من منا لم يحبس أنفاسه وهو يتابع تلك المشاهد الدرامية عندما بدأت أحداث العنف أمام مجلس الوزراء، وتلك المصادمات الدامية بين عناصر من القوات المسلحة والمتظاهرين كمشاهد »عبثية« لا نراها حتي علي شاشات قنوات مجاهل إفريقيا في النشرات الإخبارية!! ثم تأمل تلك الوجوه الغريبة من أطفال وشباب »ضائعين« لا يفهمون ألف باء السياسة والثقافة والتحضر، لأنهم مجرد »أدوات« لفلول تعصف بمصالح البلاد عرض الحائط! هذه الوجوه تفهم فقط في أعواد الثقاب وإشعال الحرائق، والنهب، والسرقات، والتراشق بالحجارة، وقذف زجاجات »المولوتوف«، والاشتباكات مع خلق الله الطيبين، للفوز بمصروف جيب بسيط، أو التهام »ساندويتش« أو تناول أي وجبة عابرة حتي ولو كانت مسممة! ماذا أجاب الآباء علي تساؤلات الأبناء عما يحدث أمامهم من أعمال البلطجة والعدوانية والكراهية التي يرتكبها شباب وأطفال يعانون من خواء نفسي، وجمود عاطفي، وعنف أسري، من منظر الدماء المسالة علي الوجوه؟ بالطبع أطفالنا سيتأثرون بتلك المشاهد الدامية المروعة، وتلك التعاملات غير الراقية التي يرفضها الإنسان المتحضر، وربما يتأثر بعضهم من ذلك السلوك العدواني الذي يعبر عن الجهل والحقد والبغض والجوع النفسي والرغبة في الانتقام حتي من الأبرياء، فسلوك البلطجة أصبح سائدا في معظم المظاهرات وبصورة منفرة ومتوحشة ويتقزز منها كل من يتعامل معها أو يتصل بها، أو حتي من يشاهدها علي شاشات التليفزيون، ويتفاعل بأحداثها، فما بالك من شريحة المشاهدين الذين يمثلون فلذات أكبادنا.. أطفالنا؟!! إن ضعف الوزاع الديني والقيمي وراء تلك الحماقات والدوافع لارتكاب تلك الجرائم والمصادمات الدامية بين عناصر قواتنا المسلحة، وتلك »العينة« العشوائية من المتظاهرين، والتي أسفر عنها عشرات الوفيات، ومئات المصابين.. هل مازال البعض يصف مرتكبيها بأنهم »ثوريون« أو »وطنيون«؟ أي ثورية أو وطنية يكتسبها هذا الجاهل الحاقد العابث بأمن مصر ومقدراتها، والذي ينهش بكل أنياب القسوة كل مصالح الآخرين بشكل »مسعور«.. فما ذنب أي سائح أو مواطن يمر بتلك المنطقة فتصيبه »شظية« رصاص حي أو زجاجة »مولوتوف« فتلقيه صريعا أو مصابا تحت رحمة وصول سيارة الإسعاف؟ وأيا كانت أسباب هذه الأحداث الدامية ومن الذي بدأ يفجرها وما نتج عنها من اشتباكات غامضة، هل يصل الأمر إلي إشعال النيران في مبني المجمع العلمي المصري والذي يمثل تراث مصر القديم ويحتضن المؤلفات والمقتنيات منذ عام 8971، لقد تم إحراق 002 ألف كتاب نادر لا يمكن تعويضها، ومعني ذلك أن جزءا كبيرا من تاريخ »المحروسة« قد انتهي تماما، فبدلا من أن يحرسه أبناؤها أحرقوه إلي غير رجعة.. فمن يوافق علي هذه الحماقة وذلك الجهل اللذين أصابا ماضينا المزدهر بتلك العبوات المشتعلة.. والله خسارة! إن إنسانا سويا يرفض الاستسلام لسلوك البلطجة العنيف والمقيت، فلو حدث ذلك سنسلم أنفسنا لحفنة جاهلة متطرفة تعبث بمقدراتنا، ولن نجد بعد ذلك قوت يومنا، ما دام »الصغار« ينخرون في نسيجنا البشري ويحولونه من أخضر إلي أصفر ذابل باهت! علي مائدة الحياة في مصر (للأسف الشديد) جائعون.. حاقدون.. عابثون.. وسيصلون إلي بيوتنا وديارنا، ولن يتركوا لنا إلا »فضلات« الكراهية وبذور الحقد، ولابد بالتالي أن تتكاتف الأيدي والسواعد لهذا الخطر القادم، لابد ألانسمح للعنف والبلطجة والعدوانية أن تسود، فكما شاهدنا هناك عناصر »مأجورة« تمارس ذلك الإرهاب ليس لحسابها، بل لحساب غيرها، فلقد غاب العقل والفطنة والتفكير السليم، وأصبحت لغة »الشارع« وفرض السيطرة بالقوة هي السائدة، بعد أن غابت يد السلطة والشرعية في أداء واجبها، لابد وأن تعود قوية وفاعلة حتي لانترك الفرصة لترديد عبارة (مع الأسف) طالت الكثير من الشفاه: (فين أيامك يامبارك إنت وحبيب العادلي)؟!!