شهدت مدينة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا لقاءً لاهوتيًا وروحيًا مميزًا ضمن فعاليات رحلة الحج الخاصة بمجلس الكنائس العالمي، حيث اجتمع قادة كنائس ولاهوتيون من جنوب القارة لتسليط الضوء على الدور النبوي الذي أدّته الكنائس في مقاومة نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد)، كما دعوا إلى مواصلة هذا الدور في مواجهة أنظمة الظلم المعاصرة في العالم. أدار الجلسة الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، الدكتور القس جيري بيلاي، الذي أكد أن تجربة الكنيسة في جنوب أفريقيا تمثل منارة ملهمة للحركات الكنسية في سائر أنحاء العالم. * وثائق مفصلية: من "وثيقة كايروس" إلى "إقرار بيلهار" تناول القادة المشاركون محطات تاريخية مهمة مثل وثيقة كايروس وإقرار بيلهار، واللتين شكلتا تحديًا مباشرًا لتواطؤ بعض المؤسسات الدينية مع نظام الأبارتهايد العنصري. وقال القس فرانك شيكان، من كنيسة الإيمان الرسولي بجنوب أفريقيا، إن وثيقة كايروس "لم تكن يومًا مخططًا لها كوثيقة مكتوبة، بل نشأت من الميدان، من قلب معاناة الناس... كتبت والدماء تنزف، والناس يتساءلون: أين الله؟ وماذا يريد منا؟". * لاهوت في مواجهة الظلم: ماذا يعني أن نمارس لاهوتًا؟ من جانبها، طرحت الدكتورة بولينغ لينكابولا، نائبة رئيس جامعة جنوب أفريقيا، تساؤلات عميقة حول العلاقة بين اللاهوت والمجتمع. وقالت: "الذين أرسوا العنف والتمييز في جنوب أفريقيا كانوا أنفسهم مسيحيين، لذا علينا أن نراجع: لماذا نمارس اللاهوت؟ وكيف؟". وأكدت أن مهمة الكنيسة يجب أن تشمل "أفعال تضامن ملموسة"، لا أن تقتصر على الخطابات أو البيانات. * العدالة والمحاسبة: الكنيسة والديمقراطية بدوره، شدد الأسقف سيثيمبيلي سيبوكا، رئيس مجلس كنائس جنوب أفريقيا، على أن الكنيسة يجب أن تبقى طرفًا فاعلًا في تعزيز القيادة العادلة، مؤكدًا أن "الديمقراطية لا تعني التصويت فقط، بل تتطلب محاسبة القادة باستمرار". * وثيقة كايروس الجديدة- دعوة لتوبة كنسية وفي مداخلة مؤثرة، قال جاك هييمانز، المستشار الشبابي، إن وثيقة كايروس "لم تكن مجرد احتجاج سياسي، بل كانت صرخة لاهوتية ضد نظام تنكّر للفقراء باسم الدين"، متسائلًا: "هل تتوب الكنيسة اليوم عن الأنظمة التي تهمّش وتسكت شبابها؟". * جراح الماضي والحاضر: من الأبارتهايد إلى غزة استعاد الأب مايكل لابلسي، كاهن من الكنيسة الأنجليكانية، حادثة تفجير تعرّض لها عام 1990، والتي تحولت إلى منطلق لإنشاء معهد شفاء الذكريات، الذي يعمل اليوم محليًا وعالميًا لمعالجة الجراح النفسية والروحية الناتجة عن العنف والظلم. وأكد لابلسي أن "العنف القائم على النوع الاجتماعي والتمييز العرقي والاستعمار والطمع وتدمير البيئة" تمثل جراحًا إنسانية قديمة ما تزال مفتوحة، محذرًا الكنائس العالمية بقوله: "لن يُسأل الناس عما قالت بياناتهم وقت الإبادة، بل عما فعلوه". * دعوة لاهوتية للكنائس العالمية: قفوا حيث يقف الله خلال الجلسة، ناقش المشاركون أهمية إقرار بيلهار الذي يعلن بوضوح أن الله يقف إلى جانب الفقراء والمهمشين، ودعوا الكنائس إلى أن "تقف حيث يقف الله"، لا أن تُملي على المتألمين كيف يشعرون أو يشفَون. وتم تسليط الضوء على جرائم صامتة بحق شعوب مثل الهيريرو، وسكان ماتابيليلاند، وغيرهم ممن عانوا من العنف والإبادة. * اللاهوت كفعل تحويلي لا تنظيري اختُتم اللقاء بدعوة مفتوحة إلى الكنائس في مختلف أنحاء العالم للتأمل في تجاربها الخاصة، متخذين من جنوب أفريقيا نموذجًا، والسعي المستمر ليكون دور الكنيسة في قلب التحولات الاجتماعية، دفاعًا عن العدالة وكرامة الإنسان.