* بقلم د. نبيل رشوان تشهد العلاقات بين روسيا وبيلوروسيا منعطفاً مهما فى تاريخ الشعبين، وتطمح روسيا فى التكامل مع الأخيرة فى وحدة اندماجية لتكون رأس حربة فى مواجهة حلف الناتو، الذى يطل بأسلحته من بولندا وجمهوريات البلطيق لاتفيا وليتوانيا وإستونيا. الحديث عن الوحدة والتكامل بين روسيا وبيلوروسيا يدور منذ أن تولى الرئيس البيلوروسى الحالى الكسندر لوكاشينكو مقاليد الحكم فى بلاده. هذه الجمهورية الصغيرة التى تقع فى وسط أوروبا تقريباً ويحيط بها خمس دول هى روسيا وبولندا وأوكرانيا ولاتفيا وليتوانيا، والتى تبلغ مساحتها 207600 ألف كم متر مربع، ويقطنها حوالى 10 ملايين نسمة يشكل البيلوروس 80% منهم ويشكل الروس 8,2% منهم بينما يشكل الأوكران 1,7% والبولنديين 3,7%. وكما ذكرت وكالة ريا نوفوستى أن الجانبين الروسى والبيلوروسى لم يتفقا على خرائط الطريق فيما يتعلق بالعديد من نواح عملية التكامل بين البلدين، أثناء المباحثات التى جرت بين وفدى البلدين والتى عقدت فى مدينة سوتشى الروسية على البحر الأسود فى الثامن من ديسمبر الجارى. وكما تقول بعض المصادر إن الجانبين اتفقا فيما يتعلق بخرائط الطريق المتعلقة بالتكامل فى مجال الطاقة الكهربائية والجمارك، ووفق تصريحات سفير بيلوروسيا فى موسكو، جرت المباحثات فى أجواء يملؤها التفاؤل والنوايا الطيبة، مشيراً إلى أن رئيسى البلدين بوتين ولوكاشينكو استطاعا حل التعقيدات المتعلقة بمؤسسات الجمارك فى البلدين وهي مسألة لم تكن بسيطة وفق وكالة سبوتنيك الإخبارية الروسية. وحسب كلمات الدبلوماسى والسفير البيلوروسى فى موسكو سماشكو، الذى قال إن الجانبين الروسى والبيلوروسى سوف يقومان بإعداد القاعدة القانونية لما اتفقا عليه قبل 1 يونيو 2020، والأهم أن رئيسى وزراء البلدين سيقومان بمتابعة إعداد الأسس القانونية وحل القضايا العالقة فى بقية خرائط الطريق فى المجالات الأخرى للتكامل بين البلدين. نحن هنا لسنا بصدد الحديث عن نوعية الاتفاقيات، أو مجالات التكامل، فبيلوروسيا تعتمد لسد العجز فى مواد الطاقة من نفط وغاز على روسيا بالكامل، وهى تحصل على هذه المواد بأسعار تفضيلية وأحيانا مجاناً مقابل تمركز قوات روسيا فى بيلوروسيا لمواجهة الناتو الذى اقترب بشدة من الحدود الروسية فى بولندا، وكذلك مقابل مرور أنابيب نفط وغاز إلى أوروبا عبر أراضيها، وفى المقابل أيضاً تستخدم روسيا جارتها الصغيرة لكسر حاجز العقوبات المفروض عليها منذ عام 2014، وتستخدمها كنافذة للتجارة مع بعض الدول الأوروبية الغير ملتزمة بالعقوبات بصرامة. فى الفترة الأخيرة، بدأ الرئيس البيلوروسى ينظر بنصف عين إلى الغرب ربما لصدق نوايا فى التحول أو للضغط على روسيا فى الظروف الصعبة التى تمر بها بسبب العقوبات الغربية، والذى استقبله بشكل جيد، عندما زار الرئيس لوكاشينكو النمسا منذ شهر تقريباً، وكان الاستقبال الغربى دافئاً رغم أن الاتحاد الأوروبى يعتبر بيلوروسيا أخر الديكتاتوريات فى أوروبا، وهو ما دفع روسيا إلى الإسراع بتنشيط التفاوض اتفاقيات التكامل مع بيلوروسيا، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة وهوائية الرئيس لوكاشينكو. لكن فى حال حدوث وحدة بين البلدين وهو ما يمكن أن يؤمن للرئيس بوتين من ناحية استمراريته فى الحكم بعد عام 1924، واستمرارية الرئيس البيلوروسى لوكاشينكو كذلك، فهذه دولة جديدة بقوانين جديدة وقد يكون لها دستور اتحادى جديد، لكن على صعيد أخر هل سيقبل الرئيس لوكاشينكو أن يكون رقم 2 فى الدولة الجديدة، وهو الذى تعود أن يكون الآمر الناهى فى بلاده، وهل سيقلب الشعب البيلوروسى الذى تظاهر قطاع منه، رغم أنه ليس عريضاً، ضد الوحدة مع روسيا يوم الأحد الماضى. وهل سيترك الغرب بيلوروسيا تذوب فى أحضان الدب الروسى أم أنه سيسعى لتخريب هذه الوحدة بكافة السبل، خاصة أن بيلوروسيا دولة محدودة الموارد، وهل لهذا السبب ولتبديد المخاوف الروسية الخاصة باجتذاب الغرب لبيلوروسيا قام لوكاشينكو بزيارة العاصمة الصربية بيلجراد حليفة روسيا، التى ترفض الانضمام للناتو وللاتحاد الأوروبى، وربما لتلطيف الأجواء مع موسكو وطمأنتها. ورغم كل التطمينات لبيلوروسيا من جانب موسكو، إلا أنها تخشى من التعامل مع صديق ضخم قد يبتلعها خاصة أن مساحتها ضئيلة ومحدودة الموارد. لكن الذى لا شك فيها أن روسيا لديها رغبة قوية فى الاندماج مع بيلوروسيا لأسباب داخلية انتخابية وديموجرافية، وربما سياسية دولية وهى أنها قد تتجه إلى حل ما فى أوكرانيا، التى فقدتها ربما إلى غير رجعة بعد استعادتها لأرضها فى القرم والمشاكل المتعلقة بالحركات الانفاصالية فى شرق أوكرانيا وتريد الاستعاضة عن ذلك ببيلوروسيا، على أى حال اثبت الواقع ضعف البنية التحتية وعناصر الدولة المستقلة للأغلبية العظمى من دول الاتحاد السوفيتى السابق باستثناء روسيا. بالنسبة لبيلوروسيا الموقف يختلف بعض الشيء فهى فى قلب أوروبا، ومن الممكن أن تتمتع فى حال تمردها على روسيا بحماية أوروبية، لكن على ما يبدو لن يحدث هذا على الأقل فى عهد الرئيس الحالى لوكاشينكو، فهو اصطدم مبكراً بالاتحاد الأوروبى عندما طالبه الرئيس النمساوى بإلغاء عقوبة الإعدام مبرراً بقاءها بأنها رغبة شعبية، رغم أن جارته الكبرى روسيا ألغتها بناء على طلب أوروبى.