القضاة ينتصرون للشرعية واستقلال السلطة القضائية الرئيس مرسي ينتهك الشرعية ثلاث مرات انتزاع السلطة التأسيسية في أغسطس 2012 إلغاء مرسوم حل مجلس الشعب إقالة النائب العام في 11 أگتوبر 2012 تقرير يكتبه: حسين عبدالرازق يبدو التساؤل مشروعا حول ما إذا كان ملف أزمة «إقالة» النائب العام د. عبدالمجيد محمود قد تم إغلاقه بإلغاء القرار الخاطئ الذي تورط فيه د. محمد مرسي رئيس الجمهورية وانعقاد الجمعية العمومية الطارئة لنادي القضاة بحضور أكثر من 3000 قاض وأعضاء النيابة العامة، وممثلين لنوادي وقضاة المحكمة الدستورية العليا ومجلس الدولة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، ونقابة المحامين، وممثلي المجتمع المدني وأساتذة القانون، وما أصدرته من قرارات لتأكيد استقلال السلطة القضائية. فهذه الأزمة الناتجة عن انتهاك الشرعية الدستورية والقانونية، ليست الأولي في ظل حكم حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين والرئيس د. محمد مرسي. أول انتهاك سافر للشرعية الدستورية ارتكبه الرئيس د. محمد مرسي كان في 12 أغسطس 2012 عندما أقدم علي انتزاع سلطة ليست له وهي «السلطة التأسيسية» والتي كان يحوزها في ذلك الوقت ومنذ 11 فبراير 2011 «المجلس الأعلي للقوات المسلحة»، فأصدر إعلانا دستوريا في 17 يونيو 2012 تضمن إلغاء الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس الأعلي للقوات المسلحة، والذي أعطي المجلس الأعلي للقوات المسلحة سلطة التشريع لحين انتخاب مجلس شعب جديد ومباشرة اختصاصه، وحق تشكيل جمعية تأسيسية جديدة إذا قام مانع يحول دون استكمالها لمهامها، وأن يباشر المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. بالتشكيل القائم وقت العمل بهذا الإعلان» بتقرير كل ما يتعلق بشئون القوات المسلحة وتعيين قادتها ويكون لرئيسه «حتي إقرار الدستور الجديد جميع السلطات المقررة في القوانين واللوائح للقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع»، ونص الإعلان الدستوري الذي أصدره د. مرسي علي تولي رئيس الجمهورية سلطة التشريع وحق إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية خلال شهرين من تاريخ موافقة الشعب علي الدستور الجديد. الانتهاك الثاني وقع بعد حكم المحكمة الدستورية العليا في 14 يونيو 2012 ببطلان مواد في قانون انتخابات مجلس الشعب «المواد المعدلة بالمرسوم بقانون رقم 108 لسنة 2011 والمرسوم بقانون رقم 123 لسنة 2011» وبالتالي بطلان مجلس الشعب الذي انتخب طبقا لهذا القانون وحله، فقد أصدر د. محمد مرسي مرسوما بقانون يلغي به المرسوم الصادر من المجلس الأعلي للقوات المسلحة بحل المجلس تنفيذا لحكم الدستورية العليا، رغم أن أحكام المحكمة الدستورية نهائية وباتة ونافذة بذاتها، وألغت المحكمة الدستورية العليا في 10 يوليو المرسوم بقانون الذي أصدره مرسي بعودة مجلس الشعب. الانتهاك الثالث هو القرار الأخير الذي أصدره رئيس الجمهورية بعزل النائب العام عبدالمجيد محمود من منصبه وتعيينه سفيرا في الفاتيكان! وسيناريو العزل.. أو الإقالة الضمنية.. والتراجع وإلغاء الرئيس لقراره، يقدم صورة مأساوية لانهيار الدولة في مصر في ظل حكم الإخوان المسلمين وحزبهم الحرية والعدالة ورئيسهم الدكتور المهندس محمد مرسي. ففي السادسة من مساء الخميس الماضي (11 أكتوبر 2012) أعلن د. أحمد عبدالعاطي مدير مكتب الرئيس د. محمد مرسي في مؤتمر صحفي أن رئيس الجمهورية أصدر قرارا بتعيين المستشار د. عبدالمجيد محمود سفيرا لمصر لدي دولة الفاتيكان وسيصدر قريبا قرارا بتعيين نائب عام جديد، وأضاف أن القرار يأتي علي ضوء المشهد السياسي الراهن.. «فلا يمكن فصل قرارات الرئيس مرسي عما يدور علي الساحة المصرية» وأن الرئيس استخدم صلاحياته بعد أن أجري مشاورات في هذا الصدد، مشيرا إلي أن الرئيس عقد اجتماعا بمقر رئاسة الجمهورية أمس حضره المستشار محمود مكي نائب رئيس الجمهورية ود. هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء والمستشار أحمد مكي وزير العدل والفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع واللواء أحمد جمال الدين وزير الداخلية ومسئولون آخرون «لبحث مستجدات المشهد الداخلي وتطوراته والاستماع لصوت الشارع الذي يطالب بالقصاص لدماء الشهداء»، ولم يتأخر الرد من جانب المستشار عبدالمجيد محمود فأعلن في الساعة السابعة والنصف من نفس الليلة أنه لم يتقدم باستقالته من منصبه وأنه باق في موقعه نائبا عاما طبقا لقانون السلطة القضائية وسيمارس عمله من مكتبه بدار القضاء العالي صباح السبت. وأصدر النائب العام يوم الجمعة بيانا رسميا فضح فيه التفاصيل الكاملة لمحاولات عزله من منصبه مشددا علي بقائه في موقعه ومؤكدا أن تمسكه بموقعه ليس طعما في منصب النائب العام أو غيره من المناصب، وإنما يأتي دفاعا منه عن الحصانة القضائية التي يقررها الدستور والإعلان الدستوري وقانون السلطة القضائية لكل القضاة ضمانا للحقوق والحريات، ومنعا لتدخل السلطة التنفيذية في شئون القضاء والقضاة، وحرصا منها علي العدالة»، وكشف عبدالمجيد محمود عن تلقيه اتصالات هاتفية منذ ظهر يوم الخميس حملت تهديدات له بصورة مباشرة وغير مباشرة تطالبه بتقديم استقالته وقبول تعيينه سفيرا، من جانب المستشارين أحمد مكي وزير العدل وحسام الغرياني رئيس الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور ورئيس مجلس القضاء الأعلي السابق وأبلغاه أنهما يتصلان به من رئاسة الجمهورية. وقال النائب العام إن وزير العدل اقترح عليه خلال الاتصال الهاتفي أن يعود للعمل في المحاكم لحين تدبير منصب كريم له، خاصة أنه لم يكن هناك سوي منصب رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، وأنه يرفض هذا المنصب للنائب العام لأنه غير لائق له، وإزاء رفض عبدالمجيد محمود، أبلغه مكي أن حسام الغرياني سيتصل به، وخلال اتصال الغرياني هاتفيا بالنائب العام أكد له ضرورة ترك موقعه كنائب عام بمقولة «خطورة الموقف» واقترح عليه الانتقال للعمل كسفير لمصر في دولة الفاتيكان، وحذره بصورة تحمل تهديدا مباشرا له من خطورة المظاهرات المتوقعة يوم الجمعة، وقال «المتظاهرون من الممكن أن يتوافدوا علي مكتبك وأن يقوموا بالاعتداء عليك علي نحو ما جري مع المرحوم المستشار عبدالرازق السنهوري» في إشارة لاقتحام مجلس الدولة في أزمة 1954 والاعتداء بالضرب علي رئيس المجلس وقضاته ورفض عبدالمجيد كل العروض وأكد أنه لن يترك منصبه كنائب عام. وبمجرد صدور قرار رئيس الجمهورية بتعيين عبدالمجيد محمود سفيرا لمصر في الفاتيكان وإذاعة القرار بدأت ردود الفعل التي فاجأت أصحاب قرار عزل المستشار عبدالمجيد محمود. جاء أول وأهم رد فعل من القضاة ووكلاء النيابة العامة، توافد عشرات فمئات القضاة وأعضاء النيابة العامة مساء نفس اليوم «الخميس» علي مقر النادي النهري للقضاة بالعجوزة مطالبين بعقد اجتماع طارئ مع مجلس إدارة نادي القضاة بالقاهرة، وتقرر عقد اجتماع طارئ في العاشرة مساء مع القضاة وأعضاء النيابة العامة المتواجدين لاتخاذ موقف مبدئي من قرار إقالة النائب العام، ودعوة رؤساء أندية القضاة بالأقاليم للاجتماع مساء يوم الجمعة. وأعلن المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة خلال اجتماعه وأعضاء مجلس إدارة النادي بحضور المئات من رجال القضاء والنيابة العامة بنادي القضاة، أن قضاة مصر جميعا ومن قبلهم شعب مصر متمسكون ببقاء المستشار الدكتور عبدالمجيد محمود النائب العام في منصبه.. إعلاء لسيادة حكم القانون ومبدأ الفصل بين السلطات وتفعيلا لقانون السلطة القضائية الذي يحصن النائب العام من العزل من منصبه «إن قضاة مصر يتعرضون الآن للعقاب بسبب حرصهم علي تطبيق صحيح حكم القانون علي المتهمين والمتقاضين بمنأي كامل عن توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية بحيث يدان من يثبت إدانته ويبرأ من لا يوجد دليل علي إدانته»، وأضاف أن قضاة مصر حريصون أشد الحرص علي ضرورة القصاص لدماء شهداء ثورة 25 يناير شريطة أن يكون قصاصا عادلا من الجناة الحقيقيين الذين تثبت إدانتهم وذلك لأن القضاة لا يحكمون بأدلة فاسدة، وأعلن النادي عن عقد جمعية عمومية طارئة لنادي القضاة يوم الأحد لمواجهة «الظالمين الطغاة». ووصف مصدر قضائي بالمحكمة الدستورية العليا قرار مرسي بأنه «قرار خاطئ ومخالف للقانون والدستور» فالقانون 46 لسنة 1972 «الفصل الثالث من الباب الثاني، يقول في مادته 67 «رجال القضاء والنيابة العامة – عدا معاوني النيابة – غير قابلين للعزل» والنائب العام هو رأس النيابة العامة لذلك لا يجوز عزله أو إقالته من منصبه. ووصف المستشار وليد الشافعي نائب رئيس محكمة استئناف الإسكندرية قرار مرسي بأنه «انقلاب علي الشرعية.. وتغول علي السلطة القضائية» وقال المستشار خالد محجوب رئيس محكمة استئناف الإسماعيلية، أن يوم صدور قرار عزل النائب العام «يوم أسود في تاريخ القضاء المصري، وأعلن المستشار محمد عبده صالح أمين صندوق نادي القضاة ونائب رئيس محكمة النقض أن جميع الخيارات ستكون مفتوحة أمام القضاة والنيابة العامة، سواء بإضراب القضاة ورجال النيابة عن العمل أو تعليق العمل في المحاكم، وأن تنفيذ قرار إقالة النائب العام سيعد سقوطا للقضاء وللدولة. وأعلنت نقابة المحامين واتحاد المحامين العرب مساندتهما للنائب العام والقضاة ورجال النيابة العامة. ووقفت الأحزاب والقوي السياسية إلي جانب النائب العام رافضة عدوان السلطة التنفيذية علي استقلال القضاء وكان موقف حزب التجمع مميزا فبمجرد إعلان قرار الإقالة ورفض النائب العام له، أرسلت بالمشاركة مع الزميلة فريدة النقاش رئيسة تحرير «الأهالي» رسالة عبر الموبايل للمستشار عبدالمجيد محمود نصها «قرار مرسي انتهاك فظ للشرعية القائمة، أحيي رفضك لهذا العدوان علي السلطة القضائية والدفاع عن الشرعية»، وفي اليوم التالي أرسل د. رفعت السعيد رئيس الحزب باقة زهور إلي عبدالمجيد محمود ومعها رسالة تقول: عوت الضباع عليك عاوية ظنا بأنك مأكل جذر فتذوقتك وقال قائلها إن الغضنفر لحمه مر وكان حزب التجمع وصيحفته «الأهالي» قد نبهوا مبكرا لوجود توجه من جانب حزب الحرية والعدالة ورئيسه لاختراق إخواني لحزب الحرية والعدالة والتربص بالنائب العام عبدالمجيد محمود لما يتمتع به من شخصية قوية ودرجة من الاستقلال يصعب في ظلها تطويعه، فنشرت «الأهالي» في أول أغسطس 2012 تصريحات خاصة للنائب العام حصل عليها الزميل ثروت شلبي قال فيها إنه «مستمر في منصبه القضائي حتي نهاية ولايته في عام 2016 وبلوغه سن السبعين، وهو سن التقاعد وفقا لقانون السلطة القضائية، الذي لا يمنح أي سلطة أو شخص حق عزله أو إعفائه من منصبه لتمتعه بالحصانة القضائية، لاسيما وهو عضو المجلس الأعلي للقضاء الذي يتكون من سبعة من شيوخ القضاة يترأسهم رئيس محكمة النقض». وفي 12 سبتمبر 2012 نشر الزميل منصور عبدالغني في صحيفة «الأهالي» تقريرا إخباريا تحت عنوان «النائب العام في مرمي نيران الإخوان» جاء فيه أن «جماعة الإخوان المسلمين بصدد تنفيذ مخطط للضغط علي المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام لإجباره علي تقديم استقالته خلال الفترة المقبلة وقبل الاستفتاء علي الدستور الجديد». وحدهم «الإخوان المسلمين» والأحزاب والشخصيات المنتمية لتيار الإسلام السياسي، هم الذين أيدوا العدوان علي السلطة القضائية والنائب العام، فالدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة أيد قرار رئيسه واتهم المستشار عبدالمجيد محمود ب «التستر علي الفساد ودعم الاستبداد والجرائم التي ارتكبت في حق الشعب المصري» وأعلن الشيخ محمد حسان المتحدث الإعلامي باسم الجماعة الإسلامية أن جماعته لديها إصرار علي إبعاد النائب العام ودعم قرار د. محمد مرسي وأكد محمد البلتاجي الأمين العام لحزب الحرية والعدالة أنه دعا النائب العام إلي اتخاذ قرار الاستقالة طواعية منذ شهور». وادعي «عصام سلطان» نائب رئيس حزب الوسط أنه إذا تم تقديم عبدالمجيد محمود للمحاكمة سيكشف عن قضايا تشيب لها الولدان فيما يخصه والنائبين اللذين سبقاه، وشارك د. عبدالمنعم أبوالفتوح في الحملة قائلا «إقالة النائب العام مطلب ثوري، طالبنا به منذ اليوم الأول للثورة»، ونقل المستشار الزند عن أحد قادة حزب الحرية والعدالة قوله «بعد أن تخلصنا من النائب العام سندخل علي التفتيش القضائي، ثم نتخلص من قضاة محكمة النقض الفاسدين». وفي يوم السبت 13 أكتوبر توجه المستشار عبدالمجيد محمود إلي مكتبه في الساعة الثامنة صباحا، وتوافد علي دار القضاء العالي القضاة ورجال النيابة العامة من كل بلاد الجمهورية حتي تجاوز عددهم 2000 وانضم إليهم المحامون وعلي رأسهم النقيب سامح عاشور، وبعد قليل توجه عبدالمجيد محمود للقاء د. محمد مرسي رئيس الجمهورية الذي دعا مجلس القضاء الأعلي للاجتماع معه بحضور نائب رئيس الجمهورية ووزير العدل، وقال له المستشار الزند وهو في الطريق إلي لقاء رئيس الجمهورية «اذهب وقاتل فإنا معك مقاتلون».. وانتهي اللقاء بإلغاء قرار رئيس الجمهورية واستمرار عبدالمجيد محمود في موقعه نائبا عاما بكل صلاحيته. ولكن أزمة الشرعية لم تنته بعد.. فالمحاولات الثلاث لانتهاك الشرعية الدستورية من جانب رئيس الجمهورية وحزب الحرية والعدالة، نجحت في المرة الأولي لأن الرأي العام والأحزاب والقوي الديمقراطية وجدتها فرصة لإنهاء دور المجلس الأعلي للقوات المسلحة ولم تلتفت إلي أن انتهاك الشرعية مرة والسكوت عليها سيدفع بالرئيس وجماعته إلي تكرار مثل هذه الانتهاكات، ولم تنجح في المرتين الثانية والثالثة لأنها اصطدمت بقضاة المحكمة الدستورية ثم بالسلطة القضائية كاملة، والتي دافعت بشراسة عن استقلالها والشرعية. وبالقطع فليست هي النهاية، فالخطر الأكبر هو ما يجري في الجمعية التأسيسية غير الشرعية والتي تهيمن عليها «الإخوان المسلمين» وحلفاؤهم، فمشروع الدستور الذي أوشكوا علي الانتهاء منه تتم صياغته بمنطق الأغلبية والأقلية وليس بمنطق التوافق وفي غيبة الأحزاب والقوي السياسية اليسارية والليبرالية والديمقراطية، ويمهد لإنهاء الدولة المدنية الديمقراطية التي ناضل الشعب المصري من أجلها منذ أكثر من 200 عام وتأسيس دولة إخوانية دينية استبدادية. وإذا نجحوا في ذلك فستدخل البلاد في نفق مظلم وسيكون علي الشعب المصري القيام بثورة جديدة بعد أقل من عامين علي ثورة 25 يناير 2011!!