«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسرار القرآن (‏369‏)
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 11 - 2010

"الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج" هذا النص القرآني الكريم جاء في بداية الثلث الأخير من سورة‏'‏ البقرة‏',‏ وهي سورة مدنية‏,‏ وآياتها مائتان وست وثمانون‏(286)‏ بعد البسملة‏,‏ وهي أطول سور القرآن الكريم علي الإطلاق‏. وتأتي بعد فاتحة الكتاب مباشرة‏.‏ وقد سميت السورة الكريمة بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي معجزة حسية أجراها الله‏-‏ تعالي‏-‏ علي يدي عبده ونبيه موسي‏-‏ علي نبينا وعليه من الله السلام‏-‏ حين تعرض شخص من قومه للقتل‏,‏ ولم يعرف قاتله‏,‏ فأوحي الله‏-‏ سبحانه وتعالي‏-‏ إلي عبده موسي أن يأمر قومه بذبح بقرة‏,‏ وأن يضربوا جثة الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله‏,‏ ويخبر عن قاتله ثم يموت‏,‏ وذلك إحقاقا للحق‏,‏ وشهادة لله‏-‏ تعالي‏-‏ بالقدرة علي إحياء الموتي‏.‏
هذا‏,‏ وقد سبق لنا استعراض سورة‏'‏ البقرة‏',‏ وما جاء فيها من تشريع‏,‏ ومن ركائز العقيدة‏,‏ ومن دعوة إلي الالتزام بمكارم الأخلاق‏,‏ وقصص‏,‏ وإشارات كونية‏,‏ ونركز هنا علي أوجه الإعجاز التشريعي في تحديد مواعيد الحج وآدابه‏.‏
من أوجه الإعجاز التشريعي في النص الكريم‏:‏
أولا‏:‏ الإعجاز التشريعي في تحديد زمن الحج‏:‏
حدد ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ لأداء فريضة الحج وقتا معلوما هو شهور شوال‏,‏ وذو القعدة والعشر الأوائل من شهر ذي الحجة‏.‏
ولله‏-‏ تعالي‏-‏ أن يفضل بعلمه المحيط ما يشاء من خلقه علي بعض وذلك من الأزمنة‏,‏ والأماكن‏,‏ والرسل والأنبياء‏,‏ والأفراد الآخرين من بني آدم‏,‏ ففي تفضيل الرسل قال‏-‏ تعالي‏-:[‏ تلك الرسل فضلنا بعضهم علي بعض‏](‏ البقرة‏:253).‏
ومن تفضيل الأنبياء قال‏-‏ تعالي‏-:[‏ وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين علي بعض‏](‏ الإسراء‏:55).‏ ومن تفضيل بعض أفراد بني آدم علي بعض قال‏-‏ سبحانه وتعالي‏-:‏ أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون‏(‏ الزخرف‏:32).‏
ومن تفضيل بعض الأماكن علي بعض قال‏-‏ تعالي‏-‏ في فضل مكة المكرمة‏:‏
‏(1)[‏ وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلي وعهدنا إلي إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود‏](‏ البقرة‏:125).‏
‏(2)[‏ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين‏(96)‏ فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين‏(97)](‏ آل عمران‏:97,96).‏
‏(3)[‏ أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبي إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون‏](‏ القصص‏:57).‏
‏(4)[‏ وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القري ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم علي صلاتهم يحافظون‏](‏ الأنعام‏:92).‏
‏(5)[‏ وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القري ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير‏](‏ الشوري‏:7).‏
‏(6)[‏ إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم‏](‏ الحج‏:25).‏
‏(7)[‏ قد نري تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون‏](‏ البقرة‏:144).‏
ومن تفضيل بعض الأزمنة علي بعض قال‏-‏ تعالي‏-:‏
‏(1)[‏ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم‏](‏ التوبة‏:36).‏
‏(2)[‏ جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن الله بكل شيء عليم‏](‏ المائدة‏:97).‏
‏(3)[‏ شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان‏](‏ البقرة‏:185).‏
‏(4)[‏ والفجر‏(1)‏ وليال عشر‏(2)](‏ الفجر‏:2-1).‏
‏(5)[‏ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلي ذكر الله‏](‏ الجمعة‏:9).‏
‏(6)[‏ ليلة القدر خير من ألف شهر‏(3)‏ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر‏(4)‏ سلام هي حتي مطلع الفجر‏(5)](‏ القدر‏:5-3).‏
وواضح من هذه الآيات الكريمة أن الله‏-‏ تعالي‏-‏ قد جعل يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع‏,‏ وأنزل في فضله سورة من سور القرآن الكريم‏(‏ هي سورة الجمعة‏),‏ وجعل شهر رمضان أفضل شهور السنة‏,‏ واختصه بإنزال هدايته للبشرية فيه‏,‏ وجعل الليالي العشر الأخيرة منه أفضل عشرة ليال بالسنة وجعل أفضلها علي الإطلاق ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر‏.‏ ومن بعد رمضان يأتي فضل أشهر الحج وفضل بقية الأشهر الحرم‏.‏ فجعل ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ الأيام العشر الأولي من شهر ذي الحجة أفضل عشرة أيام في السنة‏(‏ بمعني النهار‏)‏ وجعل أشرفها علي الإطلاق يوم عرفة‏(‏ أي نهار عرفة‏),‏ وفي ذلك يقول رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:'‏ ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة‏'‏ فقال رجل‏:‏ هن أفضل‏,‏ أم عدتهن جهادا في سبيل الله؟ قال‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:'‏ هن أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله‏,‏ وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة‏,‏ ينزل الله‏-‏ سبحانه وتعالي‏-‏ إلي السماء الدنيا‏,‏ فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول‏:‏ انظروا إلي عبادي‏,‏ جاءوني شعثا غبرا ضاحين‏,‏ جاؤوا من كل فج عميق‏,‏ يرجون رحمتي ولم يروا عذابي‏,‏ فلم ير يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة‏'(‏ أبو يعلي‏,‏ البزار‏,‏ ابن خزيمة وابن حبان‏).‏
لذلك كان الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم‏.‏ وحرم ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ الأشهر الحرم منذ الأزل‏(‏ وهي ذو القعدة‏,‏ وذو الحجة‏,‏ والمحرم‏,‏ ورجب‏)‏ وجعل القتال فيها محرما‏.‏
من هنا كان في قول ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-:[‏ الحج أشهر معلومات‏...]‏ تأكيد حرمة الوقت الذي حدده‏-‏ سبحانه‏-‏ منذ الأزل للإحرام بالحج في أشهر معلومات‏(‏ هي شوال‏,‏ وذو القعدة‏,‏ والعشر الأوائل من ذي الحجة‏).‏ وعلي ذلك فلا يصح الإحرام بالحج إلا في هذه الأشهر التي حددها ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ والتزم بها خاتم أنبيائه ورسله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-.‏
ففي سنة‏8‏ للهجرة تم فتح مكة المكرمة‏,‏ وتم تطهير الحرم المكي مما كان المشركون قد وضعوا فيه من الأصنام والأوثان والنصب‏.‏ وفي السنة التاسعة من الهجرة نزلت سورة‏'‏ التوبة‏'‏ بتحريم الطواف بالبيت علي المشركين‏.‏ وفي السنة العاشرة من الهجرة أخبر ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ خاتم أنبيائه ورسله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ بأن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض‏,‏ بعد أن كان عرب الجاهلية قد عبثوا بالأشهر القمرية عندما استخدموا فكرة النسيء وهي فكرة شيطانية‏,‏ فأربكوا معلومات الناس عن شهور السنة‏,‏ ومن ثم أمره‏-‏ سبحانه وتعالي‏-‏ بأداء فريضة الحج بعد أن طهر هذه الشعيرة من أدران الجاهلية بالكامل‏,‏ وبين للمسلمين مواقيت‏,‏ ومناسك‏,‏ وآداب هذه العبادة العظيمة التي يكرم الله‏-‏ تعالي‏-‏ من يختاره من عباده لأدائها‏.‏ فخرج رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ للحج في أواخر شهر ذي القعدة سنة عشر هجرية‏,‏ وكانت الحجة الوحيدة التي أداها ورافقه فيها جمع غفير من المسلمين‏,‏ ولذلك عرفت باسم‏'‏ حجة الوداع‏',‏ أو‏'‏ حجة البلاغ‏'‏ أو‏'‏ حجة الإسلام‏'.‏
ثانيا‏:‏ من الإعجاز التشريعي في تحديد آداب أداء فريضة الحج‏:‏
في قول ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-:[‏ فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج‏...](‏ البقرة‏:197).‏
نجد أن من معاني هذا النص الكريم ما يفهم منه أنه من أوجب علي نفسه أداء فريضة الحج وأحرم بها من المسلمين‏,‏ البالغين‏,‏ العقلاء‏,‏ الأحرار‏,‏ المستطيعين‏,‏ فعليه مراعاة آداب هذه العبادة الجليلة‏.‏ ومن ذلك التنزه عن مباشرة العلاقات الزوجية أو التفكير فيها‏,‏ والاستعلاء علي كل قبيح من الكلام أو الأفعال‏;‏ لأن الحاج مقبل علي الله‏-‏ تعالي‏-‏ والمقبل علي ربه يجب أن يتجرد لله دون سواه‏,‏ وأن ينشغل بذكره وبالطاعات له‏,‏ والقربات إليه‏,‏ وأن يسمو بنفسه ولسانه فوق كل الشهوات والرغبات الدونية وهو ما يجمع تحت مدلول‏(‏ الرفث‏)‏ الذي نهي القرآن الكريم عنه لأن من معاني‏(‏الرفث‏)‏ الفحش في الكلام أو الأفعال‏.‏
أما‏(‏ الفسوق‏)‏ فهو الخروج عن حدود الشرع‏,‏ أو علي الآداب المرعية وعن الأخلاق السوية وذلك بإتيان المعاصي‏(‏ كبرت أم صغرت‏)‏ ومنها المظالم في حق الفرد نفسه أو في حق من يصحبه من الحجاج‏,‏ وأما‏(‏ الجدال‏)‏ فهو المماراة والمشادة في الكلام حتي يغضب الإنسان صاحبه ويؤدي إلي الشحناء والخصام بينهما‏.‏ خاصة أن المطلوب في الحج هو الاجتهاد في فعل الخيرات‏,‏ والأعمال الصالحات طلبا للأجر من الله‏-‏ تعالي‏-‏ ورجاء التعلق برحماته‏,‏ والتزام الواجب بالتأدب في هذه الأماكن المباركة التي حرمها الله‏-‏ تعالي‏-‏ يوم خلق السموات والأرض‏,‏ ولذلك قال‏-‏ تعالي‏-‏ عن الحرم المكي‏:[...‏ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم‏](‏ الحج‏:25).‏
‏(‏ والإلحاد‏)‏ هو الميل عن الحق‏,‏ ويقصد به ارتكاب المعاصي في مكة المكرمة وحرمها الشريف‏.‏ أو من ارتكب جرما خارج الحرم ثم لجأ إليه‏.‏
ومن معاني ذلك‏:‏ أن كل من يقصد في الحرم المكي تصرفا سيئا أو ينوي الإتيان بمعصية أو إساءة فيه‏,‏ فإن الله‏-‏ تعالي‏-‏ قد أخذ علي ذاته العلية العهد أن يذيقه أشد أنواع العذاب إيلاما‏,‏ لأن الحرم المكي تضاعف السيئات فيه كما تضاعف الحسنات‏,‏ فكل من يحيد عن الحق فيه أو يرتكب ظلما علي أهله أو ساكنيه فإن الله‏-‏ تعالي‏-‏ قد تعهد بعذابه عذابا شديدا‏.‏
والحيود عن الحق في الحرم المكي يشمل سائر الآثام‏,‏ ومن ذلك الصد عنه‏,‏ واحتكار الطعام والشراب فيه بغير حق‏,‏ والإسراف في كل شيء وأمر‏,‏ وظلم الآخرين‏,‏ والتدافع في الزحام‏,‏ وعدم مراعاة الضعفاء من النساء والأطفال وكبار السن والعجزة‏.‏ وهذا التعبير القرآني الكريم يهدد ويتوعد كل من يقوم بمجرد التفكير في الميل عن الحق في الحرم المكي وذلك زيادة في التحذير‏,‏ ومبالغة في التوكيد علي نزول عذاب الله الشديد بكل من تسول له نفسه ذلك‏.‏
ومن هنا تتضح ومضة الإعجاز التشريعي في قول ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-[‏ الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج‏....]‏ ومن معاني ذلك أن لفريضة الحج وقت معلوم‏,‏ وأن من آداب أداء هذه الفريضة الالتزام بمكارم الأخلاق حرصا علي الأجر من الله‏,‏ وتهذيبا لنفس الحاج حتي يخرج من هذه الطاعة بطهارة القلب والبدن‏,‏ وبتهذيب النفس والسلوك‏,‏ وبالحرص الدائم علي الإحسان إلي الآخرين‏,‏ وبحب مساعدة الضعفاء والمحتاجين‏,‏ وبالسعي الجاد من أجل تحقيق سعادة الدارين‏,‏ وبالحصول علي مرضاة رب العالمين‏,‏ فيعود من حجه كيوم ولدته أمه بذنب مغفور وعمل صالح مقبول‏,‏ والله يعلم صدق عباده ويجازيهم عليه بأفضل الجزاء‏.‏ ويكون ذلك إحدي الثمار العديدة لأداء تلك الفريضة‏(‏ الحج‏),‏ والله‏-‏ تعالي‏-‏ يعتبر تقصير العبد المستطيع آداءها‏,‏ والممتنع عن ذلك دون عذر شرعي مقبول ضربا من ضروب الكفر بالله ولذلك قال‏_‏ وقوله الحق‏_:[‏ ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين‏](‏ آل عمران‏:97).‏
والنص الكريم يشير إلي دقة الشهور القمرية المحددة بدورة القمر حول الأرض دورة كاملة‏,‏ لأن القمر هو أقرب أجرام السماء إلي الأرض‏,‏ لذلك كانت دورته هذه هي أدق وسائل أهل الأرض لقياس الزمن النسبي‏.‏ من هنا كانت سنة المسلمين قمرية‏/‏ شمسية‏,‏ يحدد طول الشهر فيها دورة كاملة للقمر حول الأرض‏,‏ ويحدد السنة فيها دورة كاملة لكل من الأرض والقمر حول الشمس‏.‏ ويبقي الفارق الزمني بين الإثني عشر شهرا قمريا‏,‏ والسنة الشمسية للأرض هو في حدود أحد عشر يوما‏,‏ وهذا الفارق البسيط يجعل الشهور القمرية تنتقل عبر فصول السنة حتي لا ترتبط عبادات المسلمين بمناخ واحد محدد رحمة بالناس‏,‏ وبذلك يتمكنون من إدراك حركة مرور الزمن‏.‏ والله هو الموفق والمستعان‏,‏ والهادي إلي سواء السبيل‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصل الله وسلم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏.‏
المزيد من مقالات د. زغلول النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.