قال تعالي: "... أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً" المائدة "32" الإسلام دين القوة في عقيدته والمنعة في تشريعاته فهو أحكم الأنظمة وضعاً. وأنبلها قصداً. وأجلها أثراً. وأحفلها صيانة ورحمة.. ولا عجب فهو تشريع العليم الخبير الذي أحاط بكل شيء علماً "ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون" 50 - المائدة. فقد أرسل الله سبحانه نبيه محمداً صلي الله عليه وسلم بالهدي ودين الحق.. دين الإسلام. وجاء هذا الدين الحنيف بشريعة غراء هذه الشريعة جاءتنا بمقاصد عليا.. وأعلي تلك المقاصد: الحفاظ علي الكليات الخمس "النفس والعقل والدين والعرض والمال" فأولي هذه المقاصد لشريعتنا الغراء هي: الحفاظ علي النفس البشرية.. لذا عظم الشارع الحكيم حرمتها واصفاً حال من اعتدي عليها "... أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً" 32 - المائدة ونفي عنه الإيمان بقوله "... وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ". وعظم جل جلاله جرم من اعتدي عليها بتغليظه العقوبة أيما تغليظ عليه "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً" 93 - النساء. وقال في حرمتها رسول الله صلي الله عليه وسلم "لزوال الدنيا أهون علي الله من قتل مؤمن بغير حق".. والحرمة ليست قاصرة علي نفس المسلم لقوله صلي الله عليه وسلم "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً". فقتل النفس البشرية أكبر الكبائر بعد الشرك بالله عز وجل "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ہ ومن يفعل ذلك يلق أثاماً ہ يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً" 68 - 70 الفرقان. فقتل النفس بغير حق من السبع الموبقات التي تستجلب لصاحبها النار. وقد ذكرهن النبي صلي الله عليه وسلم محذراً لنا منهن: "اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هي قال: الشرك بالله. والسحر. وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. وأكل الربا. وأكل مال اليتيم. والتولي يوم الزحف. وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".. وقد توعد سبحانه لقاتلها بقوله "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا" 33 - الإسراء. فما أباح سبحانه مطلقاً النيل منها إلا بحقها.. صيانة للأنفس البشرية عامة من المساس بها تحت أي مسمي من المسميات "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين أحساناً ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون" 151 - الانعام. وأوضح رسولنا صلي الله عليه وسلم ما هو حقها بقوله: "لا يحل دم إمريء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدي ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة".. ولكل واحدة من هذه الثلاثة شروط وضوابط شديدة الدقة والتعقيد بحيث لا يسهل استباحتها إلا بحجة واضحة ودليل دامغ ومشاركة مجتمعية تفرض علي الحاكم أو الوالي إقامة الحد لئلا يتفشي الفساد أو تضيع الحقوق وفي هذا تمام الحفاظ علي النفس البشرية ومنع الاستهانة بها. ولتمام ردع المعتدين يعاقب الإسلام كل من تعمد القتل بالقتل ولو كانوا جماعة في فرد لقوله صلي الله عليه وسلم: "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار" وعليه قتل ابن الخطاب نفراً برجل قصاصاً. بل عاقب الإسلام المحرض علي القتل كذلك لئلا يستغل مجرم الضعف العقلي أو النفسي أو المادي عند غيره فيسيطر عليه ليقتل به من يريد ويفلت هو من العقاب لقوله صلي الله عليه وسلم: "من اعان علي قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله".. ولأن القاتل والمحرض والمشارك سوف تطولهم العقوبة جميعاً فلابد أن يفكر ألف مرة من يريد الإقبال علي أيهم.. وهذا حزم وحسم في منهج الإسلام يمنع ذيوع الجريمة بين الأنام.