إدارة صيدليات 19011 تستغيث بالرئيس السيسي من مسئول يتعنت ضدهم بعد إعادة تشغيلها    رئاسة الجمهورية تؤكد الالتزام الكامل بالحفاظ على المكانة الدينية الفريدة والمقدسة لدير سانت كاترين وعدم المساس بها.. وتؤكد أن الحكم القضائي الصادر مؤخرا يرسخ هذه الثمة    محمود مسلم: مقترح ويتكوف يتسم بالجدية ومصر ليست مجرد وسيط بل المدافع الأول عن الفلسطينيين    "أونروا": غزة تحولت من جحيم إلى مقبرة بسبب تزايد القصف الإسرائيلي    بعد غرامة المليون جنيه، إمام عاشور يعتذر للشناوي على الهواء    السيطرة على حريق داخل مبنى السموم بمستشفى قصر العيني دون إصابات    حماية المستهلك: رقابة مشددة على الأسواق وزيارة 190 ألف منشأة خلال الفترة الماضية    تامر حسني يحتفل بالعرض الخاص لفيلم ريستارت بالإمارات (صور)    حماس: المقترح الأمريكي الذى وافقت عليه إسرائيل حول غزة لا يستجيب لمطالبنا    بسبب صاروخ حوثي.. سكان تل أبيب يختبئون في الملاجئ وتوقف حركة الطيران وإجلاء رئيس إسرائيل    «العقل لا يستوعب».. أول تعليق من أكرم توفيق بعد رحيله عن الأهلي    مصطفى كامل يطرح ثاني أغاني ألبومه بعنوان «كتاب مفتوح» (فيديو)    تناولها بانتظام.. 6 فواكه غنية بالألياف وتساعد على فقدان الوزن    6 اختبارات منزلية لاكتشاف العسل المغشوش.. خُذ قطرة على إصبعك وسترى النتيجة    أحمد السعدني عن حصد الأهلي لبطولة الدوري: "ربنا ما يقطعلنا عادة    كلمات تهنئة للحجاج المغادرين لأداء فريضة الحج    القبض على عامل خردة بتهمة قتل زوجته في الشرقية    مطار سفنكس يستعد لاستقبال الوفود الرسمية المشاركة في افتتاح المتحف المصري الكبير    دعاء تهنئة بعيد الأضحى المبارك 2025.. أفضل الأدعية    والدة غادة عبد الرحيم: يجب على الجميع توفير الحب لأبنائهم    خالد الجندي: لا يصح انتهاء الحياة الزوجية بالفضائح والانهيار    قصور الثقافة تختتم عروض مسرح إقليم شرق الدلتا ب«موسم الدم»    صدمته سيارة.. تشييع وكيل الإدارة العامة للمرور في مسقط رأسه بالمنوفية (صور)    تقارير: مانشستر سيتي يبدأ مفاوضات ضم ريان شرقي    "حقيقة المشروع وسبب العودة".. كامل أبو علي يتراجع عن استقالته من رئاسة المصري    ميلانيا ترامب تنفي شائعة رفض "هارفارد" لبارون: "لم يتقدم أصلاً"    الإفتاء: توضح شروط صحة الأضحية وحكمها    أجمل ما يقال للحاج عند عودته من مكة بعد أداء المناسك.. عبارات ملهمة    تعليقًا على بناء 20 مستوطنة بالضفة.. بريطانيا: عقبة متعمدة أمام قيام دولة فلسطينية    الحكومة: استراتيجية لتوطين صناعة الحرير بمصر من خلال منهجية تطوير التكتلات    المطارات المصرية.. نموذج عالمي يكتب بأيادٍ وطنية    إحباط تهريب صفقة مخدرات وأسلحة في نجع حمادي    مجلس جامعة القاهرة يثمن قرار إعادة مكتب التنسيق المركزي إلى مقره التاريخي    الوزير محمد عبد اللطيف يلتقي عددا من الطلاب المصريين بجامعة كامبريدج.. ويؤكد: نماذج مشرفة للدولة المصرية بالخارج    رواتب مجزية ومزايا.. 600 فرصة عمل بمحطة الضبعة النووية    البورصة: تراجع رصيد شهادات الإيداع للبنك التجاري ومجموعة أي أف جي    رئيس جامعة بنها يتفقد سير الامتحانات بكلية الهندسة- صور    دموع معلول وأكرم واحتفال الدون وهدية القدوة.. لحظات مؤثرة في تتويج الأهلي بالدوري.. فيديو    إنريكي في باريس.. سر 15 ألف يورو غيرت وجه سان جيرمان    بين التحضير والتصوير.. 3 مسلسلات جديدة في طريقها للعرض    يوم توظيفي لذوي همم للعمل بإحدى شركات صناعة الأغذية بالإسكندرية    مجلس حكماء المسلمين يدين انتهاكات الاحتلال بالقدس: استفزاز لمشاعر ملياري مسلم وتحريض خطير على الكراهية    محافظ المنوفية يشهد استلام 2 طن لحوم كدفعة جديدة من صكوك الإطعام    نائب رئيس الوزراء: قصر العينى أقدم مدرسة طبية بالشرق الأوسط ونفخر بالانتماء له    مصنع حفاضات أطفال يسرق كهرباء ب 19 مليون جنيه في أكتوبر -تفاصيل    "قالوله يا كافر".. تفاصيل الهجوم على أحمد سعد قبل إزالة التاتو    لحج آمن.. 7 نصائح ذهبية للحماية من الشمس والجفاف    «أوقاف الإسكندرية»: تجهيز 610 ساحات لأداء صلاة عيد الأضحى 2025    حملات تفتيشية على محلات اللحوم والأسواق بمركز أخميم فى سوهاج    الكرملين: أوكرانيا لم توافق بعد على عقد مفاوضات الاثنين المقبل    الإسماعيلى ينتظر استلام القرض لتسديد الغرامات الدولية وفتح القيد    لندن تضغط على واشنطن لتسريع تنفيذ اتفاق تجارى بشأن السيارات والصلب    وزير الزراعة يشهد تخرج متدربين صوماليين ضمن برنامج إدارة التربة    الإحصاء: انخفاض نسبة المدخنين إلى 14.2% خلال 2023 - 2024    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    وكيل وزارة الصحة بالإسماعيلية تتفقد انتظام سير العمل بوحدة طوسون    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرصاص.. هدايا العيد في الجنوب

عقارب الساعة في الصعيد ترجع إلي الوراء.. تعود العصبية من جديد لتطل برأسها القبيح فتريق دماء ساخنة علي جدران بيوت يهددها الشتاء والفقر.
دموع تكسو وجوها جنوبية في العيد بعد أن تفاقمت الأحداث في مناطق توتر تتزايد يوما بعد آخر في ظل غياب أمني لا يساعد إلا علي العنف.
انتشار الأسلحة بكميات لا حصر لها يسمح بتجاوزات تعيدنا إلي عصور مضت تسيدت فيها القبلية وأحصت من الضحايا ما يتفوق علي أعداد القتلي في بعض الحروب.
تناحر العائلات والاقتتال الدائم يفجر الوضع خاصة مع انتخابات برلمانية قادمة يتوقع لها خبراء أمن أن تشهد مجازر تضع البلاد علي حافة بركان.
ومن سوهاج إلي قنا ووصولا إلي أسوان تتسع دوائر التوتر وتتشابك بينما تنشط الجماعات المسلحة لتصنع خارطة أشد سوادا لمستقبل الوجوه السمراء.
بينما يعود خط الصعيد إلي الظهور لينشئ دولته ويجيز لنفسه قانون اللاقانون!
رعب ودماء
عودة الخط تغير ميزان القوي في الصعيد
خبراء اجتماع: سقوط النظام شجع البعض علي تقويض الدولة
لعبة العيد المفضلة للطفل الجنوبي هي "الرشاش"، يجتمع بها مع أقرانه في الشارع بعد أن يرسم كل منهم علي وجهه ملامح قاسية تعود أن يشاهدها علي قسمات كبار يتعاملون معه.
يفتح كل منهم النار علي الآخر، وفي نهاية اللعبة.... الكل يموت!
تقليد الصغار لما يحدث حولهم من مشاهد دامية يفتح الباب لجيل جديد يستمتع بلعبة الخروج علي القانون بوصفها القانون الذي يحكم الحياة من حوله. تحوّل الصعيد إلي مثال حي علي التوتر يعيد للأذهان ما كانت عليه الحياة في أزمان كنا نظن أنها مضت لنستيقظ علي فزع التلويح بحرب أهلية حقيقية بدأت في الظهور ولا ندري متي ستختفي.
صفحات الماضي تفتح من جديد علي رائحة دماء قديمة تفلح في أن تجدد النية علي إشعال صراعات من المفترض أنها في طي النسيان، بينما يغلق الفراغ الأمني الأمل في عودة قريبة للاستقرار بعد تدفق كميات لا حصر لها من الأسلحة علي الجنوب الممتد.
استعراض الميليشيات المسلحة في وضح النهار صورة – باتت- تتكرر في مناطق مختلفة كإعلان واضح علي أن قانون الغاب هو الشريعة التي تحكم بلادا أقام فيها الأجداد حضارة عريقة منذ آلاف السنين!
أما غياب الكبير في الصعيد فقد وضع في يد الصبية قرارات مصيرية تحصد الأرواح وتزرع مساحات مضاعفة من العصبية في مناخ يساعد علي التوتر تحت سماء يضيئها رصاص يبدو للناظر إليه أنه أكثر عددا وسلطة من نجوم ترتعد خوفا.
قطع الطرق والسكك الحديدية مسلسل بدأت الحلقة الأولي منه بعد التلويح بمحافظ "قبطي" يتولي مقاليد الحكم في قنا، ليستمر عرضه في مناطق مختلفة ويشكل ظاهرة تعرقل الحياة داخل جغرافيا رأت في الموت طقسا يمنحها سلطة الوجود في وطن لا يعيرها اهتماما.
كنس الذخيرة الفارغة من الشوارع وتعبئتها في أجولة صباحا، يصف حجم المعارك التي تمت في المساء بينما العثور علي قتلي وجرحي بين العائلات المتناحرة هو ما يعلي من شأن عائلة ويخسف بالأخري الأرض بعد مقارنة الأعداد.
انتخابات برلمانية قادمة تنذر بمجازر من الصعب التنبؤ بعددها أو كيفية السيطرة عليها في ظل ابتسامة العادلي التي مازالت تسخر خلف القضبان من مؤامرة قذرة علي الثورة لا يعلم بتفاصيلها سوي وزير الداخلية الأسبق وفلوله الذين نجحوا حتي الآن في تقويض الأمن ونشر عدم الأمان بين المواطنين، ووجدوا في الصعيد ضالتهم المنشودة ليسمعوا العالم دويا مستمرا يليق بسقوط الطاغية وتخليه عن السلطة منذ فبراير الماضي، ليلتفوا حول رجل يعبث بأصبعه في شق أنفه وهم يعلنون الولاء له ولنظامه الذي يحاولون إقامته من جديد!
تنتشر القصص في القري والنجوع عن معارك يومية تستمر وأخري تنشب وثالثة في طريقها للظهور، وكالعادة تبدأ الخصومة بأسباب تافهة، لكن العواقب الوخيمة التي تخلفها تضخم من إحساسنا بضرورة وجود حل لهؤلاء الملايين الذين يعيشون في الجنوب المحاصر بالجهل والفقر والمرض.
يتضاعف دوي الرصاص في هدوء القري والنجوع، يغلق الأهالي أبوابهم في انتظار أخبار سيئة يأتي بها صباح مشغول بثرثرة حول ما حدث داخل صفحات الليل.. نشط الأساطير بينما يكشف الواقع الفعلي عن حكايات غريبة تفوح منها رائحة موروث عربي قديم يضع العصبية في مقدمة أولوياته.
في قرية "أسمنت" التابعة لمحافظة قنا ينشأ خلاف بين زبون (من قرية نجع البركة) اشتري فرخة من محل فذهب بها إلي بقال مجاور ليعيد وزنها فيتأكد من أن صاحب محل الفراخ لم يضحك عليه، وحين يرفض البقال استخدام ميزانه في أمر قد يؤدي إلي مشاجرة إذا اكتشف الزبون سرقة في الوزن، يلهبه الأخير بكمية هائلة من الشتائم فيتعرض له البقال بدوره بالضرب المبرح، لتبدأ المعركة بين عائلتي الطرفين تنتهي بحشد قرية كل منهما في مواجهة الأخري ليشمل الصراع خطف أفراد من كلتا البلدتين تستخدم فيها طرق قاسية للإذلال، فالمخطوف يتعرض للربط بدلا من الحمار، أو في مكان الجاموسة ليحتدم الموقف إلي التراشق بالرصاص والتعرض لدفن الموتي وقطع طريق الأقصر القاهرة.
وإذا كانت حادثة المراكبي النوبي تدخل فيها سلفيون لإنهاء الأزمة فإن الحال في قنا لا يختلف كثيرا فمشايخ الطرق الصوفية كانوا قادرين أيضا علي احتواء الموقف.. نشاط الجماعات الدينية الذي يتزايد في ظل الفراغ الأمني إذا كان له فعل السحر في تثبيط وتهدئة التوتر فإنه لا يكفل عدم تكرار نفس الأحداث ويمكن التدخل في اللحظات الأخيرة كل طرف أن يتفنن في رسم خارطة لمعارك قادمة أشد ضراوة بعد التقاط الأنفاس.
عودة الخُط
"خُط الصعيد" الذي شغل الوطن في زمن مضي بمغامراته الدموية، يستنسخ من جديد في أشخاص تفوقوا عليه بالظهور علانية ليهددوا من شاءوا، وهم يلهون بأرواح الناس فيعفون عمن أرادوا ويمنحون قوتهم لمن يدفع وينفذون عمليات انتقامية تضمن لهم الخلود في حكايات تقطر منها الدماء ويسمع فيها صراخ الأرامل..
الخط هو الحاكم العسكري في القرية فهو من يحدد مواعيد حظر التجول، ويصدر البيانات التي يذعن لها الجميع بلا استثناء.. يجمع حوله مسلحين من قريته أو قري مجاورة أو بعيدة يلتفون حول هدف غير معلن، وقد أصر كل منهم أن يكون أكثر إخلاصا لهذا الخط، ينفذ ما يأمر به ويرضي بما يعطي له من نصيب في الغنائم التي يحصلون عليها من السلب والنهب.
يستطيع الخط أن يغير موازين القوي بين العائلات المتناحرة، فانضمامه ورجاله إلي طرف من أطراف الصراع يعني انتصاره حتي قبل أن تبدأ المعركة، وهو ما يجعل العائلات التي عانت من ظلم تلجأ إليه ليحميها ويقف بجانبها بعد أن تتفق معه علي مبلغ مالي، وتنفذ له كل ما يطلب حتي ولو كان هذا الطلب الاقتران بفتاة من العائلة!
الخط من حقه أن يتزوج حين يشاء وممن شاء، ولن تجد مشاعل النيران تضيء الظلمة وقد أمسك بها رجال يصيحون"زواج الخط من فلانة باطل"..
أسأل الدكتورة إنشاد عز الدين أستاذ علم الاجتماع عن سبب الحالة المتردية التي وصل إليها الصعيد فتقول: نتيجة التغيرات السياسية التي حدثت، وتضيف: سقوط النظام شجع البعض علي إسقاط الدولة نظرا لتضارب المصالح وهو ما أدي إلي التفسخ الاجتماعي وانهيار منظومة القيم الراسخة وهو ما سبب العدوي للصعيد الذي تميز بعاداته وتقاليده، فعادت إليه وبشراسة عادة الأخذ بالثأر في ظل فراغ أمني واضح.
حدثتني عز الدين عن سلوك بديل للقيم ظهر مع غياب الانضباط الذاتي والذي كان مرتبطا بردع القانون والأمن فتجرأ بعض الخارجين علي القانون بعد أن تهاوت المنظومة الأمنية.
ومع إحساس القائمين علي الأمن بأنهم ظلموا وأن انهيارهم كان بسبب بعض القيادات غير المسئولة منهم وبعض التصرفات التي ارتبطت بفجائية الموقف، والخوف من الحساب المجتمعي في حالة رغبتهم في ضبط الشارع المصري مرة أخري, أدي الي تعاظم فكرة العنف وتزامن معه بالضرورة العنف المضاد.
وبينهما القانون غائب ومن ينفذ القانون عاجز، وأصبح كل يخشي من عنف لا يستطيع أن يرده مع ظهور الأسلحة المهربة ومع تطور أفكار العنف التي لم تعد إيذاء باللفظ ولكن تعدت لإيذاء البدن بمختلف الوسائل المتاحة وانتشرت الأسلحة البيضاء والسيوف والسنج واستخدام كرات النار والبنزين وغير ذلك.
بينما يؤكد الدكتور إسماعيل عبد الباري أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الزقازيق أن هذه الظواهر كانت موجودة ولكنها كانت أقل في معدل حدوثها بسبب وجود قدر من الأمن والانضباط، وفي هذه الظروف تكون الدولة هشة وضعيفة والأمن غير موجود بالشكل الكافي والقانون غير مفروض بصورة واضحة والأفراد كل يحاول أن يحقق أهدافه بطريقته الخاصة، والكثير منهم يستغلون هذه الظروف للإتيان بأفعال لم يكن بمقدورهم أن ينفذوها لو كان الأمن مستتبا والدولة قوية.
وأوضح أن درجة الالتزام الداخلي أصبحت غير موجودة، فالسلوك له نوعان من الضوابط أحدهما خارجي وهو أن يقهرني أحد علي الالتزام والثاني هو الداخلي ويعني الالتزام من النفس من خلال قناعتي بقيمة معينة أو قاعدة أخلاقية معينة أما في حالة غياب الضابطين تتضح ظاهرة الانفلات فيجب أن تكون هناك قاعدة سلوكية معروفة لدي المجتمع ويلتزم بها كل الناس.
ولفت إلي أن كل مايحدث الآن بسبب عدم وجود نظام تعليمي مؤثر يرتقي بالأخلاق والقيم, ولم يتم خلال بناء الدولة في مصر بناء الدولة علي أساس خلق الفرد الملتزم الحر وفي المقابل كان المواطن مقهورا مكبوتا، فالسلوك العدواني ما هو إلا ليعبروا عن آرائهم بطريقتهم الخاصة.
وأشار إلي أن استعادة المجتمع لسلوكه السوي لن يكون إلا في حالة بناء مؤسسات الدولة واستعادة الأمن لقوته وفعاليته واستعادة القانون لسيادته واستعادة العدالة مجراها لتتحقق العدالة والمساواة بين الجميع وتكون هناك منظومة قيم أخلاقية تنظم الحياة في كل المواقف والتفاعلات العامة فلا توجد مجتمعات حرة تترك كل فرد يفعل ما يشاء ولكن يجب أن يلزم بقواعد أخلاقية في كل موقف وأن تكون هذه القواعد معلنة ومعروفة في كل موقع، وعلي أن يكون أساس تكوينها هو الالتزام الأخلاقي وبدايتها من التزام الدولة باحترام المواطنين والاعتراف بحقوقهم وعدم استغلال النفوذ ولا يهان بقيمة العدل وسينعكس ذلك علي سلوك الأفراد.
سوهاج.. نار في العيد!
شهود عيان : صراعات انتخابية وراء تجدد العداوة
يسود هدوء نسبي مشوب بالتوتر والترقب أجواء قريتي أولاد يحيي وأولاد خليفة، التابعتين لمركز دار السلام بسوهاج، بعد نشوب مشاجرة بين القريتين أدت إلي مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 15 آخرين من العائلتين، وتحطم 8 سيارات شرطة، وإصابة عدد من رجال الأمن بسوهاج ..أكد المسئولون أن هناك مساعي لإنهاء الخصومة وعمل صلح بين العائلتين لكن الموضوع يحتاج إلي الصبر ونداء العقل .
بدأت مشكلة قريتي "أولاد يحيي" و"أولاد خليفة" ،أول أيام عيد الأضحي عقب مشاجرة بين شباب من القريتين بسبب لعب القمار، لكن يسبق ذلك العداء بين "الهوارة" و"العرب"، فقرية "أولاد يحيي" تنتمي للهوارة بينما قرية "أولاد خليفة" تنتمي للعرب، ويحدها نهر النيل من جانب، ومن باقي الجوانب يحيط بها حوالي 24قرية، مما سهل عملية حصار قرية أولاد خليفة عن طريق إقامة شباب "أولاد يحيي" نقاط تفتيشية علي الطرق والمداخل والمخارج المؤدية إليها، مستخدمين في ذلك الأسلحة والشوم، بالرغم من تواجد قوات الأمن المركزي في عدد من النقاط علي بعد خطوات منهم .
وعقب مشاجرة في المقابر، علي لعب القمار، استعان كل طرف بعصبيته، وبدأت أحداث المعركة بتبادل الطرفين الرشق بالحجارة، مما نتج عنه إصابة 7 في بداية الواقعة من بينهم ضابط شرطة وأمين ومندوب وخفير نظامي، إلا أن أهالي "أولاد يحيي" رفضوا أن ينتهي الأمر عند هذا الحد، بل عادوا من جديد وقاموا بالتعدي علي قرية أولاد خليفة بالأسلحة الآلية، وأحرقوا زراعاتهم، مما نتج عنه إصابة 9من القرية بطلقات نارية، وتم نقلهم إلي المستشفيات التعليمي والعام بسوهاج داخل مدرعات الشرطة بعد قيام أهالي أولاد يحيي بمحاصرة نقطة الإسعاف، ومنعها من الدخول لقرية أولاد خليفة لنقل المصابين .
علي خلفية الأحداث انتقل إلي مكان المشاجرة اللواء بكري الصوفي (نائب مدير أمن سوهاج)، واللواء المنسي الضبع (مساعد المدير لفرقة الشرق )، وتبين من خلال التحريات التي أشرف عليها العميدان عاصم حمزة ومحمود العبودي من إدارة المباحث الجنائية ، وقام بها الرائد علي الصغير رئيس مباحث مركز دار السلام أن المشاجرة وقعت بين طرف أول أحمد فتحي أحمد 25عاما و محمود عبدالعزيز 24عاما طالب وعلي محمود عمر 16عاما طالب، وجميعهم يقيمون بأولاد يحيي، ومصابون بإصابات متفرقة بالجسم، وتم حجز الأول بمستشفي سوهاج الجامعي، وبين الطرف الثاني "الناظر عبدالمبدي "41عاما عامل ومصاب بجرح في الرأس وأحمد عبدالباسط وشقيقه سعيد وتم القبض علي طرفي المشاجرة ما عدا الثاني والثالث من الطرف الثاني، وبمواجهتهم بما أسفرت عنه التحريات تبادل الطرفان الاتهامات، وأشاروا إلي أن كل طرف استعان بأهالي قريته لمناصرته، وأنهم استخدموا الطوب والحجارة في المشاجرة، ونتج عن التراشق إصابة النقيب محمد علي الأرضي رئيس نقطة قرية أولاد يحيي وإصابة أمين شرطة محمد عبدالعال، وإصابة العريف منتصرحامد، والخفير النظامي جادالكريم محمد وجميعهم من قوة نفس النقطة، بإصابات متفرقة نتيجة تراشق الحجارة، وبسؤالهم لم يحددوا أحدا بإحداث إصاباتهم، وتم تحرير محضر بالواقعة برقم 7882 إداري مركز دار السلام للعرض علي النيابة العامة لتتولي التحقيق .
الهدوء لم يستمر طويلاً، ففي مساء ثاني أيام عيد الأضحي تحولت مدينة دار السلام إلي ساحة قتال، بعدما اشتعل فتيل المعركة بين أولاد يحيي وأولاد خليفة مرة أخري، وتم فيها استخدام جميع أنواع الأسلحة النارية، وفشلت أجهزة الأمن في السيطرة علي الموقف، ولجأت إلي استخدام القنابل المسيلة للدموع، ثم تطورت الأحداث وقام الأهالي بقطع طريق سوهاجقنا، اعتراضاً علي قيام الشرطة بالتعامل معهم بالقنابل المسيلة للدموع، مما تسبب في توقف حركة السير تماماً علي الطريق، ووصلت قوات من أفراد الجيش والمدرعات إلي مكان الحادث وقامت بنقل المصابين داخل سيارات الجيش، بعدما تعذر نقلهم بسيارات الإسعاف .
وأسفرت الجولة الثانية من المشاجرة عن إصابة "محمود حسين الهرم"(34سنة ) ويقيم بنجع الحسين،"ياسر محمد محمود" (25سنة) يقيم بأولاد يحيي، "سعيد محمد علي" (25سنة) أولاد يحيي، "محمود عبدالعزيز"(23سنة) أولاد يحيي، "مجدي أبوالعلا بدوي" (45سنة )أولاد خليفة، "خلف علي أحمد "(45سنة) أولاد خليفة، "هاني عبدالحي عبده" (33سنة) أولاد خليفة، "أحمدعبدالحي "(31سنة)أولاد خليفة، "عرفةمصطفي السيد "(19سنة) أولاد يحيي، "خالد محمد أحمد"(45سنة )أولاد يحيي، "أشرف محمد أحمد"(50سنة)أولاد يحيي.
وبعد مجهود كبير من قوات الأمن، تمت إعادة حركة السير علي طريق سوهاجقنا مرة أخري، في تلك الأثناء قطع اللواء عبدالعزيز النحاس (مدير أمن سوهاج) إجازته للعودة إلي مكان الأحداث مباشرة للعمل علي تطويق الأحداث الدامية وعدم تطورها .
يصف مصطفي عبدالرحيم (كبير عائلة أولاد خليفة)حصار عائلة أولاد يحيي لهم داخل بيوتهم، وإطلاق النار علي كل من يخرج من القرية أو يحاول الدخول إليها بأنه مثل قطاع غزة في فلسطين محاصرة من كل النواحي، وأن أكثر من 20شخصاً أصيبوا بطلقات نارية وهناك اثنان من القتلي منذ بدء الحصار في أول أيام عيد الأضحي .
ويشير عبدالرحيم إلي أن السبب في هذه المشكلة أن عائلة أولاد يحيي كان لديها أعضاء كثيرون في الحزب الوطني المنحل، وكان لهم مرشح في انتخابات 2010"المزورة"وأن عائلة أولاد خليفة رفضت دعم مرشحهم أو المشاركة في إنجاحه بالتزوير، وفي انتخابات هذا العام قدم أولاد يحيي مرشحاً آخر إلا أن عائلة أولاد خليفة رفضت أيضاً دعمه مما جعل عائلة أولاد يحيي ينتقمون من أولاد خليفة .
وفي المقابل أكد أحد شهود العيان من أولاد يحيي أن المشكلة قد تنفجر في أي لحظة مضيفاً أنها تكمن في أن أولاد يحيي ينتمون إلي "الهوارة"، وأولاد خليفة إلي "العرب" مما يمثل وجود حاجز نفسي بينهما فلا يجوز أن يطلب أحد أبناء "خليفة" يد إحدي فتيات عائلة "الهوارة" إذ يعتبر ذلك تطاولا، وأشار إلي أن سبب المشكلة الأساسي لعب أفراد من العائلتين الكوتشينة علي حد قوله .
ويقول اللواء عبدالعزيز النحاس (مدير أمن سوهاج) الموضوع يحتاج للصبر ونداء العقل، فالمشكلة تكمن هنا في عدم اعتراف أي منهما بالخطأ، و قرية أولاد خليفة محاطة ب14قرية، وعدد أولاد يحيي كبير يصل لأكثر من 10 آلاف ،فالنزاع ليس بين شخص وآخر بل إنه نزاع قبلي أو عائلي يحتاج لوقت لإنهائه .
ويضيف النحاس قائلاً ذهبت مع السيد محافظ سوهاج اللواء وضاح الحمزاوي لمقابلة كبار عائلاتهم، ووجهت لهم التحذيرات الأمنية وطالبتهم بسرعة إنهاء هذه المشكلة والتوصل لعمل صلح بينهم إلا أن الرد هو عدم سيطرتهم علي الشباب الذي أدي إلي تفاقم الموضوع، ووصول عدد القتلي من أولاد خليفة إلي 2 والمصابين إلي 8 وقتيل من أولاد يحيي و7مصابين، وتدمير ما يقرب من 8 سيارات شرطة وإصابة بعض رجال الأمن.
ويعلق مدير الأمن علي لجوء الأهالي لقطع طريق سوهاجقنا اعتراضاً علي استخدام الغاز المسيل للدموع ضدهم قائلاً "للأسف هم لا يحتاجون حكومة"، فقد كان هناك هجوم من حوالي 10آلاف من أولاد يحيي علي قرية أولاد خليفة مستخدمين الأسلحة الآلية والمولوتوف فكان لابد من استخدام الغازات لتفريقهم، وهناك مساع لعمل صلح بين القريتين ولكن الموضوع يحتاج إلي الصبر، فواقعة جرجا أخذت حوالي شهرا ونصف الشهر للتوصل إلي صلح فالموضوع الآن مشتعل، والقري هادئة لكنها قد تشتعل في أي لحظة .

ويؤكد اللواء وضاح الحمزاوي محافظ سوهاج أن هناك هدوءا حذرا داخل مدينة دار السلام وقراها، وهناك محاولات ومساع لإنهاء الخصومة وعمل صلح بين القريتين، وهناك أكثر من اجتماع معهم تمهيداً لتحديد ميعاد لعمل الصلح.
ويشير الحمزاوي إلي أن هناك تخوفا من أولاد خليفة لأنهم محاطون من جميع الاتجاهات من قبل أولاد يحيي، لكن أولاد يحيي طمأنوهم، وهناك اتجاه منهم للتهدئة وإنهاء الخصومة، كما إنني قابلت الطرفين وكان هناك تجاوب منهما للمصالحة، كما أن هناك قوات من الشرطة والجيش مازالت موجودة للتأمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.