تم الإعلان مؤخراً عن انتاج مسلسل جديد عن الراقصة تحية كاريوكا.. ويجري الإعداد لإنتاج مسلسل آخر عن نعيمة عاكف بخلاف مسلسل راقصات شارع الهرم الذي تقوم ببطولته لوسي وسعد الصغير.. والسؤال الذي نود الاجابة عليه من الذين يدافعون عن حرية الابداع والفن.. هل عجزت الدراما المصرية بكتابها ومؤلفيها ومخرجيها عن انتاج مسلسلات تؤرخ لحياة شخصيات نسائية عظيمة سواء في العصر الحديث أو القديم وكان لها دور كبير في الارتقاء بالوطن وتغيير وجهه للأفضل.. بدلاً من التسابق لانتاج مسلسلات عن الراقصات. "عقيدتي" طرحت التساؤل علي عدد من المختصين والمهمومين بقضايا المجتمع وقيمه الأخلاقية والاجتماعية.. فماذا قالوا؟!. في البداية أعربت الدكتورة سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس عن استيائها الشديد من انتاج مثل هذه المسلسلات التي وصفتها بالمبتذلة والبذيئة مشيرة إلي أن المجتمع لم يتدهور وينحط أخلاقيا إلا بعرض هذه النوعية من المسلسلات وقبلها الأفلام المتدنية. وأضافت: لا ألوم المنتج أو المؤلف لكنني أوجه لوماً شديداً للصوتيات والمرئيات لأنها معنية باختيار الجيد وترك الهابط كما أن لديها قصصاً رائعة وشخصيات ثرية ومع ذلك تتجاهلها تماما وتقدم لنا هذه النوعية من الدراما وهذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي قصور في الفكر والبحث عن الربح والمادة فقط لا شئ. واستطردت: للأسف الشديد هذه النصوص لا ترقي لمستوي مصر إنما تحط من شأنها. فمصر دولة عظيمة ومحورية بتاريخها وشخصياتها سواء من الرجال أو النساء. فهناك شخصيات نسائية رائعة أضافت للمجتمع وارتقت به أمثال هدي شعراوي ومنيرة ثابت وعائشة عبدالرحمن فهذه الشخصيات جديرة بعمل مسلسلات تجسد تاريخها ومشوارها وتعرف شبابنا وبناتنا بهن فعلي سبيل المثال تعد الدكتورة عائشة عبدالرحمن مثالاً رائعاً للمرأة المصرية المكافحة التي جاءت من ريف مصر واستطاعت أن تنجح وتثبت نفسها رغم الضغوط التي مورست عليها للنيل منها وتحطيم آمالها فهذه الشخصيات ليست معروفة علي مستوي مصر فقط انما لها باع خارج مصر فقد كنت في زيارة لليابان وفوجئت بعدد كبير يسألني عن الدكتورة عائشة عبدالرحمن ووجدت كتاباً لها تقرأه النساء هناك. وأضافت: ليس هناك مبرر لتجاهل كل هذه الشخصيات المؤثرة وعرض حياة الراقصات بأدق تفاصيلها إلا من باب الإفلاس والدونية.. فنحن مع كل أسف لدينا كنوز لكننا لا نراها ولا نتعامل معها ولا نستخدمها تماماً كما هو حالنا مع آثار مصر العظيمة التي تسرق وتنهب ونحن لا ندري عنها شيئاً ولا يتحرك لنا ساكناً. دراما المقاولات ووافقتها الرأي هبة عبدالعزيز متخصصة في شئون الأسرة والطفل قائلة: التاريخ المصري ثري وزاخر بالشخصيات النسائية العظيمة والتي كان لها بصمة في حياتها وبعد مماتها لكن الدراما تتجاهل هؤلاء وتبحث عن الشئ السهل والمثير! فالدراما صارت مثل الأفلام "دراما المقاولات" عكس ما اعتدنا عليه تماما فكان صناع الدراما ينتقون النصوص ويتخيرون السيناريوهات أما اليوم فأصبحوا يبحثون عن الشئ المثير من أجل جلب الإعلانات وجدناهم يتهافتون علي إنتاج مسلسلات تحمل أسماء بعض النجوم والفنانين مثل مسلسل العندليب وفريد الأطرش وأخيرا مسلسل تحية كاريوكا والذي أراه من وجهة نظري مليئا بالمغالطات التاريخية فكاتب المسلسل ألبسها ثوب جميلة بو حريد وجعلها قديسة ومناضلة ورغم سيطرة فكرة الاثارة في دراما المشاهير والفنانين أي دراما المشاهير إلا انها في ذات الوقت أخفقت اخفاقاً شديداً وفشلت فشلا ذريعا ولم تجذب لها مشاهد وهذا عكس ما توقعوه تماما هذا علي العكس تماماً من مسلسل أم كلثوم الذي كان غاية في الجمال لأن هناك قصة مقدمة وحياة حافلة بالأحداث التاريخية والسياسية وسيدة تمتلك من السمات ما لا يوجد في كثير من النساء كما انها مضرب المثل في التضحية وحب الوطن. وأضافت: مفترض ان دور الدراما هو الارتقاء بالمجتمع وتهذيب أخلاق أبناؤه لكن ما يحدث علي أرض الواقع منافي تماما لهذا الدور الأساسي فهي للأسف الشديد تسعي بشكل كبير في إفساد المجتمع وتفككه وانحطاط أخلاق أبنائه وذلك بما تقدمه من سيناريوهات هابطة ومسلسلات متدنية ولكي نصحح الواقع علينا وضع هدف أساسي لكتاب الدراما ويسعوا جميعا لتحقيقه هو عرض المشكلات الاجتماعية بشكل راقي ومهذب مع وضع حلول لها والبعد كل البعد عن الاسفاف والابتذال. وأكدت علي انه إذا استشعر القائمون علي الأعمال الدرامية الحس الوطني والمسئولية المجتمعية تجاه أبنائنا وبناتنا لوجدناهم يتبارون في تقديم شخصيات نافعة وهادفة خاصة اننا نعلم الدور السحري الذي تلعبه الدراما في عقول ونفوس أبناءنا ووجهت لوما للدولة بسبب تراجعها وانتاج أفلام ومسلسلات هادفة كما كان الحال في السنوات الماضية وهذا سبب التدني الذي نحن بصدده كما تقول هبة عبدالعزيز مشيرة إلي أن من أنتج أفلام المقاولات الهابطة في طريقهم لانتاج دراما المقاولات وهذه طامة كبري لذا لابد من عودة تدخل الدولة في انتاج مسلسلات هادفة عن شخصيات نسائية مؤثرة أمثال نبوية موسي وصفية زغلول لتعريف بناتنا بهن خاصة ان الأجيال الحالية لا تحب القراءة ولا تسعي لها وكل معلوماتهم مصدرها الإنترنت والفضائيات لذا لابد من تقديم هذه الشخصيات عبر وسائل الإعلام في شكل درامي مبسط والا اندثر التاريخ وضاع. سلاح ذو حدين أكدت الدكتورة مني عبدالجليل مدرس الإعلام بجامعة الأزهر علي أن الهدف الأول والأسمي للإعلام هو التوعية والتثقيف والتعليم والتسلية الهادفة والراقية التي ترتفع بمستوي القراء والمشاهدين. لكننا نخرج ما هو مكتوب في أدبيات وكتب الإعلام إلي واقع يجعلنا نصطدم بما نقرأ لذلك أقول لطالباتي: انني أدرس لكم ما ينبغي أن يكون وليس ما هو كائن بالفعل حيث إن الإعلام سلاح ذو حدين يمكن أن يكون منارة المجتمع ومشعل للتنوير والتثقيف يقدم القدوة الحسنة والمثل الأعلي للشباب والنشء إلا أن البعض ممن يملكون رأس المال ويسعون للمزيد ويتحججون بإرضاء أذواق الجماهير بما فيها الأذواق المنحرفة أو التائهة فلا يهدفون بما ينتجونه الارتقاء بهذه الأذواق بل نراهم يقدمون إعلاماً مضللاً أساسه الاثارة يهدف لتحقيق أكبر قدر من الربح من خلال الإعلانات التي تتشبع بها معظم البرامج والمسلسلات التي تحكي لنا قصص ويوميات للفنانين والفنانات والراقصات ماذا يأكلون وماذا يشربون وكيف ينامون. ظانين انهم يقدمون لنا ولأبنائنا القدوة والمثل وهم في حقيقة الأمر يدمرون الأبناء والبنات ويضيعون وقتهم ويجعلونهم يتشبثون بأشياء أقل ما يقال عنها انها تافهة مع ان التاريخ ملئ بقصص وحكايات لعظماء ومفكرين وعلماء أثروا البشرية ونهضوا بمجتمعهم ورغم ذلك لم يتطرق أحد إليهم. وأضافت: في الوقت الذي ننهج فيه هذا النهج ونتسابق في انتاج دراما عن حياة الراقصات نجد الكتاب في البلدان المتقدمة يتجهون إلي ما يُعرف بالدراما العلمية مستمدين كتاباتهم من واقع المجال العلمي الذي يزخر بالاختراعات والاكتشافات العلمية مما يساعد علي اطلاق أخيلة الشباب ويفتح أمامهم آفاق المستقبل بعين التخطيط والدراسة. وأشارت إلي انه لا يمكن إنكار وجود مسلسلات هادفة وناجحة عن بعض الشخصيات التاريخية لكننا نريد المزيد من أمثال هذه الدراما لأننا نريد إعلاماً نفتخر به ويحترم أخلاقيات وقدسيات المهنة ويرتقي بالمجتمع في ذات الوقت. الخيال الخلاق وتناولت خيط الحديث الدكتورة خديجة النبراوي الباحثة الإسلامية قائلة: لا أحد يستطيع إنكار تأثير وسائل الإعلام في تشكيل الوجدان وقد يشتد هذا التأثير في حالة الدراما المرئية لأنها تستحوذ علي كيان الإنسان وتطلق للخيال العنان وهو ما يسمي في العلم الحديث "بالخيال الخلاق" وكيف انه يمكن أن يقود الإنسان إلي أعلي عليين أو ينزل به لأسفل سافلين لذلك أتعجب أشد العجب من اهتمام القائمين علي الدراما في عصرنا الحاضر بعرض حياة الراقصات بأدق تفاصيلها في وقت نكون فيه أحوج ما نكون لإبراز حياة المجاهدين في أمتنا من الرجال والنساء لنغرس أنبل القيم في نفوس أبنائنا ليتعلموا أسمي معاني التضحية والاخلاص بحيث يتشكل وجدانهم تشكيلاً يحقق التطور الحقيقي المنشود وتزخر أمتنا بتاريخها الحديث أو البعيد بنماذج مشرفة من الرجال والنساء الذين بذلوا الجهد والنفيس في سبيل نهضة الأمة ورفعتها. وتساءلت: لماذا لا تترجم لنا الدراما الحديثة حياة هؤلاء الذين كان هدفهم الارتقاء بالإنسانية وتنفق ملايين الجنيهات لتعرف حياة الراقصات؟! ماذا يريدون لبناتنا؟! هل يريدون إخراج جيلا جديدا من الراقصات؟! كفانا انفلاتاً وضياعاً لبناتنا. وأضافت: انني أتشوق أن يبرز الكتاب وأصحاب الأقلام تلك النماذج في أعمال درامية بسيطة نعطيهم حقهم من جانب ونكرمهم ونغرس في نفوس أبنائنا وبناتنا القدوة الحسنة من جانب آخر. وأوضحت أن ما يدعيه البعض من اطلاق حرية الابداع لا يحمل معني الحرية الحقيقية التي تعني من وجهة نظري المسئولية وإظهار كل معاني الجمال في حياتنا وطمس كل أشكال القبح حتي لا تؤثر في وجدان شبابنا وتدفع بالأمة إلي التدني.. لذا نحن في حاجة شديدة أن يتحمل كل منا مسئوليته تجاه الأجيال القادمة لأن حمل أمانة الكلمة لتشكيل الوجدان لا يقل خطورة عن حمل السلاح في الدفاع عن المال والعرض والوطن. الجري وراء المشاهير ووافقتها الرأي الدكتورة آمال ياسين عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات بالخانكة قائلة: لا شك ان لوسائل الإعلام المقروءة والمرئية والعنكبوتية أهمية كبري في حياة الناس وصياغة أفكارهم كما ان لها مردودها السلبي في صياغة ثقافة المجتمع. فبقدر ما تقدمه من قيم بقدر ما يكون رقي المجتمع وتقدمه أو انحداره وانحطاطه وإذا أردنا الإصلاح وتغيير ثقافة المجتمع للأفضل علينا أن نقدم صورة القدوة الذي تتعلق به القلوب وتتطلع إليه النفوس والحرص علي سلك مسلك هؤلاء العظام الذين أثروا الحياة العامة وكان لهم دور فعال في حياة مجتمعهم ولكن مع الأسف رحلوا ولم يعلم عن حياتهم وما قدموا لأوطانهم إلا القليل من الناس. وأضافت: ان وسائل الإعلام تتسابق في الجري وراء الفنانين والمشاهير والتأريخ لحياتهم وتتجاهل العظماء من الكتاب والمثقفين والناس قد يكونون شغوفين بمعرفة حياة الفنانين والمشاهير من أهل الفن والرياضة لكن أليس المبدع المدفون في كل مجالات الحياة له الحق في أن يماط اللثام عن حياته ويكشف عن جوهره حتي يعرفه الناس وينهجوا نهجه ويسيروا علي دربه. وتساءلت: هل عجزت أقلام الكتاب عن الابداع حتي أصبحنا نفتش في أوراقنا القديمة علي أمل أن نخرج بفيلم أو مسلسل عن هذا أو ذاك عن حياة شخصية نسائية أو رجل هادفة وأنهت حديثها بقولها: يا سادة مجتمعنا ملئ بعلماء أفذاذ أثروا الحياة العلمية والثقافية ولديهم بصمات واضحة في شتي المجالات فحياة الناس بحاجة لمعرفتهم لأنهم نحتوا في الصخر حتي وصلوا لمكانتهم التي وصلوا إليها. وإذا كان التليفزيون مدرسة داخل كل بيت فعلي القائمين عليه أن ينتقوا المادة التي يقدموها للناس حتي يرتقوا بفكرهم وتسمو أخلاقهم فهناك من العلماء من هو بحاجة للكشف عنهم وتقديمهم للناس كنماذج يفتخر بها.. أما العكوف علي السير الذاتية لممثل أو فنان فلن يحقق الخدمة المرجوة.