وزير الأوقاف ناعيًا الحاجة سبيلة عجيزة: نموذج منير للمرأة المصرية الأصيلة    طرح أراضٍ للتخصيص الفوري بحدائق أكتوبر    بدء تحصيل الزيادة الجديدة في قانون الإيجار القديم من ديسمبر... اعرف قيمتها    4 غارات على خيام النازحين بغزة بعد اجتماع نتنياهو بقيادات الأمن بشأن حادث رفح    الاتحاد الأوروبي يدرس إضافة روسيا إلى القائمة السوداء لغسل الأموال وتمويل الإرهاب    الدوري المصري، محمد الشيبي رجل مباراة بيراميدز أمام كهرباء الإسماعيلية    كأس إيطاليا.. نابولي يتخطى كالياري ويصعد للدور القادم    القبض على 4 أشخاص لتجميعهم ناخبين بمخزن خردة ودفعهم للتصويت مقابل رشاوى انتخابية بإمبابة    حلمي عبد الباقي يكشف إصابة ناصر صقر بالسرطان    «كى چى» تحت التهديد| الطفل وحده فى المواجهة.. والتوعية تحد من جرائم التحرش    أكرم القصاص: المرحلة الثانية من الانتخابات أكثر انضباطا وتدخل الرئيس السيسي حاسم    مها محمد: كوليس ورد وشيكولاتة أجمل من التصوير    مهرجان البحر الأحمر السينمائي يكشف عن لجنة تحكيم مسابقة الأفلام القصيرة    صحة الإسماعيلية تختتم دورة السلامة المهنية داخل معامل الرصد البيئي    قرارات جديدة تعزز جودة الرعاية الصحية.. اعتماد 19 منشأة صحية وفق معايير GAHAR المعتمدة دوليًا    بإطلالة جريئة.. رزان مغربي تفاجئ الجمهور في أحدث ظهور    رئيس جامعة طنطا يفتتح فعاليات هاكاثون 2025 لتحالف جامعات إقليم الدلتا    «هربنا قبل أن نغرق».. شهادات مروّعة من قلب الفيضانات التي ضربت نصف القارة الآسيوية    اتفاق تاريخي بين كاف والقناة الرابعة البريطانية بشأن بث مباريات أمم إفريقيا    في حوار ل"البوابة نيوز".. رامي حمادة يكشف سر فوز فلسطين على قطر وطموحات المباريات المقبلة    كأس إيطاليا.. أتالانتا يضرب جنوى برباعية نظيفة ويعبر إلى الدور القادم    تشكيل أرسنال - بن وايت أساسي.. وساكا وإيزي وتيمبر بدلاء أمام برينتفورد    لأول مرّة| حماية إرادة الناخبين بضمان رئاسى    هل يجوز التصدق من أرباح البنوك؟| أمين الفتوى يجيب    مجموعة مصر.. الأردن يضرب الإمارات بهدف على علوان في شوط أول نارى    انتهاء ترميم المبانى الأثرية بحديقتى الحيوان والأورمان    هل يعتبر مريض غازات البطن من أصحاب الأعذار ؟| أمين الفتوى يجيب    أحمد فهمي يكشف تفاصيل رسالة هنا الزاهد بعد الطلاق    أهالي السيدة نفيسة يوزعون الشربات على الزائرين في المولد.. صور    حبس المتهمين باستغلال شيكات مزورة باسم الفنانة بوسي 3 سنوات    الخامس في قنا.. القبض على " قرموش" لشراء اصوات الناخبين    ما حقيقة انتشار الدواجن السردة بالأسواق المحلية وتأثيرها على صحة المواطنين؟    عون: لبنان تعب من المهاترات التي مزقته    القبض على 4 أشخاص بحوزتهم مبالغ مالية بمحيط لجان انتخابية في جرجا    الجيزة تنفّذ حملة مكبرة بعثمان محرم لإزالة الإشغالات وإعادة الانضباط إلى الشارع    جامعة كفر الشيخ تنظم مسابقة المبادرات المجتمعية بمشاركة كليات الجامعة    مياه الشرب بالجيزة: كسر مفاجئ بخط مياه قطر 1000 مم أمام مستشفى أم المصريين    في اليوم العالمي لذوي الهمم.. غزة تواجه أعلى معدلات الإعاقة في العالم بسبب حرب الإبادة الجماعية.. 12 ألف طفل فقدوا أطرافهم أو تعرضوا لعاهات مستديمة.. و60% من السكان صاروا معاقين    «الري» تتعاقد على تنفيذ التغذية الكهربائية لمحطتي البستان ووادي الصعايدة    في يومهم العالمي.. 5 رسائل من الأزهر لكل أسرة ترعى طفلا من ذوي الإعاقة    فلسطين: تصويت 151 بلدا لإنهاء الاحتلال انتصار لحقوق شعبنا المشروعة    وكيل لجنة مراجعة المصحف ورئيس منطقة الغربية يتفقدان مسابقة الأزهر السنوية لحفظ القرآن الكريم    ما مصير امتحانات الثانوية العامة بعد بلوغ «عبد الحكم» سن المعاش؟.. تفاصيل    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى المنيا.. اعرف مواقيت صلاتك    ريهم عبدالغفور تحيي ذكرى وفاة والدها الثانية: "فقدت أكتر شخص بيحبني"    انعقاد الاجتماع الرابع للجنة الفنية المصرية – التونسية للتعاون الاستثماري    دونالد ترامب يحضر قرعة كأس العالم 2026    السيدة انتصار السيسي تحتفي بيوم أصحاب الهمم: قلوب مليئة بالحب    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    هالاند: الوصول ل200 هدف في الدوري الإنجليزي؟ ولم لا    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    توافد الناخبين للتصويت في جولة الإعادة بانتخابات النواب بالإسكندرية| صور    أسعار الفراخ والبيض اليوم الاربعاء 3-12-2025 في الأقصر    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أسرار القرآن
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 01 - 2011

(‏375‏) (...‏ وإن كنتم مرضي أو علي سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا‏)‏ هذا النص القرآني الكريم جاء في أواخر الربع الأول من سورة‏'‏ النساء‏'‏ وهي سورة مدنية وآياتها مائة وست وسبعون‏(176)‏ بعد البسملة‏,‏ وهي رابع أطول سور القرآن الكريم بعد كل من سورة البقرة‏.
والأعراف‏,‏ وآل عمران‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لكثرة ما ورد فيها من الاحكام الشرعية التي تتعلق بفقه النساء‏.‏
هذا وقد سبق لنا استعراض هذه السورة المباركة‏,‏ وما جاء فيها من التشريعات‏,‏ وركائز العقيدة‏,‏ والإشارات الكونية‏,‏ ونركز هنا علي وجه الإعجاز التشريعي في التيمم كما جاء في النص الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال‏.‏
من أوجه الإعجاز التشريعي في التيمم
جاءت الإشارة القرآنية إلي التيمم مرتان في كتاب الله وذلك في سورتي النساء والمائدة علي النحو التالي‏:‏
‏1-[‏ يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكاري حتي تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتي تغتسلوا وإن كنتم مرضي أو علي سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا‏](‏ النساء‏:43).‏
‏2-[‏ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلي المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلي الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضي أو علي سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون‏](‏ المائدة‏:6).‏
ومعني لفظة‏(‏ التيمم‏)‏ في اللغة العربية هو القصد‏,‏ و‏(‏تيمموا‏)‏ أي تقصدوا‏,‏ أو اقصدوا‏,‏ ومعني‏(‏ التيمم‏)‏ في الشرع مسح الوجه واليدين بتراب طهور علي وجه مخصوص‏,‏ وذلك بوضع اليدين علي التراب الطهور‏,‏ أو الحجر المغبر‏,‏ أو نحو ذلك مما يحمل شيئا من غبار التراب‏.‏ والتيمم مشروع عند فقد الماء‏,‏ أو العجز عن استعماله بسبب المرض‏,‏ وقد ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع‏.‏
ومن أدلة مشروعية التيمم من كتاب الله‏-‏ تعالي‏-‏ الآيتان رقم‏(43)‏ من سورة‏'‏ النساء‏',‏ ورقم‏(6)‏ من سورة‏'‏ المائدة‏',‏ وفد سبقت الإشارة إليهما‏.‏
ومن أدلة السنة عدد من أحاديث رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ التي منها ما رواه كل من الإمامين البخاري ومسلم‏,‏ من حديث عمران بن حصين‏-‏ رضي الله عنه‏-‏ أن رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ رأي رجلا معتزلا‏,‏ لم يصل مع القوم‏,‏ فقال له‏:'‏ ما يمنعك يا فلان أن تصلي في القوم ؟‏'‏ فقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أصابتني جنابة ولا ماء‏,‏ فقال‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:'‏ عليك بالصعيد فإنه يكفيك‏'‏
أما الإجماع فمستمد من إجماع المسلمين علي أن التيمم يقوم مقام الوضوء والغسل‏.‏
ومن الحكمة التشريعية في التيمم أن الله‏-‏ تعالي‏-‏ قد رفع عن المسلمين الحرج والمشقة في جميع ما فرض عليهم من عبادات‏,‏ فمن عجز عن الوضوء أو الغسل لعدم توافر الماء أو بسبب المرض وجب عليه التيمم الذي يقوم به المؤمن امتثالا لأمر الله‏-‏ تعالي‏-‏ وطهارة لقلب المتيمم‏.‏ ويشترط أن يكون التراب الذي يتيمم به طاهرا نظيفا‏,‏ فإن كان ظاهر القذارة والتلوث فإنه لا يسمح بلمسه فضلا عن التيمم به‏.‏
والتيمم واجب في العضوين اللذين يجب غسلهما في الوضوء وهما الوجه واليدان‏,‏ أما الرأس فالواجب فيه المسح في الوضوء‏,‏ وأما الرجلان فتارة يغسلان في الوضوء وتارة أخري يمسح عليهما فوق الخف‏.‏
والتيمم مفروض‏,‏ لكل ما يفترض له الوضوء أو الغسل من الصلاة‏,‏ ومس المصحف‏,‏ وغير ذلك‏,‏ وهو مندوب لصلاة النافلة لأنها مندوبة‏,‏ وإن كانت لا تصح بدون التيمم‏.‏
ويشترط لصحة التيمم ما يشترط لصحة كل من الوضوء والغسل ويزاد علي ذلك دخول الوقت‏,‏ فلا يصح التيمم قبله‏,‏ ومن شروط التيمم كذلك فقد الماء‏(‏ فإما ألا يجده أصلا‏,‏ أو يجده بما لا يكفي للطهارة‏),‏ وعدم وجود حائل علي أحد أعضاء التيمم من الجسم‏.‏
ويقوم كل من المسلم والمسلمة بالتيمم لكل ما يتوقف علي الطهارة بالماء من الصلاة المكتوبة‏,‏ والنوافل‏,‏ وصلاة الجمعة‏,‏ وصلاة العيدين‏,‏ وصلاة الجنازة‏,‏ والطواف حول الكعبة‏,‏ ومس المصحف‏,‏ وغير ذلك من أمور العبادة التي تستوجب الطهارة‏.‏
ومن أركان التيمم النية‏,(‏ وإن رآها بعض الفقهاء شرطا للتيمم وليست ركنا من أركانه‏)‏ والنية تكون بغرض التيمم‏,‏ أو بأن ينوي استباحة الصلاة أو مس المصحف‏,‏ أو استباحة غير ذلك مما يشترط فيه الطهارة ويفضل أن ينوي بنية فرض التيمم‏.‏ ووقت النية عندما يضع يديه علي ما يتيمم به‏,‏ ومن ذلك الصعيد الطهور‏(‏ أي الذي لم تمسه نجاسة‏).‏
ومن أركان التيمم المسح والضربتان علي الصعيد الطاهر والمقصود بالمسح هو مسح جميع الوجه‏,‏ ومسح اليدين‏,‏ ويجب أن ينزع كل ما يستر شيئا من اليدين كالخاتم والإساور‏,‏ فلا يكفي تحريكه في التيمم‏,‏ بخلاف الوضوء‏,‏ وإن أجاز البعض مجرد التحريك‏;‏ ومن أركان التيمم عند بعض الفقهاء الترتيب‏,‏ والموالاة‏,‏ فالضربة الأولي هي استعمال الصعيد‏,‏ ونفض اليدين‏,‏ وتعميم الوجه واليدين ويسن في التيمم عند الحنابلة تأخيره إلي آخر الوقت المختار إن علم أو ظن وجود الماء في الوقت المناسب‏,‏ أو استوي الأمران عنده‏,‏ فإن تيمم أول الوقت وصلي‏,‏ صحت صلاته‏,‏ ولا إعادة عليه‏,‏ حتي لو وصل الماء قبل خروج وقت الصلاة‏.‏
ويندب للتيمم التسمية‏,‏ والسواك‏,‏ والصمت إلا عن ذكر الله‏,‏ واستقبال القبلة‏,‏ وأن يبدأ بعد الضربة الأولي بمسح الوجه‏,‏ وبعد الضربة الثانية بمسح ظاهر يمناه ببطن يسراه‏,‏ وأن يجعل ظاهر أطراف يده اليمني في باطن يده اليسري‏,‏ ثم يفعل ذلك تماما بيده اليسري‏.‏ ومن عجز عن الوضوء أوالتيمم لمرض شديد‏,‏ أو حبس في مكان لا يوجد به ما يصح التيمم عليه فإنه يجب عليه أن يصلي الفرائض فقط في وقتها‏,‏ والغرض من ذلك هو إظهار الخضوع لإوامر الله‏-‏ تعالي‏-‏ في جميع الأحوال‏,‏ وتحت مختلف الظروف‏.‏ ومن الفقهاء من يقول بإعادة هذه الصلاة عند توفر الماء أو الصعيد الطاهر أو الشفاء من المرض‏,‏ ومنهم من يقول بسقوطها عمن لا يتوفر له وضوء أو تيمم‏,‏ وذلك انطلاقا من قول رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:'‏ لا يقبل الله صلاة بغير طهور‏.‏
ويكره في التيمم تكرار المسح فوق المرة الواحدة‏,‏ وتكثير التراب‏,‏ وكثرة الكلام في غير ذكر الله‏,‏ وإطالة المسح إلي ما فوق المرفقين‏,‏ ونواقض الوضوء‏,‏ وإن كانت لا تبطل الغسل‏,‏ فإنها تبطل التيمم الواقع عن الغسل‏,‏ وعليه أن يعيد التيمم‏.‏
من أوجه الإعجاز العلمي في التيمم
يصف ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ الماء النازل من السماء بأنه‏(‏ طهور‏)‏ فيقول‏:[...‏ وأنزلنا من السماء ماء طهورا‏](‏ الفرقان‏:48)‏ ويصف رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ التراب بأنه‏(‏ طهور‏)‏ وذلك بقوله الشريف‏'‏ جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا‏',‏ والطهور هو ما يتطهر به أو هو الطاهر المطهر‏.‏ والتراب هو أدق ما ينتج عن تعرية الصخور حتي يصبح قطر حبيباته أصغر من‏256/1‏ مم‏,‏ ولذلك يحتمي العديد من الكائنات الحية الدقيقة في التراب حتي لا تدرك‏.‏ وفي حفنة من التراب يمكن أن يعيش مئات الملايين من الكائنات الدقيقة التي تلعب أدوارا هامة في تنظيف الأرض من البقايا النباتية والحيوانية الميتة‏,‏ أو في تزويد جذور النباتات ببعض المركبات الكيميائية المغذية والمعقمة اللازمة لحياتها وذلك من مثل أكاسيد النيتروجين‏.‏ وبحكم تعدد وتباين الكائنات التي تحيا في التراب أصبح التراب مادة معقمة مهمة في الطبيعة تقوم بالقضاء علي أعداد من الجراثيم التي يعجز عن إزالتها كثير من المضادات الحيوية المعروفة‏,‏ ولذلك توجهت أنظار العلماء إلي استخراج عدد من هذه المضادات من تراب الأرض‏.‏
من هنا نشأت فكرة العلاج بالطين‏(‏ وهو التراب المبتل بالماء‏)‏ خاصة بالطين الناتج عن ثورات البراكين والذي ثبتت قدرته علي إبادة أكثر الجراثيم مقاومة للمضادات الحيوية‏.‏ ففي تجارب متعددة ثبت أن الطين يستطيع القضاء علي مستعمرة من الجراثيم خلال فترة‏24‏ ساعة‏,‏ وأن هذه المستعمرة لها القدرة علي التكاثر إلي‏45‏ مرة ضعف عددها في نفس هذه الفترة الزمنية‏.‏
وقد قامت الطبيبة الفرنسية لينيه برونيه دي كورس بإثبات خصائص شفائية للطين الفرنسي الأخضر‏,‏ واستعملته كمضاد حيوي للعلاج من عدد من الأمراض في كل من كينيا وساحل العاج‏,‏ وقد وصفت منظمة الصحة العالمية النتائج التي حصلت عليها بأنها نتائج رائعة‏.‏
كذلك أثبتت الدكتورة ليندا وليامز أن في الطين مواد معقمة عديدة تكبح نشاط الجراثيم وتقضي عليها‏.‏ و يقول دكتور هايدل أحد علماء الأحياء الدقيقة أنه استطاع إثبات أن التراب مادة مطهرة‏.‏ وفي عددها الصادر في سنة‏2006‏ م أوردت‏'‏ مجلة العالم الجديد‏'‏ بحثا للدكتور يون وانج من مختبرات شركة ميرك أن بعض أنواع التربة في جنوب أفريقيا تحوي بكتيريا منتجة لعدد من المضادات الحيوية النافعة‏.‏
ومن هنا يتضح وجه من أوجه الإعجاز العلمي في التيمم إذا افتقد الماء أو تعذر استخدامه لأسباب صحية‏,‏ وقد كان مفهوم المسلمين عن التيمم أنه عمل رمزي يوحي إيحاء معنويا بالطهارة البدنية مما ينعكس انعكاسا مباشرا علي طهارة كل من القلب والوجدان والشعور‏,‏ ولكن يأتي العلم ليثبت أن التراب الدقيق في الصعيد الطاهر يحوي عددا من المضادات الحيوية التي يمكنها من تطهير كل من الكفين والوجه مما يكون قد علق بها من مسببات الأمراض‏,‏ فيفعل فعل الماء في ذلك‏,‏خاصة وأن الصعيد الطهور يعرف بالتراب الذي له غبار‏,‏ فإن لم يكن له غبار فلا يصح التيمم به‏.‏
ولعل هذه النتائج تذكرنا بحديث رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ الذي قال فيه‏:'‏ طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب‏'(‏ أخرجه الإمام مسلم‏)‏
ومن المعجزات العلمية في هذا الحديث الشريف قوله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:'‏ أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب‏'‏ حتي تقضي المضادات الحيوية الموجودة في التراب علي ما يكون لعاب الكلب قد حمله إلي الإناء من مسببات الأمراض‏,‏ وذلك لأن الكلب من الحيوانات الآكلة للحوم النيئة والمستوية علي حد سواء‏,‏ ولذلك تتجمع في أمعائه أعداد من الديدان الضارة بالإنسان‏.‏ وهذه الديدان تبيض بمعدلات كبيرة‏,‏ ويخرج بيضها مع براز الكلب الذي كثيرا ما ينظف بدنه بلسانه‏,‏ فيعلق به بيض تلك الديدان الذي سرعان ما ينتشر بلعابه فإذا لعق الكلب شيئا من الآنية أوالملابس أوالفراش فإن لعابه يلحق بها شيئا من تلك الديدان وبيوضها‏,‏ ومن تلك الديدان الدودة الشريطية التي لا يقضي عليها ولا علي بيضها مجرد الغسل بالماء والصابون‏,‏ ومن هنا كانت وصية رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ بغسل كل ما يلعقه الكلب سبع مرات أولاهن بالتراب لما في التراب من مضادات حيوية هي كفيلة بالقضاء علي تلك الديدان وبيضها‏.‏
وهنا أيضا نري في التيمم صورة من صور التطهر الفعلي من العديد من مسببات الأمراض‏,‏ وليس مجرد التطهر الرمزي المعنوي كما قال الأولون‏,‏ لأن أحدا لم يكن يتصور قبل أواخر القرن العشرين أن في هذه الهباءات الدقيقة من الغبار التي تثار من الصعيد الطيب عند الضرب عليه برفق بالكفين بنية التيمم يمكن أن تحمل من المضادات الحيوية ما يطهر الأجزاء المكشوفة من جسم الإنسان‏.‏ ولذلك فليس المقصود من التيمم أن يعفر الإنسان وجهه ويديه بالتراب‏,‏ ولكن المقصود أن تحمل الكفان المضروب بهما علي الصعيد الطاهر من هباءات هذا التراب ما يعين علي تحقيق قدر من التطهر مما يكون قد علق بالكفين والوجه واليدين من مسببات الأمراض‏,‏ وهذه من أكثر أجزاء جسم الإنسان عرضة لذلك‏.‏ وإن كان الأصل في العبادات أنها لا تعلل‏,‏ وأن تمارس طاعة لله‏-‏ تعالي‏-‏ واقتداء برسوله‏.‏ ولكن إذا فهمت الحكمة من العبادة فإن الإنسان يؤديها بطريقة أفضل‏,‏ ويستمتع بأدائها متعة أكمل‏,‏ ويؤجرعلي إتقان ذلك الأداء أجرا أوفي وأوفر‏,‏ حتي في الحالات الإستثنائية كحالة التيمم في ظروف فقد الماء‏,‏ أو العجز عن استعماله لأسباب مرضية أو أمنية كالخوف من عدو يحول بينه وبين الماء‏,‏ سواء كان هذا العدو إنسانا أو حيوانا مفترسا‏,‏ أو كالخوف من العطش المؤدي إلي شدة الأذي أو المفضي إلي الموت‏,‏ إذا كان ما يحمل من الماء قليلا‏.‏
من هذا الاستعراض يتضح وجه الإعجاز التشريعي والعلمي في التيمم مما يشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية كما يشهد للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏,‏ فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏


المزيد من مقالات د. زغلول النجار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.