أواصل مع حضراتكم حديثي عن التربية بالقدوة وكيف أن رسول الله صلي الله عليه وسلَّم قدوتنا.وأننا مطالبون بأن نرفع رؤوسنا لتناطح كواكب الجوزاء وأعلنوها للدنيا وقولوا:¢ قُدوَتُنا مُحمدُ بن عبد الله صلي الله عليه وآله وسلَّم¢ رجلى وشخصيةى جَمعَ الله جلَّ وعلا فيها شخصيات كثيرة في آني واحد فهو رسولُ الله. ورحم الله من قال: فمبلغُ العلمِ فيهِ أنه بشر وأنه خيرُ خلقِ الله كُلهمِ بشر تجمَّعت فيه شخصياتى متخصصة متجمِّعة في آني واحد. فهو رسولى يتلقي الوحيَ من الله. ليربط الأرض بالسماء في أعظمِ رباط. وهو رجلُ سياسة من الطراز الأول. يبني أُمة من الفتات المتناثر. فإذا بها بناءى لا يطاولهُ بناء في فترةي لا تساوي في حساب الزمن شيئا. أقول العبارة دي تاني. رجلُ سياسة من الطراز الأول. يبني دولة و أُمة من الفتات المتناثر فإذا هي بناءى لا يطاولهُ بناء في فترةي لا تساوي في حساب الزمن شيئا. وهو رجلُ حرب من الطراز الأول. يقودُ الجيوشَ ويضع الخُطط ويقفُ في غرفة العمليا. ليوجِّه الجُندَ وليوجِّه الصف. بل وإذا حَميَ الوطيس. واشتدت المعركة. و صمُتت الألسنة الطويلة وخطبت السيوفُ والرماحُ علي منابر الرقاب. كان الحبيبُ في مقدمة الصفوف يُعلِنُ بأعلي صوته للجمع ويقول : ¢أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب¢. وأب وزوج ورَبُ أُسرةي كبيرة.أب وزوج ورَبُ أُسرةي كبيرة. تحتاجُ كثيراً كثيراً من النفقات. من نفقات الوقت. من نفقات الجَهد. من نفقات الشعور. من نفقات الفكر. من نفقات العقل. من نفقات التربية. من نفقات التوجيه. فضلاً عن نفقات المال. فقام الحبيبُ بهذا الدور خيرَ قيام. هو رجلى إنسانيى من الطراز الأول. تشغله هموم الناس وتملأ نفسه مشاعرهم وآلامهم و أحزانهم. فيمنحهم من وقته. ومن فكره. ومن عقله. ومن جَهده. بل ومن روحه. بل ومن ماله. بل ومن تربيته. بل ومن توجيهه كرجلي إنساني القلب. قد شغلته في هذه الدنيا هموم الناس فحسب. وهو رجلى عابدى. خاشعى. خاضعى. أوابى. كرجلي تفرغَ للعبادة فقط. لا يشغله همى من هموم الدنيا. ولا تُؤثرُ فيه شهوة من شهواتها. أو نزوة من نزواتها. هذه الشخصياتُ كلها في رسولِ الله فضلاً عن أنه كان صاحبَ دَعوة. أخذت عقله ووقته وجَهدَه وروحه وفكره بل ودمه. ومع هذا كان الحبيبُ صلي الله عليه وآله وسلم قدوةً في كل مجالي وفي كل ميداني من هذه الميادين المتفرقة. نعم أيها الأحباب. أَمرَ النبي أصحابه بالعبادة فكان القدوة فتورمت قدماهُ من العبادة. ما تقولش لإبنك صَلِّ. وانت جالس في البيت. ما تقولش لإبنك ما تدخنش. وأنت عمال تعفر في وجهه كل ليلة. فين القدوة؟ حتي لو إمتثل الولد سيمتثلُ بخلل بدون إتِّزان واتساق وتوافق أبداً .أَمرَ النبي. شوف القدوة بقه. أَمرَ النبي أصحابه بالعبادة فتورمت قدماهُ من العبادة. وقيل له:¢ يا رسول الله أليس الله قد غَفرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر¢ فقال الحبيب: ¢أفلا أكونُ عبداً شكورًا¢. بالقدوة يا إخوان أمرهم بالجود والإنفاق والبذل والعطاء. فكان أجود بالخيرِ من الريِحِ المُرسلة. أَمرهم بالجود والإنفاق والبذل والعطاء. فكان أجود بالخيرِ من الريِحِ المُرسلة. وردَ في صحيح مسلم أن رسول الله صلي الله عليه و آله وسلم ما سُئِلَ علي شئي في الإسلامِ إلا وأعطاه. ولقد جاءوه يومًا رجلى فسأله. فالنبي يعطيه إيه؟ قال له: ¢أنت شايف الغنم اللي بين الجبلين دي قال له : شايفه. قال له : خذها فكلها لك¢ غنم بين جبلين. خذها فكلها لك. الراجل ذُهل. فانطلق الرجل يسوقُ الغنم كلها بين يديه. وعادَ إلي قومه ليقرِّرَ هذه الحقيقة الكبري. وليصرخ في قومه ويقول: "يا قوم أسلموا فإن محمد يعطي عطاء من لا يخشي الفقر". وإزاي يخاف الفقر؟ إن القدوة العملية التي قدَّمها رسول الله صلي الله عليه وسلَّم لأصحابه. بل وللدنيا كلها. يجب علينا أن نقف أمامها طويلاً طويلاً لنحوِّل فعل النبي الآن إلي واقع لنقدِّم القدوة عمليةً واقعيةً سلوكيةً مرةً أُخري كما فعل الحبيبُ مع أصحابه. بل ومع أُمته. أمر النبي الصحابة بالعبادة فكان سيدَ العُبَّادِ. أمر النبي الصحابة بالإنفاق فكان أجود بالخير من الريح المرسلة. أمر النبي الصحابة رضوان الله عليهم بالحِلمِ والرحمة والتواضع فكان سيد هذه الصفا. واحتل ذروة سنامها. ويكفي أن تقف مع هذا المشهد الحي. والحديث رواه الحاكم في المستدرك وابن ماجة في السنن وابن سعد في الطبقات وهو حديثى صحيح. أن أعرابياً دخل عليه النبي صلي الله عليه وآله وسلم يوماً فارتعدت فرائسه واضطربت جوارحه فماذا قال له الحبيب قال: ¢هون عليك فإني لست بمَلِك إنما أنا بن امرأة من قريش كانت تأكل القديد في مكة¢ شوفوا التواضع يا إخوان. وإحنا الآن أقول بحق في أمسِّ الحاجة يا طلاب العلم إلي أن نتواضع. تاج الداعية التواضع. أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل التواضع. تاج طالب العلم التواضع. إذا منَّ الله عليك بالعلم فتواضع ليرفعك الله. ليزيدك الله جلَّ وعلا. فمن تواضع لله رفعه. لا تتعال علي إخوانك. ولا علي أحبابك. ولا علي طلابك. ولا تقل بعيني أو بلسان الحال أنا العالم وأنتم الجاهلون. وأنا الطائع وأنتم المذنبون. وأنا الموفق وأنتم المقصرون. لا يا أخي. تذكر فضل الله عليك ونعمة الله عليك. فوربِّ الكعبة لو تخلي الله عنك برحمته طرفةَ عيني لهلك. لهلك. من أنت لتغتر بعلمك؟ من أنت لتغتر بمالك؟ من أنت لتغتر بجاهك؟ أنت لا شئ بدون ستر الله. وبدون فضل الله. وبدون رحمة الله. "كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا" "النساء: 94". كنت ضالاً فهداك. كنت وضيعاً فأغناك. كنت فقيراً فأغناك. كنت ذليلاً فأعزَّك. اعْرف فضل الله عليك. فوالله لوتخلي الله عنك طرفة عين لكنت بمثابة الشاة التي احتوشتها الذئابُ من كل ناحية "يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" "الحجرات: 17". وهكذا أيها الأحباب القدوة. ما أمرَهم النبي بأمري إلا وكان أول الممتثلين له. وما نهاهم عن نهيي إلا وكان أول المجتنبين له. وما حدَّ لهم حدا إلا وكان أوَّل الوقَّافينَ عند هذا الحد. ومن هنا تعلَّقت به قلوب أصحابه. هذا أعظم سبب لتعلُّق القلوب بالقدوة. أن يري الناس في القدوة النموذج الحي لكل ما يقول. من هنا تعلَّقت القلوب برسول الله صلي الله عليه وآله وسلَّم. لأنه قال وفعل وقدَّم القدوة العملية المشرقة في أروع وأجل صورها. تعلقت به قلوب أصحابه. وأختَتِم بعبارة مهمة جداً وأرجو الله أن تُحفر في القلوب قبل العقول وأقول: قدوتُنا وأُسوتُنا هو رسول الله صلي الله عليه وآله وسلَّم. ولما قدَّم الإسلام هذه القدوة. فإنه ما قدَّمها لجيل الصحابة فحسب. وإنما قدَّم الإسلام هذه القدوة لتظل خالدة علي مر الأجيال والقرون. ولم يقدِّمها الإسلام لتكون قدوة باهتة ليتعامل الناس معها تعاملاً نظرياً بحتاً. وإنما ليحوِّل الناس هذه القدوة مرة أخري في حياتهم إلي منهج حياة وإلي واقعي متحركي مرئي ومسموع ومنظور "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةى حَسَنَةى لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" "الأحزاب: 21". فيا أيها المسلم. يا أيها الأستاذ. يا أيها المربي. يا أيها الأب الكريم. يا أيتها الأم الفاضلة. يا من حَمَّلك الله أمانة التربية. وأمانة التوجيه. وأمانة الرعاية. وأمانة القيادة. اعلم بأن أعظم وسيلةي للتربية هي أن تكون قدوةً لطلابك ولأبنائك ولتلاميذك. أسأل الله جلَّ وعلا ألا نكون ممن قال وخالف قولهم عملهم وخالف سرَّهم علانيتهم. إنه ولي ذلك ومولاه فإنَّ القولَ إذا خالف العملَ بذر بذور النفاق في القلب.