الاتجار في البشر جريمة بشعة ضد النفس الإنسانية وترفضها كل الشرائع السماوية ومع ذلك وجدت هذه الجريمة رواجا في دول كثيرة حول العالم. وقد وضع العديد من هذه الدول تشريعات رادعة للحد من انتشارها إلي جانب تعدد أساليب مكافحتها علي كافة المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. وعلي المستوي العربي قدمت البحرين تجربة حية في مكافحة الاتجار في البشر. وذلك في إطار سعي المملكة للانضمام للاتفاقيات العالمية والعربية المتعلقة بهذا الأمر.. فقد تضمن التشريع المحلي البحريني مثلا نصوصا تجرم تلك الأفعال وتقرر عقوبات مشددة علي مرتكبيها كما سعت لإقرار العديد من الوسائل العلمية الرادعة منها مايتعلق بوسائل المكافحة الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والقضائية. وبالتالي بدأت التجربة بتحرك الأجهزة التنفيذية والحكومة لوضع الإجراءات للمكافحة وخصوصا مايتعلق بالنساء والأطفال في محيط الجوانب التشريعية والأمنية والقضائية والاجتماعية والاقتصادية وأوضح رجال الفكر القانوني البحريني هذه المعالجة من ثلاثة محاور تضمن المحور الأول : الجوانب التشريعية والقضائية، ويشمل الجانب التشريعي توضيحا للاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية المتعلقة بمكافحة الاتجار بالأشخاص! أولا: الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي انضمت لها المملكة، فقد صادقت علي العديد من الاتفاقيات والمواثيق المتعلقة بحماية الإنسان من كافة أشكال الاستغلال المتنافية مع الكرامة الإنسانية ويمكن ذكر البعض منها علي النحو التالي : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد ونشر علي الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ديسمبر 1948 (العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بقرار الجمعية العامة 220 ألف (د - 21) المؤرخ في ديسمبر 1966. اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 لعام 1999 بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال. كما انضمت مملكة البحرين إلي العديد من الاتفاقيات العربية ذات الصلة بمكافحة الاتجار بالأشخاص كالميثاق العربي لحقوق الإنسان بالإضافة إلي الاتفاقيات الثنائية مع البلدان العربية في مجال تهريب الأشخاص والاتجار بالأطفال. ثانيا وفيما يخص التشريعات الوطنية فقد كان للمشرع البحريني دور بارز في المواجهة التشريعية لتجريم الاتجار بالأشخاص وتقرر عقوبات مشددة علي مرتكبي تلك الجرائم مستوعبا كافة الاتفاقيات والمواثيق المصادق عليها وتضمنها التشريع الوطني وفق التالي: دستور مملكة البحرين وقد تضمن العديد من مواده تقرير الحقوق العامة للإنسان مبلورا نصوص المواثيق الدولية والاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان مثل المواد (31,25,20,19,18) كما اهتم الدستور بالأمومة والطفولة والأسرة عموما وكفل لها الحماية اللازمة في المواد (7,5,4). كما أن هناك مرسوما بقانون رقم 15 لسنة 1976 الخاص بإصدار قانون العقوبات. وقد تضمن نصوصا تحرم أشكال الاتجار بالأشخاص وفرض عقوبات رادعة علي مركبي تلك الجرائم حتي وصلت العقوبة إلي السجن مدة لاتزيد عن عشر سنوات علي كل من يخطف شخصا لنفسه أو بواسطة غيره. أما ما يخص الأحكام القضائية فقد رسخت محكمة التمييز البحريني وهي أعلي محكمة في سلم القضاء العالي العديد من المباديء القضائية التي تصوغ وترسخ وتحفظ حقوق الإنسان. ويتضح من خلال هذا المبدأ تأكيد القضاء البحريني علي كفالة الحقوق الشخصية لطبقة العاملين الذين يكونون عادة الطبقة الموجهة ضدها جريمة الاتجار بالبشر بأنواعها المختلفة وأشكالها المتبانية. أما المحور المحور الثاني فتضمن الخطوات العملية التي قامت بها البحرين لمكافحة الاتجار بالأشخاص. في هذا الشأن قامت المملكة بالعديد من الإجراءات والخطوات الإيجابية العملية ومنها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية من خلال منظومة واحدة لمكافحة هذه الظاهرة المشئومة القديمة الجديدة وقد تلاحظ وجودأسباب كثيرة متعددة ومنها: أن الفقر هو الدافع المباشر وراء الاتجار بالأطفال ثم تأتي العوامل الاجتماعية فهي مؤثرة بصورة غير مباشرة في ظهور هذه الجريمة، ونظرا لكون المملكة من حيث الوضعية الجغرافية كونها تمثل أرخبيلا محاطا بمياه الخليج العربي من كل الجوانب مما يصعب عملية ضبط المنافذ ولو كانت صغيرة المساحة، لذا بذلت الحكومة جهودا كبيرة خاصة علي الصعيد الأمني. ومن تلك الجهود إنشاء شعب نسائية من قوات الشرطة نظرا لكون معظم ضحايا هذه الجريمة من النساء.. وتشديد الرقابة علي جميع المنافذ البرية البحرية الجوية.. وتشديد الرقابة علي الزواج من أجنبية أو العكس وذلك من خلال التأكد من هوية الأب وشخصيته وعلاقته الأسرية بالطفل بالإضافة إلي توقيعه علي تنازل عن حضانة الطفل لوالدته. أما علي مستوي الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، فقد تم تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص عبر قرار وزير الخارجية رقم 1 لسنة 2008 وتشكل اللجنة من عشرة أعضاء يمثلون الجهات الرسمية والمنظمات غير الحكومية وتعني هذه اللجنة بالمهام التالية: وضع برنامج بشأن منع ومكافحة الاتجار بالأشخاص وحماية ضحايا الاتجار بالأشخاص من معاودة إيذائهم. تشجيع ودعم إعداد البحوث والمعلومات والحملات الدعائية والمبادرات الاجتماعية والاقتصادية لمنع ومكافحة الاتجار بالأشخاص للتنسيق مع أجهزة الدولة فيما يتعلق بالمعلومات الخاصة بالاتجار. متابعة تنفيذ الجهات الحكومية المعنية للتوصيات والتوجيهات الواردة في الاتفاقيات والبروتوكولات ذات العلاقة بمكافحة الاتجار بالأشخاص ورفع تقرير بهذا الشأن إلي وزير الخارجية. التنسيق مع وزارة الداخلية لإعادة المجني عليه إلي موطنه الأصلي أو إلي محل إقامته في أي دولة أخري متي طلب ذلك. إنشاء هيئة تنظيم سوق العمل وتعني بكل شأن يتصل بالعمال الوافدين الأجانب وتوفيق أوضاعهم القانونية ومتابعة شئونهم باعتبارها هيئة مركزية لهذه الأعراض. وفي إطار جهود البحرين في مجال مكافحة الاتجار بالبشر فقد استضافت الاجتماع الدائم الثالث والثلاثين لاتحاد الحقوقيين العرب الذي شهد حضور وفد مصري رفيع المستوي برئاسة وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية د. مفيد شهاب رئيس اتحاد الحقوقيين المصريين، ود. صلاح زكي الأمين العام للاتحاد، عضو المكتب الدائم وقد خلصت المناقشة والحوار إلي مجموعة من التوصيات المطلوبة ليست للقضاء علي هذه المشكلة ولكن للحد منها بقدر الإمكان وأهمها: الاقتراح بتعديل مسمي القانون بأن يكون قانون الاتجار بالبشر وليس الأشخاص. وضرورة إنشاء مشروع وطني شامل واضح الملامح لحل هذه المشكلة بإشراك المنظمات غير الحكومية. كما نادت الآراء بأن توصي بضرورة إنشاء محكمة متخصصة في النظر في قضايا الحقوق والبت فيها بأحكام ملزمة ذات حجية قاطعة ولا يمنع أن تكون علي درجتي تقاضي. تأكيد دور وزارات الخارجية في زيادة عدد الدورات وورش العمل المتخصصة في الاتجار بالبشر.