أكدت الدكتورة ناهد يوسف رئيس جهاز تنظيم إدارة المُخلفات بوزارة البيئة، أن الوزارة تنفذ خطة للتخلص الآمن من المخلفات الخطرة، وعلي رأسها المُبيدات المهجورة التي تعد من الملوثات المُسرطنة، والزيوت السامة بمُحولات الكهرباء القديمة. وأوضحت في حوارها ل»آخر ساعة» أن ملف النفايات الطبية يشكل أزمة مُزمنة، لضعف إدارة المنظومة من جانب وزارة الصحة، وعدم إجراء الصيانة اللازمة للمحارق التي تتسبب في إنبعاث غازات ضارة بالصحة والبيئة وإلي تفاصيل الحوار. • بعد تخلّص الوزارة من شُحنة مبيد »اللندين».. ما خطة الجهاز للتعامل مع المخلفات الخطرة؟ - من المهم أن نوضح أولاً أن هناك العديد من أنواع المخلفات التي تقع تحت هذا التصنيف. من أخطرها المواد العضوية الثابتة(Pops) المُندرج تحتها مُبيد »اللندين» الذي نجحنا في التخلص منه مؤخرًا، ضمن منظومة نعمل عليها منذ عام 2001. خطة الجهاز تتمثل في التخلّص الآمن من جميع المواد المُتبقية، والتي يأتي علي رأسها المُبيدات مُنتهية الصلاحية (المبيدات المهجورة) التي تُعد من الملوثات شديدة الخطورة. هذه المبيدات كانت تُستخدم حتي ثمانينيات القرن الماضي في كثير من الدول النامية، قبل أن تثبت تأثيراتها السلبية علي البيئة والصحة حيث أُعدّت من المواد المُسرطنة. لتصدر التشريعات المحلية والاتفاقيات الدولية التي تحظر استخدامها بشكل قاطع. بقي لدينا تقريبًا خمسة أنواع من هذه المُبيدات، تصل كميتها إلي 240 كيلوجراما. قمنا بحصر الكميّات الموجودة في جمعيات ومديريات الزراعة بجميع محافظات الجمهورية، وجمعناها منذ فترة في مخزن كبير بمنطقة الصّف حصلنا عليه من بنك الإصلاح الزراعي. لكن لم يكن لدينا التمويل الكافي للبدء في هذه العملية. درسنا آنذاك كيفية التخلص منها، كان هناك اتجاه لحرقها في أفران الأسمنت لكنه لم يكن آمنًا، وجدنا أن هذه الطريقة ستُسبب انبعاث غازات الدايوكسين والفيوران، والتي لها آثار سلبية علي الصحة والبيئة، لننتهي إلي خطة للتخلص الآمن منها بنقلها وحرقها خارج مصر، وهي العملية التي يتولاها مشروع الإدارة المُستدامة للملوثات العضوية الثابتة. أما الشق الآخر في المشروع فيتضمن التعامل مع زيوت (مُركبات ثنائي »الفنيل» متعدد الكلور) (P»Bs) والتي تحوي مواد سامة. حدثينا عن هذه الزيوت السّامة. هذه الزيوت موجودة في المحوّلات القديمة ببعض محطات الكهرباء، والتي لم تعد تُستخدم لقِدَم وخطورة التقنيات التي تعمل بها، حيث تم تكهينها مع عملية الإحلال والتجديد التي خضعت لها المحطات. هذه الزيوت كان يتم تسريبها في فتراتٍ سابقة لتُباع بشكل غير مشروع، إلي المصانع العشوائية التي تُنتج زيوت الشعر. حتي أوقفنا هذه المُمارسات بجمع وتحليل كميّات الزيوت المتبقية، وفرض رقابة مُشدّدة عليها بالتعاون مع وزارة الكهرباء وذلك تمهيدًا للتخلص منها بشكل آمن. غير أن هناك العديد من الاتفاقيات الدولية التي تُساهم في دعم جهودنا المحلية، يأتي علي رأسها اتفاقية ستوكهولم المختصة بالملوثات العضوية الثابتة، والتي كانت مصر من أوائل الدول المُصدقة عليها عام 2004، واتفاقية بازل التي تحكم نقل النفايات الخطرة عبر الحدود. بخلاف الجهود التي نبذلها في ملف النفايات الطبية الخطرة. كيف تتم إدارة هذا الملف؟ - ملف النفايات الطبية للأسف مازال عالقًا ويُشكل أزمة مُزمنة، فالمشكلة الرئيسية تتمثل في ضعف إدارة المنظومة من جانب وزارة الصحة، ووجود خلل كبير في تنظيم عملية التخلص الآمن من هذه المخلفات. هذا الملف يقع بالأساس ضمن مسؤوليات وزارة الصحة، فهي الجهة المعنيّة بإصدار تراخيص محارق النفايات الطبية. بينما يتحدد دورنا في وضع الاشتراطات البيئية لهذه العملية، والتي تقتضي ضرورة وجود أجهزة تتبع في عربات النقل، لمُراقبة مسارها حتي تتم عملية الرصد والتقييم. كما نقوم بحملات تفتيش دورية علي المستشفيات والأماكن المُخصصة لتقديم الخدمة الطبية، كما لدينا تقريبًا 40 محرقة مركزية تخدم مُدن كاملة، وتصل الطاقة الاستيعابية لكل منها إلي 1200 طن يوميًا. هناك العديد من المخالفات التي نرصدها ونتخذ ضدها إجراءاتنا القانونية. ما المخالفات التي قمتم برصدها؟ - التخلص من النفايات الطبية يتم إما باستخدام المحارق أو عن طريق أجهزة الفرم والتعقيم. المخالفات تتمثل بالأساس في عدم مطابقتها للاشتراطات البيئية. كثير من المحارق الموجودة مُتهالكة ولا تُجري لها عمليات صيانة، كما أن تطوير التكنولوجيات التي تعمل بها يحتاج إلي تمويل هائل. والنتيجة للأسف أنها تُصدر انبعاثات خطيرة جدًا مثل الأكاسيد وغازات الدايوكسين والفيوران، التي لها تأثيرات سلبية علي صحة المواطنين، حيث تسبب العديد من الأمراض الصدرية والجلدية وغيرها. من أكثر المناطق التي رصدنا بها مخالفات، مجمّع المحارق الموجود بمنطقة أبو زعبل، لا يوجد أي صيانة للأفران من قبل المسؤولين عن المجمع. وبخلاف حالة المحارق تحدث تجاوزات كبيرة، بإلقاء الرماد ونواتج عملية فرم هذه النفايات في المقالب العشوائية، بدلاً من التخلص منها في المدافن الصحية. إلا أن الكارثة الأكبر تتمثل في الكميات الهائلة التي يتم تهريبها، إلي مافيا إعادة تدوير النفايات الطبية التي تعمل بشكل غير شرعي »تحت بير السلم». نقوم بمواجهة هذه العملية قدر المستطاع، لكن وزارة الصحة لا تقوم بدورها بالشكل المطلوب. ماذا عن المخلفات الإلكترونية؟ - لدينا مشروع للمخلفات الإلكترونية يقوم علي تنظيم عملية تدوير هذه المُخلفات، التي تتم عن طريق مزادات تُعقد من قبل المُتعهدين، الذين يحصلون عليها من شركات الاتصالات والإلكترونيات. هذا المجال واعد جدًا ونعمل حاليًا علي جذب الشركات العاملة في إعادة التدوير بشكل آمن، لنحد أيضاً من عملية تسريب المخلفات التي يتم تداولها بشكل خطير، حيث تحوي »البوردات» وأجزاء الأجهزة الإلكترونية علي بعض المعادن الثقيلة مثل الرصاص والزرنيخ، للأسف تُباع بشكل غير شرعي في العديد من الأسواق. بعض البوردات بها نسبة ذهب، ما يجعلها مغرية للأشخاص الذين يعملون علي استخلاصه بطرق مؤذية. غير النتائج التي تعود علي البيئة والتربة بإلقاء هذه المخلفات. إلا أننا لا نتهاون في تطبيق القانون علي هؤلاء. فقانون البيئة نظّم إجراءات تداول المخلفات الخطرة، والتي تصل عقوبة تداولها بدون الحصول علي موافقة بيئية وتصريح من جهاز شؤون البيئة، إلي الحبس من سنة إلي ثلاث سنوات. حيث تشمل عملية التداول أربعة مراحل، تبدأ بالجمع ثم النقل ومرحلة المعالجة انتهاءً بالتخلص النهائي. كما يحدد القانون قوائم خاصة بالمخلفات الخطرة لكل قطاع، والتي تمتد إلي نواتج المصانع والكيماويات والزيوت المسترجعة من قطاع البترول. كل هذه الجهود تأتي بالتوازي مع منظومة النظافة الجديدة التي نعمل عليها منذ فترة. ما ملامح منظومة النظافة الجديدة؟ - من أهم أسباب أزمة النظافة لدينا تعدد الجهات وتداخُل اختصاصاتها. نحن حاليًا بصدد إنشاء كيان مؤسسي مُتمثل في شركة قابضة للنظافة تضم هذه الجهات، وستعتمد المنظومة بالأساس علي دمج المتعهدين (جامعي القمامة)، و»النبّاشين» الذين يعملون علي فرز القمامة بشكل غير مشروع، وذلك بتقنين أوضاعهم من خلال إتاحة الفرصة لهم لإنشاء شركات، وتسهيل هذه العملية بتقديم حوافز تُشجعهم علي ذلك. كما نتجه إلي العودة للجمع السكني من خلال الشركات المحلية. عوضًا عن شركات النظافة الأجنبية التي ستنتهي عقودها العام القادم. تجربة هذه الشركات كانت فاشلة، لكن هذا الفشل لا يجب أن نُحمّله علي أداء الشركات فقط، جزء كبير من المشكلة يرجع إلي خللٍ في العقود التي أبرمتها الحكومة مع هذه الشركات، فالبنود الخاصة بإجراءات الرصد والمُتابعة لم تكُن سليمة. نعمل أيضًا علي تنفيذ استراتيجية موسعة للتعامل مع المقالب العشوائية. هل يُمكن القضاء علي المقالب العشوائية؟ - بالطبع، هذا ما نسعي إليه رغم ما يمثله من تحدٍ. التجربة التي نفذناها بالإسكندرية تعطينا مؤشرًا إيجابيًا لقدرتنا علي ذلك. حيث جمعنا في ستة أشهر أكثر من نصف مليون طن من القمامة، من عدة محطات وسيطة منها محرم بيك والمنتزه إلي المدفن الصحي بمدينة الحمّام. لا شك أن الوضع في محافظة القاهرة أصعب، فكميّة المخلفات المُتراكمة تاريخيًا تصل إلي 200 مليون طن. لدينا أربعة مقالب رئيسية في المحافظة، من بينها مقلب القطامية والآخر الموجود بمنطقة الوفاء والأمل. إلا أن لدينا خطة متكاملة للقضاء علي هذه المقالب العشوائية وتحويلها إلي متنزهات. من ضمن المشروعات التي نعمل عليها إعادة تأهيلها ونقل المخلفات مؤقتًا، إلي قطعة أرض خُصصت لنا في ظهير منطقة العبور. لحين إنشاء مدفن صحي علي أعلي مستوي تكنولوجي بمنطقة الروبيكي. كما أن ملف إعادة التدوير يعد جزءًا رئيسيًا في المنظومة الجديدة. ما المجالات المُستهدفة في صناعة إعادة التدوير؟ - هناك العديد من المجالات التي ندعمها لتحفيز المستثمر في صناعة إعادة التدوير التي تعد من أكثر الصناعات الواعدة، حيث لدينا 22 مليون طن من المخلفات الصلبة سنويًا، وما يتم تدويره حاليًا لا يتجاوز 10٪ من إجمالي الكميّات المتولدة. نعد لإنشاء محطة مركزية لجمع المخلفات وإعادة تدويرها من خلال مجموعة مصانع متكاملة بالإسكندرية، وبدأنا بالفعل في وضع المواصفات الخاصة وكراسة الشروط الخاصة بالمحطة. نسعي من خلالها إلي تنظيم إجراءات إقامة مصانع لإنتاج بدائل للوقود من القمامة-وهو ما يُطلق عليه کDF- لاستخدامها في الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل مصانع الإسمنت. كما نُعد لإدخال تكنولوجيات جديدة لتحويل المخلفات الصلبة إلي طاقة كهربائية، بفصل المخلفات البلاستيكية التي لها قيمة حرارية عالية، عن المكوّنات العضوية التي تُستخدم لإنتاج السماد العضوي. وهناك تجارب لدول مماثلة ندرسها ونسترشد بها في إعدادنا لمنظومة النظافة علي رأسها البرازيل، نحن حاليًا بصدد الاستعانة بالخبرة البرازيلية في صناعات إعادة التدوير.