«البعثة الدولية» ترصد انتخابات «النواب» ب«29 متابعًا» من 9 جنسيات    تعددت الأسماء والطريقة واحدة.. آن الرفاعي وبسمة بوسيل تواجهن الطلاق ب«البيزنس» (تقرير)    طبقًا لإرشادات الطب الصيني.. إليكِ بعض النصائح لنوم هادئ لطفلك    ستيفن صهيونى يكتب: الفضيحة التي هزت أركان الجيش الإسرائيلي    مقتل شخصين إثر تحطم طائرة إغاثة صغيرة في فلوريدا بعد دقائق من إقلاعها    موعد مباراة السعودية ضد مالي والقنوات الناقلة في كأس العالم للناشئين    انيهار جزئي في عقار بحي وسط المنيا    بصورة "باي باي" ل ترامب، البيت الأبيض يرد على فيديو إلهان عمر بشأن ترحيلها من أمريكا    «متحف تل بسطا» يحتضن الهوية الوطنية و«الحضارة المصرية القديمة»    أبرزها "الست" لمنى زكي، 82 فيلما يتنافسون في مهرجان مراكش السينمائي    ترامب: ناقشت مع الشرع جميع جوانب السلام في الشرق الأوسط    إقامة عزاء إسماعيل الليثي.. غدًا    إصدار تصريح دفن إسماعيل الليثى وبدء إجراءات تغسيل الجثمان    في ثاني أيام انتخابات مجلس نواب 2025.. تعرف على أسعار الذهب اليوم الثلاثاء    سلطنة عمان تشارك في منتدى التجارة والاستثمار المصري الخليجي    الإطار التنسيقي الشيعي يدعو العراقيين إلى المشاركة الواسعة والفاعلة في الانتخابات التشريعية    أسامة الباز.. ثعلب الدبلوماسية المصرية    رسميًا.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي 2025 وخطوات استخراجها مستعجل من المنزل    يمهد الطريق لتغيير نمط العلاج، اكتشاف مذهل ل فيتامين شائع يحد من خطر النوبات القلبية المتكررة    التعليم تعلن خطوات تسجيل الاستمارة الإلكترونية لدخول امتحانات الشهادة الإعدادية    «في مبالغة».. عضو مجلس الأهلي يرد على انتقاد زيزو بسبب تصرفه مع هشام نصر    أسعار العملات العربية والأجنبية أمام الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    استعدادًا للتشغيل.. محافظ مطروح يتابع تأهيل سوق الخضر والفاكهة بمدخل المدينة    أمطار على هذه المناطق.. بيان مهم من الأرصاد يكشف حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    الحوت، السرطان، والعذراء.. 3 أبراج تتميز بحساسية ومشاعر عميقة    ريم سامي: الحمد لله ابني سيف بخير وشكرا على دعواتكم    وزارة الداخلية تكشف ملابسات واقعة السير عكس الاتجاه بالجيزة    انهيار جزئي لعقار قديم قرب ميدان بالاس بالمنيا دون إصابات    مع دخول فصل الشتاء.. 6 نصائح لتجهيز الأطفال لارتداء الملابس الثقيلة    أهمهما المشي وشرب الماء.. 5 عادات بسيطة تحسن صحتك النفسية يوميًا    نيسان قاشقاي.. تحتل قمة سيارات الكروس أوفر لعام 2025    التخضم يعود للصعود وسط إنفاق بذخي..تواصل الفشل الاقتصادي للسيسي و ديوان متفاقمة    بسبب خلافات الجيرة.. حبس عاطل لإطلاقه أعيرة نارية وترويع المواطنين بشبرا الخيمة    استغاثة أم مسنّة بكفر الشيخ تُحرّك الداخلية والمحافظة: «رعاية وحماية حتى آخر العمر»    النائب العام يستقبل وزير العدل بمناسبة بدء العام القضائي الجديد| صور    بعد لقاء ترامب والشرع.. واشنطن تعلق «قانون قيصر» ضد سوريا    سعر الطماطم والخيار والخضار بالأسواق اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    تقارير: ليفاندوفسكي ينوي الاعتزال في برشلونة    إصابة الشهري في معسكر منتخب السعودية    صلاة جماعية في البرازيل مع انطلاق قمة المناخ "COP30".. صور    المغرب والسنغال يبحثان تعزيز العلاقات الثنائية والتحضير لاجتماع اللجنة العليا المشتركة بينهما    مشهد إنساني.. الداخلية تُخصص مأمورية لمساعدة مُسن على الإدلاء بصوته في الانتخابات| صور    زينب شبل: تنظيم دقيق وتسهيلات في انتخابات مجلس النواب 2025    المعهد الفرنسي يعلن تفاصيل الدورة الخامسة من مهرجان "بوبينات سكندرية" السينمائي    اليوم السابع يكرم صناع فيلم السادة الأفاضل.. صور    مروان عطية: جميع اللاعبين يستحقون معي جائزة «الأفضل»    بي بي سي: أخبار مطمئنة عن إصابة سيسكو    اللعنة مستمرة.. إصابة لافيا ومدة غيابه عن تشيلسي    لماذا تكثر الإصابات مع تغيير المدرب؟    خطوة أساسية لسلامة الطعام وصحتك.. خطوات تنظيف الجمبري بطريقة صحيحة    أوكرانيا تحقق في فضيحة جديدة في شركة الطاقة النووية الوطنية    أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025    رجال الشرطة يجسدون المواقف الإنسانية فى انتخابات مجلس النواب 2025 بالإسكندرية    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسرار القرآن
يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج
نشر في الأهرام اليومي يوم 06 - 11 - 2010

هذا النص القرآني الكريم جاء في بداية الثلث الأخير من سورة‏'‏ البقرة‏',‏ وهي سورة مدنية‏,‏ وآياتها مائتان وست وثمانون‏(286)‏ بعد البسملة‏,‏ وهي أطول سور القرآن الكريم علي الإطلاق‏,‏ وتأتي بعد فاتحة الكتاب مباشرة‏.‏ وقد سميت السورة الكريمة بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي معجزة حسية أجراها الله‏-‏ تعالي‏-‏ علي يدي عبده ونبيه موسي‏-‏ علي نبينا وعليه من الله السلام‏-‏ حين تعرض شخص من قومه للقتل‏,‏ ولم يعرف قاتله‏,‏ فأوحي الله‏-‏ سبحانه وتعالي‏-‏ إلي عبده موسي أن يأمر قومه بذبح بقرة‏,‏ وأن يضربوا جثة الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله‏,‏ ويخبر عن قاتله ثم يموت‏,‏ وذلك إحقاقا للحق‏,‏ وشهادة لله‏-‏ تعالي‏-‏ بالقدرة علي إحياء الموتي‏.‏
هذا‏,‏ وقد سبق لنا استعراض سورة‏'‏ البقرة‏',‏ وما جاء فيها من تشريع‏,‏ ومن ركائز العقيدة‏,‏ ومن دعوة إلي الالتزام بمكارم الأخلاق‏,‏ وقصص‏,‏ وإشارات كونية‏,‏ ونركز هنا علي أوجه الإعجاز العلمي والتشريعي في التأكيد علي أهمية الشهر القمري في تحديد الزمن النسبي لأهل الأرض‏,‏ والإعجاز التشريعي في فريضة الحج‏.‏
أولا‏:‏ من أوجه الإعجاز التشريعي والعلمي في اختيار الأهلة مواقيت للناس‏:‏
القمر هو أقرب أجرام السماء إلي الأرض‏,‏ إذ يدور حولها في فلك شبه دائري يبلغ طوله حوالي‏(2.4)‏ مليون كم‏,‏ ويبلغ متوسط نصف قطره‏(‏ أي بعده عن مركز الأرض‏)(384.400)‏ كم‏,‏ ومن هنا فإن حركته بالنسبة لأهل الأرض هي أكثر الحركات الفلكية انضباطا‏.‏ ففي أثناء هذه الدورة يقع القمر في وضع وسطي بين كل من الأرض والشمس وعلي استقامة واحدة مع مراكز هذه الأجرام الثلاثة‏,‏ وبذلك يواجه القمر الأرض بوجه مظلم تماما‏,‏ وتسمي هذه المرحلة باسم‏(‏ مرحلة الاقتران‏),‏ أو‏(‏ المحاق‏),‏ وتستغرق هذه المرحلة ليلة واحدة أو ليلتين‏,‏ ثم يتحرك القمر ليخرج عن الاستقامة الواصلة بين مراكز هذه الأجرام الثلاثة فيولد‏(‏ الهلال‏)‏ الذي تحدد رؤيته عقب غروب الشمس‏(‏ لمدة لا تقل عن عشر دقائق‏)‏ بداية الشهر القمري الجديد‏.‏ وباستمرار تحرك القمر في دورته حول الأرض تزداد مساحة الجزء المنير من وجهه المقابل للأرض بالتدريج حتي يصل إلي‏(‏ التربيع الأول‏)‏ في ليلة السابع من الشهر القمري‏,‏ ثم إلي‏(‏ الأحدب الأول‏)‏ في ليلة الحادي عشر‏,‏ ثم إلي‏(‏ البدر الكامل‏)‏ في ليلة الرابع عشر‏,‏ وفيها تكون الأرض بين الشمس من جهة‏,‏ والقمر من الجهة الأخري‏.‏
وبمزيد من تحرك القمر حول الأرض تبدأ مساحة الجزء المنير من وجهه المقابل للأرض تتناقص بالتدريج حتي يتحول البدر إلي‏(‏ الأحدب الثاني‏)‏ في حدود ليلة الثامن عشر‏,‏ ثم إلي‏(‏ التربيع الثاني‏)‏ في ليلة الثالث والعشرين‏,‏ ثم إلي‏(‏ الهلال المتناقص‏)‏ في ليلة السادس والعشرين من الشهر القمري‏,‏ ويستمر في هذه المرحلة لليلتين حتي يصل إلي مرحلة‏(‏ المحاق‏)‏ في آخر ليلة أو ليلتين من الشهر القمري حين يعود القمر إلي وضع الاقتران‏.‏
ولما كان القمر يقطع في كل يوم من أيام الشهر القمري حوالي‏(12)‏ درجة من درجات دائرة البروج‏(360‏ درجة‏29,5‏ يوما‏_12,2‏ درجة‏),‏ فإنه يقع في كل ليلة من ليالي الشهر القمري في منزل من المنازل التي تحددها ثوابت من النجوم أو من تجمعاتها الظاهرية حول دائرة البروج‏,‏ وهذه المنازل هي ثمانية وعشرون منزلا‏,‏ بعدد الليالي التي يري فيها القمر‏,‏ وتعرف باسم‏(‏ منازل القمر‏).‏
ولما كان القمر يجري مع الأرض حول الشمس ليتم دورته الشمسية السنوية فإنه يمر عبر البروج السماوية الإثني عشر التي تقع فيها الشمس في كل شهر من شهور السنة الشمسية‏.‏ وعلي ذلك فإن كل منزل من منازل القمر اليومية يحتل مساحة في برج من هذه البروج‏.‏
وفي الحضارات القديمة عرف الناس دورة القمر من المحاق إلي المحاق‏,‏ أو من الهلال الوليد إلي الهلال المتناقص‏,‏ كما عرفوا منازل القمر الثمانية والعشرين‏,‏ واستخدموا ذلك في تحديد الزمن‏,‏ وفي التأريخ للأحداث‏,‏ ويبدو أن ذلك من بقايا الحقب القديمة‏.‏
من هنا يأتي وجه الإعجاز العلمي والتشريعي في التأكيد علي أهمية الشهر القمري في تحديد الزمن النسبي لأهل الأرض بدقة فائقة‏,‏ أما الزمن المطلق فلا يعلمه إلا الله‏-‏ تعالي‏-‏ وعلي ذلك فإن سنة المسلمين هي سنة قمرية‏/‏ شمسية‏,‏ يحدد الشهر فيها دورة كاملة للقمر حول الأرض‏,‏ ويحدد السنة فيها دورة كاملة لكل من الأرض والقمر حول الشمس‏.‏ والفارق الزمني بين الإثني عشر شهرا قمريا‏,‏ والدورة الكاملة للأرض والقمر حول الشمس هي في حدود‏(11‏ يوما‏),‏ وذلك يحرك عبادة المسلم عبر الفصول المناخية رحمة بالناس‏,‏ وإشعارا لهم بحركة الزمن‏,‏ ولذلك قال‏-‏ تعالي‏-‏ موجها الخطاب إلي خاتم أنبيائه ورسله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-(‏ يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج‏...).‏
و‏(‏الأهلة‏)‏ جمع‏(‏ هلال‏),‏ وهو تعبير عن مراحل القمر من الهلال الوليد إلي البدر الكامل ومنه إلي الهلال المتناقص حتي المحاق‏.‏
ومن أسباب نزول هذه الآية الكريمة أن كلا من معاذ بن جبل وثعلبة بن عثمة‏-‏ رضي الله عنهما‏-‏ قالا‏:‏ يا رسول الله‏!‏ ما بال الهلال يبدو ويطلع دقيقا مثل الخيط‏,‏ ثم يزيد حتي يعظم ويستوي‏,‏ ثم لا يزال ينقص ويدق حتي يعود كما كان‏,‏ لا يكون علي حال واحد ؟ فنزلت هذه الآية الكريمة توضح لهم أن الأهلة هي أفضل وسيلة لتحديد الزمن لأهل الأرض وتحديد الأوقات المضروبة لعباداتهم من مثل أوقات صومهم وفطرهم‏,‏ وأداء زكاتهم‏,‏ وحجهم‏,‏ وأوقات معاملاتهم من مثل حساب عدة نسائهم‏,‏ وأوقات حلول ديونهم‏,‏ وأزمنة وفاء شروطهم المؤجلة‏,‏ وغير ذلك من أمور دينهم ودنياهم‏.‏
ثانيا‏:‏ من أوجه الإعجاز التشريعي في فريضة الحج‏:‏
الحج يعني قصد المسلم مكة المكرمة محرما من الميقات المحدد في أشهر الحج‏,‏ والوقوف بعرفة‏,‏ وما يتبع ذلك من مناسك‏,‏ يؤديها المسلم البالغ العاقل‏,‏ الحر‏,‏ المستطيع‏(‏ ذكرا كان أو أنثي‏)‏ ولو لمرة واحدة في العمر‏,‏ وذلك طاعة لله‏-‏ تعالي‏-‏ واستجابة لأوامره‏,‏ وطلبا لمرضاته‏.‏ والحج هو أحد أركان الإسلام الخمسة‏,‏ وهو فرض من الفرائض المعلومة من الدين بالضرورة‏,‏ وهو حق لله‏-‏ تعالي‏-‏ علي المستطيعين من عباده لقوله‏-‏ جل في علاه‏-:(‏ ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين‏)(‏ آل عمران‏:97).‏
والحج هو عبادة من أجل العبادات وأفضلها عند رب العالمين وذلك لما رواه أبو هريرة‏-‏ رضي الله عنه‏-‏ أن رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ سئل‏'‏ أي الأعمال أفضل ؟ قال‏:‏ إيمان بالله ورسوله‏,‏ قيل‏:‏ ثم ماذا ؟ قال‏:‏ ثم جهاد في سبيل الله‏,‏ قيل‏:‏ ثم ماذا ؟ قال‏:‏ ثم حج مبرور‏'(‏ والحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم‏)(‏ البخاري ومسلم‏).‏
وأصل العبادة الخضوع لأوامر الله‏-‏ تعالي‏-‏ بالطاعة‏,‏ ومن هنا فإن العبادة لا تحتاج إلي تبرير‏,‏ ولكن إذا عرفت الحكمة من وراء أداء العبادة فإن مؤديها يتمكن من إتقان أدائها بطريقة أفضل‏,‏ ويسلك في أدائها سلوكا أنبل وأجمل‏,‏ ويكون أجره علي أدائها أوفي وأكمل‏.‏
الحكمة من تشريع فريضة الحج‏:‏
‏(1)‏ تعريض كل من حج البيت لكرامة أشرف بقاع الأرض في أشرف أيام السنة‏:‏ فمكة المكرمة هي أشرف بقاع الأرض قاطبة‏,‏ يليها في الكرامة مدينة رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ ثم بيت المقدس‏,‏ وذلك لقول رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ عن الكعبة المشرفة‏:'‏ هذا البيت دعامة الإسلام‏,‏ من خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر أو زائر‏,‏ كان مضمونا علي الله‏-‏ عز وجل‏-‏ إن قبضه يدخله الجنة‏,‏ وإن رده‏,‏ رده بغنيمة وأجر‏'(‏ الحارث‏,‏ ابن حجر‏).‏
وفي المقابل فإن أشرف أيام السنة هي الأيام العشرة الأولي من شهر ذي الحجة‏,‏ وأشرفها علي الإطلاق هو‏'‏ يوم عرفة‏'.‏ وذلك لقول رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:'‏ ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة‏...,‏ وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة‏...'(‏ أبو يعلي‏,‏ البزار‏,‏ ابن خزيمة‏,‏ ابن حبان‏).‏ فإذا اجتمع فضل الزمان وفضل المكان تضاعفت البركات والأجور بإذن الله‏.‏
‏(2)‏ تذكير الحاج بمرحلية الحياة وبحتمية الرجوع إلي الله‏:‏ لأن دوامة الحياة تكاد تنسي الإنسان حتمية الخروج منها‏,‏ وهنا تأتي شعيرة الحج لتخرج الناس من دوامة الحياة ولو لفترة قصيرة وتذكرهم بحتمية العودة إلي الله‏.‏
‏(3)‏ تذكير الإنسان بضرورة محاسبة نفسه قبل أن يحاسب‏:‏ وذلك لأن للحج العديد من الأعمال الإجرائية التي منها‏:‏ التوبة إلي الله من الذنوب والمعاصي‏,‏ ووصل كل مقطوع من صلات الرحم‏,‏ وقضاء الديون‏,‏ ورد المظالم‏,‏ ورد كل ما هو غير ذلك من حقوق العباد‏,‏ وإخلاص النوايا لله‏-‏ تعالي‏-‏ والحرص علي الحلال‏,‏ والتطهر من كل حرام‏,‏ والحرص علي تسديد زكاة المال قبل الخروج بالحج‏,‏ وكتابة الوصية‏,‏ وتهيئة كل حاج نفسه لحساب الله‏-‏ تعالي‏-‏ قبل أن يحاسبه الله‏.‏
‏(4)‏ تدريب الحاج نفسه علي مفارقة الحياة الدنيا بواسطة المشاعر التي يدركها أثناء غسل الإحرام‏,‏ ولبسه‏,‏ والنية بالإحرام للحج أو العمرة أو بهما معا‏(‏ متمتعا أو قارنا‏),‏ وعند الوقوف بالميقات‏,‏ والانتقال من الحل إلي الحرم عبر الميقات‏,‏ وعند التلبية‏.‏
‏(5)‏ تذكير الحاج نفسه بضرورة الالتزام بأوامر الله تعالي واجتناب نواهيه‏;‏ حيث إن جميع الخلق غير المكلف ملتزم بقوانين الخالق‏-‏ سبحانه وتعالي‏-‏ التي أودعها في كل أمر من أمور الكون‏.‏ ولعل الطواف حول الكعبة في عكس اتجاه عقارب الساعة يذكر بذلك‏,‏ وهو النظام الغالب في الكون كله‏.‏
‏(6)‏ تدريب الحاج علي الالتزام بسنة رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ في أداء هذه العبادة الكبري‏,‏ وفي كل أمر من أمور الحياة‏,‏ وهو‏-‏ صلوات ربي وسلامه عليه‏-‏ القائل‏:'‏ خذوا عني مناسككم‏'.‏
‏(7)‏ تذكير الحاج بجهاد السابقين من الأنبياء والمرسلين‏,‏ ومن الصالحات والصالحين‏,‏ ولعل في اتخاذ مقام إبراهيم مصلي‏,‏ وفي الشرب من ماء زمزم‏,‏ وفي السعي بين الصفا والمروة ما يذكر الحاج بذلك‏.‏
‏(8)‏ تذكير الحاج بيوم البعث وزحامه‏,‏ ولعل النفرة إلي مني ثم إلي عرفات تلعب دورا في هذا التذكير‏.‏
‏(9)‏ ولعل الوقوف بعرفات يذكر بيوم الحشر فيعمل كل من أكرمه الله‏-‏ تعالي‏-‏ بالوقوف في هذا الموقف الكريم أن يستعد ليوم الحشر‏.‏
‏(10)‏ ولعل المبيت بالمزدلفة ثم بمني يذكر الحاج بآلاف الأنبياء وبمئات المرسلين الذين حجوا من قبل‏,‏ ونزلوا بتلك المنازل‏,‏ فيتأكد من وحدة رسالة السماء‏,‏ ومن الأخوة بين الأنبياء وبين الناس جميعا‏,‏ ويعلم أن ذلك كله منبثق من الإيمان بوحدانية الخالق العظيم‏.‏
‏(11)‏ ولعل كلا من النحر والحلق‏(‏ أو التقصير‏),‏ ورمي الجمار يذكر بعمق إيمان كل من عبدي الله ونبييه إبراهيم وولده الذبيح إسماعيل عليهما السلام‏-‏ وبضرورة التسليم لرب العالمين وطاعة أوامره‏,‏ والتطهر من الذنوب والآثام‏,‏ ومعرفة أبعاد المعركة بين الشيطان والإنسان والتعهد لله بالانتصار فيها لعباده الذين اختارهم لحج بيته الحرام‏.‏ ثم يكون في التحلل من الإحرام‏,‏ وفي كل من طواف الإفاضة والوداع رمز لانتهاء أداء هذه الشعيرة العظيمة‏,‏ وعودة إلي دوامة الحياة الدنيا بذنب مغفور‏,‏ وعمل صالح مقبول‏,‏ وصفحة جديدة مع رب العالمين‏,‏ وعزيمة علي كسب مرضاته‏-‏ تعالي‏-‏ باجتناب نواهيه وبعمل كل ما يرضيه‏,‏ ومن ذلك‏:‏ الزهد في الدنيا‏,‏ اليقين في الله‏,‏ الحرص علي إتقان العبادة‏,‏ التمسك بطهارة النفس‏,‏ وبمكارم الأخلاق‏,‏ والاستقامة علي منهج الله‏,‏ والاجتهاد في نصرة دين الله‏.‏
‏(12)‏ الحج هو أول مؤتمر عالمي في تاريخ البشرية‏,‏ شرعه الله‏-‏ تعالي‏-‏ ليكون وسيلة من وسائل تعارف المسلمين‏,‏ وجمع كلمتهم‏,‏ وتوحيد صفوفهم وحل مشاكلهم‏,‏ والتعاون فيما بينهم‏,‏ ومواجهة التحديات التي تصادفهم‏,‏ وشهود غير ذلك من المنافع التي تعود عليهم أفرادا وجماعات‏,‏ ودولا‏,‏ وتعود علي الإنسانية عامة بكل خير‏.‏
هذا‏,‏ وبالإضافة إلي ما ذكرناه آنفا إلي مكاسب الفرد المسلم‏(‏ ذكرا كان أم أنثي‏,‏ صغيرا أم كبيرا‏)‏ من أداء هذه العبادة العظيمة‏,‏ يمثل طرفا من الحكمة الإلهية بتشريع فريضة الحج‏,‏ وجعلها حقا لله‏-‏ تعالي‏-‏ علي كل مسلم‏,‏ بالغ‏,‏ عاقل‏,‏ حر مستطيع‏,‏ ولو لمرة واحدة في العمر‏.‏ لذلك جاءت الإشارة إلي الحج في هذا النص القرآني الكريم‏-‏ فضلا عن غيره من العبادات المفروضة علي أهميتها كما جاءت الإشارة إلي الحج في أحد عشر موضعا من كتاب الله‏.‏
فالحمد لله علي نعمة الإسلام والحمد لله علي نعمة القرآن والحمد لله علي بعثة خير الأنام سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وعلي آله وصحبه أجمعين‏-‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏

المزيد من مقالات د. زغلول النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.