في ذكرى رحيل الفنان الكبير نبيل الحلفاوي، نستعيد مسيرة أحد أكثر الفنانين المصريين تميزًا وعمقًا، ممثل لم يكن حضوره قائمًا على البطولة المطلقة بقدر ما ارتكز على الوعي والثقافة والاختيارات الذكية، فترك بصمة واضحة في المسرح والدراما والسينما، واحتل مكانة خاصة في قلوب الجمهور والنقاد على حد سواء. نشأة وبداية نبيل الحلفاوي ولد نبيل الحلفاوي في مصر ونشأ في بيئة مهتمة بالثقافة والفكر، ما انعكس مبكرًا على وعيه الفني التحق ب المعهد العالي للفنون المسرحية، الذي كان نقطة الانطلاق الحقيقية في مسيرته، حيث تشرب أصول التمثيل الأكاديمي، وتكون لديه وعي عميق بدور الفن في المجتمع، وليس مجرد وسيلة للترفيه. منذ سنوات دراسته الأولى، بدا واضحًا انحيازه للأعمال الجادة، واعتماده على الأداء الداخلي الصادق، وهو ما جعله لاحقا واحدًا من أبرز ممثلي الأدوار المركبة. نبيل الحلفاوي والمسرح.. العشق الأول كان المسرح هو البيت الأول والأقرب إلى قلب نبيل الحلفاوي، ومنه تشكلت شخصيته الفنية شارك في عدد كبير من العروض المسرحية المهمة التي ناقشت قضايا سياسية واجتماعية وفكرية، وعرف باحترامه الشديد لخشبة المسرح واعتباره "أقدس مكان للفنان". تميز أداؤه المسرحي بالانضباط والالتزام، وكان من الممثلين القلائل الذين يمتلكون قدرة لافتة على جذب الجمهور دون مبالغة أو استعراض. لم يكن المسرح بالنسبة له محطة عابرة، بل أساسًا متينًا ظل ينعكس على أدائه في كل أعماله اللاحقة. الحضور اللافت في الدراما التلفزيونية رغم بداياته المسرحية، حقق نبيل الحلفاوي انتشارًا جماهيريًا واسعًا من خلال الدراما التلفزيونية، خاصة منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، حيث شارك في عدد كبير من المسلسلات التي أصبحت علامات في تاريخ الدراما المصرية. اشتهر بتجسيد: الشخصيات العسكرية والوطنية والمسؤولين أصحاب القرار والشخصيات ذات البعد الأخلاقي والفكري ومن أبرز أعماله التلفزيونية: رأفت الهجان، الزيني بركات، المال والبنون، بوابة الحلواني، الليل وآخره، الملك فاروق، وغيرها من الأعمال التي رسخت صورته كممثل صاحب ثقل وصدق. السينما.. أدوار قليلة وتأثير كبير لم يكن نبيل الحلفاوي من المكثرين في السينما، لكنه شارك في عدد من الأفلام المهمة التي تركت أثرًا واضحًا، حيث فضل دائمًا الجودة على الكم. اختار أدواره بعناية، وابتعد عن التكرار أو الاستسهال، فكان حضوره السينمائي مكملًا لمسيرته وليس الهدف الأساسي منها. فنان مثقف وصوت واعٍ إلى جانب فنه، عرف نبيل الحلفاوي بمواقفه الواضحة وآرائه الجريئة، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في سنواته الأخيرة، حيث كان حاضرًا كمثقف ومحلل، يتحدث في الشأن العام، والرياضة، والفن، بلغة واعية ومحترمة، ما جعله قريبًا من الأجيال الجديدة. المرض والرحيل في سنواته الأخيرة، ابتعد نسبيًا عن الساحة الفنية بسبب ظروفه الصحية، قبل أن يرحل تاركًا خلفه مسيرة حافلة بالأعمال الراقية، وسمعة فنية ناصعة، واحترامًا لم يتزحزح عبر عقود طويلة.