مرت علي الأمة مؤخرًا ذكريات عزيزة. وأحداث أليمة. وكلها تصب في بؤرة الشعور بمعاني الحسرة والأسي .. فأما الذكريات ففي شهر رجب من كل عام يتمثل المؤمنون أحداث ليلة الإسراء بنبيهم صلّي الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي. وصدور الأمر الإلهي أن تتجه الأمة في صلاتها إلي المسجد الأقصي وفيه كذلك يذكر المسلمون بكل اعتزاز تحرير القائد صلاح الدين الأيوبي للمسجد الأقصي وفي شعبان يتذكر المسلمون تحويل القبلة إلي المسجد الحرام من المسجد الأقصي. وفي مثل هذه الأيام عاشت الأمة مأساة المذبحة الوحشية من الصهيونية العالمية لإخواننا حول المسجد الأقصي وداخل حرمه بما فاق أسلافهم المجرمين من أمثال قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح. ومن أصحاب الأخدود الذين تحدث القرآن عنهم وهم يتمتعون بمشاهدة المؤمنين وهم يحترقون. وينفثون حقدهم علي الإيمان والمؤمنين بإجرام بشع. وانتقام فظيع. ما يحملهم عليه إلا الحقد والغل والعداء للإيمان: "وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاّ أَن يُؤْمِنُواْ بِاللّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ" "سورة: البروج - الآية: 8". ونقول : إنهم فاقوا أسلافهم بعد أن شاهد العالم كيف عاثوا في أرض الطهر والبركة فسادًا وسفكًا لدماء الأبرياء. وطعنًا في رءوس الأطفال وهم علي صدور الآباء وتلهيًا بتكسير العام والعبث بالأشلاء. وأمام هذه الأحداث والذكريات تتفجر في نفوس المؤمنين مشاعر ملتهبة. وتنطلق الأحاسيس المكبوتة يريدون البذل والتضحية والجهاد.. ويفاجأون بالمخذلين والمرجفين يخوفونهم من قوة الأعداء. ويبالغون في وصف ما لديهم من أسلحة الدمار. مقارنين بما عندهم من قنابل فتاكة . وصواريخ هدامة. وبوارج عملاقة. وطائرات نفاثة.. وما لدي الأمة من عتاد متواضع لا يصمد أمام هذه المخترعات الجبارة.. مما يثبط الهمم. ويضعف العزائم. ويبث روح الخور والوهن والعجز والاستسلام.. وصدق الله العظيم وهو يصف تحركات هؤلاء وسط الأزمات والحروب فيقول: "لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمى بِالظّالِمِينَ" "سورة: التوبة - الآية: 47". إنهم عملاء لهؤلاء الأعداء.. يتخذونهم أولياء من دون المؤمنين . وينسقون معهم في القضاء علي الروح المعنوية للمسلمين.. إنهم جنود الشيطان في تخويف المؤمنين كما قال رب العزة: "إِنّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ" إِن كُنتُمْ مّؤْمِنِينَ" "سورة: آل عمران - الآية: 175". ولتبديد تلك الشائعات المغرضة لابد لنا من الرجوع إلي الكتاب الخالد. نستوحي منه الحقيقة مجردة صادقة إذ هو صادر ممن يعلم السر وأخفي: "وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً" "سورة: النساء - الآية: 122". لقد بين القرآن للأمة أنه في صراع مستمر مع أهل الباطل إلي قيام الساعة. وأن أعداءها محددون بكل من كفر بالله وبما لديها من وحي السماء وأنهم متعاونون ضد أهل الحق. قال تعالي: "وَالّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضي إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةى فِي الأرْضِ وَفَسَادى كَبِيرى" "سورة: الأنفال - الآية: 73". ومن هؤلاء الأعداء من هو أشد ضراوة علي المسلمين .. وذلك هو العدو اللدود المتمثل في اليهود والمشركين.. قال سبحانه وتعالي: "لَتَجِدَنّ أَشَدّ النّاسِ عَدَاوَةً لّلّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالّذِينَ أَشْرَكُواْ" "سورة: المائدة - الآية: 82". كما بين الوحي الوسائل الرشيدة لمجابهة هذا العدو الخبيث عن طريق معرفة ما يدور في أعماقه وما يحرك تصرفاته.. ولا أحد يستطيع الإنابة عن ذلك إلا من خلق هذا الكائن العجيب: "أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ" "سورة: الملك - الآية: 14". وتلك نعمة يمتن الله بها علي الأمة . ويوفر عليها جهدًا خارقًا في الوصول إلي بعض تلك الحقائق عنهم. ومن هذه الحقائق: - أن عدونا ناقض للعهود دائمًا وباستمرار نلحظ ذلك من كتاب ربنا وهو يصفهم بقوله: "الّذِينَ عَاهَدْتّ مِنْهُمْ ثُمّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلّ مَرّةي وَهُمْ لاَ يَتّقُونَ" "سورة: الأنفال - الآية: 56". وهو يتحدث عنهم "أَوَكُلّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نّبَذَهُ فَرِيقى مّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ" "سورة: البقرة - الآية: 100". إن عدونا جبان يحب الحياة بأي ثمن وفي أي صورة ولو كانت بالذل والمسكنة: "وَلَتَجِدَنّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلَيَ حَيَاةي" "سورة: البقرة - الآية: 96". ويترتب علي جبنهم شيئان .. أولهما أنه لا يقاتل إلا في حماية الحصون والأسلحة .. وهذا منطوق قوله تعالي "لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرًي مّحَصّنَةي أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُري" "سورة: الحشر - الآية: 14". والثاني : الاحتماء بقوة بشرية أخري تحميه وتدافع عنه من حيث إنه قد فقد حماية الله وفقد شجاعة اللقاء يقول تعالي: "ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوَاْ إِلاّ بِحَبْلي مّنْ اللّهِ وَحَبْلي مّنَ النّاسِ" "سورة: آل عمران - الأية: 112". وما حبل الله إلا إرخاؤه لهم ليؤذوا المسلمين حين يتخلون عن منهج الله . وما حبل الناس إلا تسخيرهم لقوة عسكرية بواسطة المال أو الجنس. أو النفوذ أو الإعلام لتدافع عنهم وتؤازرهم في ميادين التسليح والتبرع والمساندة.. كما نلحظ ذلك في تعبيرات القرآن الأخري حين يقول: "فَإِمّا تَثْقَفَنّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِم مّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ" "سورة: الأنفال - الآية: 57". "تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ" "سورة: الأنفال - الآية: 60". -أن عدونا مغرور بما معه من قوة السلام. وقوة الأعوان. وقوة التحصينات.. قال سبحانه وتعالي: "وَظَنّوَاْ أَنّهُمْ مّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مّنَ اللّهِ" "سورة: الحشر - الآية: 2". وقال سبحانه: "وَلاَ يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوَاْ" "سورة: الأنفال - الآية: 59". وللحديث بقية