ربما لم يكن أي إنسان يتصور أن تنزلق العلاقات الروسية - البيلوروسية أو العلاقة بين روسيا و حليفتها روسياالبيضاء إلي هذا المستوي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ووصول الرئيس لوكاشينكو إلي سدة الحكم في روسياالبيضاء، فقد كانت روسيا بالنسبة لهذه الدولة ذات الستة ملايين نسمة العمق الاستراتيجي و الحامي من عقوبات غربية بسبب تشبث الرئيس لوكاشينكو بالحكم و تعديله للدستور خصيصاً ليبقي في السلطة ، حيث كانت روسيا و ما زالت مهتمة بروسياالبيضاء كموقع متقدم للدفاع والمناورة الروسية في العمق الأوروبي تحسباً لنشر منظومات دفاع صاروخي يهدد الأمن القومي الروسي .وصل عمق العلاقات بين روسيا و روسياالبيضاء إلي حد أنه في فترة من الفترات دار الحديث عن توحيد العملة بين البلدين و إقامة وحدة بينهما إبان حكم الرئيس يلتسين و بداية حكم بوتين ، لكن هذا لم يحدث نتيجة تردد الرئيس البيلوروسي الذي ربما خشي من أن يبتلع الدب الروسي بلاده التي لا تتجاوز مساحتها إحدي المقاطعات الروسية مثل موسكو أو سان بطرسبورج. تدهورت العلاقات بين البلدين عندما أعلنت روسيا عن عزمها إنشاء اتحاد جمركي يضم كلا من روسيا و بيلوروسيا و كازاخستان ، ودعيت أوكرانيا إلي هذا الاتحاد إلا انها أحجمت في الوقت الراهن مخافة أن يتهم الرئيس الجديد يانوكوفيتش بالارتماء في أحضان روسيا أكثر من اللازم ، خاصة بعد توقيع اتفاقية مع روسيا تمدد فترة بقاء أسطول البحر الأسود لمدة 25 عاما آخري تبدأ من عام 2017 ، لكن المستغرب كان رفض بيلوروسيا للاتحاد الجمركي ، السبب كان غير واضح. لكن الأزمة الأخيرة وما عرف بحرب الغاز والتي دارت رحاها علي مدي الأسبوع الأخير ، كشفت عن أن هناك خلافا حادا بين الدولتين ، فروسيا كانت تبيع الغاز لروسياالبيضاء بأسعار تفضيلية أي بحوالي 150 دولارا للألف متر مكعب ، علي أن يزيد السعر إلي 184 دولارا بعد ذلك في فترة لاحقة تمهيداً لأن يصل سعر الغاز الروسي إلي السعر العالمي ، لكن بيلوروسيا لم تسدد لا بالسعر القديم ولا الجديد و هي التي يمر عبر أراضيها 20% من الغاز الروسي المصدر إلي أوروبا فما كان من روسيا إلا أن بدأت خفض تدريجي للغاز المصدر لروسياالبيضاء مما حدا بالأخيرة إلي تخفيض كميات الغاز الروسي المصدر إلي أوروبا ، لحسن الحظ أننا في الصيف و إلا أخذت هذه الأزمة أبعاداً دولية أخري . الاحتقان في العلاقات الروسية - البيلوروسية بدأ يتفاقم بعد أن تحسنت العلاقات الروسية - الأوكرانية بشكل كبير بعد سقوط نظام البرتقالي القومي و الموالي للغرب ، حيث وجدت روسيا الأمان لإقامة أسطول البحر الأسود الروسي علي البحر الأسود حتي عام 2042 ، مقابل تخفيض سعر الغاز لأوكرانيا بنسبة 30% ، بدأ التفكير في روسياالبيضاء في نفس الاتجاه لماذا لا تخفض روسيا سعر الغاز لروسياالبيضاء أسوة بأوكرانيا خاصة أن لروسيا قواعد عسكرية في روسياالبيضاء ، مع الأخذ في الاعتبار أن روسيا لا تستطيع إقامة قواعد عسكرية في نقاط متقدمة في غرب أوكرانيا معقل القوميين الأوكران الذين تحالفوا مع قوات المانيا النازية ضد القوات السوفيتية في الحرب العالمية الثانية، من هنا تكتسب القواعد الروسية في بيلوروسيا أهمية خاصة في ظل حديث الغرب عن إقامة منظومة دفاع صاروخي في بولندا المجاورة لبيلوروسيا. من هذا المنطلق تحاول روسياالبيضاء الاستفادة من الجغرافيا للحصول علي مكاسب اقتصادية أسوة بجارتها أوكرانيا التي بدأت علاقتها الجديدةبروسيا تثير الغيرة لدي زعيم روسياالبيضاء لوكاشينكو ، وفي نفس الوقت علي روسيا أن تراهن علي النظام الأكثر استقراراً وهو موجود في روسياالبيضاء ، حيث إنه ليس له طموح الانضمام للاتحاد الأوروبي مثل أوكرانيا ليقدم تنازلات للغرب من أجل ذلك ، ناهيك عن أن النظام في بيلوروسيا تصادم كثيرا مع الغرب و يمكن المناورة به عند اللزوم . علي أي حال ستظهر الأيام المقبلة أي الدولتين روسياالبيضاء أم أوكرانيا ستفضل روسيا ، وفي الغالب سيكون هذا في ضوء علاقة روسيا بالغرب ، حيث كادت روسيا تضحي بعلاقتها بروسياالبيضاء بينما كان الرئيس الروسي ميدفيديف يلتهم شرائح الهامبورجر مع نظيره الأمريكي و ذلك عندما خفضت روسيا الغاز المصدر لروسياالبيضاء بنسبة 60%.