تعاون مثمر في مجال المياه الإثنين بين مصر والسودان    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 6 مايو 2024    بطائرات مسيرة.. استهداف قاعدة جوية إسرائيلية في إيلات    "لافروف": لا أحد بالغرب جاد في التفاوض لإنهاء الحرب الأوكرانية    موعد مباراة الأهلي ضد الهلال اليوم الإثنين 6-5-2024 في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    هشام يكن: خسارة سموحة محزنة.. ويجب أن نلعب بشخصية البطل ضد نهضة بركان    أحوال جوية غير مستقرة في شمال سيناء وسقوط أمطار خفيفة    حمادة هلال يكشف كواليس أغنية «لقيناك حابس» في المداح: صاحبتها مش موجودة    مخرج "العادلون": تقديم المسرحية ضمن المهرجان الإقليمي لفرق القاهرة الكبرى    حملات تموينية على المخابز السياحية في الإسكندرية    طالب ثانوي.. ننشر صورة المتوفى في حادث سباق السيارات بالإسماعيلية    «القاهرة الإخبارية»: 20 شهيدا وإصابات إثر قصف إسرائيلي ل11 منزلا برفح الفلسطينية    أول شهادةٍ تاريخية للنور المقدس تعود للقديس غريغوريوس المنير    إلهام الكردوسي تكشف ل«بين السطور» عن أول قصة حب في حياة الدكتور مجدي يعقوب    بسكويت اليانسون.. القرمشة والطعم الشهي    150 جنيهًا متوسط أسعار بيض شم النسيم اليوم الاثنين.. وهذه قيمة الدواجن    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    رضا عبد العال ينتقد جوزيه جوميز بعد خسارة الزمالك أمام سموحة    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    مدحت شلبي يكشف تطورات جديدة في أزمة افشة مع كولر في الأهلي    تزامنا مع شم النسيم.. افتتاح ميدان "سينما ريكس" بالمنشية عقب تطويره    ما المحذوفات التي أقرتها التعليم لطلاب الثانوية في مادتي التاريخ والجغرافيا؟    برنامج مكثف لقوافل الدعوة المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء في محافظات الجمهورية    من بلد واحدة.. أسماء مصابي حادث سيارة عمال اليومية بالصف    "كانت محملة عمال يومية".. انقلاب سيارة ربع نقل بالصف والحصيلة 13 مصاباً    أقباط الأقصر يحتفلون بعيد القيامة المجيد على كورنيش النيل (فيديو)    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    مئات ملايين الدولارات.. واشنطن تزيد ميزانية حماية المعابد اليهودية    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    وسيم السيسي: الأدلة العلمية لا تدعم رواية انشقاق البحر الأحمر للنبي موسى    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يُجيب -(فيديو)    تخفيضات على التذاكر وشهادات المعاش بالدولار.. "الهجرة" تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    بعد ارتفاعها.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6 مايو 2024 في المصانع والأسواق    نقابة أطباء القاهرة: تسجيل 1582 مستشفى خاص ومركز طبي وعيادة بالقاهرة خلال عام    فرج عامر: سموحة استحق الفوز ضد الزمالك والبنا عيشني حالة توتر طوال المباراة    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    يمن الحماقي ل قصواء الخلالي: مشروع رأس الحكمة قبلة حياة للاقتصاد المصري    الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    أشرف أبو الهول ل«الشاهد»: مصر تكلفت 500 مليون دولار في إعمار غزة عام 2021    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    مصطفى عمار: «السرب» عمل فني ضخم يتناول عملية للقوات الجوية    حظك اليوم برج الحوت الاثنين 6-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    بعد عملية نوعية للقسام .. نزيف نتنياهو في "نستاريم" هل يعيد حساباته باجتياح رفح؟    كشف ملابسات العثور على جثة مجهولة الهوية بمصرف فى القناطر الخيرية    تؤدي إلى الفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم.. الصحة تحذر من تناول الأسماك المملحة    عضو «المصرية للحساسية»: «الملانة» ترفع المناعة وتقلل من السرطانات    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    بإمكانيات خارقة حتدهشك تسريبات حول هاتف OnePlus Nord CE 4 Lite    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    الإسكان: جذبنا 10 ملايين مواطن للمدن الجديدة لهذه الأسباب.. فيديو    وزيرة الهجرة: 1.9 مليار دولار عوائد مبادرة سيارات المصريين بالخارج    إغلاق مناجم ذهب في النيجر بعد نفوق عشرات الحيوانات جراء مخلفات آبار تعدين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوالى 60 مليون عربي «أمي» و9ملايين طفل خارج المدارس و45% من الطلاب العرب الدارسين في الخارج لا يعودون
نشر في القاهرة يوم 08 - 12 - 2009


هل هناك مجتمع محدد المعالم اسمه"مجتمع الانترنت"؟
ما سماته وما دوره في تطوير الاقتصاد العالمي والمحلي..أو ما القيم الجديدة التي يحملها..وما موقع العرب فيه؟
في الجزء الأول من كتابه المهم:"عصر المعلومات"وهو ثلاثة أجزاء ، ويحمل عنوان "مجتمع الشبكات"صدر 1998 يقول عالم الاجتماع الأمريكي مانويل كاستلس وهو أحد أبرز المنظرين لمفهوم الشبكة ووسائط الاتصال الجديدة، بجامعة بركلي الأمريكية الشهيرة
"إن التقنية هي المجتمع، والموجودون الان علي شبكة الانترنت يمثلون مجتمعا محددا يختلف عن المجتمع الذي لا يتعاطي مع الشبكة العنكبوتية .
عالم من الشك المنهجي
ويعتبر عالم الاجتماع الفرنسي آلان تورين صاحب الكتاب الشهير " المجتمع ما بعد الصناعي" "1969 "إننا علي أعتاب دخول نموذج مجتمع جديد يمتاز بالتكنولوجيا ونتائجها المباشرة في تنظيم العمل والمظاهر المهمة في الحياة الاجتماعية، ما يبرر بأثر رجعي استعمال تعبير "مجتمع ما بعد الصناعي"، نظرا لأن هذه العبارة علي الرغم من سلبيتها، لها علي الأقل شرف الإعلان عن نموذج مجتمع جديد، وبالتالي عن رهانات جديدة في السلطة والمجتمع
ان اهم مزايا مجتمع المعلوماتية هو الشك المنهجي، يقول إيليا بريجوجين الحائز علي جائزة نوبل: إن القرن العشرين حول كوكبنا من عالم متناه من الحقائق اليقينية إلي عالم لامتناه من الشكوك. وكانت هذه التحولات علي درجة من الأهمية والعمق إلي درجة أنها جعلت الدراسات المستقبلية والتخطيط الإستراتيجي موضع شك وسخرية، حتي يكاد التنبؤ الوحيد الصحيح هو استحالة التنبؤ، فلم تكن آلة التسجيل هي آلة التعليم المثلي كما تصور مخترعها، ولم تقتصر استخدامات الكمبيوتر علي الإحصاء كما توقع مهندسه الأول، ولم تقتصر مبيعاته علي أربعة أجهزة سنويا كما توقع رئيس مجلس إدارة شركة I.B.M.. فهي إذن ثقافة المجهول والمغامرة والشك!
وهو أمر له ما يبرره منطقيا بعد أن ندرك الدور الكبير والمهم الذي بدأت تلعبه " المعلوماتية" في رسم معالم مجتمع الألفية الثالثة والحال أن كاستلس يدمج وفق هذه الرؤية كليا بين التكنولوجيا والمجتمع الي حد القول أن المجتمع المعلوماتي الجديد ينتج حاليا ثقافته أو ايديولوجيته ،وربما القيم الاجتماعية التي يتسم بها ويسعي لحل المشكلات التي تواجهه مثل أي مجتمع ومنها السرقة عبر الانترنت أو التجسس أو افساد المعلومات عن طريق الفيروسات.
إن أحد أبرز سمات مجتمع المعلوماتية هي الغاء الحواجز الاقليمية والثقافية وانتاج هوية جديدة علي حساب الهويات القديمة ،وقد حقق مجتمع المعلوماتية ماحذر منه الفيلسوف الألماني هربرت ماركيوز، المجتمع ذو البعد الواحد ، أو إذا شئنا تعبير فلاسفة ما بعد الحداثة، أطلقنا عليه مجتمع " الرحل" الجدد الذي يجهز علي جميع الاختلافات والتمايزات ويوحد أفراده في نظمهم ومعاييرهم وأذواقهم داخل نمط واحد.
كيف؟
يقوم مجتمع المعلوماتية علي فكرة تقويض العلاقات الاجتماعية الهرمية والتراتبية والتصنيفات الطبقية التقليدية، لأن ثقافة الوسائط المتعددة وثقافة الإنترنت والشبكات، بمثابة أبجدية جديدة في زمننا تشجع الإنسان علي الذوبان وانصهاره في عالم الرقمنة، لا تفرض علي أعضائها انتماء أو ظهورا بعينه علي وجه الحصر، فضلا عن كون ذلك لا يخضع لتصنيف محدد بحيث تتم معرفة العالم في الشبكة انطلاقا من سيولة معلوماته ورغبات الفرد وليس من محددات أخري.
أعلي مراحل الليبرالية
علي ضوء ما سبق يمكن أن نتوقف عند ماذهب اليه دانييل بيل عالم الاجتماع الأمريكي "1976" في اعتقاده ان المعلوماتية هي واحدة من ارقي مراحل الليبرالية،فهي المجتمع المفتوح يستطيع كل من يشاء أن يقول أو يفعل مايشاء بدون حدود،حسبما يري انصار تيار الدراسات الثقافية في الولايات المتحدة وهم يعتقدون أن دور وسائط الاتصال أكبر من أن نحشره في نقل ووصل التجارب ببعضها البعض فحسب، بحيث لعب تيار الدراسات الثقافية دورا كبيرا في تحليل علاقة الجماهير الشعبية بالوسائط الاتصالية، وكيف تسعي الشرائح الفقيرة والمهمشة والأقليات الجنسية والثقافية إلي التنفيس من ضغط الثقافة السائدة عبر اختراع أشكال تعبيرية وشفهية تقاوم بها صعوبة الحياة اليومية وحِدّة الاستغلال والفقر والتهميش والحرمان الذي يعاني منه الكثيرون.
ويعتبر رواد هذا التيار " ريشارد هوجارت، رايموند ويليامس، إدوارد طومبسون، ستيوارت هال" أول من قدموا أطروحات نقدية صارمة إلي نظرية الثقافة الماركسية بغاية تطويرها، ما يجعل من العمال والفقراء والمهمشين شركاء حقيقيين في المجال الثقافي سواء عبر وسائط الاتصال الجماهيرية أو في علاقة معها.
ان اشراك الجماهير الفقيرة في عملية الاتصال هو هدف رأسمالي بحت ،أوهذه هي الرأسمالية الحقيقية التي تحلم بالسوق المفتوح ،ويحدد دانييل بيل معالم مجتمع المعلوماتية من منظور ليبرالي بحت بخمسة مظاهر أساسية:
1- إن المعلوماتية قدمت خدمة العمر للرأسمالية لجهة التدفق "المالي والمصرفي" في جميع مختلف أنحاء العالم، حيث تقوم تكنولوجيا المعلومات الجديدة بتحطيم العقبات والعراقيل الزمنية والمكانية مشجعة توسُّع الرأسمالية المالية إلي أبعد الحدود، فالمعطيات التي يدفع بها لتبرير ظهور اقتصاد المعرفة وتكنولوجيا المعلومات في وسط التسعينات، يري أنها وراء تشكيل نفس جديد في الرأسمالية وانطلاق موجة جديدة داخلها. إذ يقول مانويل كاستلس : حدثت إمكانية اندماج الأسواق المالية العالمية منذ بداية الثمانينات بفضل تكنولوجيا المعلومات الجديدة، ما كان له عظيم الأثر في الفصل بين تدفق الرأسمال والاقتصاديات الوطنية فالاستثمارات المالية الأمريكية في جنوب شرق اسيا تضاعفت 30مرة عما كانت عليه في السبعينات من القرن الماضي،ماوفر ارباحا وفرص عمل وزيادة في الدخل الأمريكي بواقع 17%عام2003مقارنة بماكان عليه عام 1995
2-الانتقال من نظام إنتاج المواد إلي اقتصاد الخدمات "خاصة في التعليم، الصحة، البحث العلمي، التدبير الإداري"،واصبح انتاج المعرفة عن طريق العقول أهم وأجدي وأربح من الانتاج الصناعي ،وتحول هياكل العمل من عمل يدوي وميكانيكي إلي تخصص تقني عالي المهارة وقائم علي الخبرة واقتصاد المعرفة. والقصد أن تكنولوجيا المعلومات أخذت دور محرك الدينامية، بمعني إن تكنولوجيا المعلومات تقمصت دور قوي الإنتاج في نموذج العصر الصناعي، بمعني إن تكنولوجيا إنتاج المعرفة " اقتصاد المعرفة" أصبحت مصدرا أساسيا في الإنتاجية وهي من تقف خلف فائض القيمة والتراكم الرأسمالي.
3- إن ما يلاحظ في نموذج مجتمع المعلومات، قيام تكنولوجيا إنتاج المعرفة ومعالجة المعلومات والتواصل بمهام الإنتاجية وخلق الفائض في القيمة، إذ " ما يمتاز به هذا النموذج الجديد، هو أن فعل المعرفة في ذاتها هو المصدر الأساسي لخلق الثروة، بحيث إن معالجة المعلومات تهدف إلي تحسين تكنولوجيا معالجة المعلومات كمصدر للإنتاجية، ما يجعل من هذه العملية دائرة تفاعلية بين المعارف التي توجد في قاعدة التكنولوجيا، وتطبيقاتها بغاية تحسين توليد المعرفة ومعالجة المعلومات".
4- تصاعد الدور المركزي للمعرفة النظرية في الإبداع الثقافي والنمو الاقتصادي،وبروز تقنيات جديدة قائمة علي العلوم الذهنية،فضلا عن المقدرة المتسعة في التحكم بالتطورات التقنية والاجتماعية.
5- إن أغلب مجتمع المعلومات الحالية رأسمالية " أي لا يمكن أن نتصور آلية اشتغالها من دون هذا النظام"، فتكنولوجيا المعلومات والتواصل تعد المصدر الأساسي للإنتاجية وقاعدة الثورة الإعلامية في نفس الوقت،والمسألة هنا لاتقاس بالاخلاق بل يمكن العودة هنا الي "قانون ميلفين كرانزبرج " في أطروحته الشهيرة: "إن التقنية ليست جيدة أو سيئة في حد ذاتها. وبالرغم من أنها غير محايدة، فهي قوة عظيمة تنفذ إلي قلب الحياة والروح، لكن انتشارها في الفعل الاجتماعي الواعي هو مثل الطابع المعقد للتفاعل بين قوي تقنية رعناء أطلقت الإنسانية عنانها بذاتها، يخضع للتحليل وليس للقدر".
نقد ايديولوجيا مجتمع الانترنت
ولعل أهم نقد وجه الي مجتمع الانترنت هو ماساقه الباحث الماركسي فريدريك جيمسن وهو يعزي أسباب التحولات الجارية إلي ظهور الموجة الثالثة من تطور الرأسمالية بعد المرحلة التجارية والمرحلة الصناعية،لكن أهم عيوبها -في نظره- هي" ضعف استقلالية الثقافة بعد ابتلاعها من قبل منطق السوق وتحولها إلي مجرد سلعة، بحيث من شأن إسقاط الحدود بين فضاء السوق وفضاء الثقافة، فقدان البوصلة النقدية التي عادة ما تميز هذه الأخيرة، الأمر الذي عجّل بظهور ما يسمي بالحروب الثقافية في الفضاءات الاجتماعية".
أما الفيلسوف الكندي شارل تايلور فيري أن اهم نقد للمعلوماتية هو"طغيان النزعة الفردية إنْ سمحت بحرية أكبر وإشباع حاجيات الإنسان، يمكن في ذات الوقت أن تؤدي إلي الانعزالية والانكفاء علي الذات بما يباعد بين الفرد والمجتمع وتجعل هذا الأخير جزرا منعزلة عن بعضها البعض.
انتقادات ماكس فيبرللمجتمع الصناعي
لاشك ان كلام تايلور يردنا الي عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، الذي حلل المجتمع الصناعي من قبل وتوصل الي حقيقة قد ترشدنا الي علاقة التحولات الثقافية الوافدة مع مجتمع الانترنت علي قيم الانتاج والانماط الاجتماعية ،يري فيبر أن مرد التحولات العميقة تكمن في أن منطق المجتمع الصناعي دفع في اتجاه تكوين مجتمعات بيروقراطية مهيكلة وخاضعة لأنظمة حسابية دقيقة وصارمة، تعتمد آليات العقلانية الأداتية في جميع مجالات الحياة الاجتماعية، بغاية النجاعة والفعالية. فالدولة الأمة مثلا وجدت نفسها معنية بإعداد التراب الوطني وتجهيزه بالبنيات التحتية، كما توفير حاجيات الساكن المختلفة بما يؤمن رفاه كل واحد منهم وقضاء حاجياتهم " سكن، صحة، تعليم، عمران، وقاية...".
ويعتبر العالم الفرنسي آلان تورين "أن الارتباط القديم بين التقنية والقيم الثقافية والسياسية في زوال، حيث لم يعد هناك من ارتباط وثيق بينهما، بل يلاحظ غلبة العقلية الأداتية ما يجعل النتائج الاجتماعية والثقافية مرتبطة باستعمالات تقنية محضة "
لماذا يكرهوننا؟
في اطار رغبة الرأسمالية الأمريكية للتوسع في الاسواق ،تقوم الولايات المتحدة الأمريكية(بإيصال المبادئ والقيم التي تشكل أسس سياستها وتحدد طبيعتها كدولة عبر البرامج التقليدية وعبر جميع الأدوات التكنولوجية بمشاركة القطاعين العام والخاص، وتعمل في الوقت نفسه للاجابة عن سؤال :لماذا يكرهوننا؟ من خلال برامج علي الانترنت لزيادة التفهم والاحترام المتبادل بين شعب الولايات المتحدة وشعوب البلدان الأخري. وبحسب باتريشيا هاريسون مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشئون التعليمية والثقافية قد وسعت بعد 11 سبتمبر 2001م من اتصالاتها إلي أبعد من النخب، إلي المجموعات الاجتماعية الاستراتيجية التي تضم الشباب والقيادات الدينية ابتداء من وزارة التربية إلي الأساتذة ورجال الدين والمدربين الرياضيين والأهالي، وتعمل علي استضافة ما يزيد علي 30 ألف زائر في برامج التبادل الثقافي مع 1500 منظمة عالمية وتعمل علي تمويل برامج تعليم اللغة الإنجليزية للشباب وتستخدم كل الوسائل الإعلامية من الإنترنت إلي المطبوعات، وأقامت العديد من اللجان مع العالمين العربي والإسلامي للتنسيق والتواصل في مقدمتها اللجنة الجديدة للتواصل مع العرب والمسلمين المعتدلين لتطوير أجندة الفرص، وقامت بتأسيس مواقع عربية علي الإنترنت وزادت أعمال الترجمة اليومية من العربية من ثلاثة أو أربعة آلاف كلمة في اليوم إلي اثنتي عشرة وخمس عشرة ألف كلمة في اليوم، والشراكة من أجل التعليم عام 2001م وما زالت منتجات التليفزيون والفيديو أدوات استراتيجية قوية للاتصال في تبليغ الرسالة السياسية الخارجية الأمريكية، وتبلغ ميزانية هذه النشاطات الموجهة إلي الشرق الأوسط 25% من مجموع الميزانية العامة لتمويل هذه النشاطات الداعية للتسامح الديني والتنوع الإثني.
أين العرب في مجتمع الانترنت؟
توجد إشارات إحصائية تشير إلي أن إجمالي مستخدمي الإنترنت حول العالم تجاوز عددهم المليار مستخدم، إلا أن المستخدمين العرب للشبكة لا يمثلون إلا 1.7% فقط من المجموع العام لمستخدميها في العالم، فمن بين حوالي مليار مستخدم في أنحاء العالم، لا يتجاوز عدد المستخدمين العرب 17مليون شخص في أكثر الإحصاءات التقديرية تفاؤلا علماً أن سكان العالم العربي الذين يكادون يصلون إلي300 مليون إنسان وأن من بينهم حوالي50 مليون أُمي حسب الإحصاءات التي أجريت مؤخراً من قبل جامعة الدول العربية، وستكون هذه النسبة الكبيرة خارج دائرة استخدام الإنترنت.
وتفسير ذلك أن الدول المتقدمة بهذا المجال أوجدت البنية التحتية القوية بأسعار في متناول الجميع.
وهكذا نري الفرق الشاسع بين الدول العربية والدول المتقدمة في نسب مستخدمي الانترنت ومثال ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة تتربع برأس القائمة بنسبة 10.2% و تليها لبنان 8% و الكويت 5.5% و الأردن 2% ومصر بنسبة 0.8% من تعداد السكان،.وليس المهم هنا هو ارقام واعداد مستخدمي الانترنت بقدر الاهتمام بالخدمات التي قدمتها الشبكة العنكبوتية للاقتصاد العربي، وتنشيط حركتي التجارة والسياحة فضلا عن المساهمة في خلق ثقافة جديدة تصب في مصلحة العقل العربي وقضاياه الاساسية.
ولاتتوفر احصاءات دقيقة عن مدي مساهمة المعلوماتية في تنشيط الاقتصاد العربي لكن هناك مؤشرات علي تنامي استخدام التكنولوجيا في الاتصال التجاري والسياحي بين العرب والعالم،كما ان مجتمع الانترنت وفر للعرب فرصة معرفة مايدور في العالم ومن دون الانترنت ماكان يمكن معرفة قصة الرسوم الدنماركية المسيئة للرسول الكريم ،ولا كان ممكنا للدنمارك معرفة رد الفعل الاسلامي.
لكن من دون شك لاتزال هناك فجوة بين الانسان العربي ومجتمع المعرفة ونقصد هنا الكتل الجماهيرية وليس النخبة، ونشير الي تقرير المعرفة العربي لعام 2009، الذي يرسم صورة لحالة اقتصاد المعرفة في الدول العربية.
التقرير الذي تم إعداده بالشراكة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، قدم أرقاما مخيفة، من بينها أن خمس العرب، أي 60 مليون نسمة، أميون و45% من الطلاب العرب الدارسين في الخارج لا يعودون، كما أن ما يقارب 9 ملايين طفل في سن التمدرس يوجدون خارج أسوار المدارس، وحسب التقرير، الذي أطلق في دبي خلال المنتدي الاستراتيجي العربي، فإن الفقر ما زال يتزايد في المنطقة العربية، حيث إن أكثر من 18% من العرب فقراء، كما تصاعدت نسبة البطالة في الكثير من الدول العربية مسجلة نسبة وصلت 30%،وهذه الصورة تتناقض كليا مع قواعد مجتمع المعرفة الذي ينطلق من ثلاثية المعرفة والتنمية والحرية، وهي تعني أنه لا تقدم بدون معرفة ولا معرفة بدون حرية، إذ إن العلاقة عضوية بين العناصر الثلاثة، فلا تنمية إنسانية من دون معرفة. وهنا يجب التأكيد علي غائية المعرفة التي تخدم التنمية والمجتمع الذي تنصهر فيه، فالمعرفة في نهاية
المطاف مطلب وحق إنساني.
وينطلق التقرير من مبدأ حماية الحق في المعرفة كواحد من حقوق الإنسان الاساسية، ويبني رؤيته لتطوير مجتمع المعرفة علي ثلاثة قواعد هي الانفتاح والتواصل والحرية والتكامل مع الحاجات التنموية للمجتمع وبدون هذه القواعد الثلاث مجتمعة من الصعب أن يتحقق أي تطور نحو التنمية والمعرفة، فلا يمكن لمجتمع متردد في القبول بالانفتاح والتواصل أن يحقق الحرية المطلوبة في طرح الأفكار والحوار ،وبناء علي القواعد الثلاث يقترح التقرير أيضا ثلاثة محاور للعمل، الأول هو التوظيف في خدمة التنمية الإنسانية من خلال إقامة وتوثيق العلاقة ما بين نقل وإنتاج وتطوير المعرفة من جهة وما بين إنتاج السلع والخدمات والإنتاج الثقافي من جهة أخري.
المحور الثاني هو توفير البيئات المناسبة من خلال الحريات وسيادة القانون والتشريعات والمؤسسات الحاضنة للمعرفة والسياسات التنموية التي تشجع الإبداع وتحتفي به.
المحور الثالث يركز علي نقل وتوطين المعرفة من خلال إحياء اللغة العربية بما في ذلك الترجمة ومنهجة نقل التكنولوجيا وإقامة ودعم دور البحث العلمي ومكافأة المعرفة المنتجة محليا والاحتفاء بها. هذه المحاور تتطلب تغييرا جذريا في النمط السائد من الإدارة في العالم العربي وخاصة في مجال تمكين واحترام وتقدير البحث العلمي والمعرفة ومكانتها الاجتماعية ودورها في صناعة السياسات والقرارات.
هل يبدو ذلك حلما غير قابل للتحقق؟بالعكس هناك امكانات عربية هائلة لدخول مجتمع المعرفة بشرط توفر الارادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.