دنيا سمير غانم كنا نعتبر ولزمن قريب أن أهم برامج التليفزيون في شهر رمضان، تتلخص في الفوازير، وألف ليلة وليلة، وفوقها مسلسل ديني وآخر اجتماعي، وكان الله "بالسر عليم"، وكان من المحتمل أن يغفر الناس للحكومة، توحشها في زيادة الأسعار، أو قلة فرص العمل، وسوء التعليم والصحة، وكل أوجه التقصير والفساد التي ابتلعناها طوال ثلاثين سنة وزيادة، ولكن لم يكن أحد يستطيع أن يسامح في اختفاء الفوازير من علي شاشة التليفزيون في رمضان، ولا ألف ليلة بالطبع! فهي أشياء كانت مقدسة قبل أن تقل بركة كل شيء ويصبح التليفزيون المصري، بمبناه الشاهق وموظفيه الذين يزيد عددهم علي ثلاثين ألفا، خرابة ينعق فيها البوم ويحتلها العسكر بعد أن حولوها إلي إحدي ثكناتهم العسكرية! وبعد غياب يزيد علي عشر سنوات تعود ألف ليلة، ولكن من إنتاج إحدي الشركات الخاصة، مدعمة بما تحمله التكنولوجيا من إمكانيات للإبهار، البصري والسمعي، ولكن لا أحد يستطيع أن يجزم إن كانت تلك المؤثرات والوسائل الحديثة يمكن أن تنافس ما ترسب في الذاكرة من إبداعات زمن جميل، ارتبطنا فيه بشخصيات بعينها قدمت لنا ألف ليلة طوال ما يزيد علي نصف قرن من الزمان، بدأتها الإذاعة المصرية، بتقديم معالجة مهذبة ومنقحة للنص الأصلي، أبدع في صياغته طاهر أبو فاشا، عن طريق الحوار المسجوع! وكان صوت الراحلة زوزو نبيل التي ألهبت القلوب قبل العقول بصوتها الآثر وهي تلعب شخصية شهرزاد، رمز الأنوثة الطاغية والمكر الناعم، وبهما استطاعت أن تنقذ حياتها وحياة غيرها من بنات حواء اللائي كن عرضة لسيف مسرور، الذراع الباترة للملك الديكتاتور المنفوش بالغرور والقسوة"شهريار"، تعرض الرجل لخيانة زوجته، التي ضبطها في وضع مخل بالشرف كان حتما سوف يزعج أعضاء مجلس الشعب ويدفعهم لإصدار قوانين فورية لوقف المسلسل وجلد المؤلف والمخرج وبقية الممثلين، وأكيد كان أحدهم سوف يتفتق ذهنه الضيق، علي فكرة أن معاقبة هؤلاء وجلدهم مش كفاية، ولكن بعد أن يلعب في خصلات ذقنه، كان حتما سيخلص إلي قرار، يؤيده بقية الأعضاء، لإخراج مؤلف رواية ألف ليلة من قبره، لإقامة الحد عليه، والحمد لله أن الرجل نجا، بأعجوبة فلم يتوصل حتي الآن أي باحث للفاعل الأصلي الذي صاغ حواديت ألف ليلة لتتداولها الأجيال لمئات السنين، دون أن يصاب أحد بالأذي أو يفقد عفته، وصوابه، المهم أن شهريار الذي يمثل غباء الرجل في الانتقام، وشراهته المتوارثة في إراقة الدماء، قرر أن يقتل زوجته وعشيقها العبد الأسود، ولكن قتلهما لم يكن كافيا لإطفاء نار غيظه وتصدع رجولته، وبدلا من أن يفكر في الأسباب التي دفعت المدام لخيانته مع عبد أسود، أو يفكر في العلاج أو استخدام الحبة الزرقاء يمكن ربنا يفتحها عليه، اختار الحل الأسهل، وهو قتل جميع النساء، وطبعا حتي لايتهمه أحد بالقتل الجماعي، وتحاشيا لتدخل جمعيات حقوق الإنسان، والمجلس الأعلي للمرأة، قرر أن يخترع انتقاما في منتهي الشياكة، وهو أن يتزوج كل ليلة فتاة عذراء، يقضي معها ليلة واحدة، وقبل أن يطلع عليها الصباح، يكون مسرور قد قام باللازم وقطع رأسها، وهو مايؤكد خوفه من افتضاح أمره، أمام شعبه اللي كان عامل عليه سبع رجالة في بعض!! ولو كان الأمر استمر علي هذا الحال وتم قتل جميع العذاري في البلد، فقد كان سيأتي يوم حتما، يقل عدد السكان تدريجيا حتي ينقرض تماما، فمن غير النساء لاتوجد حياة! ومن ستر ربنا أن كان من بين هذا الشعب المنحوس فتاة علي قدر من الذكاء والجمال هي شهريار، التي قررت أن تشتغل الملك الديكتاتور شهريار، بعد ان عرفت نقطة ضعفه، وهي الهيافة والمعيلة! حيث اتضح أن هذا الملك المهيب المخيف الجبار، يعشق الحواديت الخرافية، ولايجيئه النوم، إلا إذ استمع إلي حدوتة قبل النوم، طبعا الكلام ده كان قبل حواديت أبلة فضيلة، وماما نجوي وبقلظ "الله يرحمه"، واستعدت شهرزاد لحفل زفافها، علي شهريار، بينما كان والدها يبكي دما، ويقوم بتوسيع مقابر الأسرة، بالقطامية ليدفن ابنته العروس في صباحية عرسها، ولكنه اكتشف أنه دفع مصاريف علي الفاضي، فلم يكن يدري أن "مقصوفة الرقبة" بنته، تمتلك كل هذا القدر من المكر ولوع النسوان، وبدلا من أن يطويها شهريار ويلحقها بمن قبلها، طوته هي وحطته في جيب بنطلونها الصغير، وأقنعته أنها تمتلك مخزنا من الحكايات المثيرة، فسال لعاب الرجل، علي الحواديت ولم يسل لعابه عليها، وهذا مايؤكد نظرية أنه "مابيعرفش"، ماعلينا ربنا حليم ستار، مش عايزين نجيب في سيرة الناس، وبدأت شهريار تحكي علي الملك أول حكاية، وأدركت أنها لو خلصت الحكاية بدري بدري، فهذا يعني أن رقبتها سوف تطير في الصباح الباكر، فاخترعت حكاية المسلسلات، حيث تبدأ في رواية الحكاية بعد نشرة أخبار الساعة سبعة، وتنتهي منها قبل مطلع الفجر، وهي بذلك صاحبة ابتكار المسلسلات الطويلة قوي، قبل أن يعرفها الأتراك، بل تفوقت عليهم في أن مدة الحلقة تزيد علي 45 دقيقة وتصل إلي عدة ساعات، وطبعا خلال هذه المده الطويلة من الاستماع المتواصل إلي تفاصيل الحكاية، يكون شهريار "فيص" وانهارت قواه، ومع ذلك يظل يقاوم وتقنعه شهريار أن النعاس قد غلبها، وتتعمد أن تقف في كل ليلة علي نقطة ساخنة في الحدوتة، نوع من التشويق و"السسبنس"، فيتركها شهريار علي قيد الحياة ويمهلها ليلة أخري لتكمل روايتها، وظلت الليلة تجر ليلة حتي بلغ عدد الليالي ألفاً وفوقهم ليلة! ولم تعرف بعدها ماذا حدث؟؟ ولكن يبدو أن شهريار الذي ظل قاعد مأنتخ ثلاث سنين علي الأريكة يسمع حكايات ويأكل سندوتشات، قد زاد وزنه وانتفخ وأصيب بأمراض الدنيا، وأصبح يعاني من مرض السكر والتبول اللاإرادي وطبعا التهاب البروستاتا! وعندما فكر قطاع الإنتاج بالتليفزيون المصري أن يحول حواديت شهرزاد إلي مسلسل رمضاني، وقع اختياره علي نجمة الاستعراض الفاتنة شريهان، وقدمت عدة مواسم من المسلسل كان أشهرها حكاية الإخوات الثلاث "كريمة وفاطيما وحليمة" التي حققت أكبر نسبة مشاهدة ونجاح جماهيري، بعدها غابت شريهان عن الأضواء وحاول ممدوح الليثي رئيس قطاع الإنتاج الأسبق في سنوات التسعينيات أن يبحث عن نجمة لها شعبيه شريهان، لتلعب دور شهرزاد فهداه تفكيره إلي ليلي علوي، وربما لايذكر الناس أنها لعبت بطولة هذا المسلسل الذي لم يرحمه من الفشل إلا عنصر لم يتوقعه أحد وهو وجود شخصية "الأشكيف " التي قدمها صلاح رشوان "ربنا يشفيه"، واستقبل الناس هذا المسلسل استقبال الأعمال الكوميدية حيث كانوا يتندرون وقتها علي الزيادة المفرطة في وزن ليلي علوي، التي كانت تؤدي الاستعراضات بصعوبة، ومقارنتها برشاقة شريهان لم تكن بالطبع في صالحها، ولاصالحنا بالطبع، المهم أن مسلسل ألف ليلة داخ واتلطم، بعد شريهان ، وتوالت عليه مجموعة من النجمات منهن إيمان الطوخي، وإلهام شاهين، ودلال عبد العزيز، حتي أصبح مرتعا لأبناء السبيل والباحثات عن أي فرصه للتواجد، ولما الحكاية باظت خالص، وخاصة بعد وفاة المخرج العبقري فهمي عبد الحميد، لم يكن حال المسلسل يرضي عدواً ولاحبيبا، فقرر التليفزيون أن يقلع عن تقديم المزيد من الحلقات الفاشلة، كما أقلع في نفس الوقت تقريبا، عن تقديم الفوازير بعد أن وصلت الأمور إلي الحضيض والعبث ولعبت بطولتها "ضرفة الباب" غادة عبدالرازق، مع المطرب المنمنم مدحت صالح! وهذا العام أعلنت إحدي الشركات الخاصة عن عودة مسلسل ألف ليلة وليلة برؤية عصرية جديدة، باستخدام تكنولوجيا العصر وحيل الكمبيوتر جرافيك، وتم تصوير مقدمة دعائية للمسلسل لفتت الأنظار فعلا وكان الاتفاق في البداية علي أن تلعب غادة عادل دور شهرزاد، ويلعب عمرو واكد دور شهريار، ويشارك في المسلسل عشرات النجوم الكبار كل منهم يقدم حدوتة واحدة وليس أكثر، ولكن حدث أن انسحب عمرو واكد لوجود غادة عبدالرازق بين طاقم المسلسل، وهو كان قد أقسم ألا يشارك أيا من الفلول في عمل فني مهما كانت الإغراءات، وانسحبت معه غادة عادل لأسباب ليس لها علاقه بوجود فلول من عدمه، وقبل أن ينفرط عقد المسلسل ويبوظ المشروع، جاء للشركة المنتجة هاتف، أعتقد أنه جاء في ليلة سعيدة، أسفرت عن اختيار دنيا سمير غانم لأداء شخصية شهرزاد، ومعها إياد نصار في شخصية شهريار، وأعتقد أيضا بل أجزم أنها فعلا أفضل اختيار والحمد لله أن غادة عادل اعتذرت، لأن تجاربها مع الكوميديا سيئة، ويكفينا ما تحملناه في مسلسلها مبروك جالك قلق، ثم إنها لاتصلح للاستعراض، أما البنت اللهلوبة الموهوبة فعلا دنيا سمير غانم فهي البديل الوحيد للحاجة الساقعة "شريهان" فهي أي دنيا، تجيد الغناء والرقص وموهبتها عريضة، تؤهلها لأداء الشخصيات، وعليه فنحن ننتظر هذا العام عودة جديدة لمسلسل ألف ليلة وليلة، وربنا ما يقطعلناش عادة!