تتصادم التنمية في أحيان كثيرة مع ثقافات الشعوب حول الدين واللغة والعادات والتقاليد والثقافة العامة المتوارثة ولكون برنامج التنمية الإنمائي للأمم المتحدة يسعي لمنع واستئصال الفقر من كل أنحاء العالم أصبح لزاما أن يتم التركيز علي أولويات النمو الاقتصادي متمثلة في الصحة والتعليم مواجهة بذلك أي تحد يعرقل التنمية البشرية التي يعمل القائمون عليها كي يعيش الإنسان في ظل حماية حقوقه وخاصة الفقراء والمهمشين والمهاجرين فقرا وهربا من أي اضطهاد عرقي أو ديني. والتنمية البشرية تعني وجود تعبير ثقافي وسياسي كامل لدي كافة المواطنين في كل بلاد العالم شريطة أن يكون التعبير كاملا ومهما ويسير هذا التعريف جنبا إلي جنب مع الاقتصاد الذي يؤدي إلي رعاية حقوق الإنسان في حياة كريمة وممارسة الديمقراطية حتي يستطيع أي فرد أن يحصل علي إمكانيات المعيشة الأساسية له ويوضح التقرير الأخير لبرنامج التنمية الإنمائي أن المزاعم القائلة إن الاختلافات الثقافية تؤدي بالضرورة إلي نزاع اجتماعي واقتصادي وسياسي. ويعرض التقرير الفكر الأساسي لما يعنيه بناء وتدبير الهوية الثقافية بما يتماشي مع الأساس الأول للتنمية البشرية والذي قد يكون سهلا في بعض الأحيان مثل حق الفتاة في التعليم وإلحاق المتسربين بالمدارس المدنية ولكي يحدث التغيير الحقيقي يجب توفير الحماية والضمان للأقليات وأن يصل للمواطنين التصرف بشعور حقيقي يعمل بإخلاص من أجل احتياجات الآخرين وتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية الثقافية باعتبارها جزءا حيويا من التنمية البشرية.. لأن تمكن الإنسان من اختيار هويته أي من يكون؟ مع احتفاظه باحترام الآخرين والتعرض للاستبعاد شرط هام لممارسة الحرية التي يبحث عنها الجميع.. فالكل يريد حرية ممارسة دينهم علانية والتكلم بلغتهم والاحتفال بتراثهم دون التخلي عن جذورهم وهي قد تكون فكرة بسيطة لكنها مثار قلق لأن الاعتراف سيؤدي إلي تنوع كبير في المجتمع يفني حياة الناس وقد يحدث منه خطر كبير.. نتيجة الصراع علي الهوية الثقافية التي قد تتحول بسرعة إلي مصدر من أكبر مصادر عدم الاستقرار وتسبب نزاعات تعود بالتنمية للوراء فسياسات الهوية التي تستقطب الناس والمجموعات تخلق خطوط تقسيم فاصلة بين نحن وهم تزيد الكراهية والعنف الذي يهدد السلام والتنمية والحرية الإنسانية.. كما قد تخلق الصراعات بشأن الهوية سياسات قمعية معادية للأجانب في كل مكان بالعالم الذي يبلغ عدد بلدانه قرابة مائتين تضم حوالي خمسة آلاف مجموعة عرقية والتنوع الثقافي موجود ليبقي وينمو وعلي الدول أن تجد سبلا لتكوين وحدة وطنية من خلال الروابط الإنسانية المشتركة. الهوية والعولمة ويجيب التقرير علي تساؤل مطروح عن إمكانية تهديد الهويات القومية والمحلية من العولمة بأنه يمكن للعولمة أن تهدد الهويات القومية والحل ليس في التراجع للوطنية الانعزالية بل في صياغات سياسية جديدة تشجع التنوع والتعددية وينصب التركيز علي الكيفية التي ينبغي للدول أن تدير بها الأمر وتواجه التحديات التي تكمن خارج حدودها علي شكل انتقال الأفكار ورءوس الأموال والسلع والناس عبر الحدود الدولية.. فالاتصالات بين الناس وقيمهم وأفكارهم في نمو وازدياد ويخشي في المقابل أن تهددهم العولمة ويمثل هذا سداً للطريق علي المؤثرات الأجنبية. ويوصي التقرير بالسماح للبلدان وتشجيعها بأن تبقي مفتوحة أمام التدفقات العالمية من رؤوس الأموال أو السلع وعلي هذه السياسات أن تعالج أي اختلال بين القوي السياسية والاقتصادية ويجري التطوير للبدائل علي ثلاثة محاور الأول سكان أصليون يحتجون علي الاستثمارات في قطاعات التعدين وعلي إساءات استخدام المعارف التقليدية وهذا ما يهدد سبل التعاون وتطالب بعض البلدان بعدم التعامل مع الوسائط الفنية كالسينما والتليفزيون اكتفاء بالسلع التجارية الدولية ظنا أن الوسائط الثقافية والفنية تضعف الوسائط الوطنية للبلد المستورد والثالث يطلب فيه مهاجرون احترام نمط حياتهم فهم من هويات متعددة ومختلفة في بيئتهم الأصلية وتأمل المجتمعات المحلية التي يلجأون إليها أن ينصروا بها أو ينصرفوا عنها خشية أن تنقسم كياناتها الاجتماعية وتتآكل هويتها القومية وتأتي إمكانية التجاوب مع هذه المطالب باحترام التنوع والتعدد والتعامل وقبول الاختلافات. حرية الثقافة والتنمية الأمية وفقدان الرعاية الصحية والبطالة والعوز تعني خسارة شخصية واجتماعية للأفراد داخل المجتمعات التي تفتقر لحرية الثقافة والتنمية البشرية التي تبحث سبل تعزيز حياة الناس والحريات لذا كان ضروريا توسيع منظور التنمية البشرية لاستيعاب أهمية الحرية الثقافية التي تتطلب اهتماما دقيقا لأسباب ثلاثة الأول أن حرية الثقافة تمثل جانباً هاماً من حرية الإنسان بشكل محوري لقدرة البشر علي العيش يتطلب به الانطلاق لما هو أبعد من الفرص الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لأن هذه الفرص بمفردها لا تضمن وجود حرية ثقافية والثاني جاء بالتركيز خلال سنوات علي الثقافة والحضارة ولم تكن الحرية الثقافية بقدر ما كان الاعتراف بل علي الاحتفاء بالمحافظة الثقافية غير أن لمنهج التنمية البشرية ما يعرضه لتوضيح أهمية حرية الإنسان في المجالات الثقافية فبدلا من تمجيد التأييد الاستدلالي للتقاليد الموروث أو تحذير العالم من الحتمية المزعومة لتصادمات الحضارات يتطلب منظور التنمية البشرية توجه الاهتمام إلي أهمية الحرية الثقافية مثل غيرها من المجالات وإلي سبل الدفاع عن الحريات الثقافية التي يمكن للناس التمتع بها وتوسيع نطاقها.. فالمسألة الحاسمة ليست مجرد أهمية الثقافية التقليدية بل هي الأهمية بعيدة الأثر للخيارات والحريات الثقافية.. وحدد البعد الثالث أن الحرية الثقافة ليست هامة في المجال فقط إنما أيضا في النجاحات والإخفاقات التي تحدث في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لوجود علاقات تبادلية قوية تربط بين الابعاد المختلفة للحياة البشرية.. فرغم أن الفقر يعتبر فكرة اقتصادية مركزية لا يمكن فهمه علي نحو كبير إذا لم يتم إدخال الاعتبارات الثقافية.. ولقد ألقي عالم التنمية البشرية »آدم سميث« الذي له منجزاته الضوء علي مدي ترابطهما معا وبعدها قدم ما يدل علي أن الفقر لا يتخذ فقط الشكل الإجمالي للجوع والحرمان البدني وإنما في إمكانية النشأة في المصاعب التي وجدت بالمجموعات المشاركة في المجتمع المحلي ولا يمكن كي يحلل الفقر أن نقارن أهمية وضرورية السلع التي لا غني عنها لاستمرار الحياة وإنما أي شيء تجعله عادات البلدان يفتقر إليه أي من المواطنين حتي في أدني الطبقات الاجتماعية.. فعلي سبيل المثال أن العادات جعلت الحذاء الجلد ضرورة هامة في انجلترا ومهما كانت درجة فقر الرجل أو المرأة لابد أن يظهر به والحرمان النسبي يؤدي إلي حرمان اجتماعي كأن يكون دخل الإنسان ضئيلاً جدا في مجتمع ثري وبسبب عجزه ماليا عن الحصول علي السلع التي تلزم المعيشة تؤدي إلي تحقيقات ثقافية لإظهار التقدير الكافي للحرية والتأثير الثقافي في التنمية البشرية.