أكد سياسيون واقتصاديون أن رئاسة مصر للاتحاد تمثل خطوة مهمة ومسئولية كبيرة فى طريق استعادة دور مصر فى إفريقيا، وشددوا على ضرورة قيام المؤسسات المصرية بمختلف مستوياتها على استثمار هذه الفرصة، والتى تسهم فى حماية مصالح مصر فى القارة، وفى مقدمتها المصالح المائية، فحسب وإنما ستتيح لها إمكانية هائلة للاندماج فى القارة وتعزيز المواقف الإقليمية والدولية لمصر. كان الرئيس عبدالفتاح السيسي تسلم رئاسة الاتحاد الأفريقي لمدة عام، خلال زيارته الأخيرة للعاصمة الأثيوبية "أديس أبابا". فيما اعتبر خبراء بالشأن الأفريقى أن التزامن بين شغل جنوب أفريقيا العام الجديد مقعدا غير دائم فى مجلس الأمن الدولى للمرة الثالثة للفترة من 2019-2020، وتقلد مصر لرئاسة الاتحاد الأفريقى، فرصة لكلا البلدين فى المسرح الدولى لتعميق التعاون والعمل جنبا إلى جنب لمناصرة المصالح الأفريقية والسعى لتحقيق أهداف أجندة الاتحاد الأفريقى 2063 ورؤيتها حول أفريقيا متكاملة مزدهرة وسليمة. الأجندة الأفريقية وتعتبر أجندة إفريقيا 2063 خطة للتحول الذاتي، تسعى لتسخير المزايا النسبية للقارة، ووفقا لتقرير مفوضية الاتحاد الإفريقي، تعد هذه الأجندة بمثابة رؤية وخارطة الطريق للقارة السمراء لتسلسل الخطط القطاعية والوطنية والإقليمية المتماسكة، وتهدف إلى إقامة إفريقيا يسودها الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان والعدالة وسيادة القانون، وجعل القارة تنعم بالسلم والأمن، على أن تكون دول القارة ذات هوية ثقافية قوية وتراث وقيم وأخلاقيات مشتركة، وتعمل هذه الأجندة أيضا على ربط دول إفريقيا من خلال بنية تحتية ذات مستوى عالمي عبر حملة منسقة لتمويل وتنفيذ مشاريع البنية الأساسية فى قطاعات النقل والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بالإضافة إلى الإسراع من إنشاء "منطقة التجارة الحرة القارية" وصولا لمضاعفة التجارة الإفريقية البينية بحلول عام 2022، وكذلك دعم الشباب كمحرك لنهضة إفريقيا وإسكات السلاح بحلول عام 2020 هدف آخر تتضمنه أجندة 2063، لجعل السلام حقيقة واقعة وإنهاء الحروب والنزاعات الأهلية وانتهاكات حقوق الإنسان والكوارث الإنسانية فى القارة. وتستهدف برامج رئيسية للقضاء على الفقر بحلول عام 2025 وإطلاق ثورة فى مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار، بالاضافة الى تحويل الاقتصادات الإفريقية وضمان نموها وتوجيهها نحو التصنيع من خلال العمل على إثراء الموارد الطبيعية وتحديث الزراعة الإفريقية وزيادة القيمة المضافة والإنتاجية بحلول عام 2025، كما تنص على تحقيق التكافؤ بين الجنسين فى كل المؤسسات العامة والخاصة بحلول عام 2020، إلى جانب إصدار جواز سفر إفريقي وإلغاء التأشيرات بين الدول الإفريقية، وأخيرا تهدف الأجندة إلى تعبئة الموارد الإفريقية وبناء أسواق رأسمالية قارية ومؤسسات مالية، إضافة إلى التعلم من التجارب المتنوعة لمختلف البلدان والأقاليم. وعى ونشاط سياسى من جانبها، أكدت دكتورة شهيدة الباز، مديرة مركز البحوث العربية والإفريقية، أن قيام مصر بدور قيادى وسط القارة أمر طبيعى، ولكن الأهم أن تقوم بهذا الدور على الوجه الأمثل حتى يتسنى لها أن تحقق تنمية تحرر دول القارة من القوى الكبرى، ولن يتم ذلك إلا من خلال خلق علاقات وروابط قوية يمكنها المواجهة عن طريق خطط اقتصادية واجتماعية، الأمر الذى يتطلب وعيًّا ونشاطًا سياسيًّا واسعًا ورؤية ثقافية جديدة فى القارة السمراء. السلام والأمن بينما يرى دكتور أيمن شبانة، استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن مصر ستعمل على تسخير قدراتها وخبراتها لتعزيز التعاون والإسهام فى إيجاد حلول للتحديات الأفريقية، بحيث تنعكس هذه الرؤية فى التزام مصر وجاهزيتها لتحمل مسئوليتها كبلد أفريقى قيادى، وهو الالتزام الذي يضرب بجذوره فى الأراضى الأفريقية، والذى يعود إلى الفترة التى قدمت فيها مصر الدعم للدول الأفريقية لتحقيق الاستقلال والازدهار الاقتصادى، مضيفا أن السلام والأمن فى القارة مرتبطان بصورة لا تنفصل عن تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، وأن أفضل الطرق تأثيرا لضمان الاستقرار الدائم هو تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، ذلك فى الوقت الذى يمثل فيه الأمن والسلم شرطين ضروريين لنمو أسرع وأكثر شمولا، وذلك لدفع هذه الأجندة إقليميا ودوليا فى عام 2019 لخلق بيئة مواتية ومُمكنة لتحرير الإمكانيات الهائلة لأفريقيا. واوضح إن رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي تضعنا أمام مسئولية استكمال تأسيس مؤسسات الاتحاد، مثل الميزانية فلا يمكن تحقيق أي استقلالية فى أفريقيا دون ميزانية مستقلة خاصة بها، وكذلك محكمة العدل الأفريقية وبرلمان أفريقيا، مؤكدا أن مصر ستحرص على تسوية الصراعات فى أفريقيا، كما أنه من المنتظر أن ترتكز مصر على خمسة مرتكزات أثناء رئاستها للاتحاد وهى، دعم التكامل الاقتصادي الإقليمى، تعزيز التنمية الإقتصادية والإجتماعية، وتعزيز السلم والأمن، ومواصلة عملية الإصلاح المؤسسى والمالى للاتحاد الأفريقى ودعم الروابط الثقافية بين الشعوب الأفريقية ومد جسور التواصل الحضارى من خلال دعم الفعاليات الثقافية والتوسع فيها، والتبادل الثقافى وتطوير منظومة الرياضة الإفريقية،، موضحا أن إحدى الركائز الأساسية التى ستعمل مصر عليها أثناء رئاستها الاتحاد هى تسريع الجهود نحو إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، والتى تُعتبر بمثابة "الحلم" للكثير من الأفارقة منذ فترة طويلة، حيث كان التوقيع التاريخى على الاتفاقية المؤسسة للمنطقة الحرة القارية خطوة كبيرة نحو ذلك، وقد حان الوقت الآن لتشجيع مزيد من الدول للتصديق على الاتفاقية والعمل على دخولها حيز النفاذ. التنمية الاقتصادية ويقول هانى الحسينى، الخبير الاقتصادى وعضو اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع، إنه بعيدا عن كون تولى مصر لرئاسة الاتحاد هذا العام موضوعًا دوريًّا، غير أنه من المهم أيضا حضورنا بشكل منتظم فى هذا الشأن على مدار 12 شهرا، خاصة أن ذلك يعتبر فرصة للتواصل مع بلدان القارة على مختلف المستويات، مشيرا إلى ضرورة خلق علاقات ومنافع اقتصادية متبادلة حتى يتسنى لنا مواجهه الكيانات الاستثمارية الكبرى التى غزت القارة فى السنوات الأخيرة، واصفا أفريقيا بانها "القارة البكر" التى رغم النهب الاستعمارى لها لفترات طويلة غير أنه مازال لديها الكثير من الثروات كالخامات الطبيعية والأراضى الصالحة للزراعة بمساحات شاسعة والبترول وغيرها. وأوضح أن مصر لديها تاريخ من الخبراء والتطور الانتاجى ما يجعلها تنجح فى تكوين تجمعات اقتصادية وروابط افريقية قادرة على التنمية المشتركة وتبادل المصالح رغم صعوبة المنافسة مع الغير، مؤكدا أن قضايا تعزيز التعاون الاستثماري والتنموي تحتل أولوية خاصة فى برنامج الحكومة خلال توليها رئاسة الاتحاد فى ضوء تعزيز الاندماج الاقتصادي والتجاري بين التكتلات الإفريقية "الكوميسا" وتزايد اهتمام القوى الكبرى كالولايات المتحدةوالصين والهند والاتحاد الأوروبي بالأسواق الإفريقية. وعن المحاور التي ستوليها مصر أولوية خاصة خلال فترة رئاستها، قال"الحسينى" منها السعي لتعزيز التنمية الاقتصادية عبر العمل على تحويل القارة إلى مركز جاذب للاستثمارات من كل أنحاء العالم، وتطوير منظومتي التصنيع والاستزراع الإفريقية وتعظيم استثماراتها بالقارة والمشاركة فى كل الفاعليات السياسية والاقتصادية الإفريقية، حيث تشير إحصائيات وزارة الاستثمار والتعاون الدولي إلى أن إجمالي الاستثمارات المصرية فى إفريقيا بلغت 2ر10 مليار دولار بحلول نهاية 2018 فيما بلغ حجم الاستثمارات الإفريقية فى مصر حوالي 8ر2 مليار دولار؛ ما يعكس حجم الاهتمام الحقيقي من الحكومة بتعظيم أواصر العلاقات مع الدول الإفريقية كافة. وتواصل مصر سعيها لتعظيم الاستفادة من القيمة المضافة للمواد الطبيعية والبشرية بالقارة الإفريقية؛ إذ إن دول القارة تعد من أكبر الدول المستوردة على مستوى العالم فيما تعد فى الوقت ذاته من أكبر المصدرين للمواد الخام، فإذا ما تم تصنيع تلك المواد داخل القارة ثم تصديرها للخارج فإن ذلك جدير بأن يحدث طفرة اقتصادية بالقارة، بالاضافة الى نقل مصر خبرتها فى مجال تعزيز القيمة المضافة للمواد الخام إلى الدول الإفريقية لتشجيعها على التصنيع المشترك من أجل زيادة عائداتها المالية وتلبية متطلبات التنمية والنمو الاقتصادي. المصالح الاستراتيجية بينما شددت دكتورة أمانى الطويل، مدير البرنامج الإفريقى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، على ضرورة أن يتسم تحرك مصر خلال فترة رئاسة الاتحاد بالشمولية لكل مكونات المجتمع، مطالبة بأهمية توافر الرؤى الاستباقية للتعامل مع مستجدات الأوضاع فى القارة الإفريقية، خاصة على صعيد المحافظة على المصالح الاستراتيجية، وبما يحول دون إهدار فرص خاصة فى إقليم حوض النيل، بالاضافة إلى ضرورة تفعيل الدور المصرى على صعيد تسوية الصراعات الإفريقية، والذى لم يشهد ترحيبا به خلال السنوات الماضية. وأوضحت أن القارة السمراء اختلفت تماما عما كانت عليه واختلفت صورتها عن الصورة التقليدية المعتاد عليها، موكدةً أن مكافحة الإرهاب سوف ترأس أولويات الدولة خلال رئاستها للاتحاد، كما أن مصر تطرح تنمية القارة الإفريقية كحل لمكافحة الإرهاب وتعمل الوصول بإفريقيا أنها قارة متحدة ومتكاملة وذات مكانة عالمية من خلال رئاستها للاتحاد، مضيفة أنه تاريخياً تعد هذه الفترة الرابعة التى تترأس فيها مصر الاتحاد الإفريقى، مشيراً إلى أن الإصلاح الهيكلى وميزانية الاتحاد أهم التحديات التى تواجه مصر خلال رئاستها الدورة الحالية، وقالت إن رؤية مصر لتنمية القارة وجعلها ذات مكانة عالمية يتمحور حول الحل الثقافى والحضارى للقضاء على الإرهاب والعمل على التنمية المستدامة واستغلال الثروات التى تنعم بها القارة. وأشارت إلى أن مصر بما تمتلكه من قوة بشرية وخبرات فى مجالات مختلفة تحتاجها الدول الإفريقية، تستطيع أن تستثمر رئاستها للاتحاد فى توضيح هذه القدرات والاستفادة منها فى تحقيق التقارب مع الدول الإفريقية، عبر توسيع مجالات العمل أمام العمالة والشركات الاستثمارية المصرية فى هذه الدول مع تدعيم العلاقات بين مصر والقوى الدولية، مثل الصين والولايات المتحدة وفرنسا، محذرة مما سمته بالتدخلات الكثيفة فى القارة، وهو ما يمثل تحديا كبيرا أمام التفاعل المصرى خلال فترة رئاسة الاتحاد الإفريقى، مطالبة أن يكون الاهتمام بالقضايا المتعلقة بالتنمية البشرية مجالا حيويا لتحرك مصرى نشط، بالإضافة لوضع رؤية علمية وعملية للمواجهة الشاملة لأزمة الهجرة التى تعانى منها دول إفريقية، وتؤثر بالسلب على بعض الدول الأوروبية، خاصة أنها القضية الرئيسية للقمة الإفريقية، والتى ترفع شعار عام 2019 هو "اللاجئون والعائدون والمشردون داخليا فى إفريقيا.. نحو حلول دائمة للتهجير القسرى". سد الفجوة أما رئيس وحدة دراسات حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، دكتور هاني رسلان، فيرى أنه على مصر السعى لسد الفجوة بين طموحات الاتحاد ونقص الموارد التي تسببت فى عجز الاتحاد عن تلبية طموحاته وتنفيذ الكثير من مشاريعه، مؤكدا أن التوجه نحو إفريقيا هو أحد أهم النقاط المضيئة فى السنوات الأخيرة، إلا أن الوعاء الضامن لتنظيم المكونات الإفريقية فى الحكومة يعد غير قائم، موضحا أن المسألة الإفريقية لا تتوقف على الحقائب والأبنية إنما بتوافر الإرادة السياسية. ويوضح أنه من الضروري تقديم مشاريع وخدمات متبادلة بين مصر ودول الاتحاد، ودعم وتطوير نشاطاته المختلفة ويجب ألا نبالغ ونقول إن رئاسة مصر للاتحاد العام المقبل ستحل المشاكل كلها، إنها مجرد خطوة تتيح لنا التواجد أكثر هذا العام مع الدول الإفريقية والحضور المستمر، وعلى أرفع مستوى مما يساهم فى حل الكثير من المشاكل ويفتح المزيد من الآفاق، إذا أردنا الاستفادة الفعلية من العلاقات مع إفريقيا، والتى لا يمكن اعتبارها أرقاما فقط، ولكن لها تأثير ووجهات نظر يمكن أن تكون داعما لمصر ليس على مستوى التجمعات الدولية، إنما على مستوى أزمات ومشاكل خصوصا فى ملف المياه، وكذلك فى مفاوضات مازالت صعبة مع الجانب الإثيوبي فى أزمة سد النهضة.