بحيرة المنزلة التي تعد أكبر بحيراتنا الشمالية وأهمها تعاني أشد المعاناة من التلوث والاعتداءات.. كما يعاني آلاف الصيادين الذين يعيشون علي ضفافها أوضاعا اجتماعية وإنسانية متردية فلا توجد رعاية صحية والأمراض تفتك بهم مما يجعلهم في كثير من الأحيان غير قادرين علي العمل في هذه المهنة الشاقة والجري وراء رزقهم. هذه هي الانطباعات المؤلمة التي توصلت إليها لجنة الزراعة والري التابعة لمجلس الشوري برئاسة د.حسين حجازي خلال زيارتها الميدانية لبحيرة المنزلة ومدينتي المطرية والمنزلة. قامت اللجنة يرافقها د.محمد فتحي رئيس هيئة الثروة السمكية والمهندس عبدالخالق عطية وكيل وزارة الزراعة بالدقهلية وعدد من القيادات الشعبية والتنفيذية والأمنية بجولة داخل البحيرة علي ظهر أحد اللنشات.. ويبدو أن هذا اللنش أصر أن يذكرنا بواحدة من أهم المشاكل التي تعاني منها البحيرة وهي ضحالة قاع البحيرة بسبب مياه الصرف الزراعي والصحي والصناعي التي تتدفق عليها من المصارف القادمة من المحافظات الثلاثة المطلة عليها وهي الدقهلية ودمياط وبورسعيد فما كدنا نتعمق حوالي 3 كيلو مترات في البحيرة حتي توقفت ماكينات اللنش لأن الرفاصات غاصت في طين قاع البحيرة إلي أن جاء لنش آخر وساعده علي التحرك من مكانه بعد أن احتبست أنفاسنا. والغريب بل الخطير في الأمر أن بحيرة المنزلة ليس لها صاحب فالزراعة تقول إنها غير مسئولة عنها وكذلك الري والبيئة والثروة السمكية تشتكي بأنه ليس لديها إمكانيات مادية لأعمال الصيانة والتطوير في البحيرة ولذلك فقد تعرضت البحيرة لعمليات سطو غير مشروعة من عصابات مافيا الأراضي وتقلصت مساحتها من 750 ألف فدان إلي 95 ألف فدان الآن. وبرغم الجهود المضنية التي تبذلها قوات المسطحات المائية إلا أن هذه العصابات بما لها من سطو مازالت تزاول عملياتها الإجرامية للاستيلاء علي مساحات شاسعة من بحيرة المنزلة يساعدها في ذلك كميات ورد النيل الهائلة والحشائش التي تنساب إلي البحيرة مع مياه الصرف الزراعي المتكون من مختلف المحافظات المطلة علي البحيرة. ولقد أثبتت التحاليل المعملية تلوث مياه البحيرة بدرجة عالية بسبب تدفق مياه الصرف الصناعي إليها بدون حسيب أو رقيب.. كما أن ضحالة قاع البحيرة وتكوين الحشائش ونبات ورد النيل يحدان كثيرا من قدرات البحيرة علي تغيير مياهها وإتاحة فرصة أفضل لإنتاج كميات هائلة من الأسماك يمكن أن تساهم بدرجة كبيرة في حل مشكلة البروتين التي تعاني منها البلاد مع الأخذ في الاعتبار رخص سعر البروتين السمكي الذي يعد بحق غذاء الفقراء. غير أن أهم المشاكل التي تعاني منها بحيرة المنزلة مثلها مثل البحيرات الشمالية الأخري هو انسداد فتحات البواغيز التي تطل علي البحر الأبيض المتوسط بسبب ارتفاع منسوب قاع البحيرة كما سبق أن ذكرنا وعدم إمكانية تدفق مياه البحر المالحة إلي داخل البحيرة حيث يؤكد الخبراء وكذلك أبناء البحيرة من الصيادين أن المياه المالحة تساهم بدرجة كبيرة في القضاء علي الحشائش ونبات ورد النيل وتحسن من نوعية مياه البحيرة باستمرار وهو ما يخلق بيئة مناسبة وجيدة لتربية الأسماك بكميات هائلة أضعاف أضعاف المنتجة حاليا كما يساعد في تدفق مياه البحر إلي البحيرة علي دخول نوعيات جيدة من الأسماك التي تعيش في البحار مثل الجمبري والحنشان وهي النوعيات التي اختفت تماما من البحيرة في السنوات الأخيرة. ويؤكد الخبراء أن الأمر لا يحتاج سوي مجموعة من النشاطات العملاقة لتعميق مداخل البوغازات بصفة مستمرة مما يؤدي إلي تدفق مياه البحر إلي داخل البحيرة وكذلك مجموعة من الحفارات البرمائية التي تجوب البحيرة طوال العام لتعمقها وتنظيفها من الحشائش ونبات ورد النيل. وإذا كان الاتجاه في السنوات الأخيرة يسير نحو تجفيف مناطق من البحيرات وتحويلها إلي أرض زراعية فإن الأمر قد تغير الآن بسبب ارتفاع اقتصاديات مزارع الأسماك عن مثيلاتها الزراعية وهو ما يدعونا إلي العمل علي تطوير بحيرة المنزلة والبحيرات الأخري لرفع كفاءتها الإنتاجية وتحسين نوعيات الأسماك بها. كما أنه ينبغي توجيه الرعاية الاقتصادية والإنسانية والصحية اللازمة لصغار الصيادين وعمال الصيد وذلك نظرا للمخاطر التي يتعرضون لها والظروف الصعبة التي يعيشونها.. علما بأن كل ذلك سيؤدي بالتأكيد إلي زيادة الإنتاج وارتفاع الإنتاجية وهو ما سيسود في النهاية لصالح الاقتصاد القومي وتلبية احتياجات المواطنين من البروتين السمكي وفي نفس الوقت فإنه لابد من التصدي لهذه الكتلة المنحرفة من الصيادين التي تقوم بصيد الزريعة والاتجار فيها.