انطلقت في الشهر الماضي حملة " وطن نظيف" وذلك في إطار برنامج المائة يوم الذي أعلنه الرئيس والذي وعد فيه بحل خمس مشاكل كبرى، خلال المائة يوم الأولى من رئاسته من ضمنهم مشكلة تراكم القمامة. ورغم أن الحملة قد تمكنت بالفعل من إزالة كميات هائلة من تراكمات القمامة بالشوارع فإن النجاح الحقيقي في التغلب على مشكلة القمامة يحمل أبعادا أكبر. فحتى في العهد السابق كانت مثل هذه الحملات تُشن بشكل متكرر بل إن حملة مشابهة بتوجيهات "رئاسية " أيضا تمت عام 2010 . ولكن القمامة كان يكتب لها الانتصار دائما وتعود لتحتل الأماكن التي أزيلت منها ولتغزو أماكن أوسع. فلماذا وما هي أبعاد مشكلة القمامة ولماذا لم يتحقق النجاح في كل المرات السابقة وكيف يمكن أن تنجح حملة وطن نظيف القمامة أو المخلفات البلدية الصلبة هي تلك المواد الصلبة أو شبه الصلبة التي تتولد عن المنازل والمنشآت التجارية والإدارية والخدمية والحدائق والأسواق والشوارع والتي يتم التخلص منها كمخلفات ليست ذات قيمة، وتمثل القمامة مشكلة في العالم أجمع حيث أصبح معدل إنتاجها يتزايد بوتيرة سريعة ففي عام 1999 كانت 68، 0 بليون طن، أصبحت 1.3 بليون طن في عام 2012 ويتوقع ان تصبح 2.2 بليون طن في عام 2025. وترتبط هذه الزيادة ارتباط وثيق بتزايد عدد السكان في المدن وبالنمط الحالي من النمو الاقتصادي الذي يقوم على الاستهلاك. وتعاني الدول النامية من معدلات أسرع لتزايد إنتاج القمامة كما أنها أقل قدرة على التصرف السليم فيها . وينتج عن سوء التصرف في القمامة مخاطر جمة على الصحة العامة وعلى البيئة وعلى الاقتصاد. فالقمامة المتراكمة بالإضافة إلى منظرها القبيح ورائحتها الكريهة بيئة جيدة لتكاثر الميكروبات والطفيليات والحشرات الضارة ناقلات الأمراض خصوصا المعوية وأمراض العيون والجلدية، وقد أثبتت الدراسات الوبائية أن نسبة كبيرة من الأفراد الذين يسكنون قريبا من أماكن القمامة مصابون بطفيليات وديدان معوية. ويزيد من مخاطر القمامة ما يتسرب إليها من الكيماويات الخطرة مثل بقايا المنظفات والمبيدات المنزلية والأدوية أو بقايا المذيبات والمواد الحارقة والزيوت التي تستعملها الورش أو المخلفات الالكترونية والكهربائية أو المخلفات الطبية الملوثة أو مخلفات البناء التي تحتوى الاسبستوس أو الرصاص. وتتكون عند تحلل القمامة برك من السوائل الملوثة وهذه قد تتسرب للمياه السطحية أو للمياه الجوفية مؤدية إلى تلوث بيولوجي أو كيميائي للماء وللتربة ، كما يؤدي الحرق المكشوف للقمامة سواء الذاتي الذب يتم من انبعاث الغازات أو الحرق المقصود للتخلص منها إلى تصاعد مواد مثل الدايوكسين والفيوران، وهذه المواد وغيرها من المواد الكيميائية الخطرة التي تتسرب للبيئة تزيد من احتمالات الإصابة بالأمراض المزمنة أو بالسرطان، كما ينبعث من تحلل القمامة غاز الميثان وغيره من الغازات المؤثرة في تغيير المناخ . ويتعدى التأثير الاقتصادي السلبي لسوء التصرف في القمامة مجرد إهدار الموارد المتمثل في إعادة إنتاج مواد تم التخلص منها ، ولكن تكلفة تعويض الخسائر التي يسببها سوء التصرف في المخلفات من تدمير في البيئة ومن سلبيات على الصحة العامة والسلامة تكون كبيرة واكبر بكثير مما لو أحسن إدارة تلك المخلفات في المقام الأول. وكلما كان التدهور فادحا كان ثمن استعادة البيئة عاليا أو غير ممكنا. ويجب أن تتبع الإستراتيجية السليمة لإدارة المخلفات أو للتصرف في القمامة التسلسل الهرمي البيئي لأنه الأكثر فاعلية والأقل إضرارا على البيئة. ويبدأ التسلسل بتقليل إنتاج القمامة، ثم إعادة الاستخدام وتدوير أكبر كمية ممكنة ، ثم تخلص آمن من المتبقيات. من الضروري أن نتذكر أن كلمة التخلص من القمامة تستعمل هنا مجازيا أكثر منه حقيقيا، ففي الواقع لا يمكننا التخلص الحقيقي من الكميات الكبيرة غير قابلة للتحلل أو للتدوير( المرفوضات )، ستبقى معنا على الأرض لسنوات طويلة جدا تمثل مصدرا محتملا للخطر على الصحة وعلى البيئة. يتزايد إنتاج القمامة في مصر بسرعة كبيرة، بلغ إجمالي القمامة عام 2011 حوالي 21 مليون طن تنتج القاهرة 9 مليون طن منهم، وبلغ معدل الزيادة 40% خلال عشر سنوات. ولا يستطيع النظام القائم جمع كل تلك القمامة ، تتراوح كفاءة الجمع مابين 40- 85 % في المدن وبين 0-35 % في الريف وتميل الكفة داخل المدن لصالح المناطق الأكثر ثراء، أما المناطق العشوائية فهي محرومة تقريبا من خدمات جمع القمامة. ويتم إعادة تدوير حوالي 2.5 % من القمامة كما يتم تحويل حوالي 9% منها إلى سماد عضوي، غير أن نوعيته غير جيدة بسبب تلوثه بمواد أخرى. يتبقى حوالي 88% من القمامة يجب أن يتم التخلص النهائي منها. وتستوعب مدافن القمامة الصحية حوالي 5% من حجم القمامة حيث يوجد خمس مدافن عاملة فقط و3 تحت الإنشاء، ، أما الجزء الأكبر من القمامة حوالي 83% فيتم التخلص منه في مقالب القمامة والتي تمثل خطرا كبيرا على الصحة والبيئة. ورغم أن حملة "وطن نظيف" تسعى إلى هدف مشروع وضروري ويأمل الجميع في تحقيقه، لكن الجهود الطيبة والنوايا الحسنة لن تكون كافية بمفردها، وفي الحقيقة فلدينا تاريخ زاخر بأمثال هذه الحملات والخطط والمشروعات البرامج عبر سنوات طوال، ورغم ذلك فان النتائج مثيرة للإحباط والقمامة قابعة كواحدة من أهم أسباب التلوث في مصر. ونخشى أن يستمر هذا المنوال؛ نسمع ضجيج ولا نرى طحن. فمشكلة القمامة تحتاج لمواجهة جذرية وشاملة حتى يكتب لها النجاح وإزالة التراكمات من الشوارع يجب أن يتواكب معها منظومة من الإصلاحات والإجراءات على وجه السرعة. بداية هناك أوجه قصور عامة تعيق أداء قطاع إدارة المخلفات، وهي في حقيقة الأمر تعيق كفاءة أجهزة الدولة في جميع المجالات ، والتي تتمثل في غياب الشفافية والمحاسبة، وغياب المشاركة المجتمعية الفعالة وفي ترهل وتفتت الجهاز الإداري والبيروقراطي، ولا بد من معالجتها . وهناك أوجه قصور أخرى خاصة بإدارة المخلفات لعل من أهمها توفير التمويل الضروري على وجه السرعة ليس فقط لتحسين خدمات الجمع والنظافة ولكن أيضا لإنشاء البنية التحتية الغائبة مثل العدد المناسب من المدافن الصحية ومثل التخلص من القنابل الموقوتة المسماة المقالب المكشوفة، ولا يقل عن ذلك أهمية ضرورة التبني الفعلي للتسلسل الهرمي البيئي والذي في الحقيقة نكاد نسير عكسه؛ فمعظم الجهود والتمويل تنفق على جمع القمامة ثم التخلص منها، هناك حاجة ملحة للتركيز على تقليل إنتاج القمامة وزيادة إعادة الاستعمال والتدوير ، وتحقيق ذلك بتوعية المواطنين وتشجيع إعادة الاستعمال واكتساب عادات صديقة للبيئة ووضع الحوافز المناسبة للأفراد وللمصانع وإنشاء مصانع التدوير و البدء في تعميم الفصل من المنبع وتشجيع القطاع الخاص على المشاركة وغير ذلك. وفي كل ذلك وغيره يجب الاستفادة من الأخطاء والتجارب السابقة وتفعيل الحوار والمشاركة المجتمعية عند اختيار أي من الأنشطة هي الأجدر بالتطبيق. Comment *