فى الذكرى العطرة لمولد النبى صلى الله عليه وسلم نعود فى إجلال وتوقير عظيمين إلى القرآن الكريم، ونقف في رحابه خاشعين ، نقرأ فيه آيات الله تعالى البينات التى تتصل بالحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم ،حيث نتأمل بعضا من جوانب شخصية من اختاره الله سبحانه وتعالى رحمة للعالمين، وخاتما للأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم «ومن أصدق من الله حديثا» النساء. فمن الجوانب التى نقف عندها فى رحاب القرآن الكريم جانب يعود بذاكرتنا إلى الماضى البعيد إلى زمن أبى الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام حين وقف متجها إلى ربه خاشعا وداعيا «ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم» البقرة 129 واستجاب الله عز وجل دعاء نبيه، وقد سجل القرآن الكريم هذه الاستجابة فى مجموعة من آياته منها قول الله عز وجل «لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين» آل عمران 164. إن الدعوة والاستجابة فيهما بيان مقومات الأمة الجديدة أمة الإسلام وهى «يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعملهم الكتاب والحكمة» وينقلها بذلك من الظلمات التى عاشت فيها قبل الإسلام إلى أنوار الإيمان الجديدة بعد الإسلام. ومن هذه الجوانب ما ينقله لنا مشهد الوحى الأمين وهو يتنزل على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يتعبد لربه عز وجل فى غار حراء إنه المشهد الذى حمل معه مشهد التكليف بالرسالة، حيث ترى فيه أمرا بالقراءة باسم الله، وهو أمر مكرر يؤكد أن هذه الأمة لابد أن تكون أمة قارئة عالمة ومعلمة لغيرها، وذلك على النحو الذى سجلته هذه الآيات «اقرأ باسم ربك الذى خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم، الذى علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم «العلق 1-5». ومن حديث القرآن الكريم عن النبى صلى الله عليه وسلم ما ينقل لنا طبيعة العلاقة التى كانت بينه وبين أصحابه الذين استجابوا للدعوة وآمنوا به وصدقوه وآزروه واتبعوا النور الذى أنزل معه، إن الآيات التى حدثتنا عن ذلك تكشف لنا عن الحب العميق الذى أحب به المؤمنون نبيهم، وأحب به النبى عليه الصلاة والسلام أصحابه، إن صورة المؤمنين مع نبيهم صلى الله عليه وسلم ومع بعضهم البعض صورة وضاءة يشيع فيها خلق المودة والرحمة والحب والتعاطف بحيث كان الواحد منهم لا يحب أن يفارق مجلسه لحظة واحدة وقد سجل القرآن الكريم ذلك فى قول الله تعالى «محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما» الفتح 29. أما حب النبى صلى الله عليه وسلم لأصحابه ومودته لهم وشفقتهم عليهم وحرصه على أن يقدم لهم كل ما ينفعهم فى دينهم ودنياهم فإن ذلك واضح من حديث القرآن الكريم فى قول الله تعالى مخاطبا المؤمنين، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم » التوبة 128 وفى قوله سبحانه «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر» آل عمران 159. إن الله تعالى شهد لنبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق العظيم مع أصحابه وهى شهادة تشير إلى أنه صلى الله عليه وسلم له من كل خلق قويم أسماه وأسناه وأحمده وأرضاه وكان فى كل ما يصدر منه من خلق مع أصحابه إنما يترجم ترجمة عملية ما أمره به رب العالمين فى قوله عز وجل واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين» الشعراء 215. ومن حديث القرآن الكريم عن النبى صلى الله عليه وسلم حديثه عن الغاية الكبرى من رسالته فهو رحمة من الله للعالمين «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، الأنبياء 107 وهو يشير لمن أطاعه بالجنة، ونذير من النار لمن عصاه «إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا» البقرة 119 وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا» الفرقان 56 وهو عليه الصلاة والسلام مرسل بالهدى الذى ينقذ الناس من الضلال ويخرجهم من الظلمات إلى النور، كما قال الله عز وجل «هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً» الفتح 28 - وكما قال سبحانه «وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم صراط الله الذى له ما فى السموات والأرض ألا إلى الله تصير الأمور» الشورى 52-53. ومن حديث القرآن الكريم عن النبى صلى الله عليه وسلم حديثه عن الرسول القدوة الذى يجب أن يقتدى به المؤمنون فى كل زمان ومكان لأنه صلى الله عليه وسلم كان مترجما لأخلاق الإسلام التى جاءت فى القرآن الكريم ترجمة سلوكية فكأنه كان يفسر القرآن الكريم تفسيرا عمليا أخلاقيا، وهو المعنى الذى أشارت إليه السيدة عائشة رضى الله عنها حين سئلت عن أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم فقالت «كان خلقه القرآن» أى أنه كان قرآنا يمشى على الأرض، وقد جاءت الدعوة إلى الاقتداء به فى قول الله عز وجل «لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا» الاحزاب 21- وفى قوله سبحانه «قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم» آل عمران 31 وقد تعددت الآيات التى جمعت بين الدعوة إلى طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قول الله تعالى «وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون» آل عمران 32 وفى قوله «من يطع الرسول فقد أطاع الله» النساء 80 وفى قوله عز وجل «يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم» الانفال 24 وبعد فهذا جانب يسير من حديث القرآن الكريم عن سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نذكر به أنفسنا فى ذكرى ميلاده التى تحتل قلوبنا فى كل وقت لعلنا من خلال الذكر والتذكر نعيد صياغة حياتنا على النهج الذى هدانا إليه نبينا صلى الله عليه وسلم فى كل أقوالنا وأفعالنا وعلاقاتنا، حتى نكون جديرين بأن نكون حقا خير أمة أخرجت للناس، وصدق الله العظيم «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين» الذاريات 55.