أ.د. صلاح الدين سلطان الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية www.salahsoltan.com حماقة بنى صهيون قديمة متجددة، وسيجرى عليهم قانون الله تعالى: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ) (القمر:45-46)، وسيمضى عليهم قدر الله تعالى وقوله تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (آل عمران:112)، فهل يوجد أحمق فى تاريخ العالم من قوم رأوا بأعينهم العصا تتحول إلى ثعبان، كما قال سبحانه: (وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ) (طه: 69)، وشق الله البحر أمام أعينهم، فانفلق فكان كل فِرق كالطَّود العظيم، وخلع الله الجبل وجعله فوق رءوسهم كأنه مظلة، وأحيا الله الميت بضربة من عظام البقرة، وأنزل الله عليهم المَن والسلوى، ومع هذا ظلوا على حماقتهم وكفرهم وعنادهم حتى قال سبحانه: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) (البقرة: من الآية: 87)، وقال تعالى: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة: 75)، أليست هذه حماقات بالجملة لدى بنى إسرائيل وأبنائهم وأحفادهم من بنى صهيون! أليس يهود بنى قينقاع قد رأوا انتصار القلة المؤمنة فى غزوة بدر فراحوا يسخرون من النبى -صلى الله عليه وسلم- وصحبه، ويقللون من شأن هذا الانتصار ويهددون وقالوا: لإن لقيتنا لتعلَمن أنَّا الناس، وقاموا كعادتهم بأفعال الخسة بأن كشفوا عورة امرأة مسلمة فى سوق ذهبهم؛ فقامت حرب من دولة الإسلام الوليدة التى لم تتهيأ بعد للنزال والقتال كما تهيأ بنو قينقاع زمنا طويلا، لكنهم لما حوصروا تقوقعوا واستغاثوا وأخرجوا من ديارهم، ولم يتعلم يهود بنى النضير ممن سبقهم فى الغدر والمكر والخسة والنذالة، بل هموا احتيالا بمحاولة اغتيال النبى -صلى الله عليه وسلم- بطريقة خسيسة أيضا، فأنجاه الله وحوصروا ونزلت الآيات فى سورة بأكملها سميت بسورة بنى النضير، حيث قال تعالى: (هُوَ الَّذِى أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِى الْأَبْصَارِ) (الحشر:2)، والقرآن يقص هنا أن هؤلاء بلغوا فى الحماقة أوُجَّها وأعلاها حتى يصح أن يقال: أحمق الناس من تحدى رب الناس، فآتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف فى قلوبهم الرعب وخرجوا أذلاء مقهورين، ومع هذا لم يتعلم الدرس بنو قريظة، وقد صار النبى -صلى الله عليه وسلم- أقوى استعدادا للأعداء وأوسع انتشارا، وقد تراجع اليهود عَددا، وصاروا قبيلة واحدة بدل من قبائل ثلاث، ومع هذا أغواهم الشيطان، وأنساهم العمى، ودفعتهم الحماقة أن ينقضوا العهود، وأن يفتحوا الحدود فى منطقة الجنوب للمشركين من الأحزاب حتى وصل المسلمون إلى ما وصفه القرآن: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِى الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) (الأحزاب:10-11)، لكن الله جل فى علاه أجرى سننه، ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا، فكانت النتيجة قتل يهود بنو قريظة، بعد أن اشتد الغضب فى السماء، ونزل جبريل إلى الأرض فى لغة حربية قاطعة: يا محمد، أوقد وضعت سلاحك؟! إن الملائكة لم تضع أسلحتها، فقال: فإنى سائر أمامك إلى بنى قريظة أزلزل عليهم عروشهم، وهنا أخذ النبى -صلى الله عليه وسلم- الرسالة، وقال فى حزم وعزم: من كان منكم سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا فى بنى قريظة، فانطلقوا سراعا وحاكموهم، ونزلوا على حكم سعد بن معاذ بعد أن بَكَوْا وتعلقوا برجله وهو ينزف على دابته، وحكم أن يقتل كل من أنبت من الرجال، وأن تسبى النساء والأطفال، وأن تقسم الأموال، فكبر النبى -صلى الله عليه وسلم- وقال: "لقد حكمت بحكم الله يا سعد من فوق سبع سماوات". وهنا يأتى الشاهد الكبير على حماقة بنى يهود عندما جُمعوا ليقتل شرارهم، وسأل أحد اليهود قائدهم كعب بن أسد القرظى: إلى أين يذهبون بنا؟، فقال كعب: يا قوم أفى كل مرة لا تعقلون؟!، أولا ترون أن الآخذ لا ينزع، وأن الذاهب لا يرجع!، إنه والله القتل، فأودت بهم حماقتهم فلم يعتبروا فى الأولى من بنى قينقاع، ولا فى الثانية من بنى النضير فلقوا حتفهم جميعا، وأقول اليوم لنتنياهو وباراك وحكومة بنى صهيون وشعب المحتلين: يا بنى صهيون، أفى كل مرة لا تعقلون! ألم تهزموا فى لبنان فى 2006م، وهزمتم من أهل غزة المحاصرين فى موقعة الرصاص المصبوب من جانبكم، والفرقان من جانبنا، ألم تعتبروا أن مخابراتكم وسلاحكم ومخابرات الأمريكان والألمان والهند واليابان والصين وروسيا واستراليا وجواسيس رام الله ومبارك وعمر سليمان لم يستطيعوا خمس سنوات أن يعرفوا مكانا لشاليط؛ ورضختم أذلاء لشروط حماس فحُررِّت عشرون أختا من سجون الاحتلال من أجل دقيقتين فيديو يؤكدان حياة شاليط واستكبروا ورفضوا شروط حماس، وفى الأخير رضخوا وذلوا واضطروا أن يخرجوا فوق الألف من أسرى فلسطين من أجل الإفراج عن شاليط! هل نسيتم يا بنى صهيون أن فى فلسطين قوما جبارين؟! هل نسيتم يا بنى صهيون عماد عقل وهو يرعب جحافلكم وقادة الدبابات والطائرات وصار رعبا فى جنود الصهاينة حتى فى الأحلام، وألقى بنفسه من فوق السطح بينكم وقتل جنودكم قبل أن يستشهد، أنسيتم براعة أهل غزة الذين ملئوا المساجد عمارة، وملئوا قلوبهم حفظا للقرآن؟! هل نسيتم أن فى غزة أكثر من سبعين ألف حافظ للقرآن تحوطهم عناية الرحمن وتسدد رميتهم كلمات الله حيث قال سبحانه: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ) (الأنفال: من الآية: 17)! هل نسيتم يا بنى صهيون براعة أهل غزة عندما حاصرتموهم سنين عديدة، فرفعوا شعار: "الجوع لا الركوع"! وعلموا العالم كيف تكون غزة رمزا للعزة والقوة والصبر والجلد، فكأنى بهم كما قال الشاعر: وتجلدى للشامتين أرُيهم أنى لريب الدهر لا أتضعع أنسيتم يا بنى صهيون براعة أهل غزة الذين جعلوا "من الفسيخ شربات" فصار عندهم فائض -رغم الحصار الظالم من العدو والصديق- من الخضروات والفواكه واللحوم البيضاء والأسماك والتمر، وعندهم استعداد للتصدير! هل نسيتم يا بنى صهيون براعة أهل غزة عندما قدمت أم نضال وأخواتها ثلاثة من أبنائها شهداء وهم فى قمة الشباب والفتوة فأعادت للأمة خنساء المدينة بخنساء فلسطين، هل نسيتم أمية جحا الفنانة الرسامة وهى تودع زوجها الأول شهيدا، وزوجها الثانى شهيدا، وتتزوج قائدا جديدا يرجو أن يكون شهيدا! هل نسيتم براعة أهل غزة وهم يصنعون من روث البهائم متفجرات فى وجوهكم النجسة؟! هل نسيتم براعة أهل غزة حيث طوروا من الصفيح وقطع الحديد صواريخ تضربكم فى الأعماق حتى وصلت إلى الكنيست وإلى 85 كيلو فى عمق أرض الاحتلال وصرتم تختبئون بالملايين ليس فقط فى الملاجئ، وإنما فى المراحيض كما عبَّرت على "تويتر" شقيقة أحد الجنود الإسرائيليين أن أخاها الجندى المدجج بالسلاح يختبئ داخل المراحيض، وأنهم يخشون من فرسان حماس أن يصطادوهم كالبط، ولعلها من مدرسة عكاشة! هل نسيتم يا بنى صهيون أن جنودكم الذين دخلوا إلى غزة كانوا يلبسون الحفّاظات من كثرة تبولهم على أنفسهم؛ خشية براعة الإقدام من أبطال غزة فى حماس والجهاد والأحرار و... إننى أهتف فى أمتى.. أولا: لا تخشوا من حماقات بنى صهيون فَسُنة الله جارية، وسيقتلون على أرضنا، ونحرر قدسنا، فقفوا بالقول والعمل، والسيف والقلم مع براعة أهلنا وجيراننا وإخواننا أبطال غزة. غدا نلقى الله تعالى ولا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.