لقد دخل رجل مسجد رسول الله و لم يكن مخموراً و لم يكن مجنوناً ومشي إلي القبلة ووقف قبالتها وراح يتبول فيها بينما الرسول يعطي درساً لصحابته. فلما همَّ الصحابة من مكانهم ليؤذوا الرجل استوقفهم الرسول قائلاً برحمته و سماحته في الحديث الشريف "دعوه وهريقوا علي بوله ذنوبا من ماء -أو سجلا من ماء- فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين" لا تقطعوا عليه بولته فتؤذوه وعندما انتهي الرجل قال الرسول: هريقوا عليه دلواً من الماء. فنظر إليه الرجل متعجباً متسائلاً ولو بينه وبين نفسه: هل هناك مخلوق علي وجه الأرض يتحمل لهذه الدرجة وأصحابه حوله قادرون علي الفتك به وهو ليس علي دينهم ويقوم بالنصح بكل هذا الصبر؟ بعد ثوان من الصمت لمتأمل قال الرجل: يا محمد علمت أنك بالمؤمنين رءوف رحيم فقلت: هذا منطقي فلما علمت أنك رحمة للعالمين استغربت ذلك فأردت أن أتيقن من حقيقة هذا القول وأنا واحد من العالمين آذيتك في مشاعرك وفي بيت الله الذي تحترمه وتقدره وأنا علي غير الدين فما هذه الرحمة؟! أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده و رسوله. إن النبي هو إمام المسلمين الأكبر بقرار من الله سبحانه وتعالي تقبل أن يكشف رجل كافر عورته ويبول في مسجده و في حضرته وفي وجود صحابته فلا يقطع عليه ما يفعل حتي لا يؤذيه ثم يناقشه بالحسني و يسامحه فيما فعل فتكون النتيجة دخوله الإسلام. ولعلنا لو ننسي أن خالد بن الوليدپ حارب النبي طويلاً بل كان السبب في هزيمة المسلمين يوم أُحد. ماذا حدث عندما أقبل علي النبي عهد إليه بقيادة جيوش المسلمين فانتصر لهم. لولا تسامح النبي معه لخسرته الأمة فارساً في الفتوحات الإسلامية. لخسرت الأمة سيف الله المسلول. بل إن معظم الصحابة الذين بُشروا بالجنة آذوا النبي قبل إسلامهم وعلي رأسهم عمر بن الخطاب. لكن النبي عفا وأصلح وكان أجره علي الله. و هو ما حدث مع أهل مكة بعد عودته إليها عندما قالوا له: ? أخى كريم و ابن أخي كريم اعتبر ذلك نوعاً من الاعتذار ولو لم يكن الاعتذار صريحاً واضحاً. فلم يتردد في أن يقول لهم: " اذهبوا فأنتم الطلقاء " عفا الله عما سلف كأن لم يكن. هل يتأسي العلماء بحضرة النبي ؟ هل يجد الناس عندهم المأوي إذا خافوا. والفتوي إذا فعلوا. والنصيحة إذا تجاوزوا. والعفو إذا أخطأوا حتي لا يظن المسلمون أن الإسلام انتهي بوفاة الرسول؟ "وَاعْلَمُواْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيري مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ" ] 7الحجرات" والمقصود إننا نريد أن نشعر بأن رسول الله لا يزال موجوداً بيننا. واعلموا أن فيكم علماء كباراً يواصلون رسالتي. يتأسون بي. ويتصرفون مثلي ويحملون خلقي. وينفذون وصيتي: " الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء " وإلا لا أحد يتحدث منهم في شئون الدين إلا علي قدر ما يستطيع أن ينفذ ويشيل. و في الحديث الشريف الذي ورد في كتاب كشف الخفاء" الجزء 2 . ص 375 2573 من قطع رجاء من ارتجاه قطع الله منه رجاءه يوم القيامة فلم يَلِجِ الجنة وفي لفظ "فلم يدخل الجنة" من حق المسلمين جميعاً أن يظنوا في علمائهم خيراًَ وأن ينزلوهم منازلهم وأن يحترموهم احتراماً شديداً. ومن حق الناس علي علمائهم الرحمة والنصيحة والفتوي والسماحة والعفو عند المقدرة حتي لا يظن المسلمون أن الإسلام مات بموت رسول الله. ولا حول ولا قوة إلا بالله.