نواصل في هذا العدد ما بدأناه في العدد الماضي في تفنيد أكاذيب القرآنيين ومن علي شاكلتهم من الفرق الضالة الطاعنة في السنة ومن ذلك قوله تبارك وتعالي :¢ لقد مَنَّ الله علي المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ¢ آل عمران: 164 وهذه الآية الكريمة لعلها استجابة من الله- تعالي - للدعاء الذي توجه به إبراهيم وإسماعيل - علي نبينا وعليهما الصلاة والسلام - إليه - تعالي - حين كانا يرفعان القواعد من البيت .وهذا الدعاء ذكره الله في القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالي : ¢ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم البقرة: 127 - 129 فهذا الدعاء من إبراهيم وإسماعيل - علي نبينا وعليهما الصلاة والسلام - لقي القبول عند الله - سبحانه - فكان من قدره - عز وجل - أن جعل من ذريتهما تلك الأمة المسلمة التي هي خير أمة أخرجت للناس. ثم بعث فيها رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. وقد ذهب أهل العلم والتحقيق إلي أن المراد بالحكمة إنما هو : السنّة النبوية. فإن الله - تعالي - قد مَنَّ علي المؤمنين بإرسال الرسول - صلي الله عليه وسلم - الذي جعل رأس رسالته أن يعلم أمته المؤمنة شيئين : الكتاب والحكمة. ولا يجوز أن تكون الحكمة هي الكتاب. فإنها معطوفة عليه. والعطف يقتضي المغايرة. ولا يجوز أن تكون شيئاً آخر غير السنة. فإنها عطفت علي الكتاب. فهي من جنسه في المصدر والغاية. وقد منَّ الله - تعالي - بهما علي المؤمنين. ولا يمنّ الله - تعالي - إلا بما هو حق وصدق. فالحكمة حق كما أن القرآن حق. وهذه الآية واضحة الدلالة علي أن السنة من وحي الله - تعالي - علي نبيه صلي الله عليه وسلم .يقول الشافعي: ¢ فذكر الله الكتاب وهو القرآن. وذكر الحكمة. فسمعت مَن أرضي مِن أهل العلم بالقرآن يقول : الحكمة سنة رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وهذا يشبه ما قال - والله أعلم - لأن القرآن ذُكر. وأُتْبِعَتْه الحكمة. وذكر الله منَّه علي الخلق بتعليمهم الكتاب والحكمة. فلم يجز - والله أعلم - أن يقال الحكمة هنا إلا سنّة رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وذلك أنها مقرونة بالكتاب. وأن الله افترض طاعة رسوله - صلي الله عليه وسلم - وحتم علي الناس إتباع أمره. فلا يجوز أن يقال لقول فرض إلا لكتاب الله - تعالي - وسنة رسوله - صلي الله عليه وسلم .... ¢ ومن الآيات التي تقطع بأن السنة وحي من عند الله - تعالي - وأن الرسول - صلي الله عليه وسلم - لا ينطق فيما يتصل بالتشريع إلا بما يوحي الله - تعالي - إليه. قوله - سبحانه - في شأن رسوله - صلي الله عليه وسلم: ¢ ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين¢ الحاقة:44-47 . هذه الآيات تدل بوضوح شديد علي أن الرسول - صلي الله عليه وسلم - لا يقول شيئاً - فيما يتصل بالدين - إلا بما يوحي إليه الله به - وكذلك لا يفعل. فإن القول أعم من الفعل ودليله ولو أن الرسول صلي الله عليه وسلم - قال شيئاً في الدين لم يوح الله تعالي به إليه. لأهلكه الله تعالي وما من أحد بقادر علي أن يمنع الله سبحانه من إهلاكه آنئذ. وهذا وعيد من الله - تعالي - ووعد. وعيد لنبيه صلي الله عليه وسلم أن يتقول عليه ما لم يوح به إليه - وحاشاه - صلي الله عليه وسلم - أن يفعل ذلك - ووعد للمؤمنين بأنه تعالي حافظى دينَه من أن يدخل إليه أو يختلط به ما ليس منه علي لسان نبيه. وهذه الآيات تعد - في الوقت ذاته - أمراً من الله - تعالي - جازماً لأمته أن يؤمنوا ويوقنوا ويسلموا لكل ما يأتيهم به النبي - صلي الله عليه وسلم - حيث إن الله - عز وجل- ضمن لهم أن نبيه لن يتقول عليهم. وأن كل ما ينطق به النبي قولاً. أو يأتيه فعلاً. إنما هو من وحي الله تعالي إليه يقول العلماء : لقد أخبر الله - عز وجل - بأن رسوله - صلي الله عليه وسلم - لو تقول في الدين قولاً لم يوح - الله تعالي - به إليه لأهلكه الله - سبحانه - وحيث إن الله - تعالي - لم يهلك نبيه. فلم يأخذ منه باليمين. ولم يقطع منه الوتين - نياط القلب - بل سانده وأعانه. وأيده ونصره. وأظهره علي أعدائه هو وأصحابه الذين آمنوا به واتبعوه. فإن ذلك دليل قاطع علي أن رسول الله - صلي الله عليه وسلم - لم يقل أو يفعل أو يقر شيئاً إلا بوحي من الله ومن الآيات التي تدل علي أن الرسول - صلي الله عليه وسلم - لا يقول أو يفعل شيئاً في الدين إلا بوحي من عند الله - عز وجل - قول الله - سبحانه - مخبراً عن رسوله صلي الله عليه وسلم :¢ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ¢ الأعراف:157 .فالآية أسندت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإحلال الحلال. وتحريم الحرام إليه- صلي الله عليه وسلم - مباشرة.