرض مسلسله «رجل بألف رجل» - والذي عرض في عدد من الدول العربية - وكان يؤدي فيه دور «الجراح» أيضا «المصور 2/11/2001». وافق الأزهر الشريف علي ظهور صحابة الرسول صلي الله عليه وسلم باستثناء العشرة المبشرين بالجنة في الأعمال الفنية: التمثيليات والأفلام والمسرحيات وجاءت هذه الموافقة في اجتماع عقده مجمع البحوث الإسلامية برئاسة الإمام الأكبر الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر فيما رفض المجمع ظهور الرسول الكريم «صلي الله عليه وسلم» أو أي رسول من الرسل احتراما لهم وحفاظا علي صورتهم في أذهان المشاهدين.