برغم جميع الجهود المبذولة علي المستوي العالمي, وبرغم اهتمام الباحثين والحكومات والمنظمات الدولية والاقليمية والمحلية للحد من ظاهرة الفقر والحرمان البشري, والادعاءات المعلنة بنشر ثقافة العدل والمساواة, وحقوق الانسان فان الواقع يشير الي ان قضايا الفقر, وظاهرة الإفقار للشرائح الاجتماعية الضعيفة مثل: النساء والاطفال ستظل تمثل معضلة كبري امام العالم, ليس فقط بسبب تزايد أعداد الفقراء والمحرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية علي الصعيد العالمي, بل نظرا لاتساع حدة التفاوت المعيشي بين اغنياء العالم وفقرائه. إن ظاهرة التزايد المستمر ل جيوش الاطفال الفقراء خاصة في الدول التي تحبو نحو التنمية في ظل تحديات النظام الدولي الجديد, والعولمة الكاسحة, سوف تؤدي بلا شك الي أفعال وسلوكيات تهدد البشرية كلها دون استثناء فهذه الاجيال الجديدة يمكن استقطابها في حركات تدميرية تنتشر في بقاع الارض, حيث ينتشر الارهاب والتطرف والجرائم بجميع حركات انماطها, لذا فاغنياء العالم وفقراءه في سلة واحدة! فهل يعي الاغنياء المسار الطبيعي للتاريخ؟ ان معظم التنبؤات البحثية تتفق علي أن قضايا الفقر والحرمان البشري, ستظل تمثل احد أهم التحديات التي تواجه مشروعات التنمية علي الصعيد الدولي, في زمن تتعاظم فيه الهوة بين الاغنياء والفقراء, وتتصاعد فيه آليات الهيمنة بفعل العولمة الكاسحة التي تجوب العالم, لذا يتعين علي حكومات الدول مواجهتها بسياسات اجتماعية فاعلة, من اجل التقليل من مخاطرها, وبخاصة في ذلك الجزء الجنوبي من القرية الكونية الذي يعاني من اوضاع متدنية سواء في درجة ونوعية التطور الإنتاجي الذي ينهار أو يتحرك الي الخلف او تعاظم التفاوت المعيشي بين الشرائح الاجتماعية المختلفة, حيث تتحول في معظمها الي فئات هامشية يتدني مستواها الاجتماعي بصورة مكثفة وسريعة لتستقر في قاع المجتمع. الواقع ان استراتيجيات وسياسات التنمية, المتفق عليها دوليا لمعالجة قضايا الحرمان البشري لم تؤد الي نتائج ملموسة في الحد من دوامة الفقر, أو تخفيض أعداد الفقراء أو تحسين أحوالهم المعيشية إلا في عدد محدود للغاية من هذه الدول, ففي حين حدث بعض الانخفاض في نسبة فئات السكان الفقراء في العالم الثالث مقارنة بالعقود السابقة, فانه يعتقد ان العدد المطلق للفقراء في تلك المناطق قد زاد. وقد ذكر تقرير صدر أخير عن البرنامج الانمائي للامم المتحدة ان10 ملايين و700 طفل يموتون بسبب الجوع والفقر, كما يعيش اكثر من مليار انسان بأقل من دولار واحد للفرد يوميا ولن يلتحق47 مليون طفل بمدارس بحلول عام2015. ونظرا للاهتمام العالمي بظاهرة الفقر والحرمان البشري, سعت كل من الهيئات والمنظمات الدولية, كالبنك الدولي للإنشاء والتعمير, الي وضع برامج تنموية واستراتيجيات مخططة بهدف مكافحة الفقر العالمي أو التخفيف من حدة الفقر العام, وفقر الفئات المهمشة مثل النساء والاطفال, ففي مجال مكافحة الفقر حددت الأممالمتحدة مجموعة من الاهداف للمجتمع الدولي حتي عام2015 تمثلت في تخفيض اعداد الفقراء الي النصف, وضمان التعليم الابتدائي الشامل, وإزالة التفاوت بين الجنسين, العمل علي تخفيض معدلات الوفيات بين الاطفال الرضع بنسبة الثلثين, والعمل علي تخفيض معدلات وفيات الامهات وغيرها من الاهداف. كانت توجهات التنمية في الخسمينيات والستينيات ترتكز علي الاستثمارات التجارية, ومرافق البنية الاساسية وفي السبعينيات اتجهت التنمية الي التعليم والرعاية الصحية, وتطور الأمر في الثمانينيات حيث تركز الاهتمام في تطوير نظم الادارة في المجال الاقتصادي علي الصعيد الدولي, واقترح تقرير عام1990 تشجيع الاستخدام المكثف للايدي العاملة ودعم سياسات التحرر الاقتصادي وتوجيه الاستثمار في خدمة المرافق, وتقديم الخدمات الاساسية للفقراء في مجالي الرعاية الصحية والتعليم, وبرز خلال التسعينيات مفهوم ترشيد ادارة المؤسسات. يقدر في كشف حساب للتقدم والحرمان في مجال التنمية البشرية ان ما يقرب من ثلث السكان في البلدان النامية يعيشون في فقر مدقع, خاصة الاطفال الفقراء والنساء, علاوة علي ذلك فان احتمالات التوقعات بالنسبة للمستقبل لا تسمح لنا بان نأمل في نمو اقتصادي اكبر تشهده الاعوام المقبلة, ولا يسمح كذلك بمكافحة الفقر أو الحد منه بصورة مرضية. فعلي الصعيد العالمي افضي تشابك نظم القروض والتجارة وحركة رأس المال في الثمانينيات الي زيادة الاغنياء ثراء والفقراء فقرا, فعلي مدي الأعوام الاربعين الماضية ضاعفت الدول الغنية بما فيها اوروبا وأمريكا الشمالية دخل الفرد بها ثلاثة أضعاف في حين ضاعفت الدول المتوسطة الدخل مثل البرازيل والمكسيك وتركيا دخل الفرد بها أكثر من مرة واحدة. وعلي الرغم من أن هناك دولا نامية, أو تنحو نحو التطور بما فيها الصين ومصر والفلبين حققت بعض الارتفاع, غير ان دخل الفرد في افقر الدول بما فيها اغلب دول شبه القارة الهندية وافريقيا حافظ بالكاد علي بقاء الانسان منذ منتصف القرن الحالي, والاكثر من ذلك ان المجموعات الاقتصادية العالمية, غير متساوية في الحجم مما يؤثر علي سكان البلاد غير القادرة علي الاستفادة من امكاناتها الذاتية. في ضوء الاهتمام العالمي بقضايا الفقر والحرمان البشري من منظور اشمل يعني بالتنمية البشرية ومؤشراتها المتطورة والمتزايدة فقد اهتمت المؤسسات الدولية بدراسة قضايا الفقر والحرمان البشري, خاصة بعد انتشار مايسمي ظاهرة عولمة الفقر, وصدرت التقارير مركزة علي قضايا البطالة والاحتياجات الضرورية التي لا يستطيع الفقراء توفيرها من اجل البقاء والعيش بكرامة كالغذاء والكساء والمأوي والعلاج, كما صيغت تقارير ترصد ديون الدول الفقيرة والنمو السكاني وأوضاع المرأة والطفل والفئات المهمشة والأمية بين النساء, وظواهر اخري مثل البيئة, والمياه الصالحة للشرب ونوعية الغذاء والسعرات الحرارية اللازمة لبقاء الإنسان والمحافظة عليه من الامراض, بالاضافة الي معاجلة قضايا سلبية ناتجة عن تزايد معدلات الفقر والحرمان البشري بين الشرائح المجتمعية مثل: العنف والتطرف والإرهاب والسلوكيات الإجرامية التي تعاني منها معظم المجتمعات في عالمنا اليوم, ومن ثم اتجه الاهتمام العالمي للبحث في قضايا اكثر تحديدا مثل فقر الاطفال, والنساء المعيلات, وحقوق المرأة, وحقوق الطفل, كما ظهرت التشريعات التي تعالج مسائل التمييز ضد النساء, وقوانين الطفل والتفاوت المعيشي. تشير خلاصة التجارب الدولية في هذا الشأن الي انه لا أمان لمجتمع يزداد فيه الجوع والفقر والحرمان البشري, ولا مستقبل لوطن يتعاظم فيه الشعور بالعجز لدي مواطنيه ولا استقرار لبلد يفتقد العدالة في اقتسام الثروة الوطنية, ولا تنمية مجتمعية في دولة تتعاظم فيها اعداد الاطفال المحرومين من تلبية احتياجاتهم الانسانية, فهل نعي جميعا ان تهميش اجيال المستقبل هو الخطر القادم الذي يهدم اسس الاستقرار الاجتماعي؟