أوضحت الدكتورة كوثر محمود نقيب التمريض أن هناك العديد من الصعوبات التي تواجه المهنة في مصر، تبدأ من تجاهل الحكومة لمطالب هيئات التمريض وحقوقهم. مؤكدة في حوارها ل»آخر ساعة» أن الأوضاع المالية الهزيلة للممرضين والممرضات في المستشفيات الحكومية، جعلت هذا القطاع طاردًا لهم وساهمت في هروبهم إلي القطاع الخاص، ما سبب عجزًا في بعض المستشفيات. • ما الأوضاع الراهنة لهيئات التمريض لدينا؟ - بالطبع هناك العديد من التحديات والأزمات المُزمنة التي تواجه مهنة التمريض في مصر، رغم أن التمريض يغطي حوالي 70% من الخدمات الصحية في المستشفيات تصل إلي 90% في بعض المناطق. حيث تتجاوز أعداد هيئات التمريض 200 ألف مُمرض وممرضة، ما يجعلها تُمثل العمود الفقري للمنظومة الصحية. وهذه التحديات لن تتغير طالما استمر موقف الحكومة ممثلة في وزارة المالية من التمريض، والتي تنظر للمُمرضين علي أنهم »صف ثاني»، وتتعامل مع مطالبنا علي أنها مطالب فئوية. خاطبنا وزارة المالية عشرات المرات للحصول علي حقوقنا لكن لم نجد أي استجابة. منذ سنوات ونحن نُطالب برفع بدل العدوي للتمريض، والذي لا يتعدي 16 جنيهاً شهريًا. مع أن هيئات التمريض هم الأكثر تعرضًا لخطر العدوي، وذلك لطول فترات عملهم في المستشفيات، كما أنهم الأكثر اختلاطًا بالمرضي. وبالفعل هناك عدد من الممرضات أُصبن بفيروس» ، ورغم ذلك لم يلتفت المسئولون إلي القضية. ما دفعنا إلي رفع دعوي قضائية لزيادة البدل إلي 3500 جنيه شهريًا. ما آخر تطورات هذه الدعوي القضائية؟ - القضية حاليًا في مجلس الدولة وننتظر أن يتم البت فيها. إلا أنني أريد أن أوضح أن حقوقنا المُهدرة لا تقتصر علي ذلك. فلا يُعقل أن يتقاضي اليوم أفراد هيئات التمريض في المستشفيات الحكومية 12 جنيها، مُقابل نوبتجية العمل التي تصل إلي 12 ساعة، أي أنهم يتقاضون جنيهاً واحداً في الساعة وهذا أمر غير منطقي ولا يُمكن أن يستمر. لذا لن يدوم صمت المُمرضين طويلاً علي تجاهل حقوقهم، وأُحذر من انفجار النقابة حال استمر التجاهل علي هذا النحو. ويجب أن أوضح أيضًا أن ما تردد عن زيادة ساعات النوبتجية للتمريض إلي 18 ساعة غير صحيح، فلم يصدر من وزارة الصحة أي قرار بذلك. وفي كل الحالات هذا الأمر غير مقبول ولن نسمح بذلك، فجميع التقارير الدولية في هذا الصدد أوضحت أن العمل لأكثر من 12 ساعة، يؤثر علي التركيز ما يزيد من احتمالية وقوع أخطاء مهنية. وبشكل عام الأوضاع المالية الهزيلة للممرضين والممرضات في المستشفيات الحكومية، جعلت هذا القطاع طاردًا لهم وساهمت في هروبهم إلي القطاع الخاص أو للعمل في الخارج. هل تسبب ذلك في حدوث عجز بالمستشفيات الحكومية؟ - هذه الأوضاع بالتأكيد أسهمت في حدوث عجز في أعداد هيئات التمريض بالمستشفيات الحكومية ببعض المحافظات، ومنها محافظاتالأقصر وأسوان ومرسي مطروح والبحر الأحمر، حيث يُقدّر هذا العجز بتسعة آلاف مُمرضة، غير أن سوء التوزيع الداخلي لهيئات التمريض علي مستوي بعض المحافظات ساهم في ذلك أيضًا. وهو ما يمتد إلي عملية التوزيع داخل المستشفيات نفسها، فنجد زيادة في أعداد التمريض ببعض الأقسام مثل العيادات الخارجية والأقسام الداخلية، بينما تُعاني أقسام الرعاية المركزة والحضّانات من نقص التمريض. وهذا العجز يُعد من أكبر التحديات التي تواجه القطاع الصحي. كيف تتعامل النقابة مع الأخطاء المهنية التي يُمكن أن تقع من جانب التمريض؟ - أولاً يجب أن نُفرّق بين حالات الإهمال والأخطاء المهنية. فلا ننكر أن هناك سلبيات وأخطاء يتم ارتكابها، إلا أنها تظل أقل بكثير من أخطاء الأطباء، لطبيعة المهام التي تقوم هيئات التمريض بتنفيذها، والتي تقل أوجه الخطورة فيها عن مهام الأطباء المُتضمنة عمليات التخدير والتدخلات الجراحية وغيرها. ولكن في جميع الحالات لا نتهاون مع أي إهمال أو خطأ يتم ارتكابه من جانب التمريض، حيث تضم النقابة لجنة للتأديب تتولي مسئولية عملية التحقيق والمُساءلة، كما توجد بجميع المستشفيات لجان لمراقبة مؤشرات العمل جودة الخدمات المُقدّمة من قِبَل الفريق الصحي. إلا أن الكارثة الحقيقية تكمن في الدخلاء علي المهنة الذين يُمارسونها دون ترخيص ما يُعرض حياة المرضي للخطر. كيف تسمح المستشفيات بوجود الدخلاء علي المهنة؟ - لا يحدث ذلك إلا علي مستوي بعض المستشفيات الخاصة، التي تلجأ للأسف إلي تشغيل هؤلاء الدخلاء لانخفاض الأجور التي يتلقونها، وبالطبع لا يُمكن للمريض في هذه الحالة أن يُفرّق بين المُمرض الحقيقي والوهمي. وهذه الجريمة تتم من خلال مراكز تدريب وهمية غير مُرخصة، تقوم بتدريب الملتحقين بها علي الإسعافات الأولية وبعض أساسيات التمريض، وتُمارس النصب عليهم من خلال إيهامهم بأن شهادات التدريب التي تُقدّمها مُعتمدة. إلا أن إدارة العلاج الحر بوزارة الصحة تتبعها، وقامت بالفعل بإغلاق أحد هذه المراكز بمحافظة الشرقية. وبدورنا قُمنا بإبلاغ النائب العام والمجلس الأعلي للجامعات بالوقائع التي وصلت إلينا. لذا نحتاج إلي مزيد من الرقابة علي مستشفيات القطاع الخاص. وهذا يزيد من أهمية قانون مزاولة المهنة الجديد في تنظيم مهنة التمريض بشكلٍ كبير، والذي نُطالب بسرعة إقراره من مجلس الدولة. حيث يحوي مُميزات عدّة لم تكن موجودة في القانون السابق، أهمها إقرار إعادة ترخيص مزاولة المهنة كل خمس سنوات بناء علي تقييم مستوي المُمرض وكفاءته، كما يُغلق الباب أمام الدخلاء علي المهنة وغير المرخصين للعمل بها. ونعمل حاليًا أيضًا علي تنفيذ خطة مُتكاملة لتطوير مسارات وأنظمة التعليم الخاصة بمهنة التمريض. حدثينا عن هذه الخطّة. - هذه الخطة تقوم علي تطوير المناهج الدراسية في الكليات والمدارس والمعاهد الفنية الصحية، وتحديث إمكانيات هذه المعاهد، ورفع كفاءة القائمين علي العملية التعليمية وتنمية مهاراتهم. كما فعّلنا برنامجًا جديدًا يُتيح للمُمرضات القدامي الحاصلات علي دبلوم، إكمال الدراسة لمدة سنة ونصف في المعاهد الفنية، علي أن تعقبها سنتين ونصف السنة للحصول علي درجة البكالوريوس والماجستير التقني، ما يُسهم في النهوض بمستوي هيئات التمريض الذي يدعمه. غير تفعيل نظام جديد للتدريب المهني لخريجي هذه المعاهد والكليَات والذين تتجاوز أعدادهم عشرة آلاف خريج سنويًا. فلدينا 12 معهدًا فنيًا للتمريض علي مستوي الجمهورية، و300 مدرسة بنظام الخمسة سنوات وقمنا بالفعل بتدريب أكثر من 35 ألف مُمرضة. كما شاركنا للمرة الأولي كأعضاء في المجلس العربي للاختصاصات الصحية، الذي يهدف إلي تحسين الخدمات الصحية في الوطن العربي. إلا أننا نحتاج دعمًا كبيرًا من الدولة، ويجب أن يلتفت المسئولون إلي تجارب الدول التي تعمل علي رفع كفاءة الفرق الصحية لديها بما فيها هيئات التمريض. فالفلبين علي سبيل المثال تُغذي المستشفيات علي مستوي العالم بآلاف المُمرضات سنويًا، ما ينعكس بشكلٍ إيجابي علي دعم اقتصادها بتوفير العُملة الصعبة. هل تغيّرت نظرة المجتمع لمهنة التمريض؟ - يمكن القول بأن النظرة السلبية للمجتمع تجاه المهنة تغيّرت إلي حدِ ما، بدليل زيادة الإقبال علي الالتحاق بكليات التمريض خلال الفترة الحالية. ولكن للأسف ما زالت النظرة الضيقة التي تحمل الكثير من المغالطات موجودة. وساهم في ذلك موقف الحكومة من هذه المهنة. كما ساهمت في خلق هذه النظرة الصورة السلبية في وسائل الإعلام وبعض المضامين الدرامية والإعلامية، إلا أننا تصدينا بحسم لبعض الأعمال الفنية المُسيئة للمهنة ورفعنا دعاوي قضائية ضد بعضها. هل لذلك علاقة بالتعديات التي تواجهها بعض المُمرضات؟ - حالات التعدي التي تحدث من جانب الأهالي يُسهم في وقوعها بالأساس، الظروف الصعبة التي تعمل فيها المُمرضات في ظل عدم توافر الامكانيات الكافية في المستشفيات وبسبب غياب الأطباء في بعض الأحيان، ما يجعل الممرضة بحكم أنها الأكثر تعاملاً وتواجدًا مع المرضي تتحمّل غضب الجمهور. هذه التعديات قلت بشكل كبير نظرًا لتزويد أقسام الطوارئ بالمستشفيات بكاميرات مُراقبة. إلا أننا طالبنا وزارة الداخلية بتوفير مزيد من الحماية للفرق الصحية، عن طريق تفعيل مزيد من نقاط الشرطة وشركات الأمن بالمستشفيات.