الرئيس السيسى يصدّق على إطلاق مبادرة "مصر معاكم" للأبناء القصر للشهداء    سعر الحديد اليوم الأحد 15-6-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    الرقابة المالية تقرر مد مهلة توفيق أوضاع شركات التأمين لمدة عام    رئيس الوزراء: رؤيتنا للمستقبل ترتكز على الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص    الرئيس السيسى يؤكد لنظيره القبرصى رفض مصر التام توسيع دائرة الصراع بالمنطقة    العراق: نرفض بشدة اختراق أجوائنا فى الحرب الإيرانية الاسرائيلية ونبذل أقصى درجات ضبط النفس    في نفس اليوم.. الشناوي يرسخ عقدته لسواريز بكأس العالم مع الأهلي والمنتخب    وزير التربية والتعليم يطمئن على الحالة الصحية لعدد من الملاحظين بعد تعرضهم لحادث سير بسوهاج.. ويوجه بالتنسيق مع المحافظة لتوفير سبل الرعاية لهم    وكيل الأزهر يشكل لجنة عاجلة لفحص شكاوى طلاب العلمي من امتحان الفيزياء    إحباط تهريب بضائع عبر المنافذ الجمركية    محمد فضل شاكر يشارك شيرين عبد الوهاب حفل ختام مهرجان موازين    وزير الأوقاف: الإمام الليث بن سعد قامة علمية ووطنية ملهمة    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    هذه القافلة خنجر فى قلب القضية الفلسطينية    حزب العدل والمساواة يعقد اجتماعًا لاستطلاع الآراء بشأن الترشح الفردي لمجلس الشيوخ    وزير التموين يتابع مخزون السلع الأساسية ويوجه بضمان التوريد والانضباط في التوزيع    تنفيذ 25 قرار إزالة لتعديات على أراض بمنشأة القناطر وكرداسة    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    محافظ بورسعيد يتفقد غرفة عمليات الثانوية العامة لمتابعة انتظام الامتحانات في يومها الأول    وزيرة التنمية المحلية تتفقد أعمال تنفيذ المرحلة الأولى من تطوير سوق العتبة بتكلفة 38 مليون جنيه    رئيس قبرص: إيران طلبت منا نقل رسالة إلى نتنياهو بإنهاء الحرب    سعادة بين طلاب الثانوية العامة في أول أيام مارثون الامتحانات بالقليوبية    وصول جثمان نجل الموسيقار صلاح الشرنوبي لمسجد عمر مكرم    عضو حزب المحافظين البريطاني: إسرائيل تقترب من تحقيق أهدافها    100 ألف جنيه مكافأة.. إطلاق موعد جوائز "للمبدعين الشباب" بمكتبة الإسكندرية    نظام غذائي متكامل لطلبة الثانوية العامة لتحسين التركيز.. فطار وغدا وعشاء    الداخلية تضبط 6 ملايين جنيه من تجار العملة    حسين لبيب يعود إلى نادي الزمالك لأول مرة بعد الوعكة الصحية    رئيس مجلس النواب يحيل قرارات جمهورية ومشروعات قوانين للجان النوعية    فوز طلاب فنون جميلة حلوان بالمركز الأول في مسابقة دولية مع جامعة ممفيس الأمريكية    جامعة القاهرة تنظم أول ورشة عمل لمنسقي الذكاء الاصطناعي بكلياتها أكتوبر المقبل    رئيس النواب يفتتح الجلسة العامة لمناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    "برغوث بلا أنياب".. ميسي يفشل في فك عقدة الأهلي.. ما القصة؟    المؤتمر السنوي لمعهد البحوث الطبية يناقش الحد من تزايد الولادة القيصرية    لأول مرة عالميًا.. استخدام تقنية جديدة للكشف عن فقر الدم المنجلي بطب القاهرة    الداخلية تواصل استخراج المستندات لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة    وائل كفوري يشعل أجواء الصيف بحفل غنائي في عمّان 15 أغسطس    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    الأنبا إيلاريون أسقفا لإيبارشية البحيرة وتوابعها    البابا تواضروس يترأس قداس الأحد في العلمين    الأردن يعلن إعادة فتح مجاله الجوي بعد إجراء تقييم للمخاطر    9.5 مليار جنيه ل«مُربى البتلو»    «فين بن شرقي؟».. شوبير يثير الجدل بشأن غياب نجم الأهلي أمام إنتر ميامي    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    فيلم سيكو سيكو يحقق أكثر من ربع مليون جنيه إيرادات ليلة أمس    محافظ أسيوط يفتتح وحدتي فصل مشتقات الدم والأشعة المقطعية بمستشفى الإيمان العام    توافد طلاب الدقهلية لدخول اللجان وانطلاق ماراثون الثانوية العامة.. فيديو    حظك اليوم الأحد 15 يونيو وتوقعات الأبراج    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    مقتل ثلاثة على الأقل في هجمات إيرانية على إسرائيل    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    لافتة أبو تريكة تظهر في مدرجات ملعب مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسرار القرآن
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 01 - 2011

(‏375‏) (...‏ وإن كنتم مرضي أو علي سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا‏)‏ هذا النص القرآني الكريم جاء في أواخر الربع الأول من سورة‏'‏ النساء‏'‏ وهي سورة مدنية وآياتها مائة وست وسبعون‏(176)‏ بعد البسملة‏,‏ وهي رابع أطول سور القرآن الكريم بعد كل من سورة البقرة‏.
والأعراف‏,‏ وآل عمران‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لكثرة ما ورد فيها من الاحكام الشرعية التي تتعلق بفقه النساء‏.‏
هذا وقد سبق لنا استعراض هذه السورة المباركة‏,‏ وما جاء فيها من التشريعات‏,‏ وركائز العقيدة‏,‏ والإشارات الكونية‏,‏ ونركز هنا علي وجه الإعجاز التشريعي في التيمم كما جاء في النص الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال‏.‏
من أوجه الإعجاز التشريعي في التيمم
جاءت الإشارة القرآنية إلي التيمم مرتان في كتاب الله وذلك في سورتي النساء والمائدة علي النحو التالي‏:‏
‏1-[‏ يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري حتي تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتي تغتسلوا وإن كنتم مرضي أو علي سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا‏](‏ النساء‏:43).‏
‏2-[‏ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلي الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضي أو علي سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون‏](‏ المائدة‏:6).‏
ومعني لفظة‏(‏ التيمم‏)‏ في اللغة العربية هو القصد‏,‏ و‏(‏تيمموا‏)‏ أي تقصدوا‏,‏ أو اقصدوا‏,‏ ومعني‏(‏ التيمم‏)‏ في الشرع مسح الوجه واليدين بتراب طهور علي وجه مخصوص‏,‏ وذلك بوضع اليدين علي التراب الطهور‏,‏ أو الحجر المغبر‏,‏ أو نحو ذلك مما يحمل شيئا من غبار التراب‏.‏ والتيمم مشروع عند فقد الماء‏,‏ أو العجز عن استعماله بسبب المرض‏,‏ وقد ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع‏.‏
ومن أدلة مشروعية التيمم من كتاب الله‏-‏ تعالي‏-‏ الآيتان رقم‏(43)‏ من سورة‏'‏ النساء‏',‏ ورقم‏(6)‏ من سورة‏'‏ المائدة‏',‏ وفد سبقت الإشارة إليهما‏.‏
ومن أدلة السنة عدد من أحاديث رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ التي منها ما رواه كل من الإمامين البخاري ومسلم‏,‏ من حديث عمران بن حصين‏-‏ رضي الله عنه‏-‏ أن رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ رأي رجلا معتزلا‏,‏ لم يصل مع القوم‏,‏ فقال له‏:'‏ ما يمنعك يا فلان أن تصلي في القوم ؟‏'‏ فقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أصابتني جنابة ولا ماء‏,‏ فقال‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:'‏ عليك بالصعيد فإنه يكفيك‏'‏
أما الإجماع فمستمد من إجماع المسلمين علي أن التيمم يقوم مقام الوضوء والغسل‏.‏
ومن الحكمة التشريعية في التيمم أن الله‏-‏ تعالي‏-‏ قد رفع عن المسلمين الحرج والمشقة في جميع ما فرض عليهم من عبادات‏,‏ فمن عجز عن الوضوء أو الغسل لعدم توافر الماء أو بسبب المرض وجب عليه التيمم الذي يقوم به المؤمن امتثالا لأمر الله‏-‏ تعالي‏-‏ وطهارة لقلب المتيمم‏.‏ ويشترط أن يكون التراب الذي يتيمم به طاهرا نظيفا‏,‏ فإن كان ظاهر القذارة والتلوث فإنه لا يسمح بلمسه فضلا عن التيمم به‏.‏
والتيمم واجب في العضوين اللذين يجب غسلهما في الوضوء وهما الوجه واليدان‏,‏ أما الرأس فالواجب فيه المسح في الوضوء‏,‏ وأما الرجلان فتارة يغسلان في الوضوء وتارة أخري يمسح عليهما فوق الخف‏.‏
والتيمم مفروض‏,‏ لكل ما يفترض له الوضوء أو الغسل من الصلاة‏,‏ ومس المصحف‏,‏ وغير ذلك‏,‏ وهو مندوب لصلاة النافلة لأنها مندوبة‏,‏ وإن كانت لا تصح بدون التيمم‏.‏
ويشترط لصحة التيمم ما يشترط لصحة كل من الوضوء والغسل ويزاد علي ذلك دخول الوقت‏,‏ فلا يصح التيمم قبله‏,‏ ومن شروط التيمم كذلك فقد الماء‏(‏ فإما ألا يجده أصلا‏,‏ أو يجده بما لا يكفي للطهارة‏),‏ وعدم وجود حائل علي أحد أعضاء التيمم من الجسم‏.‏
ويقوم كل من المسلم والمسلمة بالتيمم لكل ما يتوقف علي الطهارة بالماء من الصلاة المكتوبة‏,‏ والنوافل‏,‏ وصلاة الجمعة‏,‏ وصلاة العيدين‏,‏ وصلاة الجنازة‏,‏ والطواف حول الكعبة‏,‏ ومس المصحف‏,‏ وغير ذلك من أمور العبادة التي تستوجب الطهارة‏.‏
ومن أركان التيمم النية‏,(‏ وإن رآها بعض الفقهاء شرطا للتيمم وليست ركنا من أركانه‏)‏ والنية تكون بغرض التيمم‏,‏ أو بأن ينوي استباحة الصلاة أو مس المصحف‏,‏ أو استباحة غير ذلك مما يشترط فيه الطهارة ويفضل أن ينوي بنية فرض التيمم‏.‏ ووقت النية عندما يضع يديه علي ما يتيمم به‏,‏ ومن ذلك الصعيد الطهور‏(‏ أي الذي لم تمسه نجاسة‏).‏
ومن أركان التيمم المسح والضربتان علي الصعيد الطاهر والمقصود بالمسح هو مسح جميع الوجه‏,‏ ومسح اليدين‏,‏ ويجب أن ينزع كل ما يستر شيئا من اليدين كالخاتم والإساور‏,‏ فلا يكفي تحريكه في التيمم‏,‏ بخلاف الوضوء‏,‏ وإن أجاز البعض مجرد التحريك‏;‏ ومن أركان التيمم عند بعض الفقهاء الترتيب‏,‏ والموالاة‏,‏ فالضربة الأولي هي استعمال الصعيد‏,‏ ونفض اليدين‏,‏ وتعميم الوجه واليدين ويسن في التيمم عند الحنابلة تأخيره إلي آخر الوقت المختار إن علم أو ظن وجود الماء في الوقت المناسب‏,‏ أو استوي الأمران عنده‏,‏ فإن تيمم أول الوقت وصلي‏,‏ صحت صلاته‏,‏ ولا إعادة عليه‏,‏ حتي لو وصل الماء قبل خروج وقت الصلاة‏.‏
ويندب للتيمم التسمية‏,‏ والسواك‏,‏ والصمت إلا عن ذكر الله‏,‏ واستقبال القبلة‏,‏ وأن يبدأ بعد الضربة الأولي بمسح الوجه‏,‏ وبعد الضربة الثانية بمسح ظاهر يمناه ببطن يسراه‏,‏ وأن يجعل ظاهر أطراف يده اليمني في باطن يده اليسري‏,‏ ثم يفعل ذلك تماما بيده اليسري‏.‏ ومن عجز عن الوضوء أوالتيمم لمرض شديد‏,‏ أو حبس في مكان لا يوجد به ما يصح التيمم عليه فإنه يجب عليه أن يصلي الفرائض فقط في وقتها‏,‏ والغرض من ذلك هو إظهار الخضوع لإوامر الله‏-‏ تعالي‏-‏ في جميع الأحوال‏,‏ وتحت مختلف الظروف‏.‏ ومن الفقهاء من يقول بإعادة هذه الصلاة عند توفر الماء أو الصعيد الطاهر أو الشفاء من المرض‏,‏ ومنهم من يقول بسقوطها عمن لا يتوفر له وضوء أو تيمم‏,‏ وذلك انطلاقا من قول رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:'‏ لا يقبل الله صلاة بغير طهور‏.‏
ويكره في التيمم تكرار المسح فوق المرة الواحدة‏,‏ وتكثير التراب‏,‏ وكثرة الكلام في غير ذكر الله‏,‏ وإطالة المسح إلي ما فوق المرفقين‏,‏ ونواقض الوضوء‏,‏ وإن كانت لا تبطل الغسل‏,‏ فإنها تبطل التيمم الواقع عن الغسل‏,‏ وعليه أن يعيد التيمم‏.‏
من أوجه الإعجاز العلمي في التيمم
يصف ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ الماء النازل من السماء بأنه‏(‏ طهور‏)‏ فيقول‏:[...‏ وأنزلنا من السماء ماء طهورا‏](‏ الفرقان‏:48)‏ ويصف رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ التراب بأنه‏(‏ طهور‏)‏ وذلك بقوله الشريف‏'‏ جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا‏',‏ والطهور هو ما يتطهر به أو هو الطاهر المطهر‏.‏ والتراب هو أدق ما ينتج عن تعرية الصخور حتي يصبح قطر حبيباته أصغر من‏256/1‏ مم‏,‏ ولذلك يحتمي العديد من الكائنات الحية الدقيقة في التراب حتي لا تدرك‏.‏ وفي حفنة من التراب يمكن أن يعيش مئات الملايين من الكائنات الدقيقة التي تلعب أدوارا هامة في تنظيف الأرض من البقايا النباتية والحيوانية الميتة‏,‏ أو في تزويد جذور النباتات ببعض المركبات الكيميائية المغذية والمعقمة اللازمة لحياتها وذلك من مثل أكاسيد النيتروجين‏.‏ وبحكم تعدد وتباين الكائنات التي تحيا في التراب أصبح التراب مادة معقمة مهمة في الطبيعة تقوم بالقضاء علي أعداد من الجراثيم التي يعجز عن إزالتها كثير من المضادات الحيوية المعروفة‏,‏ ولذلك توجهت أنظار العلماء إلي استخراج عدد من هذه المضادات من تراب الأرض‏.‏
من هنا نشأت فكرة العلاج بالطين‏(‏ وهو التراب المبتل بالماء‏)‏ خاصة بالطين الناتج عن ثورات البراكين والذي ثبتت قدرته علي إبادة أكثر الجراثيم مقاومة للمضادات الحيوية‏.‏ ففي تجارب متعددة ثبت أن الطين يستطيع القضاء علي مستعمرة من الجراثيم خلال فترة‏24‏ ساعة‏,‏ وأن هذه المستعمرة لها القدرة علي التكاثر إلي‏45‏ مرة ضعف عددها في نفس هذه الفترة الزمنية‏.‏
وقد قامت الطبيبة الفرنسية لينيه برونيه دي كورس بإثبات خصائص شفائية للطين الفرنسي الأخضر‏,‏ واستعملته كمضاد حيوي للعلاج من عدد من الأمراض في كل من كينيا وساحل العاج‏,‏ وقد وصفت منظمة الصحة العالمية النتائج التي حصلت عليها بأنها نتائج رائعة‏.‏
كذلك أثبتت الدكتورة ليندا وليامز أن في الطين مواد معقمة عديدة تكبح نشاط الجراثيم وتقضي عليها‏.‏ و يقول دكتور هايدل أحد علماء الأحياء الدقيقة أنه استطاع إثبات أن التراب مادة مطهرة‏.‏ وفي عددها الصادر في سنة‏2006‏ م أوردت‏'‏ مجلة العالم الجديد‏'‏ بحثا للدكتور يون وانج من مختبرات شركة ميرك أن بعض أنواع التربة في جنوب أفريقيا تحوي بكتيريا منتجة لعدد من المضادات الحيوية النافعة‏.‏
ومن هنا يتضح وجه من أوجه الإعجاز العلمي في التيمم إذا افتقد الماء أو تعذر استخدامه لأسباب صحية‏,‏ وقد كان مفهوم المسلمين عن التيمم أنه عمل رمزي يوحي إيحاء معنويا بالطهارة البدنية مما ينعكس انعكاسا مباشرا علي طهارة كل من القلب والوجدان والشعور‏,‏ ولكن يأتي العلم ليثبت أن التراب الدقيق في الصعيد الطاهر يحوي عددا من المضادات الحيوية التي يمكنها من تطهير كل من الكفين والوجه مما يكون قد علق بها من مسببات الأمراض‏,‏ فيفعل فعل الماء في ذلك‏,‏خاصة وأن الصعيد الطهور يعرف بالتراب الذي له غبار‏,‏ فإن لم يكن له غبار فلا يصح التيمم به‏.‏
ولعل هذه النتائج تذكرنا بحديث رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ الذي قال فيه‏:'‏ طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب‏'(‏ أخرجه الإمام مسلم‏)‏
ومن المعجزات العلمية في هذا الحديث الشريف قوله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:'‏ أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب‏'‏ حتي تقضي المضادات الحيوية الموجودة في التراب علي ما يكون لعاب الكلب قد حمله إلي الإناء من مسببات الأمراض‏,‏ وذلك لأن الكلب من الحيوانات الآكلة للحوم النيئة والمستوية علي حد سواء‏,‏ ولذلك تتجمع في أمعائه أعداد من الديدان الضارة بالإنسان‏.‏ وهذه الديدان تبيض بمعدلات كبيرة‏,‏ ويخرج بيضها مع براز الكلب الذي كثيرا ما ينظف بدنه بلسانه‏,‏ فيعلق به بيض تلك الديدان الذي سرعان ما ينتشر بلعابه فإذا لعق الكلب شيئا من الآنية أوالملابس أوالفراش فإن لعابه يلحق بها شيئا من تلك الديدان وبيوضها‏,‏ ومن تلك الديدان الدودة الشريطية التي لا يقضي عليها ولا علي بيضها مجرد الغسل بالماء والصابون‏,‏ ومن هنا كانت وصية رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ بغسل كل ما يلعقه الكلب سبع مرات أولاهن بالتراب لما في التراب من مضادات حيوية هي كفيلة بالقضاء علي تلك الديدان وبيضها‏.‏
وهنا أيضا نري في التيمم صورة من صور التطهر الفعلي من العديد من مسببات الأمراض‏,‏ وليس مجرد التطهر الرمزي المعنوي كما قال الأولون‏,‏ لأن أحدا لم يكن يتصور قبل أواخر القرن العشرين أن في هذه الهباءات الدقيقة من الغبار التي تثار من الصعيد الطيب عند الضرب عليه برفق بالكفين بنية التيمم يمكن أن تحمل من المضادات الحيوية ما يطهر الأجزاء المكشوفة من جسم الإنسان‏.‏ ولذلك فليس المقصود من التيمم أن يعفر الإنسان وجهه ويديه بالتراب‏,‏ ولكن المقصود أن تحمل الكفان المضروب بهما علي الصعيد الطاهر من هباءات هذا التراب ما يعين علي تحقيق قدر من التطهر مما يكون قد علق بالكفين والوجه واليدين من مسببات الأمراض‏,‏ وهذه من أكثر أجزاء جسم الإنسان عرضة لذلك‏.‏ وإن كان الأصل في العبادات أنها لا تعلل‏,‏ وأن تمارس طاعة لله‏-‏ تعالي‏-‏ واقتداء برسوله‏.‏ ولكن إذا فهمت الحكمة من العبادة فإن الإنسان يؤديها بطريقة أفضل‏,‏ ويستمتع بأدائها متعة أكمل‏,‏ ويؤجرعلي إتقان ذلك الأداء أجرا أوفي وأوفر‏,‏ حتي في الحالات الإستثنائية كحالة التيمم في ظروف فقد الماء‏,‏ أو العجز عن استعماله لأسباب مرضية أو أمنية كالخوف من عدو يحول بينه وبين الماء‏,‏ سواء كان هذا العدو إنسانا أو حيوانا مفترسا‏,‏ أو كالخوف من العطش المؤدي إلي شدة الأذي أو المفضي إلي الموت‏,‏ إذا كان ما يحمل من الماء قليلا‏.‏
من هذا الاستعراض يتضح وجه الإعجاز التشريعي والعلمي في التيمم مما يشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية كما يشهد للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏,‏ فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏


المزيد من مقالات د. زغلول النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.