النفايات تضم سرنجات ومشارط وغيارات طبية ومرشحات أجهزة الغسيل الكلوى 26 طن مخلفات معدية وسامة ومشعة لا يتم حرقها ويجرى فرمها وخلطها ب«الزبالة» وتسليمها للمتعهدين رئيس الاتحاد النوعى للبيئة: مصر لا تتجاوز نسبة ال40 % في التخلص الآمن من نفاياتها الطبية.. والتلوث في الجيزة 5 أضعاف الحدود المسموح بها 273 محرقة فقط هي المرخصة والبقية تعمل بدون أي رقابة. «أكياس من مختلف الألوان (حمراء وزرقاء وسوداء) ملقاة على الأرض، معبأة بنفايات طبية مختلفة سواء كانت من القطن أو الشاش أو (سرنجات) أو الخراطيم المستخدمة في الغسيل الكلوى أو مشارط العمليات الجراحية»، كل ذلك وأكثر وأنت تشاهد عمالًا وهم يحملونها لتوضع بعد ذلك في ماكينات تسمى آلات «فرم وتعقيم»، ثم تعبأ وتوضع في أجولة بيضاء، ثم بعد ذلك تخلط مع حاويات القمامة العادية.. هذه ليست مشاهد عادية في منشأة ناصر أو غيرها من الأماكن التي يتم فرز القمامة فيها، لكنها مشاهد من داخل إحدى وحدات معالجة النفايات الخطرة بمستشفيات جامعة القاهرة بالمنيل. هذه الوحدة تخدم أكثر من 3 آلاف سرير بجميع مستشفيات جامعة القاهرة عبر 18 قطاعًا داخل المقر وخارجه مثل مستشفيات «أبوالريش والمنيرة والمستشفى اليابانى (الباطنة) ومستشفى الطب الوقائى»، أما السرير فينتج عنه من نصف إلى 3/4 كيلو يوميًا من المخلفات طبية، ناهيك عن الوحدات التابعة والنفايات الطبية للمستشفيات المجاورة.. فيما يؤكد أحد العاملين بها أن الوحدة ولسوء الصيانة كانت معطلة لأكثر من شهرين متتابعين الأمر الذي تسبب في تراكم مئات الأطنان خاصة وأنها تستقبل من 2.5 إلى 3 أطنان يوميا من النفايات، وكانت إحدى الشركات تتولى عملية النقل لكن بشكل غير منتظم أو دوري. أما عن عملية المعالجة فكما علمنا من داخل الوحدة أن ذلك يتم عبر 4 مراحل، الأولى مرحلة الوزن وتسجيل العبوات الداخلة للفرم وإرجاع المخالف منها الذي قد يحتوى على مواد صلبة، لتوضع في المرحلة التالية في كونتر أو حاويات بلاستيك كبيرة، ووضع النفايات الخطرة في أكياس حمراء والأخرى في أكياس سوداء، كما أنه من المفترض أن يتبع العاملون اشتراطات الحماية والوقاية من خلال ارتداء الملابس الواقية والقفازات والكمامات. ثم توضع الأكياس داخل ماكينات الفرم في المرحلة الثالثة وعددها 3 ماكينات تتراوح أسعارها من 750 ألفًا إلى مليون جنيه تعمل بسعة 50 كجم لكل ساعة، وهنا نصل للمرحلة الأخطر والأخيرة وهى ناتج عملية الفرم والتعقيم، الذي من المفترض أن تجرى عليه اختبارات وتحاليل كيميائية وفيروسية وبكتيرية بصفة دورية، للتأكد من خلوها من أي مصادر للعدوى، وبناء على ذلك يتم نقلها للمخلفات والقمامة العادية وفقًا لما ذكرته د. سحر فرحات، أستاذة الطب المهنى والبيئى، ومدير وحدة المعالجة المخلفات الخطرة. عجز المحارق بلغ 35% الأرقام الصادرة من إدارة الصحة البيئية، كشفت أن حجم النفايات الطبية الناتجة عن جميع المستشفيات العامة والخاصة والعيادات بلغ 300 طن بشكل يومى، المعدى منها يصل إلى 104 أطنان بحسب آخر إحصائيات 2014-2015، وهو ما يعطى 300 ألف طن سنويًا، ويعد 75-90٪. في حين أن عدد المحارق يبلغ 206 محارق فقط، تستطيع تغطية وحرق ما يقارب من 65٪ فقط من النفايات، ويقابلها عجز في المحارق الخاضعة لجهاز شئون البيئة ووزارة الصحة الذي وصل إلى 35٪ وفقًا للأرقام الصادرة من مركز الرصد البيئى، فيما يظل قانون البيئة تائها بين التطبيق والرقابة، كما أن طاقة وقدرة المحرقة تتراوح ما بين 50 و100 كجم لكل ساعة، وتصل ساعات التشغيل من 5 إلى 10 ساعات فقط! والغريب أن العجز الذي سبق أن ذكرنا أنه بلغ نسبة 35٪ في معالجة النفايات الطبية الخطرة دفع وزارة الصحة، بمباركة من وزارة البيئة للتعامل معه على طريقة «جه يكحلها عماها»، حيث تم التعاقد على ماكينات فرم وتعقيم، وبدلًا من التخلص منها يتم خلطها بالقمامة العادية ثم يتم تسليمها للمتعهد العادى. حيث حصلت «البوابة» على مستند صادر من مستشفيات جامعة القاهرة، فحوى المستند تضمن أسماء ل6 شركات مرخص لها بنقل والتخلص الآمن للمخلفات الطبية الخطرة وشملت المكاتبة الموجهة من مدير إدارة النفايات الطبية الخطرة بشأن كيفية التعامل مع ناتج الفرم والتعقيم، وقد أفادت بأنه بعد عرض الموضوع على لجنة المواد والنفايات الخطرة التي سمحت بدفنه في مدافن النفايات العادية وخلطه بالقمامة العادية ويتولى نقله المتعهد العادى، بدعوى إجراء اختبارات T.C.L.P بصفة دورية في معامل وزارة الصحة للتأكد من خلوها من الخطورة. فيما حذرت تقارير حالة البيئة الصادرة عن وزارة الصحة المعنية من أن التعرض المباشر للنفايات الخطرة له تأثيرات مؤقتة مثل الدوار والصداع والغثيان، بالإضافة لتأثيرات دائمة مثل السرطان والعجز الجزئى والكلى ناهيك عن أمراض الجلد والجهاز التنفسى المزمنة، وأكدت تلك التقارير أن تلك النفايات من الخطورة بمكان بحيث إنها تمثل عبئًا كبيرًا على البيئة والصحة العامة إذا لم يتم تداولها بطريقة آمنة، فإن نقل ما يقرب من 100 طن للنفايات الطبية بشكل يومى يحمل فيروسات وأمراضًا معدية يمكننا تجنب خطرها، في حالة التخلص منها بشكل آمن ووفقا للمنظومة المتكاملة لإدارتها ومراحلها بداية من «الفصل الجيد، الجمع، النقل، التخزين، المعالجة وأخيرًا الدفن الصحى» عبر الطرق التي حددها قانون البيئة. الخطورة تبينها الدراسات والتقارير البيئية التي قالت: تنقسم النفايات الخطرة إلى «الباثولوجية» كمخلفات غرف الولادة والأورام «المعدية» كالمشارط والسرنجات والغيارات الطبية الملوثة ومرشحات أجهزة الغسيل الكلوى،.. وكما يقول الدكتور يسرى حسين رئيس الإدارة المركزية لشئون البيئة بوزارة الصحة: «بدأنا في 2001-2003 بعمل محارق المستشفيات المركزية والعامة، لكن نظرًا لمشاكلها وتأثيراتها على الكتل السكنية بدأ الاتجاه إلى عمل مجمعات للمحارق فمثلًا في الخانكة بالقليوبية توجد 9 محارق، إضافة إلى 19 محرقة أخرى في شبرامنت بالجيزة ومن 10 إلى 12 محرقة في أماكن أخرى بالقليوبية». ويضيف: «ترجع خطورة محارق المستشفيات في الأعطال الناتجة عن غياب الصيانة بشكل دوري ما يؤدى لتسرب الأدخنة الضارة وتراكم كميات النفايات الطبية، كما نستعين بشركات متخصصة لصيانة الأعطال أو نقل النفايات لمحارق المحافظات الأخرى، أو عبر خطوط سير عربات مديريات الصحة بكل محافظة، أما نواتج معالجة النفايات الطبية فهى نوعان، الأول نواتج الاحتراق والفرم والتعقيم مثل نواتج البلاستيك بعد فرمة وتعقيمه على درجات حرارة عالية ليتحول لقصاصات ورق صغيرة وبعدها يتحول لمخلف قمامة عادى بشرط إجراء اختبارات عادية عليه، وعند سؤاله حول نفايات القطن والشاش ومتبقيات الدم وخطورتها على نقل الأمراض الفيروسية والبكتيرية يرد د. يسرى بقوله إن عمليات الفرم والتعقيم تقضى على كل احتمالات الخطورة في نقل العدوى والأمراض. أما النوع الثانى - بحسب قوله - من نواتج الحرق أو الترميد فيتحول إلى رماد فمثلا 100 كجم من البلاستيك والقطن والشاش يتحول إلى كيلو جرام واحد رماد على أن يتم دفنه في المدافن الصحية. ويضيف: «إننا سوف نُقبل على استخدام التكنولوجيا الحديثة في معالجة النفايات عبر التفاوض مع شركات دولية تهدف لتوليد الطاقة من هذه النفايات، وجار التفاوض مع 4 تحالفات دولية وهى تحالف سعودى - أمريكى، وسعودى - سويسرى، وإيطالى - مصرى، وإماراتى - مصرى، وسيتم طرح مناقصة خلال الشهر القادم». فيما يؤكد أن هناك عددًا من المحارق القديمة التي كانت تعمل من زمن طويل، ولم يطبق عليها اشتراطات وزارة البيئة مثل محارق محافظة الدقهلية، مشيرًا إلى أن أي محرقة بها عطل يجرى تكهينها ونقلها، وأنه خلال فترة وجيزة من عامى 2016-2017 سيتم نقل جميع المحارق من داخل المستشفيات وبعيدًا عن الكتل السكنية. وعلى الوجه الآخر يدق الدكتور عماد حمدى، مدير إدارة التفتيش البيئى على محافظاتالقاهرةوالجيزةوالقليوبية، أجراس الخطر، ووصف المحارق غير المرخصة وغير الملتزمة بقانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، بأنها تعتبر قنابل موقوتة تهدد حياة المصريين، خاصة بعد الزحف العمرانى العشوائى غير المخطط له وغير المراعى لأي اعتبارات السلامة والأمان البيئى أو الصناعى، نتج عنه دخول الكتل السكنية في حيز المحارق التي تعتبر وسيلة للتخلص من النفايات الخطرة باعتبارها مصدرًا رئيسيًا لنقل العدوى، أو استخدام أسلوب الفرم والتعقيم وتعتبر هذه طريقة أفضل لعدم صدور أي انبعاثات عنها. ويضيف «حمدى» أنه لا يجوز في أي حال من الأحوال خلط نواتج الفرم والتعقيم بالقمامة العادية لأنها قد تكون بقايا لم يتم فرمها أو تعقيمها بشكل جيد، وبالتالى تكون مؤثرة على الصحة العامة ومصدرًا رئيسيًا لنقل العدوى، لذلك يفضل دفنها في المدافن الآمنة لمنع كارثة إعادة تدويرها أو استخدامها في صناعات أخرى، لأنه إذا لامست الجسد أو استخدمت في عمليات جراحية لا يجوز إعادة استخدامها. ويستطرد أما في الجزء الفنى فنجد أن للمحارق طرق تشغيل واشتراطات فنية يجب الالتزام بها، وللأسف معظم مشاكل المحارق ناتجة من عدم التزام العاملين بالقواعد والاشتراطات الخاصة بالتشغيل أو حتى الكميات التي توضع في الاحتراق، فمثلًا ترتفع نسبة البلاستيك عن الحدود المسموح بها المقررة بألا تزيد على 8 إلى 20٪، أو الالتزام بتشغيل ولاعة حجرة الاحتراق العليا أولًا حتى ترتفع درجة الحرارة إلى أعلى من 800 درجة مئوية، ثم يبدأ بعد ذلك تشغيل ولاعة الحجرة السفلى والبدء في عملية تغذيتها بالنفايات الطبية لإتمام عملية الاحتراق، وترجع أهمية تشغيل الحجرة العليا ورفع درجة حرارتها من 800 إلى 1200 درجة مئوية حتى تستطيع أن تقوم بعملية تكسير الانبعاثات الضارة الناتجة عن احتراق الغرفة السفلى، لتخفيف حدة الضرر البيئى لهذه الانبعاثات، لأنه في حالة عدم الاحتراق الجيد ينتج نوعان من الغازات السامة والمسرطنة تسمى الديوكسين والفيوران، كما يؤدى انتشارها للإصابة بأمراض الحساسية والأزمات الصدرية، وإذا كان من ضمن المحروقات أي مواد مختلطة بالرصاص ينتج عن تفاعلاتها أكاسيد الرصاص التي تسبب تشوهات الأجنة أو التخلف العقلى. ويفجر «حمدى» المفاجأة بأنه في حالة تطبيق قانون البيئة على المحارق التي تعمل بالمستشفيات سنجد أنها جميعًا مخالفة للاشتراطات البيئية ومصدر خطير يؤثر على الصحة العامة، لذلك تتجه وزارة البيئة حاليا لعمل مجمعات المحارق بجوار المقالب العمومية في كل المحافظات، وأنه لا بديل عن عمل خطة إستراتيجية بالتعاون بين وزارتى الصحة والبيئة لإخراج كل المحارق خارج الكتل السكنية، مع ضرورة التشديد على الرقابة على طرق التشغيل والصيانة بصفة دورية لتجنب المشاكل التي لا حصر لها، وقد تقدمت بالعديد من المذكرات لمديريات وزارة الصحة، وطالبت في مذكرة رسمية لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد مدير مديريات الصحة بالقليوبية بسبب المخالفات الت تم تحريرها ضد مجمع المحارق ولم تعدل أي ملاحظة. ويواصل بأنه ما يشاع بأن المحارق القادمة في «القليوبية» فرنسية الصنع وأن لها مدافن خاصة، غير صحيح لأننى شاهدت المحارق وأشك تمامًا في كل ما جاء على لسان المسئولين لأن المحارق كان بها شروخ في مراحل التجريب وتم عرض كل ملاحظات عدم مطابقتها للمواصفات على وزارة البيئة، وتمثلت المخالفات في أن ارتفاع السور قليل جدًا ما يسهل على أي لص الحصول على النفايات، وإعادة بيعها ناهيك عن عدم وجود حراسة أو أي درجة من درجات التأمين، وعدم وجود السجل البيئى في المجمع الذي من المفترض أن تسجل به الكميات الداخلة سواء سرنجات أو خراطيم غسيل كلوى أو قطن وشاش وتسجيل أرقام السيارات، فضلا عن عدم وجود غرف آمنة لتخزين الكميات الواردة أو حتى وجود ميزان لوزن الكميات قبل وبعد التسليم لمنع أي تلاعب أو متاجرة بالنفايات أثناء خط النقل والسير، وعن الرماد فحدث ولا حرج حيث تتم تعبئته في أجولة عادية ولا تتبع اشتراطات دفنه في مدافن صحية آمنة. ويختتم «حمدى» بأن منظومة المحارق في مصر بها خلل كبير، كما يمكن حساب حجم النفايات الطبية من مخلفات كل سرير التي تتراوح من نصف إلى 3/4 كيلو بشكل يومى، ونفى ما تردد حول عمل محارق بالتعاون مع دول أوروبية، ووصفه بأنه حديث لا جدوى منه، ولا بد من إعادة النظر في منظومة المحارق في مصر. والأخطر.. أنه تم قياس درجة التلوث البيئى في الجيزة فقط، فوصلت النسب لأرقام صادمة حيث زادت عن الحدود المسموح بها 5 أضعاف، فمثلا كانت نسبة أول أكسيد الكربون في الهواء 100 ملجم/م3 ووصلت إلى 500 ملجم/م3. العيادات الخاصة مخالفة فيما يحذر الدكتور وحيد إمام، رئيس الاتحاد النوعى للبيئة، باعتباره يمثل جميع الجمعيات الأهلية العاملة في مجال البيئة، وعضو صندوق حماية البيئة بوزارة البيئة، من أن العيادات الخاصة تمثل خطرًا كبيرًا على الصحة العامة، خاصة فيما يتعلق بالنفايات الفيروسية التي تنتج عن غرف العمليات بها، والتي يصعب التخلص منها بسهولة، فمعظم العيادات لا تلتزم بعملية نقل مخلفاتها، بل تلتزم فقط من خلال التوقيع على تعهدات ورقية لا طائل منها، مفادها الالتزام بالتخلص الآمن لكى تحصل على تصريح مزاولة المهنة، فأكثر من 80٪ من هذه العيادات لا تسجل نفاياتها ولا تخضع لا للرقابة ولا التفتيش، بخلاف عدم التزام كثير من المستشفيات بالتخلص الآمن من نفاياتها. وأضاف بأننا لا نتعدى نسبة 40٪ للتخلص الآمن من النفايات الطبية التي كانت سببًا في انتشار أمراض كالإيدز والالتهاب الكبدى الوبائى بين المترددين على المستشفيات، كما أن عدد المحارق في مصر غير معروف، خاصة أنه توجد محارق تابعة لكل الوزارات والهيئات المختلفة مثل محارق وزارة الصحة والطب البيطرى، كما أن الشركات الخاصة تمتلك محارق خاصة بها، وتعمل على مخلفات البترول أو المبيدات أو الأدوية منتهية الصلاحية، وتعتبر وزارة البيئة هي الوحيدة التي يحق لها الترخيص لهذه المحارق، وهى التي من المفترض أن تقوم بدراسة وعمل التقييم البيئى وقياس الانبعاثات الصادرة منها ومقارنتها بالحدود المسموح بها للحد من الخطورة على الكتل السكنية، فمثلا نجد الجسيمات الصلبة والمواد العازلة والكربون العضوى من المفترض ألا تتعدى 10 ملجم، وكذلك نسب محددة للنيتروجين وأول أكسيد الكربون، ودرجة الحرارة للغازات الصادرة من المحرقة لا تتعدى 200 درجة مئوية حتى لا نعمل على تسخين الجو. وتتكون أي محرقة من غرفتين سفلية وعلوية أو متجاورتين بحسب التصميم الهندسى لها، أما الغرفة الأولى يبدأ فيها الحرق بدرجات حرارة تصل إلى 600 درجة مئوية تليها الغرفة التالية أو العليا التي من المفترض أن تصل درجة حرارتها إلى 1200 درجة حتى تستطيع تكسير الانبعاثات الصادرة من الحجرة الأولى. ويلفت «إمام» إلى ضرورة اهتمام الدولة بعمل مجمعات المحارق في الأماكن المحددة التي تتوفر فيها كل الاشتراطات البيئية، إلا أنه يحذر من أن غياب الصيانة بشكل دوري، وترسية عطاءات الصيانة على شركات عادية أو رديئة تتسبب في تعطل المحارق التي تصل أسعارها من 750 إلى مليون جنيه. الأمر يتطلب وضع منظومة متكاملة وخطة إستراتيجية للتعامل مع النفايات بدلًا من انتشارها، فالقاهرة وحدها تمتلك قرابة 40 محرقة في المستشفيات، تحرق «قطن وشاش وخراطيم غسيل كلوى ومواد بلاستيكية»، وإن قمنا بتطبيق القانون رقم 4 لسنة 1994 «البيئة» تجدها مخالفة للقانون الذي يشترط مساحة 1 كم من الجهات الأربع عن أقرب كتلة سكنية لتجنب خطورة الأدخنة، ولا بديل عن خروج جميع المحارق من داخل المستشفيات كما هو الحال في «السويس والخانكة وأبوزعبل وبورسعيد»، ناهيك عن غياب الرقابة والمتابعة الدورية أو الصيانة من وزارة الصحة على هذه المحارق التي لا توجد جهة متخصصة في تقديم المعلومات الدقيقة وحصر أعدادها وتقييم خطورتها البيئية. كما أنه من المفروض أن تحرر كل محرقة سجلًا بيئيًا تسجل من خلاله المدخلات والمخرجات من النفايات قبل عمليات الحرق أو الفرم أو التعقيم، وخطورة عدم وجود مثل هذه السجلات التي ذكرناها تسهل عملية التجارة الحرام لتلك النفايات والمتاجرة بها لأنها تعمل على غياب الرقابة على المتعهدين أو الشركات وبالتالى تضيع الرقابة على خط سير نقلها الأمر الذي بدوره ينعش الأسواق والمتاجرة بها ويزيد من احتمالات نقل العدوى والأمراض الفيروسية الكبدية. الأمراض الفيروسية الخبير الدولى للبيئة د. مجدى علام يقول عن النفايات الطبية إن لها خطورة شديدة في نشر العدوى بين العاملين، خاصة من لم يتبعوا الإجراءات السليمة عن طريق الحذر في التعامل معها، من خلال ارتداء كمامة على الفم وقفازات، وأن توضع هذه النفايات في أكياسها المخصصة، حيث يقال عنها أكياس مغلقة بالشمع، لدرجة وضع خط أحمر ليميز خط سير العلب والأكياس من عنابر المستشفيات الخاصة، حتى وصولها لأماكنها الخاصة بالتخزين، أو الحاوية الخاصة لنقلها لأقرب مجمع محارق، لمنع أي فرصة لنشر العدوى، ومن المفروض ألا تزيد فترة التخزين على 24 ساعة على الإطلاق. ويضيف «علام» بأنه توجد وسيلتان للتخلص من هذه النفايات، أولاها سيارات مجهزة تتولى نقل المخلفات من المستشفيات وتتعامل معها مركزيا، مثل المحطات الموجودة في القاهرة والإسكندرية ويتم التعامل معها تحت إشراف طبى وبيئى مثل المحطة الموجودة في الناصرية بالإسكندرية، ونقل المخلفات الطبية في حاويات مجهزة إلى وحدات معالجة مركزية. وتأتى الوسيلة التالية وحدات المعالجة داخل المستشفيات مثل المحارق أو ماكينات الفرم والتعقيم سواء بالأشعة الفوق بنفسجية أو الأشعة تحت الحمراء. فيما يستمر «علام» في تحذيراته من خطورة المحارق الملحقة بالمستشفيات خاصة ما لم تتبع الاشتراطات السليمة في التشغيل، أو تكون محارق رديئة الصنع وما يصدر عنها من انبعاثات ضارة، واختتم بأن المحارق تعتبر مصادر للموت من خلال تلويث البيئة وما تمثله من خطورة على الكتل السكنية، خاصة غازى الكيوران والفيوران وهما من مسببات السرطان، وهما ينتجان من حرق المواد البلاستيكية كما أن بعض النفايات ينتج عن احتراقها مركبات أخطر من ذلك، فلا بد أن تكون المحارق تحت إشراف مباشر من وزارتى البيئة والصحة اللتين تعملان وفقًا لاشتراطات الاتحاد الأوروبي، كما يطالب بتزويد كل المحافظات بوحدات معالجة مركزية مثل محطة الناصرية و15 مايو لمعالجة النفايات الطبية، علاوة على ذلك كانت هناك خطة منذ 15 عامًا، لزيادة محطات معالجة النفايات الخطرة في مصر، لكن للأسف لم يتم العمل بها حتى الآن ولم يتم الانتهاء سوى من محطة واحدة. أما الدكتور حسام الدين حسنى، مدير إدارة النفايات الطبية الخطرة، فيقول إن الأساس في نقل النفايات الطبية عن طريق 27 وحدة في كل مديريات الشئون الصحية في جميع المحافظات التي تمتلك أسطول سيارات لنقل هذه النفايات بالإضافة لعدد من الشركات الخاصة البالغ عددها 3 شركات، وأضاف أن أي محرقة تعمل لا بد أن تأخذ تراخيص من جهاز شئون البيئة. وبحسب قوله ترجع مشاكل المحارق إلى غياب الصيانة أو عدم كفاءة الشركات التي تتولى عمليات الإشراف عليها، وإذا حدث أي تسريب لها سواء من الانبعاثات أو النفايات نفسها قد تكون من أخطر مصادر نقل العدوى ونقل الأمراض الفيروسية والأمراض الصدرية. ويلفت «حسام الدين» إلى تنامى العشوائيات التي اتسعت رقعتها تحت مرأى ومسمع المحليات، وهى مناطق لا تراعى رسما هندسيا أو أية اشتراطات للبيئة أو السلامة، ومن ثم فإن زحفها العمرانى العشوائى أدخلها حيز مجمعات المحارق، ودخل ساكنوها في حيز الإصابة بالأدخنة المنبعثة من هذه المحارق، والأمر لم يختلف كثيرا بالنسبة لمحارق المستشفيات فهى على الرغم من اشتراط أن تكون في دائرة قطرها 30 مترا، إلا أن كل المستشفيات وسط كتل سكنية بالمخالفة للقانون. ويتفق معه في الرأى الدكتور سميح عبدالقادر، خبير السموم الدولى، قائلًا إنه تكمن خطورة النفايات الطبية في كونها مواد حاضنة للأمراض البكتيرية والفيروسية والتلامس معها يؤدى لانتشار العدوى، والأخطر هو احتواؤها على مواد مشعة بها العناصر الإشعاعية الموجودة في الصبغات حيث تحتوى على النيكل والكروم والكوبلت وهى عناصر ثابتة لا تتحلل، كما أن حرق هذه المخلفات بالطرق غير القانونية يؤدى لانتشار الديوكسانات وهى مركبات شديدة الثبات في البيئة عددها 175 مركبًا ولها تأثيرات مسرطنة ولها تأثير على الغدد الصماء للإنسان مثل الهرمونات، تتراكم في الألبان والدهون وتسمى «Endocrine Distributors) «ED) وهى تعتبر ضمن ال12 بندا التي تسمى بالدستة القذرة أو دستة الأشرار وهى مركبات حذرت من خطورتها كل مؤتمرات الصحة على مستوى العالم، وهى تتشابه مع هرمون الجسم وتنافس الهرمون الطبيعى وتتعامل مع المستقبلات في الجسم وترسل إشارات مضللة تسبب تشوهات الأجنة، فضلا عن مركبات «PCBs، Furans» وهى غازات ناتجة من احتراق المستلزمات الطبية وتؤدى لتطاير الرصاص والكادميوم، ناهيك عن المواد المشعة والسوائل البيولوجية الناتجة من العمليات. وتقدر نسبة النفايات الطبية المحتوىة على الزئبق بنحو 20٪ من إجمالى النفايات الصلبة، ويعزى ذلك للاستخدامات المتنوعة للزئبق في مجال الرعاية الصحية، حيث يدخل الزئبق في صناعة الترمومترات وأجهزة قياس ضغط الدم وأنابيب التغذية والبطاريات الجافة ولمبات الإضاءة (الفلورسنت) وغير ذلك. كما تحتوى على ما يزيد على 15٪ من البلاستيك وكذلك الزئبق والمعادن الثقيلة الأخرى مثل الرصاص والكادميوم، فقد أكدت نتائج الدراسات التي تبنتها وكالة حماية البيئة الأمريكية أن محارق النفايات الطبية تعد المصدر الرئيسى الثالث لانبعاث الفيوران والديوكسين، وقد أكدت الدراسات العملية أن محارق النفايات الصحية تعتبر المصدر الرئيسى الثالث لانبعاث مركبات الديوكسين والنيوران والزئبق والمعادن الثقيلة المسببة لأمراض الصدر والسرطان الرئة وجهاز المناعة والجهاز العصبى والجهاز التناسلى وغيرها. من جانبه يقول الدكتور الأستاذ الدكتور أشرف المرصفى، مدير المعمل المركزى لتحليل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة في الأغذية، إن المحارق الصحية التابعة لجهاز شئون البيئة لا بد أن تأخذ الترخيص من المعمل المركزى لمتبقيات الأغذية بعد التأكد من مطابقتها للمواصفات المصرية والأوروبية المعمول بها على مستوى العالم، وعمل كل الاختبارات اللازمة لقياس الانبعاثات الصادرة منها، والتأكد من عدم تجاوزها الحدود المسموح بها، حيث يجرى المعمل اختبارات لقياس خطورة المتبقيات المتواجدة فعليًا، فيما يصل عدد المحارق في مصر إلى 273 محرقة، القاهرة وحدها تمتلك 4 محارق، ليست كلها محارق صحية مرخصة. فيما أشارت نتائج دراسة للبنك الدولى (1999) إلى أن تقنية محارق النفايات الطبية بالولايات المتحدةالأمريكية والدول الأوروبية ماضية في طريقها إلى الانقراض، وأن بعض الشركات الصانعة ومنشآت معالجة النفايات تسعى لتصريف وتسويق محارق النفايات الطبية في أسواق الدول النامية. ويشدد المركز المصرى للحق في الدواء على ضرورة التشديد على الجزء القانونى، فالمحارق تخضع لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 338 لسنة 1995 الصادر بلائحته التنفيذية من قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، حيث ذكرت المادة 34 من القانون يشترط بأن يكون الموقع الذي يقام عليه المشروع مناسبًا لنشاط المنشأة من حيث اتفاقه مع طبيعة خطة استخدام الأرض الذي تقرره هيئة المجتمعات العمرانية، بحيث أن تكون جملة التلوث الناتج عن مجموعة المنشآت في منطقة واحدة في الحدود المسموح بها، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار ضرورة بعد موقع «المحارق» عن نطاق الكتل السكنية أو العمرانية وحركة واتجاه الرياح. وشددت المادة 35 من القانون نفسه على ضرورة مراعاة كل الاشتراطات السابقة قبل إصدار التراخيص مع ضرورة تقييم التأثير البيئى الصادر من جهاز شئون البيئة، كما تلزم المادة 36 أيضًا بعدم انبعاث أو تسريب أي ملوثات للهواء بما يجاوز الحدود القصوى المسموح بها في القوانين والقرارات المعمول بها، بحيث لا تكون هناك أي تأثيرات على خواص وصفات الهواء الطبيعية بما يسبب الخطورة على سلامة الإنسان والبيئة وألا تزيد نسب انبعاثات أول أكسيد الكربون على 7٪. أما المادة 38 فقد حظرت إلقاء أو معالجة أو حرق القمامة والمخلفات الصلبة عدا النفايات المعدية المتخلفة عن الرعاية الطبية في المستشفيات والمراكز الصحية إلا في الأماكن المخصصة لذلك بعيدا عن المناطق السكنية والصناعية والزراعية والمجارى المائية، وذلك وفق المواصفات والضوابط والحد الأدنى لبعدها عن هذه المناطق. كما يحظر نهائيا حرق المخلفات فيما عدا النفايات المعدية بالمناطق السكنية أو الصناعية ويتم الحرق في محارق خاصة يراعى فيها ما يلى أن تكون الرياح السائدة للتجمعات السكنية، وأن تبعد 1500 متر عن أقرب منطقة سكنية، فضلًا عن أن تكون سعة المحرق أو المحارق المخصصة تكفى لحرق القمامة المنقولة إليها خلال 24 ساعة، وأن يكون موقع المحرقة في مكان تتوافر به مساحة كافية لاستقبال القمامة المتوقعة طبقًا لطبيعة النشاطات بالمنطقة الحضرية وتعداد سكانها. وبالنسبة للنفايات المعدية المتخلفة عن الرعاية الطبية في المستشفيات والمراكز الصحية يتم حرقها بنفس المكان بواسطة محارق مصممة لهذا الغرض وبحيث تستوعب الكميات المجمعة دون تراكم أو تخزين بجوار المحرقة عند الضرورة وبموافقة السلطات المحلية المختصة وجهاز شئون البيئة، أن يتم نقل مخلفات هذه الوحدات إلى أقرب مستشفى مزود بمحرقة أو محارق وذلك بشرط استيعابها للمخلفات المطلوب نقلها إليها وأن يتم نقل المخلفات في حاويات محكمة لا تسمح بتطاير محتوياتها وعلى أن يتم حرق تلك الحاويات مع ما بها من مخلفات. في جميع الأحوال يشترط أن تكون المحارق مجهزة بالوسائل التقنية الكافية لمنع تطاير الرماد أو انبعاث الغازات إلا في الحدود المسموح بها والمنصوص عليها في القانون. ومن ضمن الاشتراطات الواجب الالتزام بها أن تخصص الأماكن التي تنقل لها هذه المخلفات بحيث تبعد مسافة لا تقل عن 1.5 كم من المناطق السكنية، وأن تكون ذات مستوى كنتورى منخفض وتسويتها بعد ردمها وامتلائها. كما تقوم المحليات بتحديد الأماكن التي تنقل لها المخلفات ولا يصرح بنقل أو التخلص من تلك المخلفات إلا بالأماكن المخصصة لذلك والمرخص بها من قبل المحليات المعنية. واختتم محمود فؤاد، المدير التنفيذى للمركز حديثة بتحذيره، من كارثة خلط النفايات الطبية بالقمامة العادية التي يمكن إعادة تدويرها أو المتاجرة بها الأمر الذي يمثل خطورة في نقل العدوى والأمراض الفيروسية أو قتل المصريين بانبعاثات المحارق غير المرخصة وارتفاع نسب التلوث التي بلغت 5 أضعاف كما هو الحال في الجيزة من شهرين فقط.