تفاصيل الجلسة العامة لمجلس الشيوخ اليوم بحضور وزيرة البيئة.. صور    رئيس الشيوخ يهنئ الرئيس والشعب المصري بحلول عيد الأضحى المبارك    إرتفاع أسعار الذهب في مصر بقيمة 75 جنيهًا    رئيس جامعة أسيوط التكنولوجية يشارك في ورشة عمل الفضاء والتنمية المستدامة    مواعيد عمل البنوك بعد عيد الأضحى المبارك    دبلوماسي إيراني: طهران سترفض المقترح النووي الأمريكي    يديعوت أحرونوت: وفد إسرائيل لن يذهب إلى الدوحة للتفاوض    فليك يتوج بجائزة أفضل مدرب في الدوري الإسباني    مجدي عبد العاطي يعلن استقالته من تدريب الاتحاد    بعثة الحج السياحي تواصل معاينة وتجهيز مخيمات منى وعرفات    وزيرة التنمية المحلية توجه برفع درجة الاستعداد بالمحافظات لاستقبال عيد الأضحى    هنو في مناقشات أزمة بيوت الثقافة: بعض الموظفين لا يذهبون لعملهم منذ 7 سنوات.. ومسلم يرد: مسئولية الحكومات المتعاقبة    وزير الصحة يستقبل الرئيس التنفيذي لجهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة لبحث الفرص الاستثمارية وتطويرها    رد حاسم من لامين يامال بشأن انتقاله إلى ريال مدريد    ارتفاع أسهم شركات الصلب بعد مضاعفة ترامب الرسوم الجمركية على المعادن إلى 50 %    محلل سياسي: انتخاب نافروتسكي رئيسا لبولندا قد ينتهي بانتخابات برلمانية مبكرة    صدمتهما سيارة «نقل ثقيل».. إصابة سائحين بولنديين في حادث بطريق سفاجا - الغردقة    تسرب 27 ألف متر غاز.. لجنة فنية: مقاول الواحات لم ينسق مع الجهات المختصة (خاص)    برواتب تصل إلى 350 دينارا أردنيا.. وظائف خالية اليوم    تخفي الحقيقة خلف قناع.. 3 أبراج تكذب بشأن مشاعرها    وزير الثقافة ينفي إغلاق قصور ثقافية: ما أُغلق شقق مستأجرة ولا ضرر على الموظفين    دعاء السادس من ذي الحجة.. اغتنم هذه الأيام المباركة    في أول أيام تشغيله بالركاب.. «المصري اليوم» داخل الأتوبيس الترددي (تفاصيل)    الأرض تنهار تحت أقدام الانقلاب.. 3 هزات أرضية تضرب الغردقة والجيزة ومطروح    السجن 3 سنوات لصيدلى بتهمة الاتجار فى الأقراص المخدرة بالإسكندرية.. فيديو    أسعار النفط ترتفع 3.7%.. وبرنت يسجل 65.16 دولاراً للبرميل    الهيئة العامة للأوقاف بالسعودية تطلق حملتها التوعوية لموسم حج 1446    ريوس يبرر خسارة وايتكابس الثقيلة أمام كروز أزول    بوستيكوجلو يطالب توتنهام بعدم الاكتفاء بلقب الدوري الأوروبي    للمشاركة في المونديال.. الوداد المغربي يطلب التعاقد مع لاعب الزمالك رسميا    عاجل| "أزمة غزة" تصعيد متزايد وموقف بريطاني صارم.. ستارمر يحذر من كارثة إنسانية ولندن تعلّق اتفاقية التجارة مع إسرائيل    تخريج 100 شركة ناشئة من برنامج «أورانج كورنرز» في دلتا مصر    دنيا سامي: مصطفى غريب بيقول عليا إني أوحش بنت شافها في حياته    السيسي: ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    وزير الخارجية: هناك تفهم مشترك بين مصر وواشنطن حول الأولوية الكبرى للحلول السياسية السلمية    حزب السادات: فكر الإخوان ظلامي.. و30 يونيو ملحمة شعب وجيش أنقذت مصر    مصمم بوستر "في عز الضهر" يكشف كواليس تصميمه    «تعليم الجيزة» : حرمان 4 طلاب من استكمال امتحانات الشهادة الاعدادية    الشيوخ يبدأ جلسته لمناقشة بعض الملفات المتعلقة بقطاع البيئة    مدير المساحة: افتتاح مشروع حدائق تلال الفسطاط قريبا    "الأونروا": لا أحد أمنا أو بمنأى عن الخطر في قطاع غزة    التضامن الاجتماعي تطلق معسكرات «أنا وبابا» للشيوخ والكهنة    بى بى سى توقف بث مقابلة مع محمد صلاح خوفا من دعم غزة    كي حرارى بالميكرويف لأورام الكبد مجانا ب«حميات دمياط »    آن ناصف تكتب: "ريستارت" تجربة كوميدية لتصحيح وعي هوس التريند    تحكي تاريخ المحافظة.. «القليوبية والجامعة» تبحثان إنشاء أول حديقة متحفية وجدارية على نهر النيل ببنها    توريد 169 ألفا و864 طنا من محصول القمح لصوامع وشون سوهاج    مصادر طبية فلسطينية: 35 قتيلا بنيران إسرائيلية قرب مراكز المساعدات خلال الساعات ال 24 الأخيرة    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    تعليم دمياط يطلق رابط التقديم للمدارس الرسمية والرسمية لغات    «الإصلاح والنهضة»: نطلق سلسلة من الصالونات السياسية لصياغة برنامج انتخابي يعكس أولويات المواطن    موسم رحمة وبهجة لا تعوض.. كيفية إحياء يوم النحر وأيام التشريق    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    وزير الصحة: 74% من الوفيات عالميًا بسبب الإصابة بالأمراض غير المعدية    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    لطيفة توجه رسالة مؤثرة لعلي معلول بعد رحيله عن الأهلي    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الماركسي المُخضرم
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 01 - 2016

مع خالد محيى الدين فى موسكو ( نوفمبر 1964) تصوير محمد حسنين هيكل في منتصف أربعينيات القرن العشرين، كان هناك جيل يتفتح خارج ذاته، في الوقت الذي كانت الحرب العالمية علي وشك أن تنتهي. وحرب فلسطين الأولي ضد الصهيونية علي وشك أن تبدأ. والجامعة العربية تضع حجر أساسها والاستعمار البريطاني جاثم متحالف مع القصر وأحزاب الأقلية المُترفة اجتماعياً ضد أحزاب الأمة - الشعب - الوفد. والمجتمع يثور بحثاً عن الحرية والاستقلال والعدل الاجتماعي والديمقراطية، كان لطفي الخولي مع جيله من أبناء الطبقة البرجوازية الصغيرة تسعي بشق الأنفس لتوفير حياة مقبولة إنسانية في حدها الأدني وتعليم أولادها حتي الجامعة والحلم بالمستقبل.
ظل يتعلم ويتثقف ويقرأ ويناقش ويختلف ويصارع ويجرب ويناضل ويقفز علي الأسوار ويخاطر باقتحام المناطق المجهولة. يلتحق بأحزاب وبتنظيمات فوق الأرض وتحت الأرض. يجتمع في الجامعة وعلي المقاهي وفي منازل الأصدقاء وصالونات الصحف. يدخل ويخرج من تخشيبات الأقسام والسجون. كان يدرس القانون، ويتعاطي السياسة ضد التيار السائد. عرف التعددية إذ كان والده ينتمي إلي الحزب الوطني، وعمه البهي الخولي من الإخوان، وأخواله من الوفد، أما أصدقاؤه فكانوا من الاشتراكيين.
في السياسة، تتلمذ لطفي الخولي علي يد أساتذة كبار: حنفي محمود المواطن المتمرد، وعبد المعبود الجبيلي رجل العلم الماركسي، وفتحي رضوان الوطني الغيور. وسرعان ما انخرط في العمل السياسي، مع اليسار الماركسي الذي ساند ودعم الاجراءات التي اتخذتها ثورة يوليو 1952، ولم يكن ذلك مجرد مواقف تكتيكية أو عابرة أو متعلقة بأشخاص. بل كانت تعبيراً عن واقع، أنه لا يوجد تناقض بين المنهج الماركسي في التفكير وبين الالتزام السياسي بمواثيق الثورة. فكان جمال عبد الناصر بعد الثورة بحاجة إلي دعم كل من اعتقد أن لديه إمكانات لمساعدة حركته، خصوصاً أن الضباط الأحرار غير ملتزمين أيدولوجياً. ويعتقد لطفي الخولي في حوار أجراه معه كارم يحيي نهاية عام 1995 أن أفكار تصفية الإقطاع وتنحية رأس المال عن السيطرة علي الحكم والعدالة الاجتماعية لم تكن واردة لدي تنظيم الضباط الأحرار إلا من خلال الاتصالات التي تمت مع اليسار عموماً والحركة الاشتراكية. وظل عبد الناصر داخل مجلس قيادة الثورة أقرب إلي اليسار منه إلي اليمين، وخلال عامي 56 و1957 التقي عبد الناصر بكافة شيع اليسار والتنظيمات الشيوعية، تلبية لدعوة خالد محيي الدين أحد الضباط الأحرار، وقد حضر لطفي الخولي جميع أو معظم هذه اللقاءات.
أصبح لطفي الخولي مستقلاً عن التنظيمات الشيوعية منذ عام 1955، دون أن يعلن ذلك، لأن عبد الناصر كان قد عقد صفقة الأسلحة التشيكية وشارك في مؤتمر باندونج وصوته عال ضد الإمبريالية، واختلفوا حينها أهو عميل الأمريكان أم لا يزال عميلاً لبريطانيا؟ ورغم استقلاله ظلت علاقاته طيبة بالتظيمات، وأحياناً كانت تُفسر مقالاته ومواقفه بأنه مع التنظيمات، كما لم يُرفع اسمه من سجلات المباحث العامة. ويتم اعتقاله باستمرار. حتي بداية الستينيات، لم يجد لطفي الخولي واليساريين أي وضوح لدي جمال عبد الناصر في إدارته، لا في الرؤية ولا النظرية ولا مشروع اجتماعي اقتصادي سياسي، وكان لذلك صدي في كتابات محمد حسنين هيكل، محاور ناصر الوحيد. يقول لطفي الخولي: "مع صدام عبد الناصر مع الغرب حول أهداف الاستقلال الوطني وتوجهه إلي باندونج وانفتاحه للمرة الأولي علي العالم الجديد، ما يسمي فيما بعد بالعالم الثالث، اكتشف أهمية وزن مصر في هذا العالم، بالتالي تعزز بحث عبد الناصر عن نظرية ورؤية ومشروع له أبعاده الاجتماعية، فطلب من خالد محيي الدين أن يوافيه بالكتب سواء التي تؤيد أو تناقش أو تعارض الاشتراكية". وفي عام 1959، وقع صدام بين النظام والاتحاد السوفييتي، ترتب عليه اعتقال اليساريين والشيوعيين، كان لطفي الخولي واحداً منهم.
وعندما اتخذ جمال عبد الناصر قرار الإفراج عن الشيوعيين المصريين، المعتقلين والمسجونين، وعندما تبين للشيوعيين المنظمين، أن القيادات الثورية للنظام في مصر تضع كهدف بناء المجتمع الاشتراكي، وعندما ظهر أن النظام يدعم باطراد مواقع الثورة الاجتماعية من خلال المعارك التي خاضها ضد الإمبريالية والاستعمار الجديد والرجعية الداخلية، والدعوة إلي وحدة قوي اليسار كلها، أقدم الماركسيون المنظمون سابقاً علي إنهاء الوجود التنظيمي المستقل لتنظيماتهم، ودعوا إلي إقامة تنظيم ثوري واحد لكل القوي الاشتراكية علي اختلاف مدارسها الفكرية. ومنذ ذلك الوقت بذل اليسار الماركسي جهوداً مضنية من أجل أن تنجح وحدة جميع القوي الملتزمة بمواثيق الثورة، ولأكثر من مرة وُضع اليسار الماركسي موضع الامتحان، وجاء الامتحان الأكبر عقب هزيمة يونيو، عندما أعلن الرئيس جمال عبد الناصر عزمه عن التنحي، فخرج اليسار الماركسي علي رأس الجماهير التي تحركت من القري والمُدن لتطالب بالصمود، وببقاء ناصر، وصارت قضية الماركسيين الأساسية، هي قضية تحرير الأرض.
بعد رحيل عبد الناصر، حافظ اليسار الماركسي علي مواقفه المبدأية من النظام الذي أقامته ثورة يوليو. وكانت نقطة البدء أنه خاض معركة ترشيح أنور السادات رئيساً للجمهورية، مقاوماً كل المحاولات لاقتراح أسماء أخري للرئاسة. وفق ما جاء في مذكرة رُفعت إلي الرئيس أنور السادات في فبراير 1973 توضح موقف اليسار في مصر، ووقع عليها لطفي الخولي، فقد أسس اليسار الماركسي مواقفه علي أسباب موضوعية تماماً؛ فالسادات كان النائب الأول لعبد الناصر، وله ماضيه الوطني المعروف كمناضل ضد الإمبريالية والاستعمار، وقد رشح نفسه علي أساس أن برنامجه هو "برنامج 30 مارس"، وبعد انتخابه رئيساً قدم "برنامج العمل الوطني" انطلاقاً من المواقف الأساسية لثورة يوليو، وفي حكمه أُتيح لعدد من اليسار الماركسي مشاركة إيجابية أوسع، في كل مؤسسات العمل الوطني. في رؤية لطفي الخولي انطلقت مساندة اليسار الماركسي لحكم السادات من موقف واقتناع ثابت بأن الإمبريالية الأمريكية وخادمتها إسرائيل تريد الإطاحة بنظم الحكم الوطنية التقدمية في المنطقة مركزة أشد ضرباتها ضد النظام المصري، كما أن الماركسيين المصريين علي قناعة بأن نجاح الإمبريالية في هذا المخطط ليس في مصلحتهم كفكر وكأشخاص، لذلك كان طبيعيا أن تشكل قوي اليسار النواة الصلبة للوحدة الوطنية ضد المخطط الإمبريالي الذي يستهدف الإطاحة بالسادات.
كان لطفي الخولي، ومعه عبد الرحمن الشرقاوي وأبوسيف يوسف وأحمد طه أحمد وأديب ديمتري وعادل سيف النصر وعبد المنعم الغزالي ومحمد حلمي ياسين وفيليب جلاب، يرون أن مهمة تجميع قوي اليسار تتطلب أن يُبذل جهد عادل وصادق في كل ثلاثة مجالات، أولاُ القضية الوطنية؛ انطلاقاً من الإصرار علي تحرير كامل وعدم التفريط في قضية فلسطين فيجب أن يتم توجيه السياسة الإعلامية التي تحقق التثقيف السياسي للجماهير علي أساس المبدأ القائل بأن الدولة تصبح قوية، عندما يعرف الشعب كل شيء، ويستطيع أن يكوّنْ رأياً في كل شئ، ويفعل كل شيء بوعي. ثانيا الاقتصاد؛ لابد من وضع التشريعات التي تحد من شرور الرأسمالية الطفيلية، ووضع التشريعات التي تحدد مجالات نشاط الرأسمالية الوطنية بما يسمح لها بالإسهام في مشروعات التنمية، ومواصلة خط التحولات الاجتماعية لثورة يوليو والمبادرة بطرح الخطة العشرية للمناقشة علي أوسع نطاق جماهيري منظم. ثالثاً التنظيم السياسي؛ تأكيد المبدأ القائل بأن الاتحاد الاشتراكي يجب أن يبقي متحالفاً يضم قوي اجتماعية متمايزة ولكنها ذات مصالح مشتركة.
امتلك السادات من الخبرة السياسية ومن الذكاء ما دفعه لأن يمد يده لليسار الماركسي داعياً إياه بالتحالف معه، من ثم عادت علاقة لطفي الخولي بالسادات إلي سابق عهدها في بداية عام 1974، إلا أنها لم تخل من توترات، وما لبثت أن انقطعت نهائياً منذ بداية عام 1976، العام الذي تأسس فيه حزب التجمع، أحد أبرز الأحزاب اليسارية الذي كان لطفي الخولي أحد مؤسسية وأحد أعضاء قيادته حتي قبيل رحيله بعامين، وفي إحدي الاجتماعات المُغلقة للأمانة المركزية الذي كان مخصصاً لتقييم موقف حزب التجمع في أعقاب فشله في الانتخابات العامة عام 1978، والتي اطلع الكاتب صلاح عيسي علي محضرها، وأعلن ما جاء فيها، أن لطفي الخولي رأي أن اليسار المصري تعرض لحملة دعائية وبوليسية مكثفة منذ نشأته علي الخريطة السياسية المصرية، أضرت في قدرته علي الحركة الطليعية بين الجماهير بل وصادرت عملياً هذه الحركة. وفي تحليل لطفي الخولي للخلاف بين فصائل اليسار حول التكتيك الملائم للحركة، قال إنه كان أمام اليسار دائماً اختياران؛ الأول أن يدعو للصدام مع السلطة القائمة ويقاطعها، ويسعي للضغط عليها بالالتحام بالجماهير الشعبية وتحريكها. والثاني أن يحاول التأثير في هذه السلطة ودفعها إلي مواقف أكثر اعتدالاً وأكثر ديمقراطية.
اختلف لطفي الخولي مع السادات كثيرا حتي بعد اغتيال الأخير، وانعكس ذلك في القضايا التي انحاز إليها ، أبرزها تضامنه مع الفريق سعد الدين الشاذلي الذي لجأ إلي القضاء لطلب استصدار جواز سفر له، فكتب لطفي الخولي في جريدة الأنباء الكويتية في إبريل عام 1984 قائلاً: "أيا كانت المبررات الأمنية والسياسية التي يمكن أن يستند إليها رسمياً في حجب جواز سفر عن مواطن، فإنها غير مقبولة، ديمقراطياً وإنسانياً. والفريق سعد الدين الشاذلي لم يرتكب يوماً جريمة مخلة بالشرف ولم يصدر ضده حكم في هذا الشأن، وإنما هو مواطن علي درجة عالية من الاحترام ذاتياً، فهو علي الأقل بطل من أبرز الاستراتيجيين العسكريين، فما الذي فعله الشاذلي حتي يُمنع عنه جواز سفره؟ هل لأنه رفض اتفاقيات كامب ديفيد وسياسة السادات في الصلح المنفرد مع إسرائيل؟ وهو في هذا الموقف يشارك جميع الوطنيين في مصر في رفضهم لاختيارات السادات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أهدرت طاقة الوطن وكبلته بالقيود، فالرجل لم يتآمر في الظلام، بل كان صريحاً شجاعاً عاملاً في النور. عارض السادات واستقال من منصبه كسفير. من هنا فإن القوي الوطنية في مصر تساند الشاذلي في جواز سفره. وتدعو إلي التعامل معه بمنهج ما بعد السادات وليس بمنهج السادات".
في أيامه الأخيرة، كتب لطفي الخولي بداية عام 1999 رؤيته وتوقعاته لتطورات قضايا ثلاث، الغريب أن اليسار الماركسي لم يكن من بينها ، بل "المسألة العراقية" و"المسألة الإسرائيلية" و"الانتقال من القرن العشرين إلي القرن الحادي والعشرين"، والتي وُجدت في درج مكتبه وتم نشرها في العدد التذكاري الاستثنائي الذي صدر من مجلة الطليعة بعد رحيلة ، إذ يري أننا سنظل مهمومين إلي السنة العاشرة من القرن الحادي والعشرين بالمسألة العراقية التي برزت وتفجرت منذ اجتياح العراق الكويت بداية التسعينيات. المسألة العراقية في نظره مثلها مثل انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه وسقوط جدار برلين والحرب الباردة، فقد كان من الممكن إطفاء النيران وحل المسألة داخل البيت العربي. وكان هناك شبه إجماع علي مقايضة احتلال الكويت بتلبية بعض المطالب الإقليمية والبترولية والمالية العراقية. نشطت في هذا الاتجاه جهود مصرية وسعودية. غير أن النظام العراقي الذي اعتبر الكويت تاريخياً جزءاً مقتطعاً من ترابه الوطني، رفض المساومة التي طرحها الحل العربي، ما دفع إلي تداول المسألة العراقية، وانتهاز الولايات المتحدة الفرصة لإثبات قوتها وجدارتها في قيادة العالم من خلال الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وظلت واشنطن علي مدي يقرب من ثماني سنوات، منذ حرب الخليج الثانية حتي الضربات الأخيرة التي وجهتها للعراق في ديسمبر 1998 بحجة أنه يرفض التعاون مع هيئة التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل مروراً بقرارات مجلس الأمن بفرض عقوبات، هي اللاعب الأساسي الوحيد في المسألة العراقية.
أما بخصوص المسألة الإسرائيلية، التي يعني بها لطفي الخولي وضع الدولة العبرية عند اليهود أو الفلسطينيين أو العرب أو العالم، فقد لمس أن إسرائيل الدولة وإسرائيل المجتمع وإسرائيل المواطن ظلت ولا تزال تفتقد للأمن، رغم أنها تتمتع بأقوي جيش وأحدث الأسلحة التقليدية والنووية بالقياس إلي الفلسطينيين وكل الدول العربية، وتحظي علاوة علي ذلك بضمان أمني لأكبر وأقوي دولة في العالم، الولايات المتحددة، فضلاً أنها حققت اقتصاداً قوياً. ظل الإفتقاد للأمن حتي بعد انتصار إسرائيل عام 1967 واستكمالها احتلال كل فلسطين و70 ألف كيلو متر مربع من الأراضي العربية في مصر وسوريا والأردن، وعلي الرغم من إبرام معاهدات سلام مع مصر والأردن واتفاقيات حول مبادئ إقرار تسوية سلمية مع منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي للفلسطينيين. اكتسبت عقدة الأمن هذه صياغة سؤال أقرب للغز المستحيل علي الحل: السلام يضمن الأمن أم الأمن يضمن السلام؟ لعل جذر المسألة، التي لم يكن نيتانياهو وائتلاف الليكود الحاكم إلا مجرد العامل الكاشف عنه بعنف أهوج، يكمن في أن إسرائيل باتت الدولة الاستعمارية الوحيدة المتخلفة عن القرن العشرين، التي تحكمها أيدولوجية شمولية وذلك في عصر شهد انهيار جميع النظم الشمولية النهج.
بصفة عامة، يعتقد لطفي الخولي أن السنوات العشر الأولي من القرن الحادي والعشرين سوف تشهد تغير في أغلب قيادات العالم، بحيث يصاحب هذا التغير تحول غير مسبوق في طبيعة وتكوين القوي الحية الفاعلة للمجتمعات بمعني أن هذه القوي والقيادات التي تفرزها تكونت - غالباً - في الثلث الأخير من القرن العشرين، والتي تمرست علي حالة المفاجأة في المتغيرات، وتصبح بالتالي أقدر نسبياً علي استيعابها والتعامل معها بقدر أوفر من العقلانية والانضباط. وأن هذه القيادات ستكون وليدة صراع ديمقراطي. وسوف تتجه الحركة بالساحة الدولية إلي معركة النظام الدولي الجديد: قطب واحد أو أقطاب متعددة؟ سنلاحظ أن روسيا تسعي بدأب إلي توليف قوة دولية ثلاثية الأطراف تضمها مع الهند والصين لمنازعة الولايات المتحدة علي قطبية العالم. فمنذ منتصف العشرين برزت الولايات المتحدة كأقوي وأغني دولة في العالم، ولا تزال حركة الأمركة السياسية والعسكرية والاقتصادية تتواصل وتطرد وتغزو عقل وقلب الإنسان والأوطان. وطرح لطفي الخولي في نهاية توقعاته عدة أسئلة: هل صحيح كما يتنبأ كثير من المفكرين أن القرن الحادي والعشرين هو قرن أمريكي؟ وأن كل البشر وكل البلدان يدخلون هذا القرن وقد صاروا بطريقة أو بأخري أمريكيين في الثقافة وأسلوب الحياة والقانون وأنظمة الحكم، بدرجات متفاوتة؟ هل تتقطع جذور الإنسان بثقافته وحضاراته وقومياته المتعددة؟ أيخسر معركة الخصوصية وهوية الانتماء مع الأمركة؟
رحل لطفي الخولي وهو لا يتصور أن من الممكن كسب هذه المعركة بدون أن يتحول الإنسان في غير أمريكا، من مستهلك وحسب لأفكار وفنون وعلوم وتكنولوجيا وسلع الآمركة، إلي منتج، ليس بالضرورة إلي أفكار أو سلع إلخ.. بديلة ولكن بالأساس إلي القدرة الذاتية والموضوعية التي تسلحه بشجاعة العلم والحرية في الخلق والابتكار والمنافسة الإنسانية علي دفع حركة الحياة في القرن الحادي والعشرين إلي عالمية متعددة الثقافات والحضارات. فقد استخلص من تجربة جيله، أن تزاوج الإدارة مع العقلانية هي سر كل حركة إلي الأمام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.