أسعار الفراخ اليوم 16 أبريل خلاص نزلت.. اوعى البياع يستغلك    جيش الاحتلال يطلق بالون مراقبة في مدينة قلقيلية (فيديو)    خادم الحرمين الشريفين وولي عهده يعزيان سلطان عمان في ضحايا السيول والأمطار    كندا تدين الهجمات الإجرامية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.. وتدعو لمحاسبة المتورطين    عامل يحاول إنهاء حياته ب"سم الفئران" في سوهاج    الجائزة 5000 دولار، مسابقة لاختيار ملكة جمال الذكاء الاصطناعي لأول مرة    السفيرة الأمريكية بالأمم المتحدة: حان الوقت لإنهاء الصراع في السودان    وزير خارجية الصين لنظيره الإيراني: طهران قادرة على فهم الوضع وتجنب التصعيد    لجنة الحكام ترد على عدم صحة هدف الثاني ل الزمالك في شباك الأهلي.. عاجل    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 16 أبريل 2024    العظمى في القاهرة 31.. الأرصاد تحذر من ارتفاع درجات الحرارة اليوم    موعد انتهاء خطة تخفيف أحمال الكهرباء.. متحدث الحكومة يوضح    حظك اليوم برج القوس الثلاثاء 16-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    رئيس تحرير «الأخبار»: المؤسسات الصحفية القومية تهدف إلى التأثير في شخصية مصر    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    قبل امتحانات الثانوية العامة 2024.. أطعمة تعزز تركيز الطالب خلال المذاكرة    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    جامعة سوهاج تستأنف عملها بعد إجازة عيد الفطر    إسكان النواب: قبول التصالح على مخالفات البناء حتى تاريخ المسح الجوي 15 أكتوبر 2023    تعليق محمد هنيدي على فوز الزمالك بلقاء القمة في الدوري الممتاز    أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    تفاصيل حفل تامر حسني في القاهرة الجديدة    ملك الأردن يحذر من خطورة دخول المنطقة في دوامات عنف جديدة    مراجعات الثانوية العامة 2024.. راجع مادة التاريخ للصف الثالث الثانوي    تحرك برلماني ضد المخابز بسبب سعر رغيف العيش: تحذير شديد اللجهة    ننشر حصاد مديرية الصحة بالمنوفية خلال عيد الفطر | صور    الاتحاد المصري لطلاب صيدلة الإسكندرية يطلقون حملة للتبرع بالدم    «حلم جيل بأكمله».. لميس الحديدي عن رحيل شيرين سيف النصر    خبير تحكيمي: كريم نيدفيد استحق بطاقة حمراء في مباراة القمة.. وهذا القرار أنقذ إبراهيم نور الدين من ورطة    الهلال ضد العين في دوري أبطال آسيا.. الموعد والقنوات الناقلة    خالد الصاوي: بختار أعمالى بعناية من خلال التعاون مع مخرجين وكتاب مميزين    مواقيت الصلاة في محافظات مصر اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024    جمارك مطار القاهرة تحرر 55 محضر تهرب جمركي خلال شهر مارس 2024    "كنت عايز أرتاح وأبعد شوية".. محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن دراما رمضان 2024    حسن مصطفى: أخطاء كولر والدفاع وراء خسارة الأهلي أمام الزمالك    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    تفاصيل إعداد وزارة التعليم العالي محتوى جامعي تعليمي توعوي بخطورة الإنترنت    هل نقدم الساعة فى التوقيت الصيفي أم لا.. التفاصيل كاملة    إبراهيم نور الدين يكشف حقيقة اعتزاله التحكيم عقب مباراة الأهلى والزمالك    هيئة الدواء المصرية توجه نصائح مهمة لانقاص الوزن.. تعرف عليها    تراجع سعر الزيت والسكر والسلع الأساسية بالأسواق اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة بلاك بول الدولية للإسكواش    الاستعلام عن صحة 4 أشخاص أصيبوا في انقلاب أتوبيس بأوسيم    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    رئيس مجلس إدارة «الأخبار»: ملف التعيينات مطروح مع «الوطنية للصحافة»    ضبط شاب تعدى على شخص بسلاح أبيض فى بنى عبيد بالدقهلية    خالد الصاوي: مصر ثالث أهم دولة تنتج سينما تشاهد خارج حدودها    الإعدام لمتهم بقتل شخص بمركز أخميم فى سوهاج بسبب خلافات بينهما    اليوم.. فتح باب التقديم للمدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2024 / 2025    خطوات إضافة تابع في حساب المواطن 1445    تكريم 600 من حفظة القرآن الكريم بقرية تزمنت الشرقية فى بنى سويف    لماذا رفض الإمام أبو حنيفة صيام الست من شوال؟.. أسرار ينبغي معرفتها    رئيس تحرير "الجمهورية": لا يمكن الاستغناء عن الأجيال الجديدة من الصحفيين.. فيديو    رئيس تحرير «الأهرام»: لدينا حساب على «التيك توك» لمخاطبة هذه الشريحة.. فيديو    نتنياهو: هناك حاجة لرد إسرائيلي ذكي على الهجوم الإيراني    عبد المنعم سعيد: أكبر نتيجة حققتها إيران من عمليتها على إسرائيل إصابة طفل بشظايا    لست البيت.. طريقة تحضير كيكة الطاسة الإسفنجية بالشوكولاتة    تجديد اعتماد المركز الدولي لتنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس والقيادات بجامعة المنوفية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور فوزى منصور ل "الأهالي" شعار المرحلة.. تحالف واسع لكل قوى اليسار المصري
نشر في الأهالي يوم 02 - 07 - 2016


قديم د. فوزى منصور.. جديد
الاشتراكية.. ضرورة حياة للدول المتخلفة
إنهاء الاستغلال يحتاج إلى عدة قرون
مطلوب دراسة عميقة للواقع المصرى والابتعاد عن التبعية الفكرية
نعيش فى ظل نظام قهر بوليسى وقمعي.. بالغ الكفاءة!
نظام الحكم يستنزف ثروات البلد ويحمل كل الأعباء للفقراء
لو جاء دعاة التيار الدينى سيحرقون أنفسهم بسبب جهلهم بتطور المجتمعات وبالعالم المعاصر
اجري الحوار امينة النقاش
فى نهاية شهر يونيو عام 2006 أجريت حوارا مع الدكتور فوزى منصور حول الأوضاع الداخلية فى مصر وفى المنطقة، وحول مستقبل الاشتراكية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وعن مستقبل التيار الدينى الذى قدم فيه د. منصور نبوءة حول وضع هذا التيار تحققت بعد سنوات، وفى الأسبوع الماضى رحل د. منصور بعد أن أثرى الحياة الفكرية المصرية والعربية ودول العالم الثالث بأفكاره وأبحاثه وكتبه، التى قضى عمره بحثا عن العدل الاجتماعى لشعوبها.
ولأن الحوار صالح لكل زمان، فإن "الأهالي" تعيد نشره للاستفادة بما ورد فيه من قضايا وأفكار..
* منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، هناك من يرون أن ما سقط هو التطبيق اللينينى للماركسية، وآخرون يرون أن السقوط يطول جوانب من النظرية نفسها، فأين تقف من ذلك؟
** الثورة السوفيتية كانت تستهدف فى نهاية الأمر على المدى الطويل، إقامة المجتمع الشيوعي، الذى ينتهى إلى القضاء الكامل على استغلال الإنسان للإنسان، والقضاء على المجتمع الطبقى بكل أشكاله، ولأول مرة فى التاريخ تقوم ثورة، تستهدف القضاء على المجتمعات الطبقية والقضاء على الاستغلال، قبل ذلك مرت المجتمعات الإنسانية، فى مختلف القارات بثورات كثيرة أقربها للثورة الروسية، الثورة البورجوازية التى تعد الثورة الفرنسية نموذجها الأكبر، فهل استطاعت الثورة الفرنسية إقامة المجتمع الرأسمالي، الذى تحل فيه سيطرة الطبقة الرأسمالية، محل سيطرة الطبقة الإقطاعية من ثورتها الأولي؟ لقد احتاج الأمر إلى أكثر من ثمانين عاما حتى 1870 لكى يستقر للبورجوازية سلطانها، بالرغم من كل الثورات المضادة التى كانت من قبل، والانتكاسات التى مرت بها المراحل المختلفة، لإقامة سيطرة الرأسمالية.
ونحن نتحدث هنا، عن إحلال استغلال طبقى رأسمالي، محل استغلال قديم متخلف، وهو الاستغلال الإقطاعي، هذه العملية استغرقت نحو قرن، بينما فى بلاد أخرى مثل إنجلترا، استغرقت أكثر من ذلك بكثير فما بالنا إذا كان الهدف ليس إقامة استغلال محل استغلال آخر، ولكن القضاء على الاستغلال، وإنهاء كل وجود للمجتمع الطبقي، ولا يتصور أن يحدث ذلك من خلال محاولة أولى ولا ثانية ولا ثالثة ولا خلال قرن أو حتى قرنين من التفاؤل الشديد، لأن ذلك أمر جديد على الإنسانية، فضلا عن أنه بالغ الصعوبة والمشقة، وهذا ما حدث بالنسبة لانهيار الثورة السوفيتية.
* هل اقتصرت الأخطاء على التطبيق؟
** طبعا كانت هناك أخطاء تطبيقية كثيرة، وكانت هناك من وجهة نظرى مشاكل نظرية متعددة.
* وما تلك المشاكل النظرية؟
** بالرغم من ارتباطى الطويل الذى دام الآن أكثر من نصف قرن بالفكر الاشتراكى بكل تطبيقاته العملية، إلا أننى لم أكن أبدا من المؤمنين بفكرة ديكتاتورية البروليتاريا، وليست هذه عقيدة حديثة تبنيتها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، لم أكن أبدا ممن يؤمنون بفكرة ديكتاتورية البروليتاريا كأساس ضرورى لإقامة الاشتراكية، ثم بعد ذلك الشيوعية، لم تكن هذه الفكرة شرطا ضروريا فى اعتقادي، لإقامة الاشتراكية أكثر من هذا فهناك ما لم أوافق عليه أبدا فى الأساس النظرى للفكر الاشتراكى العلمى الذى تمثله الماركسية، فأنا أتقبل الماركسية فى مجملها، باعتبارها أرقى ما وصل إليه الفكر الإنسانى فيما يتعلق بتطور المجتمعات الإنسانية، والمراحل المختلفة التى تمر بها، والأسس التى يقوم عليها التحول من تنظيم اجتماعى اقتصادى إلى تنظيم آخر، كل ذلك من إبداعات وفتوحات الفكر الماركسى وهى أفكار أساسية وبالغة الأهمية.
* أين تكمن المشكلة إذن؟
** تكمن فى أننى لم أكن أبدا مقتنعا بنظرية فائض القيمة كما يأخذ بها الفكر الماركسي، كما وضعه ماركس وبالتالى ما يترتب عليها من تحديد دقيق لمعنى الاستغلال وتجلياته "المحررة: نظرية فائَ القيمة هى الفرق بين تكلفة إنتاج السلعة، التى يدفعها الرأسمالي، وثمن بيعها للمستهلك والذى يتمثل فى أرباح يحصل عليها من قيمة عرق العامل دون أن يبذل الرأسمالى مجهودا يوازيه"، فتجليات الاستغلال أكثر بكثير مما يحتويه تحليل ماركسى لنظرية فائض القيمة والاستغلال المترتب عليها، ذلك أن للاستغلال معانى أوسع من ذلك بكثير، وذلك جزء أساسى من تفكيرى منذ الأربعينيات من القرن العشرين، بعد أن خصصت سنوات لدراسة تلك النظرية.
* وعن ماذا أسفرت تلك الدراسات؟
** أسفرت عما استخدمته فى مؤلفاتي المختلفة، فلم أتحدث أبدا عن نظرية القيمة وفائض القيمة، وإنما كنت أتحدث عن نظرية الثمن فى تفسير الظواهر التى تجرى على سطح المجتمع الرأسمالي، أما عن نظرية الاستغلال فتفكيرى يذهب إلى تناول المجتمع الرأسمالى فى مجمله، وفى هذه الحالة وفقا لأفكارى التى تبلورت منذ الستينيات، فإن وحدة التفكير الأساسى بالنسبة لي، ليست هى المصنع، ليست هى مكان العمل ورب العمل فى مواجهة العامل كما هو الشأن فى الفكر الماركسي، وليست هى مجرد التناقض بين البورجوازية والطبقة العاملة، كما هى ليست أى بلد محدد، لكنى أعتقد أن وحدة التفكير الأساسية بالعالم الحديث هى النظام العالمى بأكمله، فلكى أفهم أى مجتمع متقدما كان أم متخلفا، لابد أن أبدأ بالنظام الرأسمالى العالمى بجانبيه، الجانب المتقدم المسيطر الذى يمارس القهر الإمبريالى على جانبه المتخلف، ثم تناول نتائج ذلك على المجتمعات المتخلفة، وأرى أن هذا الفهم ضروري، ليس فقط بالنسبة للمجتمعات المتخلفة، ولكن أيضا لفهم المجتمع المتقدم نفسه، لكى أفهم أمريكا الآن، لا أستطيع أن أفهمها بعيدا عن تجليات القهر الإمبريالي، الذى تمارسه على مختلف شعوب العالم.
والقهر الإمبريالى لا يمارس من أجل الهواية، ولا من أجل السيطرة فقط، وإنما يمارس لأهداف اقتصادية متصلة بالاستغلال، وهنا يكتسب الاستغلال معنى آخر يختلف تماما عن المعنى الذى يحصره فى العلاقة بين العامل ورب المصنع، ويمتد لتناول العلاقة بين البلدان المختلفة والقوى المسيطرة فى بلدان العالم الرأسمالى التى تمارس القهر بوجه خاص على البلاد المتخلفة، وتمارسه لأغراض متعددة، لكن أهمها بطبيعة الحال الاستغلال الاقتصادى ونهب ثروات الشعوب، وهناك مدرسة فى أمريكا اللاتينية، تكاد تحصر هذا النهب فيما يسمى "التبادل غير المتكافئ بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب"، حيث يبدو مثلا أن عملا يقوم به خمسون عاملا فى تلك البلاد يستطيع أن يقوم به عامل واحد فى البلاد المتقدمة لأنه يستخدم تكنولوجيا حديثة، إنتاجيتها عالية، بينما العكس يحدث فى البلاد المتخلفة.
ولو أردنا التعمق فى علاقة الاستغلال الموجودة بين أمريكا وأوروبا الغربية، وبين البلدان النامية والمتخلفة، نجد أنها لا يمكن أن تحصر فى التبادل غير المتكافئ، ولو حصرت فى هذا لهان الأمر، فما علينا آنذاك سوى أن نستورد تلك الآلات الحديثة وعلوم التكنولوجيا لنطبق هذا فى البلاد المتخلفة، فتحل المشكلة، لكن الموضوع أعقد من ذلك بكثير، لأن بالإضافة لظاهرة التبادل غير المتكافئ التى اهتم بها اقتصاديو أمريكا الجنوبية، هناك السيطرة الكلية والفوقية لأمريكا على البلدان المتخلفة، بأدوات مختلفة، ربما كان أشهرها الآن صندوق النقد والبنك الدوليين، اللذان نفخر الآن فى مصر برضائهما عنا وعن أدائنا الاقتصادي، وهذا يذكرنى بعبدالناصر، الذى كان يقول: عندما أجد الصحف الأمريكية تمتدحني، أبحث عن الخطأ الذى ارتكبته.
عن النظرية والتطبيق
* معنى ذلك أن الخطأ فى النظرية الماركسية نفسها وليس فى أسلوب تطبيقها؟
** الخطأ فى النظرية مشكلة لا أهمية لها، المشكلة فى العجز عن رؤية طبيعة القهر الإمبريالي، ووسائله، بالشكل الذى كان يتجلى فيه فى الماضي، وبالشكل الذى يمارس به فى الحاضر، وعدم المعرفة بهذا، أو إنكاره، هو ما يوقعنا فيما نحن فيه، وهنا لابد من الإشارة للعامل الأهم الذى يخدم هذا القهر الإمبريالى والاستغلال، هو أن الطبقات المسيطرة فى البلدان الإمبريالية، تنشئ داخل البلاد المتخلفة الطبقات التابعة لها، وهذا لون من الاستعمار غير مباشر، وهى تخدم فى نهاية الأمر السيطرة الاستعمارية على بلدنا ومنطقتنا، وإن كانت تتخفى وراء غير ذلك.
الحزب القائد
* وهل تعتقد أن فكرة مثل الحزب القائد لاتزال صالحة للتطبيق؟
** أظن ذلك، مادامت القيادة تمارس من خلال قيادة فكرية مقنعة للجماهير، ومن خلال مكانة جماهيرية حقيقية، وليس من خلال سيطرة الدولة أو السيطرة الأمنية والقيادية، خصوصا فى مراحل التحول الاشتراكي، لا تكون أبدا بأدوات القهر، ولكن بالفكر المقنع للجماهير صاحبة المصلحة، وإذا كان الحزب القائد فى السلطة، فينبغى أن تكون قياداته هى المثل والقدوة للجماهير، والتوحد معها والتعرف على فكرها فى أن يعيش فى نفس مستوى معيشتها، وليس فى عزلة عنها والاشتراكية لا تتبناها إلا الطبقات الشعبية صاحبة المصلحة فى وجودها، وهى لن تتبنى اشتراكية إذا كانت ترى أنها لصالح فئة تتميز عليها، وتستعلى عليها فى مستوى معيشتها وأسلوب تفكيرها.
ومنذ البداية لم أكن أتبنى الفكرة التقليدية حول الاستغلال، ولا حتى فكرة وجود طبقة متميزة هى المؤهلة وحدها لبناء الاشتراكية، أنا ممن يؤمنون أن الاشتراكية فى صالح كل الطبقات الشعبية، ففى الصين مثلا الطبقة العاملة الصناعية لم تكن تمثل سوى 5% من مجموع الطبقات العاملة التى كان أغلبها من الفلاحين، وهو ما يعنى أن الطبقة العاملة الصناعية لم تكن هى الموكلة بإقامة الاشتراكية، خصوصا أن تطور قوى الإنتاج وتكنولوجيا الإنتاج أصبحت توجد صورا جديدة كثيرة من العمل، تختلف كثيرا عن الصورة التقليدية، التى كنا نجد فيها مصنعا يوجد به عشرة آلاف عامل مثلا، والعمل الحديث يختلف.
الاشتراكية ضرورة
* هل معنى ما تقول أن الاشتراكية كنظام لاتزال قادرة على البقاء؟
** بل هى ضرورة، ليس فقط لمجرد القضاء على الاستغلال ولكن ضرورات أبعد مدى من ذلك، لاسيما وأنا لا أفقد إدراكى أبدا أننى أنتمى لبلد فقير مثل مصر.
ففى القرن التاسع عشر كانت الفكرة الشائعة أن الاشتراكية ستأتى من البلدان المتقدمة، لكننى أعتقد أن الاشتراكية وجدت لإنقاذ البلاد المتخلفة أولا وقبل كل شيء، من حالة التردى الموجودة فيها، وبالنسبة لبلاد معينة لا يمكن أن تنتشل من التخلف الاقتصادى والاجتماعى والفكري، دون تحول اشتراكي.
التقدم بدون اشتراكية
* لكن عددا من البلاد المتخلفة تمكن بالفعل من الخروج من التخلف بدون اشتراكية مثل كوريا الجنوبية وماليزيا والهند؟
** أحيل فى هذا إلى كتابات الدكتور إبراهيم العيسوي، التى تقول: إن الإشكال فى تلك البلاد ليس فى تخلفها، ولكن فى وقوعها تحت سيطرة البلاد الإمبريالية المتقدمة، التى تضع أمامها الحواجز ضد تقدمها، لكن شرق آسيا وتايوان وماليزيا وكوريا الجنوبية، كانت لديها أسباب متصلة بالاستراتيجية العليا حتمت على البلاد الإمبراطورية التسامح معها، بل مد المعونة لها، لكى تستطيع أن تتقدم فما حدث أن بعض دول شرق آسيا تقع على حواف الصين التى تحولت إلى بلد شيوعى وبدأ يتقدم بسرعة مذهلة وبوجه خاص فى تطوير قوى الإنتاج، ولما انتصرت الثورة الشيوعية فى الصين، خشيت الولايات المتحدة وبعض دول الغرب، أن تنتقل العدوى بسرعة إلى جيرانها فى كوريا الجنوبية وتايوان وماليزيا، ومن هنا لم تضغط عليها الإمبريالية، على النحو الذى كانت تضغط به على سائر بلدان العالم الثالث، بل بالعكس ساعدتها على اجتياز مصاعب التخلف وهذا ظرف استراتيجى خاص للغاية.
هى جناح للرأسمالية
* يبدو الآن لدى البعض، أن أفكار الاشتراكيين الديمقراطيين قد استعادت مكانتها، وإنها فى رأيهم أثبتت أنها أكثر مصداقية فهل هذا استنتاج صحيح؟
** لو أن هناك فى مصر حزبا اشتراكيا ديمقراطيا، يستطيع أن يحقق أغلبية فى الانتخابات كبديل للوضع الراهن، فأنا أرضى به، وهذا الموضوع ينبغى مناقشة كل حالة وفقا لظروفها، لا أستطيع أن أعمم القول بأن المرحلة فى هذا العصر هى للاشتراكية الديمقراطية، فهى الجناح اليسارى للرأسمالية لأن معناها الفعلى أن الإنتاج يسيطر عليه الرأسماليون، وهى التى تقود العملية الإنتاجية، لكن الدولة تتدخل بطرق مختلفة للتخفيف من أضرارها، أو لمعالجة بعض أخطائها، أو للتقدم فى نواح لا تستطيع الرأسمالية وحدها أن تصل إليها.
لكن الحال فى البلد المتخلف شديد الفقر، مختلف تماما، لأنه لا يستطيع أن يتحمل أخطاء وممارسات الرأسمالية، لأننا بلد فقير لا أملك الموارد التى تسمح لى بذلك الذى يحدث مثلا فى البلاد الاسكندنافية، ففى البلد الفقير نحتاج لادخار كل فائض ممكن لعملية البناء والتعمير فى مصر، لذلك أنا متعجل على إقامة الاشتراكية، لأننا فى مصر وصلنا إلى وضع مع الانحطاط لا يجدى فيه سوى "الشديد القوي" وهو يعنى التحول الجذرى فى طبيعة المجتمع.
البعد عن الواقع
* هل هناك مشكلة خلقية فى اليسار المصري، انتهت به إلى ما آل إليه حاله الآن؟
** لا أؤمن بأن هناك عيبا خلقيا فى اليسار المصري، لقد عاصرت الحركة الاشتراكية فى مصر، منذ عدت من انجلترا فى عام 1951، ولم يكن لى اتصال بها قبل ذلك، حيث عدت مدرسا بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، وبدأت معرفتى بالحركة الاشتراكية، من خلال خطابات كنت أجدها على مكتبى كمدرس فى الكلية وكلها نشرات اشتراكية، ولم يكن من السهل التفريق بينها برغم اختلافها، لكننى لاحظت أنها تستخدم عبارات ومصطلحات الشيوعية الدولية، وبالتحديد السوفيتية، كما أنها فيما عدا التعليق على الأحداث السياسية الجارية، بعيدة عن أى دراسة متعمقة للواقع المصرى ولم يكن ذلك يجذبني، وأعتقد أن هذه التبعية الفكرية حتى فى المصطلحات والمفاهيم، وهذا البعد عن التعرف الدقيق للواقع والشعب المصري، أضرت كثيرا بحركة اليسار المصري، على الرغم من تضحياتها الجليلة التى قدمتها دفاعا عن أفكارها، وعلى الرغم من إنجازاتها، التى تمثلت فى مقاومتها الشديدة للتوجهات الرأسمالية لثورة 23 يوليو فى مراحلها الأولي، أو حتى بعد قضايا التمصير فى 1956 وعام 1957، ولولا هذه المعارضة لربما استطاع صوت اليسار أن يصل إلى عبدالناصر ويؤثر فى فكره.
* معنى ذلك أنك ترى أن التحولات نحو الاشتراكية لدى عبدالناصر كانت بفعل تأثير اليسار؟
** كانت كذلك إلى حد كبير.
القهر المحكم
* هذا بالنسبة للتاريخ، فماذا عن حالة اليسار الآن؟
** علينا ألا ننسي، أننا نعيش فى ظل نظام قهر بوليسى محكم بالغ الكفاءة، وأخطر بكثير جدا مما يبدو فى الظاهر، وهو نظام قمعى يستخدم بشكل ناجح سياسة الجزرة والعصا.
* هذا عن العوامل الخارجية، فماذا عن العوامل الذاتية التى تؤثر فى حركة اليسار؟
** هناك بالقطع عوامل ذاتية، لكننى أعترف أننى لست فى وضع يمكننى من الحديث عنها بعلم واقتدار كافيين.
* وما تقييمك لدور حزب التجمع كحزب شرعى لليسار المصري؟
** بصراحة وبوضوح، أنا أقرأ برنامج حزب التجمع بإعجاب شديد، لكن هناك فرقا كبيرا جدا فيما أري، بين البرنامج وبين الممارسة السياسية، كما تتجلى فى المانشيتات التى تنشرها "الأهالي" صحيفة الحزب، وفى غيبة أعضاء الحزب وكوادره عن المواقف المؤثرة فى الحياة السياسية المصرية، وفى التفرقة التى طالما يقول بها بعض قادة الحزب، بأن التجمع حزب معارضة محترم، وأنه يعارض فى ظل النظام القائم.
* لكن أعضاء التجمع موجودون فى جميع الحركات الاحتجاجية، والتجمع يعارض ميزانية الدولة ومد العمل بالطوارئ والسلطات المطلقة لرئيس الجمهورية؟
** هذا كلام يؤكد كلامي، فأنتم تعارضون ممارسات سياسية للنظام، لكنكم لستم ضد النظام، فى واقع أصبح من الواضح فيه أن هذا النظام، باعترافه هو نفسه، فى تحالف استراتيجى مع القوى الإمبريالية العظمي، وهى الولايات المتحدة.
* لكننا فى التجمع نعارض ذلك؟
** حين يتحالف النظام مع القوة العظمى التى تقف ضد مصالح الشعب المصرى والعربي، فعندئذ موقفى ينبغى أن يكون ضد النظام وليس ضد السياسات، وهذا هو ما يفسر موقف بعض التيارات من التجمع، فأنتم حزب محترم جدا، ملئ بالكفاءات النادرة، لكنه يعارض من داخل النظام، والجماهير بحسها، تعرف أن هذا النظام معاد لها بحكم ارتباطاته الطبقية، وممالآته للإمبريالية.
* وما الذى ينبغى للتجمع أن يفعله لكى يكون جاذبا للجماهير ولقوى اليسار الأخرى فى رأيك؟
** أن يعلن التجمع أن هذا النظام، لم يعد صالحا لحكم مصر.
* التجمع يطالب بتعديل دستورى لتحويل مصر إلى جمهورية برلمانية أليس هذا كافيا؟
** هذا نظام حكم كمبورادوري، يستنزف ثروات البلد، ويحمل كل الأعباء على فقراء الشعب، ويتحالف مع المصالح الإمبريالية، فهذه مسألة نظام وليست مسألة حكومة.
* وهل كان ذلك هو السبب أنك لم تكن عضوا بحزب التجمع؟
** نعم.
التحالف هو الحل
* وما الذى يبقى من وجهة نظرك من تلك الصيغ.. الصيغة التى أخذ بها حزب البعث بتشكيل جبهة قومية تقدمية، يقودها حزب قائد، وفكرة تحالف قوى الشعب العامل التى أخذ بها جمال عبدالناصر، وصيغة تحالف واسع لليسار، التى أخذ بها حزب التجمع؟
** دعينا نتحدث عن مصر، وصيغة تحالف قوى الشعب العامل كنت واحدا ممن يدافعون عنها، لكن الهزيمة التى جرت فى يونيو 1967 قضت عليها وعلى كل مشروع عبدالناصر، ولولا هذه الهزيمة، لكان بمقدور هذا التحالف أن يكتسب حياة، وهى فكرة لاتزال صالحة للبقاء.
* وماذا عن صيغة حزب التجمع؟
** تحالف قوى الشعب العامل بنى على طبقات ذات مصالح يمكن أن تتوافق، لكن فكرة التجمع لم تكن مبنية على تحالف طبقات لكنها تنويعة من الفكر الدينى والقومى واليسارى لا أبعاد طبقية لها.
لقد كنت قريبا من التطبيق العملى لأفكار عبدالناصر فى 65 و1966، وأستطيع أن أؤكد أن صيغة تحالف قوى الشعب العامل، كان من الممكن أن تتحول إلى اليسار، لو لم تحدث الهزيمة.
* الهزيمة فقط، أم غيبة الديمقراطية؟
** الهزيمة بشكل أساسي، ونحن كنا نعارض عبدالناصر فى المعهد العالى للدراسات الاشتراكية، وحتى بعد الهزيمة كنا نعارضه بأقصى حرية ممكنة، لقد كان عبدالناصر هو رئيس الدولة الوحيد الذى يتحول تدريجيا إلى اليسار حتى حدثت الهزيمة، وكان المعهود أن قادة الدول يأتون بشعارات ثورية وينتهون إلى اليمين بحكم المصالح وتكديس الثروات وما إلى ذلك.
التحالف الواسع
* يبدو الآن اليسار فى مصر وفى العالم العربى موزعا بين خيار التعامل بدرجة من الاعتدال، مع الأنظمة الاستبدادية التى تحكمهم، فى مواجهة تصاعد المد الأصولى الساعى لإقامة دولة دينية، أو التحالف مع كل التيارات المناهضة لهذا الاستبداد، بما فى ذلك تيار الإسلام السياسى أو القبول بالخيارات الديمقراطية حتى لو أدت إلى فوز هذا التيار بالأغلبية وتشكيله للحكومات، فأين تقف بين هذه الخيارات؟
** لا شك عندى فى أفضلية الخيار الثاني، وأنا لدى كثير من الثقة فى قواعد التيار الديني، لأن هؤلاء هم شعبنا، وكثير من قواعد حركة الإخوان أتمنى لها كل خير، والقيادات شيء مختلف، لأنها تمثل أحد تجليات التوجه الرأسمالى الحق، ومع ذلك إذا كان الخيار بين الأنظمة المستبدة التى تضيق الخناق على كل محاولة شعبية للتغيير، فأنا أختار تحالفا واسعا من هذا النوع، حتى ولو انتهى بأن يحشد الإخوان أنصارهم ويحوزوا على الأغلبية فى الانتخابات، وحتى لو كانوا يدعون إلى قيام دولة دينية؟
* لماذا؟
** لأن الشعب المصرى يئن منذ ثلاثين عاما من الحكم الاستبدادي، ولا يستطيع أن يغيره، وفى غيبة اليسار الفاعل وعدم وصول رسالته إليه بشكل مقبول لديه، أصبح جزءا كبيرا منه يجد مكانه الطبيعى فى التيار الديني.
ولو أتى هذا التحالف بالتيار الدينى سنمر بفترة فى منتهى الصعوبة، لكنها لن تطول، لأنهم سيحرقون أنفسهم بحكم جهلهم الشديد بتطور المجتمعات واحتياجاتها، وجهلهم الأشد فداحة بالعالم المعاصر، ولن يكبد هؤلاء الشعب بأكثر مما يفعل الاستبداد الحالي.
القومية والاشتراكية
* تلقت الشعارات الرئيسية التى قامت عليها حركة التحرر الوطني، ضربات موجعة، خلال العقدين الماضيين، فبدا وكأن فكرة القومية العربية والوحدة العربية، تتراجع لصالح الأفكار والسياسات القطرية، وأن فكرة الاستقلال الوطني، أصبحت تأخذ معنى مختلفا على ضوء العولمة والاقتصاد العابر للقارات، وأن فكرة الاشتراكية، لم تعد واردة، بعد أن سقطت فى بلادها ولم تنجح تطبيقاتها فى العالم العربي، إلا فى إقامة نظم الاستبدادية، تستفيد منها الأقلية التى تعرف بالطبقة الجديدة، هل توافق على هذا التحليل؟
** بالنسبة للدولة الوطنية، هى مرحلة من مراحل التطور الإنساني، لا نستطيع أن نختزلها، وهى الآن سلاح ضد الإمبريالية، لا نستطيع أن نتخلى عنه، والدولة الوطنية هى أساس الفعل، ووحدة التحليل الآن والتى يجب الأخذ بها، هى النظام العالمى كوحدة متكاملة، لكن تبقى وحدة بالفعل هى النظام القومي، ولأن مهمة المثقف اليسارى هى التغيير وليس الفهم فقط، فعندما أنتقل من الفهم إلى التغيير ستبقى وحدتى الأساسية هى الدولة الوطنية.
ومن جهة أخرى فإن القومية العربية، هى قومية فى طور التكوين، ليست قومية مكتملة الأركان، وليس هناك ما يتنافى مع العلم والواقع فى ذلك، لأن الواقع دائم التغير، حيث تستجد أشياء وتختفى أخري.
والقومية العربية كانت على الأفق وتسعى لكى توجد حيث مقومات وجودها فى وحدة التاريخ واللغة والنضال المشترك والمصالح، ولكى تتكامل تلك الوحدة، لابد من وجود الوحدة الاقتصادية، وكان هناك أمل لو أن التيار الناصرى استمر لحقق هذا الجانب، ومحاولة الوحدة مع سوريا كانت تجربة يتعلم منها عبدالناصر.
* وماذا عن الاشتراكية؟
** أكاد أقول إن الاشتراكية وجدت أساسا لكى تنهض بالبلدان المتخلفة، والخروج من التخلف شرطه الرئيسى هو إقامة الاشتراكية، ومع تقدم هذه البلاد ستواجه الرأسمالية بمصيرها فى البلدان المتقدمة، فالذى أنقذ الرأسمالية فى دول الغرب المتقدمة، هى السيطرة الإمبريالية والاستغلال الإمبريالي، فقد أوجدا قدرا من المصلحة المشتركة الظاهرية بين رأسمالية هذه البلاد وبين شعوبها، فإذا ما انتهى القهر والاستغلال الإمبريالى لبلاد العالم الثلث، ستقف القوتان أمام بعضهما البعض.
* هل ترى أن هناك ضرورة لإنشاء حزب يسارى جديد؟
** أعتقد أن المرحلة سابقة الآن لهذا، وما سمعت عنه هو إيجاد تحالف واسع لكل قوى اليسار المصرى بما فيه التجمع، تكون القيادة فيه مشتركة بين كل فصائله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.