شيء غريب حقاً.. الآيات القرآنية تحدثت بفخر عن مكةالمكرمة.. فقد تفردت بأول بيت وضع للناس لعبادة رب الناس وليكون هدي للعالمين.. البيت الحرام بمكة ليس كأي مسجد للصلاة.. فقد فضله الله علي سائر المساجد وجعل الصلاة فيه بمائة ألف صلاة واعتبره الرسول محمد صلي الله عليه وسلم من أول المساجد التي تشد إليها الرحال وشرفه ربه بأن جعل من دخله آمناً.. وفيه آيات بينات مقام إبراهيم. مكةالمكرمة يكفيها شرفاً هذا العلو.. وهو علو بشهادة رب العالمين.. أما العلم فإنه يتحدث أيضا عن هذه البقعة المباركة حديثاً خطيراً.. فهي تتوسط الكرة الأرضية أي أنها مركز الأرض كلها.. وأن الطواف لا ينفرد به البشر بل إن الكون كله يسبح في طواف دائري يشبه الطواف حول الكعبة المشرفة.. هذا حديث القرآن والعلم عن مكة.. أما الحديث عن المدينةالمنورة وهي مستقر النبي محمد صلي الله عليه وسلم وخيرة أصحابه وبينهم أبوبكر وعمر رضي الله عنهم جميعاً فيكاد لا يذكر في القرآن تقريباً.. عدا حديث القرآن عن أهل المدينة الذين يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. فالله في عليائه لم يقسم بالمدينةالمنورة ولكنه أقسم بمكةالمكرمة عندما أراد الحديث عن خلق الإنسان فقال "وهذا البلد الأمين.. لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" والواو هنا قبل اسم الإشارة "هذا" هي واو القسم. كما أن ميلاد مكةالمكرمة يسبق المدينةالمنورة كثيراً فقد عهد الله إلي النبيين إبراهيم وابنه إسماعيل أن يطهرا بيته الحرام للطائفين والعاكفين والركع السجود في موضعه الحالي بمكةالمكرمة والصفا والمروة وهي مزارات تاريخية تعبدية مقدسة شهدت أهم أحداث التاريخ وهي معجزة نبع بئر زمزم في هذه الصحراء لإرواء الطفل النبي إسماعيل عليه السلام وسط دهشة وذهول أمه هاجر التي ربط الله علي قلبها فصبرت علي عطش وليدها وبكائه الذي تنفطر له القلوب حتي حدثت المعجزة الخالدة ومازالت ماء زمزم باقية لا تنفد أبداً. أحداث خطيرة تشرفت بها مكةالمكرمة مما جعلها أطهر وأقدس بقعة علي وجه الأرض ومع ذلك فإنك تجد الراحة في المدينةالمنورة أكثر من مكة.. بل تجد النظافة وحسن المعاملة وطيبة البشر التلقائية في المدينةالمنورة بينما يندر ذلك كله في مكة صاحبة هذا الشرف العالي. لا يمكن أن تجد سبباً منطقياً لذلك. لا يمكن أن نجد سبباً يجعل الحرم المكي أقل نظافة من الحرم النبوي من الداخل أو الخارج.. رغم أن الكعبة المشرفة تجذبك عظمتها بمجرد النظر إليها.. فهل هذا قدر الله أم تصرف العباد.. إنه في كل الأحوال شيء غريب ومحير ومثير للفضول والدراسة ولا يمكن أن تكون الإجابة.. مجرد الزحام. المحرر