المسلمون يرون في مشايخهم صورة من الرسول الكريم وصدمتهم تكون كبيرة عندما يكتشفون أن ذلك سراب. التسامح من صفات النبي. فمن تأسي به وعفا وأصلح فأجره علي الله. وأكثر الناس تأسياً به هم الأنبياء والمرسلون والأولياء والعلماء و ورثتهم. * من حق الناس علي علمائهم الرحمة والنصيحة والفتوي والسماحة والعفو عند المقدرة حتي لا يظن المسلمون أن الإسلام مات بموت رسول الله. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر علي جبل يقال له جُمْدان فقال: سيروا, هذا جُمْدان سبق المفردون. قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات. كي نمشي في طريق النبي فمن يكتفي بذكر الله - قليلاً - في المناسبات والأزمات فهو منافق. فقد قال الله عن المنافقين: " إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قاموا إِلَي الصلاة قَامُواْ كُسَالَي يُرَآءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً" "142 النساء" ولو كان ذكر الله قليلاً يضعنا في خانة النفاق فإن نسيان ذكره تماماً يهددنا بالخروج من الإيمان. وعن أبي بُردة عن أبي موسي رضي الله عنه قال : قال النبي صلي الله عليه وسلم: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت" فالإيمان تتوقف درجته علي مدي تأسينا بالنبي والتشبه به وبأخلاقه ومنها التسامح. علي قدر ما رُزق العبد من تسامح تكون درجة تأسيه بالنبي. فلو قلّ التسامح عنده قل تأسيه بالنبي ولو زاد تسامحه زاد تأسيه بالنبي. في بداية الدعوة لم يتوان أهل مكة في إيذاء النبي ومقاطعته وحصاره ومطاردته والتضييق عليه وتعذيب أتباعه الذين هاجروا مرتين وخرج النبي منها ليلاً وقلبه يتألم وهو يقول: "والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلي الله ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت" فلما مكنه الله من رءوس أعدائه الكفار عندما عاد إلي مكة فاتحاً وقوياً ومنتصراً ومسيطراً وأصبح أهلها- الذين يستحقون ما هو أكثر من الهلاك بسبب ما فعلوا - في قبضته قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" هل هناك دليل علي التسامح أكبر من ذلك؟ فلم يُخيِّب رجاءهم و لم يُضيِّع آمالهم ولم يخذلهم رغم أنهم كفار. بل قال لهم حين اجتمعوا في المسجد: ما ترون أني صانع بكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. وعندما أُستشهد سيدنا حمزة بن عبدالمطلب وتوعّد الرسول بقتل عشرة رجال أمامه فور أن علم بالتنكيل بجثته حيث بقرت هند بنت عُتبة زوج أبي سُفيان وأم معاوية بطنه وأخذت قطعة من كبده ولاكتها بفمها. لكن عندما جاءته مسلمة أفسح لها صدره وقلبه وعفا عنها. إنها أخلاق النبي, رسول الله. لقد توعد بقتل عشرة فقال سبحانه وتعالي له: " وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ " "126النحل" فقال النبي: "إذاً فواحد" فقال سبحانه وتعالي : "وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرى لِّلصَّابِرِينَ " "126 النحل" عندها قال النبي: "أصبر وأحتسب الحمزة عند الله" نوع من السماح والعفو عند المقدرة. وللحديث بقية.