* يسأل محمد سالم سعيد من القاهرة: هل يجوز تشخيص الأنبياء في العمال الفنية؟ ** يجيب الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق: القصص القرآني علي تنوعه ليس مجرد بيان معجز في أسلوبه وصياغته. وإنما هو مضمون موضوعي مقيد بغرض ديني يهدف إلي إبانته وتحقيقه وإقراره. فالقصة تتكرر في غير موضع وتصاغ في عبارات متغايرة. وفي كل مرة تدعو دعوة مباشرة لشيء. وفي ذات الوقت لا تنفك عن إعجاز القرآن. ومع هذا وذاك تبتعد عن الخيال. وكيف يحتويها أو يحوطها خيال والقرآن كلمة الله. ومن بين قصص القرآن كانت قصص الأنبياء عليهم السلام جاءت تصحيحاً لمفاهيم خاطئة امتلأت بها كتب الديانات السابقة المحرفة. كما جاء مبينة لما كان لهم من شرائع درست بنبذ أهلها إياها. وتحدث القرآن الكريم عن أنبياء الله ورسله باعتبارهم المصطفين الأخيار من بني الإنسان. ومع هذا فهم بشر يمشون ويأكلون الطعام ويجري عليهم الموت. اختارهم الله لما علمه فيهم سلفاً من نقاء وفضل. فهم أفضل بشر علي الاطلاق وإن تفاوتوا في الفضل فيما بينهم قال تعالي: "ولقد فضلنا بعض النبيين علي بعض" "الإسراء الآية: 55". وهم بهذه المنزلة أعز من أن يمثلهم أو يتمثل بهم إنسان أو حتي شيطان. فقد عصمهم الله واعتصموا به فلم يزالوا لأن لهم عصمة تصونهم وتقودهم بعيداً عن الخطايا الكبار والصغار قبل الرسالة وبعدها. يدلنا علي هذه الحصانة كما نسميها في تعبيراتنا العصرية الحديث الشريف رواه أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولكأنما رآني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي". متفق علي صحته. وهذا واضح الدلالة في أن الشيطان لا يظهر في صورة النبي صلي الله عليه وسلم عياناً أو مناماً صوناً الله لرسله وعصمة لسيرتهم. بعد أن عصم ذواتهم ونفوسهم. وإذا كان هذا الحديث الشريف يقودنا إلي أن الله قد عصم خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام من أن يتمقص صورته شيطان. فإن فقه هذا المعني انه يحرم علي أي إنسان أن يتقمص شخصيته ويقوم بدوره. وإذا كان هذا هو الحكم والفقه في جانب الرسول الخاتم. فإنه أيضاً الحكم بالنسبة لمن سبق من الرسل. لأن القرآن الكريم جعلهم في مرتبة واحدة من حديث التكريم والعصمة. فإذا امتنعوا بعصمة من الله أن يتمثلهم الشيطان امتدت هذه العصمة إلي بني الإنسان. فلا يجوز لهم أن يمثلوا شخصيات الرسل. إذ لا يوجد الإنسان الذي ابيضت صفحته وطهرت سريرته ونقاه الله من الخطايا والدنايا كما عصم أنبياءه ورسله ويستدل علي ذلك من قول الله سبحانه: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلي آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله.." "البقرة الآية: 285". وإذا كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب كما القرآن "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يُفتري.." "يوسف الآية: 111". فإن القصة لا تستفاد منها العبرة آخذة بالنفوس إلا إذا كانت من الإنسان الذي اصطفاه الله واختاره لإبلاغ الرسالة وانقاذ أمته. وكيف تتأتي الاستفادة من تمثيل إنسان لشخص نبي ومن قبل مثل شخص عربيد مقامر سكير وأخ للدعارة والداعرات. ومن بعد يمثل كل أولئك أو كثير منهم؟ ونقربه إلي أذهان أولادنا بدلاً من القصص المستورد الذي يحرض علي التحلل والانحلال. نعم: إن هذا أمر محمود. لكن لابد فيه من الالتزام بآداب الإسلام ونصوص القرآن ولنصور الوقائع كما حكاها القرآن واقعاً لا خيال فيه ولنحجب شخص النبي الذي نعرض قصصه مع قومه. فلا يتمثله أحد. وإنما نسمع صوت من يردد إبلاغه الرسالة ومحاجته لقومه وإبانته لمعجزته كما أوردها القرآن الكريم. ولعلنا نسترشد بقول الرسول صلي الله عليه وسلم في حق نفسه ونشأته ونسبه. ".. أنا خيار من خيار.." وهذا الحكم كما سبق يمتد إلي غيره ممن سبقه من الأنبياء. ومن أجل ذلك: يجب أن ينقي هذا المسلسل وغيره من المناظر المصورة التي يمثل الأنبياء فيها بأشخاص ظاهرين. أو يمثل فيها أصولهم كالأم أو زوجاتهم وأولادهم. بل إن هذا الحظر يمتد إلي الأصحاب الذين عاصروا الرسالة وأسهموا في إبلاغها. لأن القدوة من بعد النبي في هؤلاء الأصحاب ومن ثم كان لزاماً صونهم علي التمثيل والتشخيص. ويكفي أن نسمع أقوالهم مرددة من خلال الأصوات التالية لها. وأهيب بالمسئولين عن الثقافة في المسارح أن يعيدوا النظر فيما لديهم من قصص مستقاة من القرآن أو السيرة النبوية الشريفة. وأن يرفعوا منها كل ما كان فيه تشخيص لأحد الأنبياء أو زوجه أو ولده ووالده ووالدته أو أحد أصحابه. فإنه إذا كانت المصلحة في تقريب هذه القصص تمثيلاً وتصويراً للناس إلا أن المفسدة في تجسيد النبي أو أحد هؤلاء الأقربين إليه عظيمة والخطر منها أفدح. ولا شك ان درء المفاسد مقدم علي جلب المصالح كما تقضي قواعد الشريعة الغراء.