تحل اليوم الذكرى ال114 لميلاد الكاتب الكبير نجيب محفوظ، والذي ولد في 11 ديسمبر من عام 1911، ورحل عن عالمنا في 30 أغسطس من عام 2006. نجيب محفوظ هو عميد الرواية المصرية والعربية، والأب الروحي للأجيال اللاحقة من المبدعين، هو أيضا الذي عبر بصدق عن الحارة المصرية والإنسان المهمش، وارتقى بالأدب العربي إلى العالمية بعد حصوله على جائزة نوبل في الأدب، تقديرا لإبداعه المتنوع في الرواية والقصة. «الحرافيش».. درة المسيرة المحفوظية تعد «الحرافيش» إحدى أعظم روايات محفوظ، وواحدة من الذرى الفنية في مشواره الطويل. صدرت الرواية سنة 1977، وتضم عشر حكايات تتناول أجيال عائلة عاشت في حارة مصرية غير محددة الزمان والمكان (يرجّح أنها في الحسين مطلع العصر العلوي). الرواية تتناول فلسفة الحكم وتعاقب الحكام ودور الشعوب، وتفيض بروح الوجودية التي أحبها محفوظ، رغم طابعها الاجتماعي الواضح. تتشعب أحداثها وشخصياتها لترسم فكرة تواتر الأجيال وضياع الأصول، وتحضر فيها الروح الدينية كقوة لا يمكن للإنسان الفكاك منها رغم التمرد. تمتلئ الرواية أيضا بنفحات الشعر الفارسي الذي استخدمه محفوظ كرمز للغيب والبحث عن الخلاص. عاشور الناجي.. البداية والخط الفلسفي للرواية تبدأ الملحمة ب عاشور الناجي الكبير، الذي يرى في منامه وباء يضرب القاهرة، فيهرب مع أسرته، ثم يعود ليجد الحارة مدمرة. يعيد بناءها من جديد، ويقسم الثروة بالعدل، ويحافظ على حياة التقوى والزهد كي لا تفسده السلطة. وتتوالى الحكايات بين العدل والظلم، والغواية والخلاص، وجنون العظمة والبحث عن الخلود، حتى يظهر عاشور الحفيد الذي يعيد للحارة عصرها الذهبي. الرواية الدائرية.. من عاشور إلى عاشور تمضي الرواية في دائرة كبرى تبدأ ب عاشور الكبير وتنتهي ب عاشور بن حليمة البركة، من نسل عاشور لكن من أفقر فروع العائلة، يعيش هو وإخوته تحت قهر الفتوة حسونة السبع. يضطر ضياء للعمل حمارا، وتبيع الأم الترمس، بينما يعود فائز بغموض وثروة قبل أن ينتحر، لتكتشف الأسرة أنه محتال. يعاني عاشور من انهيار حياته، لكنه لا يستسلم؛ فيجمع الحرافيش ويطيح بالفتوة، ثم يرفض الفتونة طالبا أن يكون الحرافيش أسياد أنفسهم. «الحرافيش» على الشاشة.. حضور مميز ولافت على مدار السنوات، ومع قوة رواية «الحرافيش»، وكون أدب نجيب محفوظ يمد السينما على مدار سنوات مسيرته بالكثير من النصوص الأدبية، فقد تحولت «الحرافيش» إلى مادة أساسية في السينما والتلفزيون، وفيما يلي استعراض سريع لمسيرة الرواية في التجسيد الدرامي: السيرة العاشورية – الجزء الأول (2002) تحولت الحكاية الأولى من الرواية الخاصة بعاشور الناجي إلى الجزء الأول من مسلسل "السيرة العاشورية"، أخرجه وائل عبد الله، وكتب السيناريو محسن زايد، وقام نور الشريف بدور عاشور الناجي. اعتمد الجزء الأول على الطابع السينمائي في الرواية، التي كتبها محفوظ بعد خبرة طويلة في كتابة السيناريو، وهو يجسد الحكاية الأولى من الرواية الخاصة بعاشور الناجي. السيرة العاشورية – الجزء الثاني (2005) قدم الجزء الثاني من مسلسل "السيرة العاشورية" الحكاية الثانية من الرواية الخاصة بشمس الدين ابن عاشور الناجي، ولعب الدور هشام سليم، وأخرج العمل خالد بهجت، مع بقاء إلهام شاهين في دور فلة مثل الجزء الأول. الحب والقضبان – الحكاية الثالثة (فيلم 1986) تحولت الحكاية الثالثة من الرواية "الحب والقضبان"، إلى فيلم بعنوان"الحرافيش" من بطولة محمود ياسين، وليلى علوي، إخراج حسام الدين مصطفى، ويتناول قصة سليمان الناجي الذي ورث العدل والفتونة، لكنه يتبدل بعد وقوعه في غواية الثراء وسنية. المطارد – الحكاية الرابعة (فيلم 1985) تحولت الحكاية الرابعة بعنوان "المطارد" إلى فيلم يحمل نفس الاسم، من بطولة نور الشريف وسهير رمزي، إخراج سمير سيف. تركز الحكاية على سماحة الناجي الذي يحلم بحياة بسيطة، لكنه يقع في مأزق حب مهلبية وينتهي به الهرب والمأساة. شهد الملكة – الحكاية السادسة (فيلم 1985) تحولت الحكاية السادسة من الرواية "شهد الملكة" إلى فيلم يحمل نفس الاسم، من بطولة نادية الجندي، وفريد شوقي، وحسين فهمي، سيناريو مصطفى محرم. وتحكي عن زهيرة الجميلة الطامحة، التي تتقاذفها العلاقات والنفوذ حتى تقتل على يد زوجها الثاني. أصدقاء الشيطان – الحكاية السابعة تحولت الحكاية السابعة من الرواية "أصدقاء الشيطان" إلى فيلم يحمل نفس الاسم، من بطولة نور الشريف، ومديحة كامل، إخراج أحمد ياسين. وهي قصة جلال ابن زهيرة، الذي يفقد حبيبته ويقع في أزمة وجودية، فيستعيد سلطة الفتوة لكنه ينهار أمام إغواء القوة والخلود حتى يلقى حتفه. الجوع – الحكاية التاسعة (فيلم 1988) تحولت الحكاية التاسعة من الرواية "الجوع" إلى فيلم يحمل نفس الاسم، من إخراج علي بدرخان، بطولة سعاد حسني ومحمود عبد العزيز. جسدت شخصية فتح الباب المناضل الذي يحاول جمع الحرافيش ضد الطغيان، عدل بدرخان القصة بإضافة شخصية سليمان الناجي كنموذج للطاغية الصاعد، بينما الرواية تؤكد أن الثورة لا تنجح بالجوع وحده بل تحتاج قوة تحميها. الحرافيش.. الملحمة الخالدة رواية «الحرافيش» هي ملحمة أسطورية، ونتاج وتأكيد لفكر نجيب محفوظ الذي حاول على مدار مسيرته الكبيرة والحافلة، حيث تجسيد معاني الخير، والشر، والعدل، والظلم، مناقشة مفهوم الحرية، والثورة، الصوفية، والمادية، وأشياء أخرى كثيرة. كما أن لغة محفوظ في الرواية هي لغة شعرية وشاعرية بدرجة كبيرة، وكأنها هي الأخرى المحطة التي عبرت عن النضج الكامل لأديب نوبل، الذي أجاد في كل لحظات الرواية، من اللغة، للشخصيات؛ ليصنع رواية تضم عشرات حكايات، رواية أجيال تدرس في فن الأدب. وفي الذكرى المتجددة لنجيب محفوظ، نعود، ونقرأ، ونتذكر، ونتعلم من كتابته الفارقة، ونستمتع بدرة كتاباته ملحمة «الحرافيش».