حماس ضالعة موضوعيا.. وصعود «مرسي» فتح الباب أمامها إن الضربة الغاشمة لقوة حراسة عسكرية مصرية عند معبر رفح وعلي بعد عدة كيلومترات من معبر كرم ابو سالم (الذي تؤمنه قوات اسرائيلية) مساء الأحد الماضي 5/8/2012 والذي أدي الي استشهاد 16 مجندا وضابطا والي جرح آخرين والاستيلاء علي مدرعتين مصريتين ومحاولة اقتحام المعبر الإسرائيلي بإحداهما ليتم تفجيرها بواسطة الطيران الإسرائيلي، كانت الشغل الشاغل لكل فئات المجتمع المصري غاضبين ومنتفضين مطالبين بالثأر والقصاص، وقد تعددت التحليلات لهذا الحادث الإجرامي علي الفضائيات والمقالات الصحفية والفيس بوك وتويتر ولم تخرج هذه التحليلات عن أربعة اتجاهات رئيسية: ( التحليل الأول) أشار الي ضلوع الجانب الإسرائيلي في هذا العمل الإجرامي بتفسير أنه الجانب المستفيد فيما حدث وخلاصة هذا القول أن إسرائيل تحاول إظهار أن الجانب المصري قد فقد سيطرته علي سيناء مما يستدعي تدخلا دوليا للمساعدة في السيطرة عليها، وتستفيد اسرائيل كذلك من ضرب وتحجيم العلاقات المتنامية بين حماس( الجناح الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين) المسيطرة علي غزة منذ 2007 والحكومة المصرية بعد سيطرة الإخوان علي السلطة و نجاح محمد مرسي في انتخابات الرئاسة، وتسعي اسرائيل الي إجبار القوات المسلحة المصرية أن تقوم بالحرب بالنيابة عنها علي التنظيمات الأصولية التي تعمل في سيناء والعمل علي غلق الأنفاق التي قامت إسرائيل بالكثير من المحاولات لإغلاقها، وتستفيد أيضا من توتير العلاقة بين جماعة الاخوان والتيارات السلفية التي تنتمي الي فكرها معظم هذه التنظيمات السيناوية لإضعاف التيار الإسلامي بوجه عام، ولعل البيان الذي أصدره حزب الحرية والعدالة يؤيد هذا الإتجاه في اتهام صريح للموساد بالقيام بهذه العملية. الاخوان مستفيدون ( التحليل الثاني) وهذا التحليل يركز علي أن الإخوان المسلمين مستفيدون من العملية لإظهار قصور القوات المسلحة في تأمين حياة أفرادها ناهيك عن سلامة الوطن، وفي هذا الإطار يأتي تعليق أحد قيادات الإخوان بضرورة إقالة المشير طنطاوي فورا بعد وقوع الحدث، كما أظهرت القرارات الأخيرة للرئيس محمد مرسي بإقالة رئيس جهاز المخابرات العامة وقائد الحرس الجمهوري ومحافظ سيناء وآخرين، ما يعكس الاستفادة من الحدث في الصراع بين الإخوان ممثلين في الرئيس والمجلس الأعلي للقوات المسلحة ومحاولة أخونة جهاز الدولة، وما تم من قرارات يعتبر مقدمة لما يمكن أن يتوالي من مواقف وقرارات لم تظهر كاملة حتي الآن. (التحليل الثالث) ويخلص هذا التحليل أن المستفيد مما حدث هو المجلس العسكري ومحاولة هيمنته علي مقدرات السلطة وإرباك الرئيس الجديد وأن القوات المسلحة هي درع الوطن وسيفه الذي لا يمكن التخلي عنه وأن الوطن وحمايته تأتي في المقدمة وأن الانحياز لحماس والقطاع يساعد في خلخلة الوضع الأمني والاقتصادي لمصر، ومما يدلل علي ذلك تضمين بيان المجلس العسكري عن العملية تزامنها مع قصف مدفعي مساعد من غزة علي معبر كرم ابو سالم مما يعطي انطباعا بتورط حماس وتنظيمات متطرفة في غزة في العملية، ويؤيد ذلك المظهر الذي رافق تأبين جثامين الشهداء من هجوم علي ممثلي السلطة والإخوان وعدم مشاركة محمد مرسي في هذه المناسبة والظهور الإعلامي الكبير للمشير طنطاوي وقيادات القوات المسلحة. (التحليل الرابع) وهو أن حماس أو عناصر منها هي الضالع الرئيسي في العملية ، وهذا التحليل لا يقوم عليه دليل قوي سوي العلاقة بين المهاجمين وتنظيمات جهادية تعمل في القطاع تحت سيطرة حماس وبالتنسيق معها غالبا، فليس من المعقول أن تلجأ حماس الي زعزعة حليفها الأساسي في مصر خاصة بعد كل ما قدمه لها في هذه الفترة القصيرة والاستقبال الحافل لهنية ومشعل في القصر الجمهوري وحشد أعضاء وعضوات الجماعة في شوارع القاهرة لاستقبالهم والحديث عن تقديم ثلاث وجبات ساخنة للفلسطينيين وتزويدهم بكل متطلبات الحياة وفتح المعبر بشكل دائم. صراع علي سيناء ومع وجاهة كل ما قدم من وجهات نظر واحتوائها علي قدر كبير من الحقيقة ولكن الموضوع في رأيي يمكن شرحه في الصراع الدائر للسيطرة علي شبه جزيرة سيناء ببساطة فهو صراع بين جماعات سلفية جهادية ترتبط بشكل وثيق بمثيلتها في القطاع ولها ارتباطات خارجية علي المستوي الدولي وعلي الخصوص بتنظيم القاعدة وبين جهازي الشرطة والقوات المسلحة، وتمتد تلك الأحداث لزمن طويل منذ تفجيرات شرم الشيخ في العام 2004 وما تلا ذلك من تفجيرات في نويبع ودهب وطابا استهدفت بالأساس السياح الأجانب وخاصة الإسرائيليين، وتمت مطاردات عنيفة للمتهمين في مسالك وشعاب وجبال سيناء وتصفيتهم جسديا مما رسب ثأرا بينهم وبين جهاز الشرطة، علي أن الظاهرة تفاقمت وطفت علي سطح الأحداث بشكل سافر بعد ثورة 25 يناير وانهيار جهاز الأمن وما تلا ذلك من انفلات أمني. إن تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين تمتد جذوره الي ما قبل النكبة في 1948 ومشاركة كتائب الإخوان في الصراع بين اليهود والعرب في الحرب التي تلت إعلان الدولة الإسرائيلية وما عقب ذلك من وضع القطاع تحت الإدارة المصرية، وقامت حركة الاخوان بالعمل الدعوي والخدمي في غزة لعدة عقود. بينما شارك بعض اخوان فلسطين في العمل المقاوم من خلال منظمة فتح أكبر التنظيمات الفلسطينية والتي دشنت العمل الفدائي في 1965 ومن أبرز من شاركوا في فتح الشيخ “عبدالله عزام” الذي زامل اسامة بن لادن في افغانستان بعد ذلك، بينما استمر الشيخ أحمد ياسين المؤسس الفعلي للجماعة في العمل الدعوي في غزة وتجميع الأنصار بعد احتلال اسرائيل للقطاع في 1967. ومما يذكر أن إسرائيل كانت تقدم العون المادي والمعنوي للجماعة كتيار ديني دعوي مسالم ومعاد للتنظيمات اليسارية والقومية في فلسطين، حتي قيل أن إسرائيل ساعدت علي انشاء حماس، وكانت مشاركة إخوان فلسطين في المقاومة من خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 2002 واستفادت حماس مما يعرف بالصحوة الإسلامية علي مستوي المنطقة في حرف الصراع العربي الاسرائيلي من تناقض وطني وقومي مع الصهيونية والاستعمار الي صراع أصولي بين الإسلام واليهودية وجعله علي خلفية دينية بحته واستدعاء تاريخ الصراع بين الرسول واليهود في المدينة ورفع شعارات “خيبر خيبر يا يهود..جيش محمد سوف يعود”. وبنجاح حماس بالأغلبية النسبية في الإنتخابات البرلمانية في 2006 بنسبة 45 % وتسليم السلطة الفلسطينية بنتائج هذه الانتخابات بدأ منحي آخر من الصراع مع منظمة التحرير انتهي بانقلاب حماس واستيلاؤها علي غزة في 2007، وبدأت حماس في صبغ القطاع بفكرها الديني وأسلمة كثير من مظاهر الحياة مما أدي بالطبيعة الي نشوء ونمو تيارات سلفية أكثر راديكالية تعددت اسماؤها واشكالها من فتح الإسلام وجيش الإسلام وجند الله وجلجلات والعشرات غيرها من التنظيمات التي تباينت العلاقات بينها وبين حماس بين الوحدة والصراع، فبينما تمت عملية خطف الجندي الاسرائيلي “جلعاد شاليط” من خلال عملية مشتركة بين حماس وجند الله فقد أغارت حماس علي مسجد في رفح في 2009 أعلنت فيه حركة “انصار الله” وقائدها “أبو نور المقدسي” إقامة إمارة إسلامية في غزة وقتلته حماس ومعه 38 من انصاره، وعملت هذه التنظيمات الجهادية علي وجود ظهير لها في سيناء مستفيدة من الامتداد الطبوغرافي والقبلي ومستغلة الأنفاق في عمليات تهريب الأسلحة وغيرها، ولتخزين الأسلحة والتدريب والتجنيد وغيره مستفيدة من الأنفاق التي تسهل الحركة بين سيناء والقطاع دخولا وخروجا. اصوليون فلسطينيون لم تكن التنظيمات الأصولية الفلسطينية في قطاع غزة بعيدة عن سلسلة التفجيرات التي حدثت في سيناء في العقد الأول من القرن الجديد، وحتي كثير من العمليات في الداخل كانوا علي صلة بها، ونتساءل عن مصير التحقيقات التي تمت من قبل جهاز أمن الدولة المنحل حول علاقة تنظيم جيش الإسلام بتفجير كنيسة القديسين بالاشتراك مع بعض السلفيين بالإسكندرية وهو ما تم طمسه نهائيا بعد تهريب المتهمين من هذا التنظيم واعضاء حماس وحزب الله من السجون المصرية أثناء الثورة والهجوم المنظم علي السجون واحراق جميع الأوراق والأحراز والملفات بعد إحراق مقار أمن الدولة في عملية مخططة بإتقان، كذلك فإن كثيرا من الأحداث والعمليات في سيناء بعد الثورة كانت من تدبير وتنفيذ تنظيمات جهادية سلفية تم زرعها في سيناء بتدريب وتنظيم وتمويل جماعات من غزة وعلي رأسها حماس وفي غياب الوجود الأمني الرسمي ومنها تفجير خط الغاز لأكثر من 16 مرة بواسطة ملثمين، والعرض العسكري لأصحاب الرايات السوداء يوم قيام الإسلاميين بالحشد لجمعة قندهار في التحرير والتي رفع فيها رايات سوداء ايضا وصور بن لادن، وتفجير الأضرحة وفرض قانونهم علي السكان من محاكم شرعية والتجول بالملابس السوداء والأسلحة عيانا في الشوارع وعلي شاطئ البحر . سعودي ومصري في شهر يونيو الماضي أعلن تنظيم متطرف في غزة يسمي “أكناف بيت المقدس” من خلال شريط فيديو يجمع شابين أحدهما سعودي والآخر مصري عن قيامهما بعمل مسلح قريبا علي الحدود المصرية الإسرائيلية وقام بالتعليق علي الشريط شخص يدعي “أبو أسامة المهاجر” ووضّح انهم رصدوا جيدا الموقع الحدودي واعدوا للأمر عدته ولم ينس أن يوجه التحية لقائدهم أيمن الظواهري حفظه الله، ومنذ عدة أيام وبعد الزيارة الميمونة لإسماعيل هنية وخالد مشعل لمصر ولقائهم بمحمد مرسي وفضيلة المرشد العام اعلن هنية الإفراج عن “أبو الوليد المقدسي” زعيم تنظيم التوحيد والجهاد المتهم بتفجيرات سيناء و”أبو حفص” قائد جيش الأمة الإسلامي في توقيت متزامن مع اعلان مرسي الإفراج عن مجموعة من التكفيريين في مصر. لاشك أن مواجهة القوي التكفيرية المسلحة في سيناء يستلزم عملا عسكريا سريعا في مواجهتهم في مختلف أنحاء سيناء دون التعلل بالقيود المفروضة علي الجانب المصري في إتفاقية السلام المشؤمة مع إسرائيل، فرغم أن هذه الإتفاقية الظالمة يجب إعادة النظر فيها بدءا بالملحق الأمني والذي لا يسمح بحماية حدودنا من أي هجوم اسرائيلي ولكنه في الحد الأدني يمكننا علي الأقل من مواجهة هؤلاء المجرمين، أما الحل علي المدي الأطول فليس بتنمية شكلية لسيناء تعتمد علي الإستثمار الترفي والسياحي والترفيهي الذي يعمق المشكلة بدلا من حلها، ولكن في اطار تنمية حقيقية صناعية وزراعية متوازنة، وقبل هذا التنمية البشرية من المهم تعميق ثقافة الديموقراطية والتعددية وقبول الآخر بين أبناء سيناء وهذا دور منظمات المجتمع المدني من أحزاب وجمعيات وليس دور الدولة الإداري والأمني، وهذه مهمة شاقة وطويلة يجب علينا جميعا القيام بها.