لقد أقسم الحق سبحانه بالتين والزيتون وطور سنين والبلد الأمين علي أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم. ولم يكن رب العزة في حاجة لأن يقسم. فها هو الإنسان يشهد حاله بأن الله خلقه في أحسن تقويم وقد كرمه وفضله رب العالمين علي كثير ممن خلق تفضيلا. ومن أهم سمات هذا التكريم ما ميز الله به الإنسان من عقل يعي وقلب يحس. وقد جعل القلب بالنسبة للأعضاء كالملك بالنسبة للجنود والرعية.. إذا صلح الملك صلحت بصلاحه العباد والبلاد. كذلك القلب تصلح بصلاحه الجوارح. وتهلك بفساده!! لذلك جاءت تتمه الآيات وتمام القسم "ثم رددناه أسفل سافلين" ذلك الذي فسد قلبه وخلا من توحيد ربه وخلع لباس التقوي. فهام في وديان الهلاك خلف الأهواء والشهوات حتي كانت البهائم أحسن حالا منه لأن مثل هذا الإنسان حين يُبعث يوم القيامة ويري أن البهائم سوف تصير إلي التراب وسوف يصير هو إلي النار سوف يقول "يا ليتني كنت ترابا" وهي أمنية بعيدة المنال.. قد كان في الدنيا يستطيع ان ينجو بنفسه من هذا المصير بتصحيح مساره وعبادة ربه وطاعته فيما أمر واجتناب نواهيه.. وذلك مقتضي التعقيب علي ما سبق في سياق القسم الرباني بقوله تعالي: "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون".وعليه فينبغي علي كل عاقل يريد النجاة ويبتغي التفضيل ان يملأ بالايمان قلبه ويغمره بالتقوي "التقوي ها هنا" ويطهره من كل ما يفسد ذلك الايمان. حتي يحقق سلامة القلب كما جاء في دعوة إبراهيم عليه السلام "ولا تخزني يوم يبعثون. يوم لا ينفع مال ولا بنون. إلا من أتي بالله بقلب سليم" يذكر ابن القيم أنه لا يتم للعبد سلامة القلب مطلقاً حتي يسلم من خمسة أشياء "1" شرك يناقض التوحيد "2" بدعة تخالف السنة "3" غفلة تنافي الذكر "4" هوي يناقض التجرد "5" شهوة تخالف الاتباع. فعلي العاقل - إذن - ان يسعي لاصلاح قلبه إذ صلاح الجوارح تابع له. وأن يطهره بأن يخلصه من حب الدنيا "حب الدنيا رأس كل خطيئة" ومن ظن انه يستطيع ان يجمع بين "حب الدنيا والتنعم بها" وبين "سعادة الآخرة" فهو مغرور كمن يريد ان يجمع بين النار والماء. إذ هما ضرتان إذا أرضيت إحداهما أغضبت الأخري - فكونوا - يرحمكم الله - من أبناء الآخرة وقد ارتحلت مقبلة. ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإنها قد ارتحلت مدبرة. نجانا الله وإياكم من شرها. والحمد لله رب العالمين. حلمي عبدالعظيم عكاشة المحامي الشرقية