هنيئا للبلطجية .. لقد نجحوا في نقل إجرامهم وخبرتهم إلي الناس الطبيعيين. كان من الممكن تقبل أحداث العنف الاجتماعي التي مرت بمجتمعنا الطيب نتيجة ظلال الفساد التي احاطت بالناس من كل حدب وصوب وجعلتهم لا يرون امامهم سوي العنف مع الغير حتي وان كان من الأقربين لدرجة ادمت النفس البشرية السوية. كنا نتساءل لماذا يقتل الابن ابويه والعكس لمجرد مرور الاسرة بضائقة مالية نتيجة للظروف الاقتصادية القاسية وكنا نتعجب ايضا لهذا المجرم القاتل الذي انعدمت معه كل قيم الرحمة التي اوصي الله بها الابناء نحو الوالدين كما جاء في الاّية الكريمة "وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا" وجاء ايضا "ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم وإياهم". لهذا لم يكن بغريب ان نري هذه الصور العنيفة الدامية وقد انتقلت من داخل الأسرة الي الخارج لأتفه الاسباب . ولكن بعد الثورة ومع حدوث انفلات امني مؤقت تبذل الاجهزة الامنية جهدا مضنيا لرأب الصدع فيه بالتعاون مع المواطنين الشرفاء حتي علت لافتة الشعب والشرطة والجيش يد واحدة وهي كلمات صادقة وشاهدنا بعض المواقف التي تؤكد هذا الشعار وعاد رجال الشرطة يضحون بحياتهم من اجل حماية المواطنين ويقفون بالمرصاد للبلطجية . ولكن هناك مشاهد ليس بها بلطجية أو مسجلون خطر ظهر فيها العنف بشدة وكأننا في خصومة ثأرية ممتدة عبر الزمن وليست وليدة لحظة غضب! ما حدث في الآونة الاخيرة من مشاهد قطع الطرق وبث الرعب بين الناس لمجرد عدم الاستجابة لبعض المطالب الفردية يؤكد أن فئات من الناس باتت تعتقد أن العنف هو اللغة المعترف بها للتخاطب بين الناس . حدث هذا في الغورية احد الاحياء التاريخية حيث جرت مشاجرة بين الباعة الجائلين واصحاب المحلات ذكرتني بالخناقات القديمة في فترة الستينيات من القرن الماضي عندما كان الجزارون يعدون لمعركة فيما بينهم يستخدمون فيها المطاوي والسكاكين والساطور الا ان طرفي النزاع في الغورية بكل ما تحمله من ذكريات جميلة عندما تسير وسط ازقتها وحواريها أبوا ان يتركوا للغورية رونقها دون ان يصيبوه بجراح فأطلقوا الاعيرة النارية وزجاجات المولوتوف واصبحت الاغنية الجميلة "ياريحين الغورية هاتوا لحبيبي هدية " لا محل لها من الاعراب وسنجد بدلا منها "ياريحين الغورية هاتوا لحبيبي قنبلة يدوية وزجاجة مولوتوف هدية". وما حدث في الغورية انتقل بنفس الشكل الي مصر القديمة حيث تبادلت عائلتان العراك ايضا واصبح المولوتوف والاسلحة النارية هما ابطال المعركة. فهل نصحو يوما نجد انفسنا وسط نيران الاسلحة والمولوتوف فنخرج من طيبتنا المحصنة بالاخلاق الي التحصن بالسلاح الناري . من اهم مباديء ثورة 25 يناير انها ثورة سلمية اسقطت نظاما فاسدا... ليت هذه المباديء تسكن في قلوب الناس قولا وفعلا فيتعاملون بالسلم والهدوء في حل مشاكلهم حتي وان علت انفعالاتهم، وفي حالة وقوع الظلم يدركون ان هناك قضاء يأخذ الحق لاصحابه بدون مولوتوف وان هناك شرطة تحتاج الي الهدوء من الناس الطبيعيين حتي تتفرغ الي مواجهة البلطجية والا وجدت نفسها محاصرة بين بلطجية بطبيعتهم وأناس طبيعيين اكتسبوا واكتسوا بالبلطجة ..فهل هذا معقول بعد ثورة يناير. ان لم تهدأ النفوس وتعيد ترتيب اوراقها فسيلجأ كل امريء الي الحصول علي مولوتوف للدفاع عن نفسه حتي في حالة الخلاف مع اسرته وسيصيح كل مواطن "في جيبي وبيتي مولوتوف فهل من عدو قريب أو بعيد؟!