حماس تسلّم جثتي أسيرين لإسرائيل    «آخره السوبر.. مش هيروح بالزمالك أبعد من كدة».. أحمد عيد عبد الملك يوضح رأيه في فيريرا    توقعات حالة الطقس ليلة افتتاح المتحف المصري الكبير    موعد مباراة مصر وألمانيا في نهائي كأس العالم للناشئين لكرة اليد    نائب الرئيس الأمريكي: واشنطن ستختبر أسلحتها النووية للتأكد من جاهزيتها    أقرب محطة مترو للمتحف المصري الكبير 2025 وسعر تذكرة الدخول للمصريين والأجانب    ارتفاع جديد.. سعر طن الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 31-10-2025 (تحديث يومي)    باكستان وأفغانستان تتفقان على الحفاظ على وقف إطلاق النار    بعد هبوط الأخضر في البنوك.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه الجمعة 31-10-2025    من "هل عندك شك" إلى الدبكة العراقية، كاظم الساهر يأسر قلوب جمهوره في موسم الرياض (فيديو)    كيف تسببت روبي في اعتذار إلهام عبدالبديع عن دور مع الزعيم عادل إمام؟    حبس 7 أشخاص لقيامهم بالتنقيب عن الآثار بمنطقة عابدين    كن نياما، مصرع 3 شقيقات أطفال وإصابة الرابعة في انهيار سقف منزل بقنا    موعد صلاة الجمعة اليوم في القاهرة والمحافظات بعد تغيير الساعة في مصر 2025    قوات الاحتلال تداهم عددًا من منازل المواطنين خلال اقتحام مخيم العزة في بيت لحم    هيجسيث يأمر الجيش بتوفير العشرات من المحامين لوزارة العدل الأمريكية    محمد رمضان يشعل زفاف هادي الباجوري مع نجوم الفن    مواعيد الصلاة بالتوقيت الشتوي 2025 بعد تأخير الساعة 60 دقيقة    الطيران ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال ضيوف افتتاح المتحف المصري    محافظ المنيا: ميدان النيل نموذج للتكامل بين التنمية والهوية البصرية    مواعيد المترو الجديدة بعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 في مصر رسميًا    كان بيضربها بعد أيام من الزواج.. والدة فتاة بورسعيد ضحية تعدي طليقها عليها ل«أهل مصر»: سبّب لها عاهة بعد قصة حب كبيرة    هبوط اضطراري ل طائرة في «فلوريدا» ونقل الركاب إلى المستشفى    موعد وشروط مقابلات المتقدمين للعمل بمساجد النذور    رئيس مجلس الشيوخ يستقبل محافظ القاهرة لتهنئته بانتخابه لرئاسة المجلس    مصدر مقرب من حامد حمدان ل ستاد المحور: رغبة اللاعب الأولى الانتقال للزمالك    وفري فلوسك.. طريقة تحضير منعم ومعطر الأقمشة في المنزل بمكونين فقط    لا تهملي شكوى طفلك.. اكتشفي أسباب ألم الأذن وطرق التعامل بحكمة    محمد مكي مديرًا فنيًا ل السكة الحديد بدوري المحترفين    عاجل- الهيئة القومية لسكك حديد مصر تُعلن بدء العمل بالتوقيت الشتوي 2025    إصابة 12 شخصاً في حادث انقلاب سيارة ميكروباص بقنا    تفاصيل بلاغ رحمة محسن ضد طليقها بتهمة الابتزاز والتهديد    ندوة «كلمة سواء».. حوار راقٍ في القيم الإنسانية المشتركة بالفيوم    علاء عز: خصومات البلاك فرايدي تتراوح بين 40% و75%    البنك المركزي المصري يتوقع نمو الناتج المحلي إلى 5.1% خلال 2027/2026    مندوب الإمارات أمام مجلس الأمن: الجيش السوداني والدعم السريع أقصيا نفسيهما من تشكيل مستقبل السودان    سقوط هايدى خالد أثناء رقصها مع عريسها هادى الباجورى ومحمد رمضان يشعل الحفل    حتى 100 جنيه.. وزير المالية يكشف تفاصيل إصدار عملات تذكارية ذهبية وفضية لافتتاح المتحف الكبير    مواقيت الصلاة فى الشرقية الجمعة حسب التوقيت الشتوي    د.حماد عبدالله يكتب: "حسبنا الله ونعم الوكيل" !!    سنن يوم الجمعة.. أدعية الأنبياء من القرآن الكريم    جنون بعد التسعين.. أهلي جدة يتعادل مع الرياض    مفاجأة الكالتشيو، بيزا العائد للدوري الإيطالي يتعادل مع لاتسيو قاهر "يوفنتوس"    مش هتغير لونها.. طريقة تفريز الجوافة لحفظها طازجة طوال العام    التخلص من دهون البوتاجاز.. طريقة سهلة وفعّالة لتنظيفه وإعادته كالجديد    من الدبلوماسية إلى الاقتصاد.. مصر تواصل كتابة فصول جديدة من الريادة في المحافل الدولية    «لو منك أبطل».. رضا عبدالعال يفتح النار على نجم الزمالك بعد التعادل مع البنك الأهلي    هزمت السرطان وتحدت الأطباء بالإنجاب.. 25 معلومة عن شريهان النجمة المحتملة لافتتاح المتحف المصري الكبير    أخبار × 24 ساعة.. بدء صرف المعاشات غدًا السبت 1 نوفمبر 2025    بعد معاناة المذيعة ربى حبشي.. أعراض وأسباب سرطان الغدد الليمفاوية    اختتام فعاليات مبادرة «أنا أيضًا مسؤول» لتأهيل وتمكين شباب الجامعات بأسوان    انطلاقة جديدة وتوسُّع لمدرسة الإمام الطيب للقرآن للطلاب الوافدين    لا فرق بين «الطلاق المبكر» والاستقالات السريعة داخل الأحزاب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة الأقصر    إعلاميون بالصدفة!    بث مباشر.. مشاهدة مباراة بيراميدز والتأمين الإثيوبي في دوري أبطال إفريقيا 2025    مبادئ الميثاق الذى وضعته روزاليوسف منذ 100 عام!    عندما قادت «روزا» معركة الدولة المدنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسرار القرآن(367)
‏[....‏فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره‏....]‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 10 - 2010

هذا النص القرآني الكريم جاء في مطلع النصف الثاني من سورة‏'‏ البقرة‏',‏ وهي سورة مدنية‏,‏ وآياتها مائتان وست وثمانون‏(286)‏ بعد البسملة‏,‏ وهي أطول سور القرآن الكريم علي الإطلاق‏. وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي معجزة أجراها ربنا‏_‏ تبارك وتعالي‏_‏ علي يدي عبده ونبيه موسي بن عمران‏-‏ علي نبينا وعليه من الله السلام‏_‏ حين تعرض شخص من قومه للقتل‏,‏ ولم يعرف قاتله‏,‏ فأوحي الله‏_‏ تعالي‏-‏ إلي عبده موسي أن يأمر قومه بذبح بقرة‏,‏ وأن يضربوا الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله‏,‏ ويخبر عن قاتله‏,‏ ثم يموت‏,‏ وذلك إحقاقا للحق وشهادة لله الخالق بالقدرة علي إحياء الموتي‏.‏
ويدور المحور الرئيسي لسورة‏'‏ البقرة‏'‏ حول قضية التشريع الإسلامي في العبادات‏,‏ والأخلاق‏,‏ والمعاملات‏,‏ وإن لم تغفل هذه السورة الكريمة الإشارة إلي عدد من ركائز العقيدة الإسلامية‏,‏ وقصص عدد من الأنبياء وأممهم‏.‏
هذا‏,‏ وقد سبق لنا استعراض سورة‏'‏ البقرة‏'‏ وما جاء فيها من التشريعات‏,‏ وركائز العقيدة‏,‏ والعبادات‏,‏ ومكارم الأخلاق‏,‏ والقصص والإشارات الكونية‏,‏ ونركز هنا علي الحكمة من جعل التوجه إلي الكعبة المشرفة‏(‏ استقبال القبلة‏)‏ فرضا من فروض الصلاة وشرطا من شروط صحتها‏,‏ لا تصح الصلاة بدونه إلا ما جاء في صلاة الخوف والفزع‏,‏ وفي صلاة النافلة علي الدابة‏,‏ أو السفينة‏,‏ أو الطائرة وذلك للأمر الإلهي إلي خاتم أنبيائه ورسله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ بذلك حيث يقول ربنا‏_‏ تبارك وتعالي‏-‏ له‏:[....‏ فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره‏...](‏ البقرة‏:144).‏
من أوجه الإعجاز التشريعي في استقبال الكعبة المشرفة‏:‏
أولا‏:‏ تأكيد ضرورة توحيد المسلمين وجمع كلمتهم علي التوحيد الكامل للإله الخالق سبحانه وتعالي (‏ بغير شريك‏,‏ ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة ولا ولد‏).‏ فكما أن البيت المعمور هو قبلة أهل السماء فإن البيت العتيق هو قبلة أهل الأرض‏.‏
ثانيا‏:‏ أن الكعبة المشرفة هي أول بيت وضع للناس في الأرض من أجل عبادة الله الخالق سبحانه وتعالي حيث أمر الله الملائكة ببنائها قبل خلق أبينا آدم عليه السلام ببلايين السنين وذلك لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏
‏(1)'‏ أول من طاف بالبيت الملائكة‏'(‏ أحمد‏).‏
‏(2)'‏ كانت الكعبة خشعة علي الماء فدحيت منها الأرض‏'(‏ الهروي‏,‏ الزمخشري‏,‏ البيهقي‏,‏ عبدالرزاق‏).‏
‏(3)'‏ دحيت الأرض من تحت مكة‏,‏ فمدها الله تعالي من تحتها فسميت‏(‏ أم القري‏)'(‏ الإمام أحمد‏,‏ السيوطي‏).‏
وهذا المد كان في بدء تكوين الكتل القارية للأرض‏.(4)‏ وفي شرح هذين الحديثين الشريفين ذكر كل من ابن عباس رضي الله عنهما وابن قتيبة رحمه الله أن مكة المكرمة سميت باسم‏'‏ أم القري‏'‏ لأن الأرض دحيت من تحتها لكونها أقدم الأرض‏'(‏ البيهقي‏,‏ الطبراني‏).‏
‏(5)‏ كذلك أخرج كل من البيهقي والطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفا أنه‏(‏ أي البيت الحرام‏)‏ كان أول ما ظهر علي وجه الماء عند خلق السموات والأرض زبدة‏(‏ بفتح الزاي أي كتلة من الزبد‏)‏ بيضاء فدحيت الأرض من تحته ولعل ذلك يفسر قول الحق‏_‏ تبارك وتعالي‏-:[‏ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين‏](‏ آل عمران‏:96).‏
ثالثا‏:‏ لذلك شرع الله تعالي الحج إلي بيته العتيق‏,‏ وجعله ركنا من أركان الإسلام‏,‏ كما جعله حقا لذاته العلية علي كل مسلم‏,‏ بالغ‏,‏ عاقل‏,‏ حر‏,‏ مستطيع‏,‏ ولو لمرة واحدة في العمر‏,‏ وهو من الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة لقول ربنا تبارك وتعالي في محكم كتابه‏:[‏ ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين‏](‏ آل عمران‏:97).‏
رابعا‏:‏ أكدت المعارف المكتسبة توسط مكة من اليابسة واستقامة خط الطول المار بها مع الشمال الحقيقي دون أدني انحراف مغناطيسي‏,‏ وهي خاصية محددة لهذه البقعة المباركة‏.‏ كذلك أكدت آيات القرآن الكريم وأحاديث المصطفي صلي الله عليه وسلم أن مكة المكرمة ليست فقط في مركز يابسة الأرض‏,‏ بل هي في موقع مميز من الكون كله وفي ذلك يقول المصطفي صلي الله عليه وسلم‏:‏
‏(1)'‏ البيت المعمور بيت في السماء يقال له الضراح وهو علي منا الكعبة‏'(‏ البيهقي‏,‏ الأرزقي‏).‏
‏(2)'‏ يا معشر أهل مكة إنكم بحذاء وسط السماء‏'(‏ الفاكهي‏).‏
‏(3)'‏ إن الحرم حرم مناء من السموات السبع والأراضين السبع‏'(‏ الأرزقي‏).‏
خامسا‏:‏ تؤكد آيات القرآن الكريم توسط الكرة الأرضية من السموات وذلك بقول ربنا تبارك وتعالي
‏(1)‏ يا معشر الجن الإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان‏(‏ الرحمن‏:33)‏ واجتماع أقطار السموات‏_‏ علي ضخامتها مع أقطار الأرض علي ضآلتها يؤكد مركزية الأرض من الكون‏.‏
‏(2)‏ في عشرين آية قرآنية كريمة جاء ذكر البينية الفاصلة بين السموات والأرض وذلك من قوله تعالي [‏ رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا‏](‏ مريم‏:65).‏ وهذه البينية لا تتحقق إلا إذا كانت الأرض في مركز السموات السبع‏,‏ فإذا كانت الأرض في مركز السموات السبع‏,‏ وكانت الأرضون السبع كلها في أرضنا هذه‏,‏ وكانت الكعبة المشرفة في مركز الأرض الأولي‏(‏ وهي اليابسة‏)‏ اتضح تفرد موقع الكعبة المشرفة بالنسبة للكون كله‏,‏ خاصة إذا أكد رسول الله صلي الله عليه وسلم أن البيت المعمور يقع فوق الكعبة تماما حتي إذا خر خر فوقها‏.‏
سادسا‏:‏ والكعبة المشرفة تعرضت للهدم بعد بنائها الأول عدة مرات حتي كان زمن نبي الله إبراهيم عليه السلام فبوأ له الله تعالي مكان البيت‏,‏ وأمره أن يرفعه من قواعده‏,‏ وأن يؤذن في الناس بالحج‏,‏ وأن يطهر هذا البيت‏(...‏ للطائفين والقائمين والركع السجود‏)‏ ففعل ما أمر به وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي‏[‏ وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‏](‏ البقرة‏:128,127).‏ ويقول‏:[‏ وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميقق يشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات علي ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق‏](‏ الحج‏:26-29).‏
سابعا‏:‏ إن قدم عبادة الحج تؤكد حرمة الكعبة المشرفة فقد شرع ربنا‏_‏ تبارك وتعالي‏-‏ حج البيت لأبينا آدم‏_‏ عليه السلام‏_‏ كما شرعه لذريته من بعده‏,‏ ولجميع من أرسلوا لهداية البشرية من الأنبياء والمرسلين فمن الثابت من أحاديث رسول الله‏_‏ صلي الله عليه وسلم‏_‏ أن جميع الأنبياء والمرسلين وغيرهم من عباد الله الصالحين قد قدموا إلي الحرم المكي لأداء شعيرتي الحج والعمرة‏,‏ ومن ذلك قوله‏_‏ صلي الله عليه وسلم‏-:‏ وما من نبي من الأنبياء ولا رسول من الرسل إلا قد حج البيت الحرام‏,‏ وطاف به‏,‏ ووقف علي المشاعر المقدسة في هذه البقاع الطاهرة‏,‏ فلما كان إبراهيم‏-‏ عليه السلام‏_‏ بالشام أراه الله‏_‏ سبحانه وتعالي‏_‏ البيت وبوأه له‏,‏ فخرج إليه من الشام‏,‏ ومعه ابنه إسماعيل وزوجه هاجر أم إسماعيل الذي كان طفلا صغيرا ترضعه‏'(‏ الطبري‏).‏
ثامنا‏:‏ يذكر القرآن الكريم أن من فضائل الحرم المكي أن من دخله كان آمنا‏,‏ وليس ذلك الأمن لمكان آخر علي وجه الأرض‏.‏ وقد بقي الحرم المكي مكانا آمنا أبد الدهر حتي في أيام الجاهلية التي كان العرب قد نسوا فيها دعوة كل من عبد الله ونبيه إبراهيم وولده إسماعيل‏_‏ عليهما السلام‏_‏ فانحرفوا إلي الشرك بالله‏,‏ وعبدوا الأصنام والأوثان والنجوم والكواكب‏,‏ وبقيت حرمة الكعبة المشرفة مصونة عندهم‏,‏ وفي ذلك يمتن الله‏_‏ تعالي‏_‏ علي أهل مكة‏,‏ بقوله العزيز‏[‏ أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبي إليه ثمرات كل شئ رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون‏](‏ القصص‏:57).‏ وفي عهد داود عليه السلام‏_‏ بقيت حرمة مكة وشرعة الحج إليها في مزاميره‏(‏ من مثل مزمور رقم‏(84)‏ من سفر المزامير في العهد القديم‏).‏
تاسعا‏:‏ من تعاظم حرمة البيت العتيق وحدود حرمه أن الله تعالي تهدد الذين يقترفون المحرمات فيه بعقاب منه‏,‏ وأمر بتعظيم الدية علي من يرتكب جناية فيه‏,‏ وبتغليظ العقوبة علي المسيئين في حدوده‏,‏ وفي ذلك يقول الحق‏_‏ تبارك وتعالي‏_[‏ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم‏](‏ الحج‏:25).‏
وقال المصطفي‏_‏ صلي الله عليه وسلم‏_:‏
‏(1)'‏ إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس‏(‏ البخاري‏).‏
‏(2)'‏ إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض‏,‏ لا يعضد شوكه‏,‏ ولا ينفر صيده‏,‏ ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها‏'(‏ البخاري‏,‏ أحمد‏).‏
‏(3)'‏ إن الله حبس عن مكة الفيل‏,‏ وسلط عليها رسوله والمؤمنين‏,‏ ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي‏,‏ ولا تحل لأحد بعدي‏,‏ ألا وإنها ساعتي هذه حرام‏,‏ لا يختلي خلاها‏,‏ ولا يعضد شجرها‏,‏ ولا تلتقط ساقطتها إلا لمنشد‏'(‏ البخاري‏).‏
‏(4)'‏ لا يكون بمكة سافك دم‏,‏ ولا آكل ربا‏,‏ ولا نمام‏,‏ ودحيت الأرض من مكة‏,‏ وأول من طاف بالبيت الملائكة‏'(‏ أحمد‏).‏
‏(5)'‏ لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة‏'(‏ مسلم‏).‏
‏(6)'‏ صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه‏,‏ ألا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة في غيره‏,‏ وصلاة في المسجد الأقصي بخمسمائة صلاة‏'(‏ مسلم‏).‏
‏(7)'‏ لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها‏,‏ فإذا ضيعوا ذلك هلكوا‏'(‏ الطبراني‏).‏
‏(8)‏ وروي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قوله عن مكة المكرمة‏'‏ والله إنك خير أرض الله‏,‏ وأحب أرض الله إلي الله‏,‏ ولولا أني أخرجت منك ما خرجت‏'(‏ أحمد‏).‏
‏(9)'‏ ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال ألا مكة والمدينة‏'(‏ متفق عليه‏).‏
وهذه الأحاديث النبوية الشريفة هي مذكرة تفسيرية لقول ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏_‏ علي لسان خاتم أنبيائه ورسله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-[‏ إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شئ وأمرت أن أكون من المسلمين‏](‏ النمل‏:91).‏
من هنا كان رسول الله‏_‏ صلي الله عليه وسلم‏_‏ وهو مقيم في مكة المكرمة يستقبل في الصلاة كلا من الكعبة المشرفة وبيت المقدس‏,‏ فلما هاجر إلي المدينة أمره الله‏_‏ تعالي‏_‏ بالصلاة إلي بيت المقدس ستة عشر شهرا‏,‏ ليؤكد وحدة رسالة السماء‏,‏ الأخوة بين الأنبياء‏,‏ وليتبين الثابت علي دينه من المتشكك فيه‏.‏ ولعلمه‏_‏ صلوات ربي وسلامه عليه‏_‏ بفضل مكة المكرمة علي سائر بقاع الأرض كان يتوق لأمر الله‏_‏ تعالي‏_‏ بتغيير القبلة إلي المسجد الحرام‏,‏ وفي ذلك يقول له ربنا‏_‏ تبارك وتعالي‏-:‏
‏[‏ قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وما الله بغافل عما يعملون وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم‏](‏ البقرة‏:144).‏
وقد أخبر الله‏-‏ تعالي‏_‏ خاتم أنبيائه ورسله‏_‏ صلي الله عليه وسلم‏_‏ عما سيقوله السفهاء من الكفار والمشركين عن تحويل القبلة قبل نزول الأمر بذلك‏,‏ وفي ذلك تقول الآيات‏:[‏ سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم‏,‏ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب علي عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا علي الذين هدي الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم‏](‏ البقرة‏:143,142).‏
وهذا الإخبار من معجزات القرآن الإنبائية‏,‏ ومن الشهادات علي صدق نبوة المصطفي (‏ صلي الله عليه وسلم‏).‏ روي عن ابن عباس رضي الله عنهما‏_‏ أنه قال‏:'‏ لما وجه النبي صلي الله عليه وسلم‏_‏ إلي الكعبة‏,‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله‏:‏ كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلي بيت المقدس ؟ فأنزل الله تعالي‏_‏ قوله العزيز‏[‏ وما كان الله ليضيع إيمانكم‏]‏ أي صلاتكم‏.‏
وكان تحويل القبلة كان بأمر من الله‏_‏ تعالي‏_‏ لاختبار إيمان المؤمنين وغربلة صفهم من المنافقين‏,‏ ولتأكيد وحدة رسالة السماء‏,‏ الأخوة بين الأنبياء‏,‏ حرمة مكة المكرمة وفضلها علي جميع بقاع الأرض‏.‏ من هنا كان استقبال القبلة واجبا من واجبات الصلاة لا تصح بدونه‏.‏ ولكن إذا خفيت أدلة القبلة لغيم أو ظلمة وجب علي من يريد الصلاة سؤال من يرشده إليها‏,‏ فإن لم يجد اجتهد قدر طاقته‏,‏ وصلاته صحيحة حتي لو تبين له خطؤه بعد الفراغ من أدائها‏,‏ ولا إعادة عليه‏.‏ ولكن إذا تبين له الخطأ أثناء الصلاة استدار إلي القبلة الصحيحة دون أن يقطع صلاته‏,‏ وذلك لاستدارة الرسول‏_‏ صلي الله عليه وسلم‏_‏ من اتجاه بيت المقدس إلي اتجاه مكة حين جاءه الوحي بذلك في قباء واستدار المصلون من ورائه‏.‏ ولا يسقط شرط التوجه إلي القبلة إلا في صلاة النافلة للراكب وصلاة كل من المكره‏,‏ والمريض والخائف‏.‏ من كل ذلك يتضح وجه الإعجاز التشريعي في تحديد قبلة المسلمين إلي الكعبة المشرفة‏,‏ فالحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي بعثة خير الأنام‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏

المزيد من مقالات د. زغلول النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.