«عيوننا إليكِ ترحل كل يوم.. تدور في أروقة المعابد.. تعانق الكنائس القديمة.. وتمسح الحزن عن المساجد» هكذا حدثتها الجميلة فيروز وهي تناديها «يا قدس يا قدس يا مدينة الصلاة».. والتي هي في حاجة الآن إلي تغيير جذري في معالجة تاريخها بما يحرره من قبضة أصحاب الخطاب الثوراتي، الذي هو عبارة في شبكة متداخلة وقوية من الأفكار المزيفة.. أنها بلد أقدم المعتقدات الدينية، يذكر أن أول اسم عرفت به القدس هو الاسم الذي سماها به سكانها الأصليون الكنعانيون وهو «بروشاليم» وشالم وشلم هو اسم «لإله كنعاني معناه السلام» أما «يرو» فهو بمعني مدينة أي «مدينة السلام». وربما ورد أول ذكر لمدينة القدس كتابتا كان في الوثائق التي عثر عليها في «عبلا» «تل مريخ» خفي شمال سورية والتي ترجع إلي أواسط الألف الثالث ق. م وتردف الوثائق أسماء عدة مدن منها «سالم» التي يرجع البعض أنها تشير إلي «القدس» غير أنه من الحقائق الثابتة أن أول اسم ثابت هو «أور سالم أو أوروشالم» وهكذا يجوز لنا أن تستنج أن التسمية «أورشليم» هي في الحقيقة كلمة كنعانية عربية أصيلة وليست عبرانية فاللغة العبرية لغة حديثة جدا ولدت في القرن الرابع ق. م وتبلورت في القرن الخامس الميلادي وبعده، وورد اسم أورسالم مرة ثانية فيما عرف بألواح «تل العمارنة» وهي ست رسائل بعث بها «عبدي خيبا» ملك أورسالم في القرن الرابع عشر قبل الميلاد إلي فرعون مصر «إخناتون» يشكو فيها من الخطر الذي تتعرض له مدينته من جراء هجمات ما يعرف «بالعبيرو» كما أن «سليمو أوسالم» ذكرت في سجلات «سنحاريب» ملك آشور في عداد المدن التي تدفع له الجزية ومن أسماء القدس أيضا «يبوس» نسبة إلي اليبوسيين وهم فرقة من الكنعانيين سكنوا القدس وما حولها وذكر بعض الباحثين أن اليبوسيين لم يكونوا سوي أسرة ارستقراطية كانت تعيش في القلعة في عزلة عن سكان البلدة، وفي هذه الفترة أخذ اسم اليبوسيين يظهر في الكتابات الهيروغليفية ويبدو أنهم خلفوا العموريين في سكن المدينة في مستهل الألف الثاني ق. م، وقد سماها الفراعنة في كتاباتهم «يابيثي، يابيثي» وهو تحريف لاسم يبوس الكنعاني – اليبوس وفي رأي انفرد به «محمود العابدي» في كتابه «قدسنا» أن اليونانيين سموها «هروسوليما» ولكن مؤرخهم «هيرودوتس» سماها «قديس» كما سمعها من سكان العرب المعاصرين له. وفي زمن الرومان حول الإمبراطور «هادريان» مدينة القدس بعد أن استولي عليها ودمرها عام 135 ميلادية إلي مستعمرة رومانية وبدل اسمها إلي «ايلياكابيتولينا» وصدر الاسم إيليا لقب عائلة هادريان «وكابيتولين جوبتير» وهو الإله الروماني الرئيسي وظل الاسم لمدة مائتي سنة حتي جاء الإمبراطور «قسطنطين» فألغي الاسم وأعاد إليها اسمها الكنعاني وبعد الفتح الإسلامي أطلق عليها: القدس، بيت المقدس، دار السلام، قرية السلام، مدينة السلام وكلها أسماء يقصد بها التكريم والتقديس. ويذكر أن للقدس شأن المدن التاريخية القديمة سور وأبواب وسور القدس يعود إلي أيام «اليبوسيون» ثم تغير في عهود لاحقة ليعود ويستقر بملامح معينة في العهد الروماني والبيزنطي. للقدس أحد عشر بابا منها سبعة أبواب مستعملة وأربعة مغلقة. باب العمود أو باب دمشق يقال له باب «نابلس» هو أهم وأجمل أبواب القدس ويكتسب أهمية كونه المدخل الرئيسي للمسجد الأقصي وكنيسة القيامة وحائط البراق ومنه تدخل إلي سوق تجاري يسمي سوق باب خان الزنب ويتفرع منه أسواق عدة «سوق اللحامين، العطارين، الصاغة» ويؤدي الدخول منه للوصول إلي الحي المسيحي والمسمي «حارة النصاري» من الجهة اليمني والحي الإسلامي إلي اليسار. أما باب «الساهرة» ويسمي باب «هيرودس» أحد أبواب القدس القديمة الثمانية ويقع في الركن الشمالي في المدينة موصلا منها إلي حي الساهرة الذي يقطنه العرب، وهناك أيضا «باب الأسباط» أو باب ستي مريم يقع في الحائط الشرقي من سور القدس فوق الباب عقد حجري مدبب عليه نقش كتابي بالعربية يتبين اسم السلطان العثماني «سليمان القانوني» وتاريخ ترميم السور، أيضا هناك «باب المغاربة» أحد بوابات القدس، سمي بباب المغاربة نظرا لأن القادمين في المغرب الإسلامي كان يعبرون منه لزيارة المسجد الأقصي. وعرف أيضا «بباب البراق، وباب النبي»، كما يوجد باب «النبي داود» ويسميه الأجانب «باب صهيون»، وهناك «الباب الجديد» ويعرف بأنه جديد نسبيا وعرف «بباب عبدالحميد» حيث أنشئ عام 1898 في زمن السلطان عبدالحميد الثاني بمناسبة زيارة الإمبراطور الألماني «فيلهلم» الثاني إلي القدس، أيضا «باب الخليل» أو باب يافا وهو المدخل الغربي الرئيسي للبلدة القديمة وهو مبني بزاوية قائمة للحيلولة دون الأعداء والمقتحمين ومنعهم من الدخول عن طريقه للمدينة وآخر الأبواب هو «باب الرحمة» ويقع علي بعد 200م جنوبي باب الأسباط في الحائط الشرقي للسور ويعود إلي العصر الأموي. هذه هي القدس والتي جعلتها مجلة «كلمتنا» الصادرة عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» موضوعا رئيسيا لعددها الصادر في أبريل 2012 لتجعل العام عام القدس. ورغم ضآلة ما عرضناه من تاريخ عريق للقدس إلا أنه قد يبرهن علي عروبتها فلا أحد يملك غير الفلسطينيين أن يقدم هويته لها رغم أن الاحتلال الإسرائيلي يشن أضخم حملة تزوير للتاريخ والتراث تستهدف اختلاف قدس ومملكة يهودية علي أنقاض المشهد المقدس. تعود القدس لتتصدر عناوين الصحف الأجنبية خاصة بعد أن دشنت إسرائيل القصور الأموية جنوب الأقصي لمناطق سياحية يهودية، ومنظمات صهيونية تحرض علي هدم مسجد بالقدس ويغيرون أسماء الأزقة والطرقات في البلدة القديمة بها، كل هذا ومازالت مدينة الصلاة تنتظر «الغضب الساطع» حتي لا يقفل بابا مدينتنا والطفل في المغارة وأمه مريم «وجهان يبكيان».