الداخلية تحذر المشككين في نتائج كلية الشرطة: القبول يتم وفقًا لضوابط محددة    اختتام تصويت المصريين بالسعودية في جولة الإعادة بالمرحلة الثانية في انتخابات النواب    مواصفات وأسعار سيارات اكسيد ES وET موديل 2026.. تبدأ من 1.850 مليون جنيه    وزير الكهرباء يتابع إنشاء مركز التحكم في شبكات التوزيع بجنوب سيناء    البنتاجون: الموافقة على مبيعات عسكرية للبنان بقيمة 34.5 مليون دولار    جوادالاخار ضد برشلونة.. لامين يامال يقود هجوم البارسا فى كأس إسبانيا    ذا بيست 2025| صلاح ومبابي يغيبان عن التشكيل المثالي    أنطوان سيمنيو بين السيتي واليونايتد.. من يحسم الصفقة؟    رضا هيكل يفسخ عقده مع نادي حتا الإماراتي.. والزمالك يرغب في ضمه    ضبط مخبز بحيازته دقيق حر منتهي الصلاحية بالإسكندرية    محافظ الشرقية: السيطرة على حريق مكتبة الطفل بالزقازيق    عائشة بن أحمد وأروي جودة أبرز نجوم افتتاح مهرجان القاهرة للفيلم القصير (صور)    غزة تشهد جحيما إنسانيا.. الهيئة الدولية لدعم فلسطين تحذر من نقص المساعدات وعرقلة إدخال الكرفانات    الأمم المتحدة تحذر من تصاعد العنف في كردفان السودانية: 104 قتلى بينهم 43 طفلا في هجمات جوية منذ بداية ديسمبر    الأردن والسويد يؤكدان ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار في غزة    ورشة "تعزيز المعرفة والخدمات المناخية" تختتم أعمالها بتأكيد سد فجوات البيانات لدعم صنع القرار    ميناء دمياط يشهد نشاطًا ملاحيًا وتجاريًا مكثفًا    لا إغلاق لأى مصنع.. خطة للتقنين ودعم العمالة وإبقاء تبعية هيئة القطن ل «الاستثمار»    أمم إفريقيا - استدعاء لاعب نهضة بركان لتعويض مدافع أندرلخت في قائمة السنغال    الوطنية للانتخابات: بدء فرز الأصوات ب31 لجنة في الخارج ضمن جولة الإعادة للمرحلة الثانية من الانتخابات    رئيس هيئة المحطات النووية يشارك في فعاليات المنتدى العربي السابع    نظر قضية المتهم بقتل زوجته فى المنوفية بسبب خلافات بينهما يناير المقبل    الجيش الألماني ينهي مهمة نظام باتريوت لحماية المجال الجوي للناتو في بولندا    أروى جودة أول الحاضرين لافتتاح الدورة السابعة من مهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير    انعقاد الاجتماع السابع للمجلس التنفيذي للأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم برئاسة المفتي    ما حكم من يتسبب في قطيعة صلة الرحم؟.. "الإفتاء" تجيب    السكرتير العام لبني سويف يتابع الموقف التنفيذي لمشروعات الخطة الاستثمارية    الكشف على 1208 مواطنين ضمن القافلة الطبية بقرية أبو جازية بالإسماعيلية    وزير الثقافة يعتمد أجندة فعاليات الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية    التأمين الصحى الشامل.. خطوات الاشتراك ومزايا الرعاية الطبية المتكاملة للأسرة    افتتاح متحف قرّاء القرآن الكريم بالعاصمة الجديدة: هنو يشيد بتقدير الدولة للقراء.. والأزهري: خطوة للحفاظ على الهوية الدينية    خالد الجندي: لن ندخل الجنة بأعمالنا    حلمي عبد الباقي يرد على توجيه اتهامات له في التحقيق: غير صحيح    نداهة فرسان الشرق بالرقص الحديث في مسرح الجمهورية    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل جواهرجى البحيرة إلى يوم 12 يناير    اعتدى على أطفال وصورهم.. تجديد حبس مدرب أكاديمية الكرة بالمنصورة    ذا بيست.. دوناروما أفضل حارس مرمى في العالم 2025    البورصة تخسر 22 مليار جنيه بختام تعاملات منتصف الأسبوع    الندوة الدولية الثانية للإفتاء تدين التهجير القسري وتوضِّح سُبل النصرة الشرعية والإنسانية    زلزال بقوة 3.8 درجة على مقياس ريختر يهز أنطاليا التركية    إغلاق ملف فيتوريا رسميًا.. تسوية نهائية بين المدرب واتحاد الكرة في «CAS»    غدا أولى جلسات محاكمة «ولي أمر » في قضية التعدي على مدرس بالمقص في الإسماعيلية    الصحة تُحذر من تخزين المضاد الحيوي واستعماله مرة أخرى    * رئيس هيئة الاستثمار يثمن دور "نَوَاه العلمية" في تعزيز الابتكار والمعرفة ويؤكد دعم الهيئة المستمر للقطاع العلمي    «المصدر» تنشر لائحة النظام الأساسي للنقابة العامة للعاملين بالتعليم والبحث العلمى    هل تلتزم إدارة ترمب بنشر ملفات إبستين كاملة؟ ترقّب واسع لكشف الوثائق قبل الجمعة    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 16ديسمبر 2025 فى المنيا    جولة مفاجئة لمدير "تعليم الجيزة" في مدارس العمرانية    أيمن أبو عمر: بروتوكول الإفتاء والقومى للطفولة يهدف لتعزيز حماية الأطفال    من المنزل إلى المستشفى.. خريطة التعامل الصحي مع أعراض إنفلونزا h1n1    رئيس قطاع المعاهد الأزهرية: الاعتماد مسار شامل للتطوير وليس إجراءً إداريًا    الزمالك يجدد ثقته في نزاهة جهات التحقيق في أرض أكتوبر ويؤكد التزامه الكامل بالقانون في قضية أرض أكتوبر (بيان رسمي)    دغموم: الزمالك فاوضني من قبل.. وأقدم أفضل مواسمي مع المصري    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    «التضامن الاجتماعي» تعلن فتح باب التقديم لإشراف حج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه    مديرية الطب البيطري بالقاهرة: لا مكان سيستوعب كل الكلاب الضالة.. وستكون متاحة للتبني بعد تطعيمها    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر في سوق العبور للجملة    محمد القس يشيد بزملائه ويكشف عن نجومه المفضلين: «السقا أجدع فنان.. وأتمنى التعاون مع منى زكي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسرار القرآن
‏353‏ إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا
نشر في الأهرام اليومي يوم 17 - 07 - 2010

هذا النص القرآني الكريم جاء في أوائل النصف الثاني من سورة‏'‏ النساء‏',‏ وهي سورة مدنية‏,‏ وآياتها مائة وست وسبعون‏(176)‏ بعد البسملة‏,‏ وهي رابع أطول سورة في القرآن الكريم بعد كل من سورة‏'‏ البقرة‏',‏ و‏'‏الأعراف‏',‏ و‏'‏آل عمران‏'.‏ وقد سميت سورة‏'‏ النساء‏'‏ بهذا الاسم لكثرة ما ورد فيها من الأحكام الشرعية الخاصة بالنساء‏.‏ ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضايا التشريع لكل من المرأة‏,‏ والأسرة‏,‏ والبيت‏,‏ والمجتمع‏,‏ والدولة‏,‏ كما نبهت إلي ضرورة حسن تربية الفرد المسلم‏,‏ من أجل إقامة المجتمع المسلم‏,‏ وتطهيره من رواسب الجاهلية القديمة والجديدة‏,‏ ومن جميع المخالفات الشرعية التي حرمها الله‏(‏ تعالي‏).‏ وفي ثنايا ذلك تؤكد هذه السورة الكريمة علي وحدانية الخالق‏-‏ سبحانه وتعالي‏-,‏ وعلي وحدة رسالة السماء‏,‏ وعلي الأخوة بين الأنبياء‏,‏ وبين الناس جميعا الذين ينتهي نسبهم إلي أب واحد‏(‏ هو آدم عليه السلام‏)‏ وإلي أم واحدة‏(‏هي حواء عليها رضوان الله‏),‏ وبذلك يرتبط كل الناس بوشيجة الرحم‏,‏ وهي وشيجة مقدسة عند رب العالمين لا يتجاوزها إلا كل معتد أثيم‏.‏
هذا وقد سبق لنا استعراض سورة‏'‏ النساء‏'‏ وما جاء فيها من تشريعات‏,‏ وعقائد‏,‏ وإشارات كونية‏,‏ ونركز هنا علي الإعجاز التشريعي في فرض عبادة الصلاة كما جاء في النص القرآني الكريم الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال‏.‏
من أوجه الإعجاز التشريعي في فريضة الصلاة
جاء ذكر‏(‏الصلاة‏)‏ في القرآن الكريم بمختلف مشتقاتها في تسع وتسعين‏(99)‏ آية منها سبعة وستون‏(67)‏ بلفظ الصلاة‏.‏ والصلاة هي عماد الدين لقول المصطفي صلي الله عليه وسلم‏'‏ رأس الأمر الإسلام‏,‏ وعموده الصلاة‏,‏ وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله‏'.‏ والصلاة هي أول ما أوجبه الله تعالي علي أمة محمد صلي الله عليه وسلم من العبادات‏,‏ وتولي جل جلاله إيجابها بمخاطبة رسوله ليلة المعراج من غير واسطة‏,‏ بينما حمل جبريل عليه السلام بقية أمور العبادة من الله تعالي إلي خاتم أنبيائه ورسله‏-‏ صلي الله عليه وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين‏.‏ ولأهمية الصلاة قال عنها رسول الله‏-‏صلي الله عليه وسلم‏-:'‏ أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة‏,‏ فإن صلحت صلح سائر عمله‏,‏ وإن فسدت فسد سائر عمله‏'(‏ رواه الطبراني‏).‏
وقال‏'‏ لتنقضن عري الإسلام عروة عروة‏,‏ فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها‏,‏ فأولهن نقضا الحكم‏,‏ وآخرهن الصلاة‏'(‏ رواه ابن حبان‏).‏
وقال‏_‏صلي الله عليه وسلم‏-‏ بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة‏(‏ رواه خمس من أئمة الحديث‏).‏ وقال‏'‏ العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة‏,‏ فمن تركها فقد كفر‏'.[‏ مجمع عليه‏]‏
أولا‏:‏معجزة مواقيت الصلاة‏:‏
وتحديد مواقيت الصلاة الإسلامية من الأمور المعجزة لارتباطها بمظاهر كونية ثابتة حددها رسول الله‏-‏صلي الله عليه وسلم‏-‏ بقوله الشريف‏:'‏ وقت الظهر إذا زالت الشمس‏,‏ وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر‏,‏ ووقت العصر ما لم تصفر الشمس‏,‏ ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق‏,‏ ووقت العشاء إلي نصف الليل الأوسط‏,‏ ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر وما لم تطلع الشمس‏,‏ فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة‏,‏ فإنها تطلع بين قرني الشيطان‏'(‏ رواه مسلم‏).‏
وعن جابر بن عبد الله‏,‏ أن النبي صلي الله عليه وسلم‏-‏ جاءه جبريل‏_‏ عليه السلام‏-‏فقال له‏:‏ قم فصله‏,‏فصلي الظهر حين زالت الشمس‏,‏ ثم جاءه العصر فقال‏'‏ قم فصله‏,‏ فصلي العصر حين صار ظل كل شئ مثليه‏,‏ ثم جاءه المغرب فقال‏:‏ قم فصله‏,‏ فصلي المغرب حين وجبت الشمس‏(‏ أي غربت وسقطت‏),‏ ثم جاءه العشاء فقال‏:‏ قم فصله‏,‏ فصلي العشاء حين غاب الشفق‏,‏ ثم جاءه الفجر حين برق‏(‏ سطع‏)‏ الفجر‏,‏ ثم جاءه من الغد للظهر‏,‏ فقال قم فصله‏,‏ فصلي الظهر حين صار ظل كل شيء مثله‏,‏ثم جاءه العصر فقال‏:‏ قم فصله‏,‏ فصلي العصر حين صار ظل كل شئ مثليه‏,‏ ثم جاءه المغرب وقتا واحدا لم يزل عنه‏,‏ثم جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل‏,‏ أو قال‏:‏ ثلث الليل‏,‏ فصلي العشاء‏,‏ ثم جاءه حين أسفر جدا فقال‏:‏ قم فصله‏,‏ فصلي الفجر‏,‏ ثم قال‏:‏ ما بين هذين الوقتين وقت‏'(‏ مجمع عليه‏).‏
ويفهم من هذين الحديثين الشريفين ما يلي‏:‏
‏(1)‏ يدخل وقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس وتوارت بالحجاب‏,‏ ويمتد إلي مغيب الشفق الأحمر‏(‏ وهو آخر أطياف ضوء الشمس غيابا عن الأرض لأنه أطولها علي الإطلاق‏).‏
‏(2)‏ يدخل وقت صلاة العشاء بمغيب الشفق الأحمر‏,‏ ويمتد إلي منتصف الليل‏,‏ وهذا هو وقت الاختيار‏,‏ أما وقت الجواز ولاضطرار فهو ممتد إلي الفجر‏.‏
‏(3)‏ يدخل وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر الصادق‏(‏ ويحدده بدء ظهور الشفق الأحمر لأنه أطول أطياف ضوء الشمس وأول ما يصل الأرض من ضوئها‏),‏ ويستمر إلي ما قبل طلوع الشمس‏.‏
‏(4)‏ يدخل وقت صلاة الظهر من زوال الشمس عن وسط السماء‏,‏ ويمتد إلي إن يصير ظل كل شئ مثله إلي مثليه‏.‏
‏(5)‏ يدخل وقت صلاة العصر بصيرورة ظل الشئ مثليه إلي ما قبل غروب الشمس‏.‏ وينتهي وقت الفضيلة لصلاة العصر باصفرار الشمس‏,‏ ويكره بعد ذلك لغير عذر وإن كان جائزا وذلك لأن الأطياف متوسطة الطول من ضوء الشمس‏,‏ وهي البرتقالي والأصفر تؤدي إلي اصفرار قرصها مما يؤذن ببدء نزوله إلي ما تحت الأفق‏.‏
من ذلك يتضح جانب من جوانب الإعجاز التشريعي في فريضة الصلاة التي أمر بها ربنا تبارك وتعالي‏-‏ خاتم أنبيائه ورسله صلي الله عليه وسلم مباشرة في ليلة المعراج‏,‏ والله تعالي يحب أن يعبد بما أمر‏.‏ ثم إن أوقات الصلوات الخمس جاء بها الوحي الأمين بأمر من رب العالمين‏,‏ وارتباطها بعلامات فلكية محددة يؤكد ربانية هذا الاختيار‏.‏
من أوجه الإعجاز في الصلاة‏;‏
‏(1)‏ أنها ربانية المصدر فقد أمر بها الله تعالي خاتم أنبيائه ورسله صلي الله عليه وسلم مباشرة في ليلة المعراج‏.‏
‏(2)‏ أنها محفوظة بهيأتها التي فرضها الله‏-‏تعالي‏-‏ علي أمة سيدنا محمد‏_‏ صلي الله عليه وسلم‏-:‏ عددا‏,‏ ووقتا‏,‏ وهيئة‏,‏ وكيفية‏,‏ ومقالا‏,‏ وأفعالا بفرائضها وسننها وأذكارها‏,‏ وشروطها علي مدي يزيد علي ألف وأربعمائة سنة دون أدني تغيير أو ابتداع‏,‏ فالصلاة في الإسلام متواترة النقل عن رسول الله‏-‏صلي الله عليه وسلم‏-‏ ثم عن صحابته الكرام‏,‏ ثم عن التابعين وتابعي التابعين إلي اليوم وإلي أن يشاء الله وهي ثابتة لا تتغير‏.‏
‏(3)‏ أنها ليس في أدائها واسطة بين العبد وربه‏,‏ يقف فيها العبد خاشعا بين يدي الله الذي خلقه فسواه فعدله‏,‏ والذي رعاه ورزقه‏,‏ متجها بكل جوارحه إلي هذا الخالق العظيم يستمد من نوره الهداية‏,‏ ومن رحمته الرعاية‏,‏ ومن نعمه العميمة الفضل والرزق‏.‏
‏(4)‏ أنها تعبير عن العبودية الحقة لله‏-‏تعالي‏-‏ وهي أولي رسالات الإنسان في هذه الحياة التي لا يمكن للإنسان أن ينعم فيها أو أن يحقق الغاية من وجوده علي أرضها إلا إذا آمن بأنه عبد مخلوق لخالق عظيم‏,‏ واحد أحد‏,‏ فرد صمد‏,‏ لا شريك له في ملكه‏,‏ ولا منازع له في سلطانه‏,‏ ولا شبيه له من خلقه‏,‏ منزه في جلاله عن حدود كل من المكان والزمان‏,‏ والمادة والطاقة‏(...‏ ليس كمثله شئ وهو السميع البصير‏).(‏ الشوري‏:11).‏
‏(5)‏ أنها صلة بين العبد وربه‏,‏ وتأكيد للعبد المؤمن علي معية الله تعالي الذي لا سلطان لأحد غيره قي هذا الوجود كله‏.‏ وإذا آمن العبد بهذه المعية استكمل مبررات التكريم الذي كرمه به الله سبحانه وتعالي‏-‏ فلا يحني رقبته لغير ربه لأته وحده هو واهب النعم ومجري الخيرات‏,‏ ومحدد الآجال والأرزاق‏.‏ وإذا تيقن العبد من ذلك فإنه لا يجبن‏,‏ ولا يبخل‏,‏ ولا يخشي إلا الله خالقه‏,‏ وحينئذ يرقي في معراج الله إلي ما شاء الله‏.‏
‏(6)‏ إنها تعين علي طهارة الأبدان وسلامتها‏,‏ وعلي صفاء القلوب وصحتها‏,‏ وعلي تماسك الأسرة وترابطها‏,‏ وعلي تعارف أفراد المجتمع وتحابهم وتعاطفهم وتعاونهم علي الخير‏.‏
‏(7)‏ أن صلاة المسلمين تجمع أركان الإسلام الخمس لأن فيها الشهادتان‏;‏ وهي صلاة‏;‏ وهي في نفس الوقت زكاة ينفق فيها المصلي جزءا من عمره‏;‏ وكما أن زكاة المال طهارة له فإن الصلاة هي زكاة العمر وهي طهر له كذلك‏;‏ وهي صوم لأن المصلي ممتنع عن الطعام والشراب والشهوات‏;‏ وعن كل أمر دنيوي ويصوم عنه‏;‏ والصلاة حج لأن المصلي يتجه فيها إلي بيت الله الحرام‏;‏ قاصدا وجه ربه الكريم ملبيا أمره بإقامة الصلاة خالصة له‏_‏ سبحانه وتعالي‏-;‏ وكل ذلك يجسد معني توحيد الله‏-‏ تعالي‏-‏ والعبودية الخالصة لجلاله وهي من أول رسالات الإنسان في هذه الحياة‏;‏ ولذلك قال رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:'‏ الصلوات الخمس‏,‏ والجمعة إلي الجمعة‏,‏ مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر‏'(‏ أخرجه الإمام أحمد‏).‏
‏.(8)‏ أنها من وسائل تنظيم أوقات المسلمين‏,‏ وترتيب حياتهم من أوقات اليقظة والنشاط في الأعمال‏,‏ إلي أوقات الراحة والاستجمام والنوم والاسسترخاء‏,‏ إلي أوقات العبادة ومناجاة الله تعالي ولذلك روي عبد الله بن مسعود‏-‏رضي الله عنه‏-‏ قال‏:‏ سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم أي العمل أفضل ؟ قال‏:'‏ الصلاة لوقتها‏'(‏ صحيح مسلم‏].‏
‏(9)‏ إن صلاة المسلم هي من أعظم وسائل تربية النفس الإنسانية‏,‏ لأنها تشعر الإنسان بحاجته إلي ربه وتؤكد له بأن الله‏-‏ تعالي‏-‏ مطلع علي أعماله وأقواله ومختلف تصرفاته‏,‏ فيعترف بذنوبه لربه ويعلن له توبته منها وإقلاعه عنها‏,‏ ويسأله المغفرة والعفو عما أسلف من أخطاء‏,‏ ويرجو قبول ما قدم من حسنات‏,‏ وليس أدعي لتربية النفس الإنسانية من هذا الموقف من العباد بين يدي خالقهم في فهم كامل لمدلول الألوهية يستوجب الخشوع والخضوع والتذلل من العبد لربه‏.‏
‏(10)‏ إن الصلاة كما يؤديها المسلمون اليوم كانت مكتوبة علي الذين جاءوا من أنبياء الله ورسله قبل بعثة خاتمهم أجمعين سيدنا محمد‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏_‏ مما يؤكد وحدة رسالة السماء المنبثقة عن وحدانية الخالق‏_‏ سبحانه وتعالي‏-,‏ فكما أن الله واحد فلا بد أن تكون هدايته للبشرية واحدة في العقيدة والعبادات‏,‏ والأخلاق والمعاملات‏,‏ وإن وجدت بعض التفاصيل في المعاملات مع الانتقال من زمن إلي آخر‏.‏
فالصلاة كما فرضها ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ علي خاتم أنبيائه ورسله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ فرضها بنفس هيئتها علي جميع الأنبياء والمرسلين من قبل‏,‏ وفي ذلك يقول لعبده وكليمه موسي بن عمران ما نصه‏:(‏ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحي‏*‏ إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري‏)‏
‏(‏ طه‏:13‏ و‏14).‏
وفي ذلك يقول علي لسان إبراهيم‏-‏ عليه السلام‏-:(‏ ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون‏*).(‏ إبراهيم‏:37).‏
وجاء علي لسان عبد الله ونبيه المسيح عيسي ابن مريم‏-‏ عليهما السلام‏-‏ قوله‏:(‏ وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا‏.‏
‏(‏ مريم‏:30).‏
وقد ذكر ربنا‏-‏تبارك وتعالي‏-‏عددا كبيرا من أنبيائه‏,‏ثم أكد فريضة الصلاة عليهم قائلا‏:(‏ واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا‏*‏ وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا‏*‏ واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا‏*‏ ورفعناه مكانا عليا‏*‏ أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلي عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا‏*‏ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا‏*(‏ مريم‏54‏ 59)‏
كذلك جاء الخبر عن رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ أن جميع الأنبياء قبله لم يزالوا يصلون الخمس التي صلاها جبريل‏_‏ عليه السلام به كما جاء في الحديث الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما‏-‏ والذي جاء فيه أن جبريل عليه السلام‏-‏ صلي برسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم الصلوات الخمس كل صلاة في وقتين‏(‏ أول الوقت وآخره‏),‏ ثم قال له‏:'‏ يا محمد الوقت فيما بين هذين الوقتين‏,‏ وهذا وقت الأنبياء قبلك‏'‏
‏(‏ أخرجه الترمذي‏).‏
‏(11)‏ لذلك كله كانت الصلاة قرة عين النبي صلي الله عليه وسلم ,‏ وكانت آخر وصاياه لأمته حين حضرته الوفاة وهو يقول‏:'‏ الصلاة الصلاة‏,‏ اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم‏'‏
‏(‏ السنن الكبري للنسائي‏).‏
فالحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي بعثة خير الأنام‏,‏ وصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏

المزيد من مقالات د. زغلول النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.