أين ذهبت الثورة التي أشاد بها الجميع ودفع ثمنها دماء أخرين، اين ذهبت ثورة يناير.. هل تحقق منها شيء هل يشعر المواطن المصري بأنه يعيش الآن في ظل قواعد واستراتيجية ثورية حقيقية؟ هل عقبها مشروع حقيقي لنهضة البلد. طرحنا سؤالنا العدد الماضي وأجاب عنه خبراء وسياسيون، ونواصل طرح القضية ليظل السؤال قائما: الثورة راحت فين؟ يقول المخرج مجدي أحمد علي رئيس المركز القومي للسينما واضح جدا لكل من له عينان إن الثورة تم اختطافها بواسطة أكثر القوي رجعية بالمجتمع وعلي جميع القوي المحبة للحياة والقانون والمحبة لفكرة أن يحكم الشعب نفسه بنفسه والمحبة للديمقراطية أن تبحث عن طريقة لإستردادها حيث إن القوي الديمقراطية التي قامت بالثورة تعاني حاليا من التشتت والفرقة بينما قوي رجعية توحدت للمرة الأولي وتنازلوا عن خلافتهم ” الفقهية والعقائدية “واتفقوا سياسيا علي عزل كل قوي المجتمع المدني والقوي الديمقراطية والقوي الليبرالية .ولكن التجربة اثبتت ان هذه القوي لديها تنظيم ولكن ليس لديها خبرة لإدارة دولة بحجم مصر ويجد دكتور حسام عيسي استاذ القانون بجامعة عين شمس أن المشكلة تكمن في الاختلاف بين الكلام والوعود البسيطة للشخص كمرشح عن واقع إدارة شئون دولة بهذا الحجم وبهذا التعقيد . اضافة إلي إننا لسنا علي دراية بتفاصيل مشروع النهضة الذي قام بوضعه خيرت الشاطر. فالمشكلة الحقيقية التي تواجه الرئيس مرسي حاليا والتي سوف تستغرق أكثر من مائة يوم هي إعادة الدولة المصرية إلي وجودها واحترامها و سيطرتها علي الوضع . فقد إزدادت الامور تعقيدا فيما يتعلق بإرساء قوة الدولة في الآونة الأخيرة بعد ما حدث في سيناء التي كشفت عن بؤرة من الإرهابيين يتصرفون كما لو كانوا هم الدولة . ضعف الموارد ويضيف عيسي لدينا عجز في الميزانية والموارد الامكانات الموجودة ضعيفة للغاية والموارد تقل نتيجة تضاؤل الاستثمار في ظل عدم الاستقرار وبالتالي ليست القضية مشروع النهضة أو غيره ولكن القضية في إعادة بناء الدولة وإعادة الهيبة لها واعادة هيمنتها علي الواقع ومعني الدولة هنا ليس الامن فقط ولكن إيمان الناس بأن الافق مفتوح وإن الدولة ستتحقق .فيمكن أن نتخلص من البلطجية ولكن قد تنتشر المظاهرات العمالية المطالبة بتحقيق جزء مما كانت تتمناه من الثورة خصوصا إن مبارك ترك اوضاع اجتماعية في حالة سيئة فقد أصبح 48 % من الشعب المصري تحت خط الفقر فكل هذا لا يصلح معه وعود ال100 يوم ولكن يناسبه أن نتحدث مع الناس علي المدي المتوسط والمدي البعيد فلا يوجد ما يمكن إنجازه علي المدي القصير قبل إستعادة الدولة . بعدها نستعيد دوران عجلة الانتاج والعمل عموما بإنتظام . فعدم شعور الناس بوجود دولة يدفعهم لأخذ حقوقهم بإيديهم وهذا شيء خطر في المدي القصير . ويقول دكتور نبيل عبد الفتاح يرجع السبب في غياب الخطة القومية أو مجموعة الخطط القطاعية إلي ضعف الفكر الإستراتيجي في مصر وهذا نتيجة تدهور دور المؤسسات لصالح الأفراد في ظل الدولة التسلطية وهيمنة الرؤي والقرارات الفردية من قمة النظام علي اجهزة الدولة المختلفة . بل إن التشكيلات الوزارية المتعاقبة كانت بمثابة سكرتارية لمن يشغل منصب رئيس الجمهورية وادت شخصنة السلطة إلي إضعاف التفكير الإستراتيجي وإضعاف دور مؤسسات الدولة القومية التي يفترض فيها أنها تقوم بتجميع المعلومات واستقطاب بعض العقول الكبري من داخل الدولة و خارجها بهدف وضع الخطط الإستراتيجية. فكر تسلطي ويضيف عبد الفتاح أن الأخطر من الخطط الإستراتيجية هو التفكير الاستراتيجي فالفكر التسلطي لا يؤدي إلي الاقرار بالتعددية والحق في الإختلاف وبالتالي يفقد القدرة علي تقديم وجهات نظر مختلفة يتم الموازنة فيما بينها حتي يمكن بلورة ماهي الرؤي الاستراتيجية الملائمة لكل مرحلة تاريخية من ناحية أخري تغليب الايدلوجي علي الإستراتيجي بمعني إنحياز بعض الكتاب والأكاديميين والتكنوقراط والبيروقراطيين لطبيعة تحيزاتهم الايدلوجية ومصالحهم بحيث لا يؤدي هذا إلي بلورة تفكير إستراتيجي قائم علي اساس الواقع الموضوعي وكيف يمكن صياغة ماهي المصالح القومية لمصر في مرحلة تاريخية محددة سواء علي المستوي الداخلي أو علي المستوي الإقليمي والدولي. من ناحية أخري ايضا غلب التفكير الايدلوجي الاسطوري بمعني أن بعض الجماعات والقوي السياسية لا تزال تطرح مجموعة من الشعارات العامة غير المحددة والأقرب إلي الامنيات السياسية منها إلي الواقع المختار ومن أبرز هذه المحاولات ماسمي بمشروع النهضة لدي السيد خيرت الشاطر والرئيس محمد مرسي فكليهما ساق مجموعة من الشعارات العامة أقرب إلي الالواح الخشبية منها إلي التفكير الاستراتيجي يعتمد علي دراسات في العمق لكيف يمكن استنهاض الدولة المصرية من حالة الازمة الكبري الممتدة والخلل العميق بالإضافة لغياب مراكز البحث الاكاديمي والاستراتيجي ذي القيمة والأهمية بإستثناء مركز دراسات السياسية والإستراتيجية في فترة ما من فترات تطوره لا نستطيع ان نقول اننا أمام مراكز إستراتيجية أخري في مصر كلها مراكز بيرقراطية محضة تعتمد علي إعادة إنتاج مقولات شائعة وتبتعد كثيرا عن مقومات البحث العلمي الاصيل كذلك غياب دعم من الدولة لهذه المراكز غياب تمويلات ذات وزن من قبل الدولة لإجراء مثل هذه البحوث والدراسات التي يمكن أن يعتمد عليها صانع القرار . هناك ايضا فجوة نفسية حكمت صانع القرار في مصر بإعتباره إنه هو الاكثر قدرة علي اصدار القرارات والاكثر فهما للأمور وانه يمتلك من المعرفة ومن الخبرة ومن الحكمة أكثر من غيره هذا التصور للذات لدي بعض الرؤساء ادي إلي حدوث فجوة بين هؤلاء الرؤساء ومواقع الخبرة في البلاد وبالتالي كانوا يعتمدون علي خبراتهم الخاصة أكثر من مراكز البحث السياسية أو الإستراتيجية.